رئيس الحكومة يودع الرئيس الصيني في ختام زيارته للمغرب        مجلس المنافسة يفرض غرامة ثقيلة على شركة الأدوية الأميركية العملاقة "فياتريس"    MP INDUSTRY تدشن مصنعا بطنجة    أمريكا تجدد الدعم للحكم الذاتي بالصحراء    تعيينات جديدة في المناصب الأمنية بعدد من المدن المغربية منها سلا وسيدي يحيى الغرب    بينهم من ينشطون بتطوان والفنيدق.. تفكيك خلية إرهابية بالساحل في عملية أمنية مشتركة بين المغرب وإسبانيا    جمهورية بنما تقرر تعليق علاقاتها الدبلوماسية مع 'الجمهورية الصحراوية' الوهمية        مندوبية التخطيط :انخفاض الاسعار بالحسيمة خلال شهر اكتوبر الماضي    "أطاك": اعتقال مناهضي التطبيع يجسد خنقا لحرية التعبير وتضييقا للأصوات المعارضة    حكيمي في باريس سان جيرمان حتى 2029    لتعزيز الخدمات الصحية للقرب لفائدة ساكنة المناطق المعرضة لآثار موجات البرد: انطلاق عملية 'رعاية 2024-2025'    هذا ما قررته المحكمة في قضية رئيس جهة الشرق بعيوي    فاطمة الزهراء العروسي تكشف ل"القناة" تفاصيل عودتها للتمثيل    مجلس الحكومة يصادق على تعيين إطار ينحدر من الجديدة مديرا للمكتب الوطني المغربي للسياحة    المحكمة الجنائية الدولية تنتصر للفلسطينيين وتصدر أوامر اعتقال ضد نتنياهو ووزير حربه السابق    الرابور مراد يصدر أغنية جديدة إختار تصويرها في أهم شوارع العرائش    طبيب ينبه المغاربة لمخاطر الأنفلونزا الموسمية ويؤكد على أهمية التلقيح    مواجهات نارية.. نتائج قرعة ربع نهائي دوري الأمم الأوروبية    ولد الرشيد: رهان المساواة يستوجب اعتماد مقاربة متجددة ضامنة لالتقائية الأبعاد التنموية والحقوقية والسياسية    توقعات أحوال الطقس غدا السبت    قانون حماية التراث الثقافي المغربي يواجه محاولات الاستيلاء وتشويه المعالم    المنتخب الليبي ينسحب من نهائيات "شان 2025"    الأنفلونزا الموسمية: خطورتها وسبل الوقاية في ضوء توجيهات د. الطيب حمضي        تفكيك شبكة تزوير وثائق السيارات بتطوان    زَمَالَة مرتقبة مع رونالدو..النصر السعودي يستهدف نجماً مغربياً    التنسيقية الوطنية لجمعيات الصحافة الرياضية بالمغرب تدعو الزملاء الصحافيين المهنيين والمنتسبين للتوجه إلى ملعب "العربي الزاولي" لأداء واجبهم المهني    لأول مرة في تاريخه.. "البتكوين" يسجل رقماً قياسياً جديداً    ما صفات المترجِم الناجح؟    خليل حاوي : انتحار بِطَعْمِ الشعر    الغربة والتغريب..    كينونة البشر ووجود الأشياء    الخطوط الملكية المغربية وشركة الطيران "GOL Linhas Aéreas" تبرمان اتفاقية لتقاسم الرموز    المجر "تتحدى" مذكرة توقيف نتانياهو    بتعليمات ملكية.. ولي العهد يستقبل رئيس الصين بالدار البيضاء    بنما تقرر تعليق علاقاتها الدبلوماسية مع "الجمهورية الصحراوية" الوهمية    القانون المالي لا يحل جميع المشاكل المطروحة بالمغرب    العربي القطري يستهدف ضم حكيم زياش في الانتقالات الشتوية    مفتش شرطة بمكناس يستخدم سلاحه بشكل احترازي لتوقيف جانح    "سيمو بلدي" يطرح عمله الجديد "جايا ندمانة" -فيديو-    رابطة السلة تحدد موعد انطلاق الدوري الأفريقي بالرباط    وهبي: مهنة المحاماة تواجهها الكثير من التحديات    لَنْ أقْتَلِعَ حُنْجُرَتِي وَلَوْ لِلْغِناءْ !        تجدد الغارات الإسرائيلية على ضاحية بيروت الجنوبية عقب إنذارات للسكان بالإخلاء    تفكيك خلية إرهابية لتنظيم "داعش" بالساحل في عملية مشتركة بين المغرب وإسبانيا    الولايات المتحدة.. ترامب يعين بام بوندي وزيرة للعدل بعد انسحاب مات غيتز    جامعة عبد الملك السعدي تبرم اتفاقية تعاون مع جامعة جيانغشي للعلوم والتكنولوجيا    وفاة شخصين وأضرار مادية جسيمة إثر مرور عاصفة شمال غرب الولايات المتحدة    أول دبلوم في طب القلب الرياضي بالمغرب.. خطوة استراتيجية لكرة القدم والرياضات ذات الأداء العالي    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كيف يدير البغدادي الخلافة الإسلامية

نشرت صحيفة «التلغراف» البريطانية، تحقيقاً عن إدارة دولة «الخلافة الإسلامية»، التي أعلنها أبو بكر البغدادي، والذي نصّب نفسه خليفة للمسلمين.
