قالت هيومن رايتس ووتش اليوم إن قوات الأمن العراقية ومليشيات موالية للحكومة قامت على ما يبدو بإعدام ما لا يقل عن 255 سجيناً في ست مدن وقرى عراقية دون وجه حق منذ 9 يونيو/حزيران 2014. تمت عمليات الإعدام، في جميع الحالات عدا واحدة، أثناء فرار المقاتلين من الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) وغيرها من الجماعات المسلحة. وتنتمي الأغلبية الساحقة من أفراد قوات الأمن والمليشيات إلى الطائفة الشيعية، بينما كان السجناء المقتولين من السنة، وكان ثمانية منهم على الأقل صبية دون الثامنة عشرة. وقد تمثل عمليات القتل الجماعي خارج إجراءات القضاء أدلة على جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية، ويبدو أنها تمت انتقاماً من فظاعات داعش، الجماعة السنية المتطرفة التي انتزعت في الشهور الأخيرة مساحات كبيرة من الحكومة المركزية ذات القيادة الشيعية. قامت داعش، التي غيرت اسمها في 30 يونيو/حزيران إلى الدولة الإسلامية، بإعدام عشرات الجنود الأسرى، وأفراد المليشيات الشيعية، وأعضاء الأقليات الدينية الشيعية، ميدانياً دون محاكمات في المناطق الخاضعة لسيطرتها. قال جو ستورك، نائب المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: "يعد قتل السجناء مخالفة صارخة للقانون الدولي. وبينما يشجب العالم، عن حق، ما ترتكبه داعش من فظاعات، إلا أن عليه ألا يغضي الطرف عن نوبات القتل الطائفي التي ترتكبها القوات الحكومية والموالية لها". وقالت هيومن رايتس ووتش إنه يتعين على لجنة دولية لتقصي الحقائق أو آلية مشابهة أن تحقق في الانتهاكات الجسيمة لقوانين الحرب والقانون الدولي لحقوق الإنسان من جانب كافة أطراف النزاع العراقي، بما فيها القوات الحكومية والمليشيات الموالية للحكومة وداعش والقوات المرتبطة بها. كما ينبغي للتحقيق أن يتمتع بالتفويض اللازم لإثبات الحقائق وتحديد المسؤولين عن الانتهاكات الجسيمة بهدف ضمان محاسبتهم. وعلى التحقيق أن يجمع ويحفظ المعلومات المتعلقة بالانتهاكات لاستخدامها مستقبلاً من جانب المؤسسات القضائية. وثقت هيومن رايتس ووتش خمسة مذابح لسجناء بين 9 و21 يونيو/حزيران في الموصل وتلعفر بمحافظة نينوى، وبعقوبة وجمرخي بشرق محافظة ديالى، وراوة في غرب محافظة الأنبار. وفي كل هجمة كانت أقوال الشهود وأفراد قوات الأمن ومسؤولي الحكومة تشير إلى قيام جنود من الجيش أو الشرطة العراقيين، أو من مليشيات شيعية موالية للحكومة، أو تشكيلات من الثلاثة، بإعدام السجناء دون محاكمات بإطلاق الرصاص عليهم في كافة الحالات تقريباً. في حالة واحدة قام القتلة أيضاً بإشعال النار في عشرات السجناء، وفي حالتين ألقوا بقنابل يدوية داخل الزنازين. قال أكثر من عشرة من السكان والنشطاء في مناطق الهجمات ل هيومن رايتس ووتش إنهم يعتقدون أنه مع شروع داعش في إطلاق سراح السجناء السنة في مناطق أخرى أثناء زحفها جنوباً، قامت قوات الأمن والمليشيات العراقية بقتل السجناء لمنعهم من الانضمام إلى التمرد، إضافة إلى الانتقام من قتل داعش لجنود الحكومة الأسرى. ويعد قتل المحتجزين أثناء نزاع مسلح جريمة حرب، وإذا تم على نطاق واسع أو على نحو ممنهج، كسياسة حكومية، فإنه يعد جريمة ضد الإنسانية. وكانت الحكومة العراقية قد أنكرت في الماضي مزاعم تفيد بأنها أعدمت السجناء دون محاكمات. لم يرد وزيرا الدفاع والداخلية على مطالبات هيومن رايتس ووتش بالتعليق على الحالات الخمس التي وثقتها. أجرت هيومن رايتس ووتش مقابلات شخصية أو هاتفية مع أكثر من 35 شخصاً بشأن الهجمات الخمس، وقد ضم هؤلاء شهوداً وأقارب للقتلى، ومسؤولين أمنيين وحكوميين آخرين، ونشطاء محليين. وكان كثيرون قد فروا من بيوتهم واشترطوا حجب هويتهم للتحدث معنا، مخافة التنكيل من القوات الحكومية. كما راجعت هيومن رايتس ووتش مقاطع فيديو وصوراً فوتوغرافية وتقارير إعلامية لوقائع القتل. أفادت وكالة أنباء "رويترز"، نقلاً عن مصادر شرطية، بأن الشرطة في هجمة سادسة، يوم 23 يونيو/حزيران بمحافظة بابل بوسط العراق، أعدمت 69 سجيناً في زنازينهم بمدينة الحلة قبل نقل الجثث إلى بغداد في موعد لاحق من نفس اليوم. وكانت الحكومة تقاتل جماعات سنية مسلحة في الأنبار منذ الأول من يناير/كانون الثاني. استولت داعش وجماعات سنية مسلحة أخرى على الموصل، ثاني أكبر المدن العراقية وعاصمة محافظة نينوى، في 10 يونيو/حزيران، ثم زحفت على مناطق أخرى بعرض العراق. وقد تم اعتقال أغلبية السجناء المقتولين في الهجمات الخمس بموجب المادة 4 من قانون مكافحة الإرهاب العراقي، لكن الاتهام لم يتوجه إليهم بأية جريمة. وقد استمر سجن بعضهم لشهور، بينما تم احتجاز آخرين بعد قليل من بدء استيلاء داعش على الموصل في 9 يونيو/حزيران. في الهجمة الأولى، ليلة 9 يونيو/حزيران، قام حراس السجن بنقل 15 سجيناً سنياً من زنازينهم في سجن مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة، في قلب الموصل، بحسب إفادة سجين سابق لقناة "سي إن إن". في ما بعد قال السجين ل هيومن رايتس ووتش إن الرجال كانوا سنيين من أقلية التركمان. ونقلت منظمة العفو الدولية عن سجين ثان قوله إن الحراس نقلوا 13 سجيناً وإنه سمع طلقات نارية بعد ذلك. بعد وقت قصير، بحسب السجينين، قام أحد حراس السجن بإلقاء قنبلة يدوية داخل إحدى الزنازين. وقال السجين الذي تحدث مع منظمة العفو الدولية إن ستة سجناء قتلوا في الاعتداء بالقنبلة اليدوية. وبعد يومين اكتشف سكان الموصل 15 جثة في طور التحلل لرجال مقتولين بطلقات نارية، ومقيدي الأيدي ومعصوبي الأعين في بعض الحالات، بالقرب من مخزن مهجور للبطاطا في الموصل، كما قال اثنان من السكان والسجين الذي تحدث مع هيومن رايتس ووتش. قال ذلك السجين إنه ذهب إلى الموقع وتعرف على اثنين من زملائه السجناء وكانا ضمن الرجال ال15 الذين تم اقتيادهم على أيدي حراس السجن. في إحدى الهجمات التالية، يوم 16 يونيو/حزيران في تلعفر على بعد 50 كيلومتراً غربي الموصل، قام 3 أو 4 مسلحين، قال شهود إنهم من رجال المليشيات الشيعية، بفتح النار من بنادق هجومية وأسلحة أخرى داخل 4 زنازين بسجن مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة بتلك المدينة. وقال شهود، ومسؤولون حكوميون محليون، ونشطاء محليون من المجتمع المدني ل هيومن رايتس ووتش إن الهجمة تسببت في قتل ما لا يقل عن 51 سجيناً. وقع الاعتداء قبل الفجر، بينما كانت داعش تستعد للاستيلاء على تلعفر، وضمت صفوف القتلى ثلاثة صبية مراهقين، بحسب أقوالهم. ويعد سجن مكافحة الإرهاب بتلعفر فرعاً من سجن مكافحة الإرهاب بالموصل، كما قال مسؤول حكومي محلي. ويتبع الاثنان وزارة الداخلية، التي يقوم بعمل وزيرها رئيس الوزراء نوري المالكي. في الليلة نفسها، بحسب مصادر شرطية وحكومية، تم قتل 43 محتجزاً داخل مخفر الوحدة بالقرب من بعقوبة، عاصمة محافظة ديالى على بعد 50 كيلومتراً إلى الشمال الشرقي من بغداد. وقالت مصادر شرطية ل هيومن رايتس ووتش إن السجناء قتلوا جراء النيران المتبادلة أثناء هجمة لداعش على السجن، لكن مسؤولين محليين آخرين من الحكومة المدنية قالوا إن حراس السجن وأفراد مليشيات شيعية هم من قتلوا السجناء. قال عضو فريق طبي بمستشفى بعقوبة العام، الذي قام أوائل المستجيبين بنقل جثث السجناء إليه، قال ل هيومن رايتس ووتش إنه