وذكرت أن «الجيش العراقي عثر، أثناء تفتيش منزل عضو تنظيم الدولة الإسلامية، على وثائق تحوي تفاصيل دقيقة عن الهيكل التنظيمي للخلافة المزعومة». ولفتت الى أنه «خلافاً للقياديين السابقين، مثل أبو مصعب الزرقاوي، الذين عملوا على مركزية القيادة، فقد عيّن البغدادي نائباً له لإدارة كل شيء، بدءاً بالمخازن العسكرية، مروراً بالهجمات بالقنابل، وصولاً الى الشؤون المالية للخلافة».
وكشف المحلّل الأمني، هشام الهاشمي، الذي اطّلع على الوثائق، أن «البغدادي هو الراعي، ونوابه يحرسون الدولة الإسلامية، وقوة الراعي تأتي من قوة حراسه». واعتبر أن «المعلومات التي عُثر عليها في منزل رئيس أركان جيش البغدادي في العراق، أبو عبد الرحمن البيلوي، والذي لقي مصرعه أثناء غارة عسكرية، تكشف عن وجود نائبين رئيسيين يديران الدولة الإسلامية، في سورية والعراق على التوالي».
وجاء في الوثائق أنه «خلافاً للبغدادي، فإن هؤلاء الرجال كانوا يحتلّون سابقاً، مناصب كبيرة في الجيش العراقي، ومدرّبين جيداً. فأبو علي النباري، الذي يتولى إدارة العمليات في سورية، كان جنرالاً في الجيش العراقي، أيام الرئيس العراقي المخلوع، صدام حسين، أما أبو مسلم التركماني، فقد كان لواء في الاستخبارات العسكرية العامة، كما عمل كضابط في القوات الخاصة». وطبقاً للهاشمي، فإن «هؤلاء الرجال هم القوة الكامنة وراء جبروت أبو بكر البغدادي، وهم الأشخاص الرئيسيون وراء بقائه في السلطة».
وكشفت الوثائق عن مدى تطور التنظيم الجهادي، حتى وصل الى إعلان دولة خاصة به. فالنباري والتركماني، أرسيا تسلسلا هرمياً واضحاً للرجال الذين يعملون تحت قيادتيهما، ويؤدون دور «محافظي المقاطعات المحلية» في دولة الخلافة الجديدة.
ففي وقت سابق من هذا الشهر، وخلال الأيام الأولى من رمضان، أعلن البغدادي أن «مساحات شاسعة من الأراضي التي تسيطر عليها قواته، باتت تابعة لدولة الخلافة الإسلامية الجديدة». وخلال السنوات الثلاث الماضية، أي منذ بدء الثورة السورية، ازدادت قوة داعش، «وتحوّل التنظيم من جماعة هامشية متطرّفة إلى أقوى وأفضل ميليشيا مسلّحة في التاريخ الحديث»، بحسب الصحيفة البريطانية.
وعمل التنظيم على زيادة موارده المالية، من خلال بيع النفط من الحقول التي يسيطر عليها في دير الزور، في سورية، كما استولى على الأموال التي كانت موجودة في المصارف، عندما سيطر على الموصل الشهر الماضي. ويقدّر حجم الأموال التي استولى عليها التنظيم ب1.5 مليار دولار، بالإضافة الى غنائم الحرب الأخرى، ومعظمها أسلحة أمريكية الصنع ومركبات نقل تقدّر قيمتها بمليار دولار.
كما بات للبغدادي مسؤولاً عن إدارة الشؤون المالية للعراق، وهو أبو صلاح، واسمه الحقيقي موفّق مصطفى محمد الكارموش.
كما عيّن التنظيم أعضاء في «حكومته»، من ذوي المهام المحددة، مثل إدارة السجناء والمحتجزين، ونقل الانتحاريين، وإدارة عمليات التفجير عن بُعد (العبوات الناسفة)، والاهتمام بأسر «الشهداء والمجاهدين»، الذين سقطوا في المعارك.
وصرّح الهاشمي أنه «حتى الآن، هناك 25 ألف رجل في العراق، أدوا قسم الولاء للدولة الإسلامية». وأضاف الهاشمي: «كل واحد منهم لديه مهمة داخل دولة الخلافة، ومنطقة جغرافية يجب أن يعمل فيها، وراتب شهري يحصل عليه».
وأشارت التقارير الى أن «هناك نحو  ألف قائد ميداني، ما بين قادة متوسطين وقادة رفيعي المستوى، وجميعهم يملكون خبرات تقنية وعسكرية وأمنية، كما تتراوح رواتبهم بين 300 دولار إلى 2000 دولار شهرياً، تبعاً لطبيعة الوظيفة، ويجري تدريبهم بطرق مختلفة وفي أعداد صغيرة لكي يصعب رصدهم».
الهاربون من تلعفر
«لم يبق مكان والا قمنا بتوطين نازحين فيه», يقول ميسر حجي صالح قائممقام قضاء سنجار في شمال العراق الذي لجأ اليه عشرات الاف العراقيين الفارين من قضاء تلعفر الاستراتيجي القريب بعد دخول مسلحي تنظيم «الدولة الاسلامية» اليه.
وشهد قضاء سنجار الواقع على بعد نحو 400 كلم من شمال غرب بغداد, والقريب من مدينة الموصل التي تخضع لسيطرة «الدولة الاسلامية», قبل نحو ثلاثة اسابيع موجة نزوح كبيرة لاهالي تلعفر الذي تسكنه غالبية من التركمان الشيعة.
ورغم افتقاره الى البنية التحتية اللازمة, الا ان المسؤولين المحليين في هذا القضاء الذي تسكنه اغلبية كردية بينهم اتباع الديانة الازيدية, قاموا بكل ما يستطيعون لتخفيف معاناة النازحين. لكن معاناتهم بدت اكبر من امكانيات هذه المنطقة النائية.
ويقول صالح لوكالة فرانس برس «نزح من تلعفر باتجاه سنجار حوالي 12 الف عائلة يبلغ عدد افرادها نحو 58 الف شخص». وتشير الامم المتحدة الى ان بين هؤلاء نحو 35 الف طفل.
ويضيف صالح «قمنا بفتح المدارس والمساجد والمزارات لهم. في الايام الاولى قام المواطنون بتقديم مساعدات قبل ان تصل منظمات دولية».
ويتابع «نحن بامس الحاجة الى فتح مخيم لهم لان مشكلتنا تكمن في ايواء هذا العدد الكبير من النازحين, ولكن المنطقة بعيدة عن محافظة دهوك وهي على خط التماس مع الارهابيين, ونخشى مهاجمتهم حيث لا نستبعد قيام مسلحي (الدولة الاسلامية) بالهجوم عليهم بالقذائف ان اقيم لهم مخيم»
ويشن مسلحو تنظيم «الدولة الاسلامية» وتنظيمات متطرفة اخرى منذ شهر هجوما كاسحا تمكنوا خلاله من السيطرة على مناطق واسعة في شمال العراق وغربه وشرقه تشمل مدنا رئيسية بينها الموصل (350 كلم شمال بغداد) ومناطق في قضاء تلعفر, اكبر اقضية العراق مساحة, بعد معارك ضارية استمرت لايام.
وتسبب هذا الهجوم بنزوح مئات الالاف من المدن التي دخلها المسلحون ومن مناطق اخرى حولها خوفا من اقتحامها, وتوجهت غالبية هؤلاء النازحين الى اقليم كردستان والى المناطق المحيطة به التي تخضع لسيطرة الاكراد ومعظمها مناطق متنازع عليها مع بغداد.