شاهد 43 جثة، وكانوا جميعاً مقتولين بالرصاص في الرأس على طريقة الإعدام، كما كانت أطرافهم مكسورة بحسب قوله. توفي محتجز آخر، هو أحمد زيدان، الناجي الوحيد المعروف، في اليوم التالي بعد ساعة من قيام الشرطة بأخذه من المستشفى الذي كان يعالج به. قال عضو الفريق الطبي إن الشرطة جاءت لأخذ زيدان بعد قليل من تصريحه لعامر المجمعي محافظ ديالى، من على سرير المستشفى، بأن حراس السجن ومليشيات شيعية هم الذين نفذوا الهجوم. وقال عضو الفريق الطبي إن زيدان كان ميتاً حين أعادته الشرطة. وقال إنه شاهد جروح طلقات نارية ببطن زيدان وساقيه، ولم تكن تلك الجروح موجودة قبل أخذه من المستشفى. في صباح 17 يونيو/حزيران قام أفراد مليشيات شيعية موالية للحكومة بقتل ما لا يقل عن 43 سجيناً داخل قاعدة للجيش في قرية جمرخي، في ديالى أيضاً. وكان ثلاثة منهم على الأقل صبية، بحسب رجل شاهد الجثث وكذلك أحد جنود القاعدة. كان الجميع من السنة الذين اعتقلتهم قوات عراقية قبل أسبوع أو 10 أيام من جمرخي والقرى المحيطة، وقد أحرقوا جميعاً حتى الموت أو قتلوا بالرصاص، بحسب قولهم. وفي راوة، يوم 21 يونيو/حزيران، قام جنود من قيادة عمليات الجزيرة والبادية التي تشرف على العمليات العسكرية للحكومة العراقية في محافظة الأنبار، بقتل 25 سجيناً وجرح 3 آخرين كانوا يحتجزونهم في قاعدتهم العسكرية، بحسب أحد سكان راوة الذي عثر على الجثث في السجن بعد قليل من الواقعة وتحدث مع الناجين الثلاثة. قال له الناجون إن الشرطة قتلت السجناء، بحسب قوله، وكان اثنان منهم صبيين عمرهما 12 و16 عاماً. بعد يومين، في 23 يونيو/حزيران، تم قتل 69 سجيناً في الحلة، بحسب أرقام زودت بها مصادر شرطية وكالة أنباء رويترز. قال محافظ الحلة لرويترز إن السجناء قتلوا فيما كانت الشرطة تنقلهم من أحد سجون الحلة إلى سجن آخر في بغداد، حين قام متشددون مسلحون معارضون بالهجوم على القافلة. لكن مصادر شرطية قالت لرويترز إن الشرطة أعدمت الرجال دون محاكمات داخل زنازينهم بسجن الحلة. تحدثت هيومن رايتس ووتش مع 16 من السكان، واثنين من النشطاء الحقوقيين المحليين، و10 من مسؤولي الحكومة المحليين. وقال المطلعون على الوقائع إن مليشيات من فيلق بدر الذي يتزعمه وزير النقل هادي العامري متورطة في الهجمات على السجناء في تلعفر وجمرخي، وإن عصائب أهل الحق، المليشيا الشيعية القوية الموالية للحكومة والتي تنشط في مناطق بغداد المحيطة بمقرات الحكم وفي ديالى، قامت بدورها بتنفيذ عمليات القتل في جمرخي وسهلت للشرطة عمليات قتل السجناء في بعقوبة. وينبغي للتحقيق الدولي في انتهاكات قوانين الحرب والقانون الدولي لحقوق الإنسان، من جانب كافة أطراف النزاع العراقي، أن يتضمن فحصاً لما إذا كانت قوات الأمن العاملة مع مليشيات موالية للحكومة قد قتلت السجناء استباقياً. قالت هيومن رايتس ووتش إن على الولاياتالمتحدة وغيرها من الدول الضالعة في العراق أن توقف مساعداتها العسكرية لحكومة المالكي حتى تتخذ خطوات ملموسة لوقف الجرائم من قبيل قتل السجناء. وعلى المالكي أيضاً أن يقيل ويلاحق كافة القادة المتورطين في تلك المذابح، بحسب هيومن رايتس ووتش، فقتل السجناء، حتى الذين كانوا محاربين منهم، هو جريمة حرب. قال جو ستورك: "في كل حالة حققت فيها هيومن رايتس ووتش، تشير الشهادات التي سمعناها مباشرة إلى قيام قوات الأمن العراقية والمليشيات الموالية للحكومة بذبح رجال أسرى بأعداد كبيرة، فيما كانت داعش والمقاتلون المتحالفون معها يستعدون للاستيلاء على المنطقة. وهذه ليست أفعال قائد مارق مطلق اليد بل إنها تبدو كحملة واسعة النطاق لقتل السجناء السنة بدم بارد".