وعلى امتداد الطريق الذي يربط سنجار بمناطق في محافظة دهوك القريبة والتابعة لاقليم كردستان, تتوزع سيارات اكتظت بالعائلات ووضعت فوقها ما خف من الحقائب, وقد غادرت المنطقة باتجاه الاقليم.
ولا يخلو الطريق من دهوك (410 كلم شمال بغداد) الى سنجار والذي يتطلب اكثر من ثلاث ساعات, من المخاطرة بسبب قربه من المناطق التي يسيطر عليها تنظيم «الدولة الاسلامية», ما يتطلب تنسيقا مسبقا مع السلطات الكردية التي تسيطر على المنطقة منذ مغادرة القوات الحكومية لها في بداية هجوم المسلحين.
ولا تزال بقايا السيارات المفخخة والعبوات الناسفة منتشرة على هذا الطريق.
وفي مدرسة «زريفاي نوسي» للبنات في سنجار, تعيش عشرات العائلات وسط نقص كبير في الكهرباء التي لا تتوفر الا لساعة واحدة في اليوم, ودرجات حرارة مرتفعة تبلغ في شهري يوليو / غشت حوالى 50 درجة مئوية.
كما ان محاري القضاء قد سدت جراء عدم تحملها هذا العدد الكبير من العائلات التي اضطرت الى احراق مقاعد الدراسة واستخدامها في الطبخ.
وتقول زينب جار الله (68 عاما) وقد ضمت الى حضنها اثنين من احفادها «لا ندري ما نفعل, واين نذهب. نحن عائلات كبيرة ولا نملك شيئا. الذي حصل كان مفاجئا لنا وقد شاهدنا الموت باعيننا».
وفي مزار السيدة زينب في شمال سنجار, يتوزع النازحون على كل زوايا الموقع, وخصوصا النساء والاطفال, فيما يجلس الرجال خارجه يراقبون اطفالهم وهم يركضون بين مجموعة قبور قريبة.
وتقول مريم حسن (53 عاما) وهي تجلس قرب احد القبور وحولها مجموعة اطفال «نعيش في المقبرة, والمواطنون مشردون في الشوارع. هناك نساء انجبن في الشارع, وهذا شيء غير معقول».
وتبدو على وجوه بعض الرجال ملامح الياس واضحة وهم يشاهدون اطفالهم ونساءهم يمرون بهذه الظروف من دون ان تكون لهم القدرة على تغيير الواقع.
ويقول علي يونس (44 عاما) الاب لتسعة ابناء وقد انشغلوا بتناول البرغل الذي قدم لهم كوجبة غداء مع قطع من البصل والخيار والطماطم وجلسوا على ارض جرداء وقد اتسخت اقدامهم بالاتربة «تركنا منازلنا ونحن الان لسنا تابعين للاقليم, ولا للدولة».
ولم تجد عائلات اخرى مكانا ياويها مما اضطرها الى الاحتماء بقطع من القماش الكبير عبر ربطه باسقف السيارات التي اوقفوها قرب بعضها البعض وجعلوها على شكل خيمة, تجتمع تحتها النساء والاطفال, بينهم سيدة عجوز تحتضن رضيعا تقول انها طفلة ولدت قبل يومين.
ويقول سعود يونس (39 عاما) وقد اوقف سيارته قرب سيارة شقيقه علي وربط قطعة قماش بينهما لوقاية افراد عائلتيهما من اشعة الشمس «كل الطرق سدت في وجهنا. نحن محاصرون هنا, وبعد ايام تنتهي مدخراتنا ولا ندري ماذا نفعل».
الجيش يتكيء على الميليشيات
يقول الجندي العراقي إنه ترك الجيش الأسبوع الماضي يأسا. ورغم أنه لا يزال ينوي القتال فإنه لن يعود إلى الوحدة التي تركها في مدينة الرمادي بغرب البلاد.
هو يريد بدلا من ذلك الانضمام إلى عشرات الألوف من المتطوعين دفاعا عن المراقد الشيعية في مواجهة المتشددين السنة الذين زحفوا على شمال البلاد وغربها والذين يعتقد أنهم يهددون الآن طائفته.
قال الجندي البالغ من العمر 31 عاما والذي طلب حجب اسمه خشية العقاب «الضباط أوصلونا إلى مرحلة إما أن يموت فيها الجندي أو يهرب.»و أضاف «سأذهب للقتال كمتطوع وليس كجندي. لست خائفا وإنما هي قناعتي.»
تلقي القصة الضوء على صراع يمكن أن يمزق العراق: فمع تضرر وحدات الجيش الشمالية بقوة بسبب فرار الجنود مع سقوط مدن سنية رئيسية في يونيو حزيران باتت حكومة رئيس الوزراء نوري المالكي التي يهيمن عليها الشيعة تتكيء بقوة على ميليشيات شيعية ومتطوعين يحركهم شعور الوازع الديني.
ويوجد في بعض المناطق الآن مسلحون شيعة ومتطوعون مدنيون لا يقلون عددا -إن لم يكن يزيدون- عن الجنود النظاميين حسبما يقول متطوعون ومتحدث باسم إحدى الميليشيات. البعض يذهب إلى الجبهة بينما يقف آخرون في نقاط تفتيش ويحرسون قواعد ويشاركون في حملات.
وأمكن حشد عشرات الآلاف منذ وجه أعلى مرجعية شيعية بالعراق نداء برفع السلاح في مواجهة الهجوم الخاطف الذي قاده تنظيم الدولة الإسلامية السني المتشدد.
وساعد هذا على الأرجح قوات الأمن على درء انهيار تام. لكن تظل المخاطر عالية. فكثير من المتطوعين الجدد ليست لهم فائدة تذكر في ساحة المعركة. كما أن نشر ميليشيات شيعية في مناطق مدنية يمكن أن يزيد من حدة الطابع الطائفي للصراع.
عادت الميليشيات المتشددة التي قاتلت القوات الأمريكية قبل انسحابها عام 2011 إلى دائرة الضوء منذ بداية العام إذ قاتلت في البداية في محافظة الأنبار بالغرب وفي محيط بغداد ثم ظهرت خلال الأزمة الحالية لكسب شرعية جديدة وشعبية أوسع.
ولا يرجح أن يكبح المالكي -الذي يلقي عليه كثيرون باللائمة في تفاقم الصراع- هذه الميليشيات في وقت يجاهد فيه للبقاء في السلطة.
قال أنتوني كوردزمان من مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية «المحصلة النهائية ليست تحسنا في الاستقرار السياسي... وليست بالقطع تحسنا في مد جسر بين السنة والشيعة.«
دعوة لرفع السلاح
يرفع متطوعون يرتدون زيا مموها أيديهم بالتحية العسكرية وهم يدخلون مكتب العقيد علي الماجدي. المكتب عبارة عن غرفة متسعة بها أرائك مزخرفة وموائد صغيرة ومنافض للسجائر ومزهريات في قاعدة عسكرية في حي أبو غريب بغرب بغداد.
وقال الماجدي إن 1200 متطوع وصلوا لتعزيز قوته الأصلية التي يزيد قوامها على 3400 مقاتل منذ دعا آية الله العظمى علي السيستاني أعلى مرجعية شيعية في العراق في 13 يونيو حزيران كل الرجال القادرين على حمل السلاح إلى قتال المسلحين المتشددين.
قدم هؤلاء دعما مطلوبا بشدة لرجال الماجدي المكلفين بحماية منطقة كبيرة على حدود محافظة الأنبار التي يسيطر المتشددون المسلحون على أكبر مدينتين فيها.
قال العقيد إن معظم المتطوعين يكلفون بمهام «الخط الثاني» مثل تفتيش السيارات والوقوف في نقاط التفتيش لكنه قال إن هناك قلة تتوق للعمل على خطوط الجبهة حتى أنها تتخذ هذه الخطوة من تلقاء نفسها. وأضاف «إذا كانوا مدربين ويريدون الانضمام لإخوانهم فلن نقول لهم لا.»
كانت فتوى السيستاني ضمانا بعدم حدوث نقص في أعداد مثل هؤلاء المتطوعين وكثيرون منهم شبان من مناطق شيعية يعتبرون التطوع واجبا مقدسا.
ويسجل آخرون أسماءهم كل يوم. وشق مئات يتصببون عرقا طريقهم عبر ساحة قذرة تتناثر فيها علب الورق المقوى والعبوات البلاستيكية وسط حرارة لافحة لتسجيل أسمائهم في معسكر تدريب في حي صدر القناة بشمال بغداد هذا الأسبوع.
وفي الداخل يتكدس المتطوعون على أسرة صغيرة تفتقر للنظافة في غرف معتمة مزينة بلا اتساق بصور زهور ونافورات. وانتبه الشبان من غفوة الظهيرة وهبوا من على أسرتهم حين صاح فيهم ضابط أن يقدموا أنفسهم لصحفي زائر.
ولم يتردد أحد في الإجابة حين سئلوا عن سبب تطوعهم. قال واحد «دعوة الشيوخ» وقال ثان «للدفاع عن الأمة» وأجاب آخر «للدفاع عن العراق».
«كان من الخطأ»
معظم المتطوعين الذين التقى بهم كاتب المقال أبدوا حماسة بالغة -وتذكر ضابط أمن متقاعد وهو يضحك كيف أنه نجا بالكاد من انفجار عبوة ناسفة- لكن حتى بعض المسؤولين العراقيين يتساءلون عن جدوى انتشارهم في النهاية.
وقال مقاتل عمره 25 عاما في سامراء بالقرب من خط الجبهة إن كثيرا من القادمين الجدد صغار السن أكثر مما ينبغي أو غير مدربين جيدا مما يحول دون الاستفادة منهم.
وأضاف المقاتل أن أحدهم أطلق الرصاص بطريق الخطأ على زميله بينما كان راكبا خلفه في سيارة. وقتل آخر نفسه بينما كان يضع بندقيته بين رجليه دون أن يحرك صمام الأمان.
وقال الرجل الذي كان يتحدث عبر الهاتف من سامراء وطلب عدم ذكر اسمه حتى يتحدث على حريته «كان من الخطأ أن ترسلهم الحكومة... ينبغي أن يكون المقاتلون جاهزين وإلا لن نتمكن من مواجهة عدو منظم.»
ومضى قائلا إن وحدته التي تضم أكثر من 700 مقاتل تعرضت للنيران بعد خروجها مرة أخرى من الأنبار إلى سامراء الشهر الماضي وإن أكثر من ثلثي المقاتلين فروا. وأضاف أن معظم الذخيرة المقدمة لهم من نوعية سيئة وإن الماء لا يتوافر أحيانا مما يدفع البعض للشرب من النهر.
وقال كوردزمان من مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية إن الاستفادة من المتطوعين محدودة لأسباب أخرى أيضا منها قلة عدد المرشدين والموجهين الأكفاء.
وأضاف «الشبان غير المدربين ستتملكهم الحماسة في المعركة لحوالي ست دقائق على الأكثر.»
وذكر مصدر في مكتب رئيس الوزراء طلب حجب اسمه أن المتطوعين غير المدربين على قتال مسلحين أشداء من أمثال مقاتلي الدولة الإسلامية لا يكلفون بمهام تعرضهم للخطر.
وتابع «ما بوسعي أن أقوله هو أن الحكومة تحرص بشدة على أرواح هؤلاء المتطوعين. يتطوع هؤلاء للدفاع عن العراق وليس لمجرد إرسالهم لمواجهة الموت.»
أسلاف الميليشيات
براعة الميليشيات الشيعية النسبية ساعدت الجيش في إبطاء تقدم المسلحين المتشددين وإشاعة الاستقرار على خطوط القتال.
ومنذ سقوط الموصل أكبر مدن الشمال في أيدي المتشددين في العاشر من يونيو حزيران وانهيار القوات العراقية يزداد ظهور جماعتي عصائب أهل الحق وكتائب حزب الله المدعومتين من إيران واللتين تقاتلان مع القوات الحكومية حول محافظة الأنبار الغربية وفي محيط بغداد منذ الشتاء.
وقال أحمد الكناني الناطق باسم عصائب أهل الحق إن مقاتلي الجماعة ينشطون في محافظة ديالى بالشرق وفي مناطق حول سامراء وعلى المشارف الغربية والجنوبية لبغداد. وامتنع عن تحديد عدد المقاتلين العاملين لكنه قال إنهم «بالآلاف».
وفي مكتب بوسط بغداد محاط بحواجز واقية قال الكناني إن مشاركة عصائب أهل الحق «واضحة» مضيفا أن الجماعة «قاتلت جنبا إلى جنب« مع قوات الأمن وكذلك في «الطليعة».
وتابع «يمكننا أن نقول إنها نسبة متساوية. لا يهم إن كان هناك 50 من هنا و100 من هناك. أهم شيء هو الهدف.»
وأنصار رجل الدين المتشدد مقتدى الصدر الذين قاتلوا القوات الأمريكية تحت لواء جيش المهدي خلال سنوات الاحتلال من 2003 إلى 2011 عادوا باسم جديد هو «سرايا السلام». وظهر رجل الدين بعمامته السوداء على شاشات التلفزيون هذا الأسبوع محاطا بمساعدين يرتدون زيا مموها وهو ينظر مليا في خرائط ويفكر في عمليات النشر حول سامراء.
ولم يتمكن مسؤولون عراقيون من إعطاء بيان تفصيلي لنسبة قوات الأمن إلى الميليشيات والمتطوعين على الساحة.
وأقر نائب شيعي عن قائمة دولة القانون التي يرأسها المالكي بأن نشر الميليشيات اتسم بالفوضى في الأسبوع الأول الذي تلى سقوط الموصل عندما قام بعض أعضاء اللجان الأهلية بعمليات قتل في بغداد وألقيت الجثث في الشوارع على غرار ما شهده العراق من إراقة دماء طائفية في 2006 و2007.
وقال «كانت هناك اغتيالات وجرائم قتل كثيرة. كانوا ينفذون القانون بأيديهم.» ومضى قائلا إن الميليشيات «غير المسؤولة» باتت تحت السيطرة الآن وإن الجماعات المسلحة تساعد في تأمين العاصمة ورفع معنويات الجيش.
وعزا تلك الميليشيات الفضل في سد الفراغ على الحدود الجنوبية لبغداد حيث اختفت قوات الأمن مضيفا «تضم بعض الميليشيات مقاتلين أكفاء جدا... لديهم الدافع وبعضهم مستعد للموت. وحين يكون التفكير بهذه الطريقة سيكون بالإمكان مواجهة الدولة الإسلامية.»
اعتقالات وخوف
تفاديا فيما يبدو لتمكين الميليشيات وتأجيج الطائفية دعا السيستاني المتطوعين للبقاء «في إطار الدولة» وأكد مرارا أن فتواه تنطبق على كل العراقيين وليس الشيعة وحدهم.
ومع هذا لا تخفى هيمنة الشيعة على العملية. ففي مختلف أنحاء بغداد ترتفع صور أولياء شيعة في كثير من نقاط التفتيش. وفي قاعدة التدريب في شمال العاصمة تتدلى لافتة تحمل صورة قتيل من ميليشيا شيعية قرب الباب الذي يتجمع عنده المتطوعون لتسجيل أسمائهم. وفي الداخل يجوب شيوخ شيعة القاعات وبعضهم يرتدي زي الجيش.
واهتزت المجتمعات السنية أمام ذلك الرباط الذي جعل المتطوعين ورجال الميليشيات ينتشرون في الشوارع جنبا إلى جنب مع قوات الأمن.
وفي مطلع الأسبوع دخلت مجموعة من القوات الخاصة التابعة لوزارة الداخلية ورجال ميليشيات منطقة سنية ريفية إلى الجنوب من بغداد في مركبات رباعية الدفع وسيارات همفي واعتقلت 17 رجلا بعد صلاة الجمعة حسب رواية قريب لأحد المعتقلين. وتم إطلاق سراح أربعة بعد خمسة أيام ولا يزال الباقون محتجزين.
وقال القريب الذي طلب عدم ذكر اسمه «يقتادونهم لمكان غير معلوم ولا يظهرون أي أوامر اعتقال.»
ولم تسلم المجتمعات الشيعية أيضا. وقال رجل يقوم بتغسيل الموتى قبل دفنهم في مدينة النجف التي تحوي العديد من المزارات الشيعية إنه رأى دفن 20 متطوعا على الأقل منذ دعا السيستاني لرفع السلاح.
أحد القتلى يدعى أنور جاسم عودة وقد أصيب برصاصة في العين وهو يقاتل في محيط الكرمة التي يسيطر عليها المسلحون السنة المتشددون في الأنبار.
أجهشت أمه بالبكاء وهي تضم جثمانه وتقبل وجهه. علا نحيبها وهي تقول «ابني.. ربيتك كل هايدي السنين من شان تموت.»


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.