الحركة الإسلامية في الميزان خلال القرن الرابع عشر الهجري الحلفة الأولى أولاً - خلفية عامة أ - النظر من الداخل ب - الانجازات مقابل الاخفاقات ج - العمل السياسى وردة الفعل د - التخلّف ه - هل بالامكان أحسن مما كان؟ و - معركة من أجل البقاء ثانياً - تحديد مجالات التحسين أ - الشورى ب - روح الفريق ج - النساء والاطفال د - نموذج القائد « الشيخ » ه - غياب المؤسسات و - النزعة الاقليمية والنزعة القومية ز - غياب التخطيط ح - البديل الإسلامي ط - الغايات والوسائل ي - أزمة الفكر ك - غياب الحوار ثالثاً - إلتفاتة إلى القرن الرابع عشر رابعاً = أسئلة لا بد منها ! أ - لعبة شد الحبل ب - الوضع الراهن : هل هو الا سوأ أم الاحسن ؟ ج - الولاء للّه أم للاسماء ؟ خامساً - الرصيد د - التخلّف ه - هل بالامكان أحسن مما كان ؟ و - معركة من أجل البقاء ل - إهمال وسائل الاعلام م - المحاسبة بين القيادة والقاعدة ن - ترتيب الاولويات س - الجمود التنظيمي ع - السرية والعلنية ف - القرآن والسلطان ص - غياب المراجعة الفعالة ق - التعصب الحزبي ر - أدب الاختلاف ش - جدول أعمال مطوّل أولاً : خلفية عامة نستخدم مصطلح «الحركة» هنا بمعناه الواسع الذي يشمل كل جماعة تدين بالإسلام وتمارسه وتدعو الى إقامة نظامه في الارض بالطرق المشروعة. وسنلقي هنا نظرة خاطفة على القرن الرابع عشر الهجري (القرن العشرين الميلادي) لنحلِّل النتائج التي ظهرت أمامنا حتى وقتنا الحاضر. ولا ندّعي تقويما كاملا للانجازات أو حكماً على المعطيات وإنما هي محاولة لتسليط الضوء على بعض الجوانب المهمة واستخلاص الدروس المفيدة منها. ولكي يكون تحليلنا عادلا وموضوعياً ينبغي أخذ العوامل التالية في الاعتبار : أ - النظر من الداخل حديثنا عن الحركة هو حديث عن أنفسنا، أي من داخلها، وليس انتقاداً من الخارج. لذا فإننا نمارس نقداً ذاتياً بنّاءً لتحديد مكامن التقصير بغية تحسين أوضاعنا الداخلية الذاتية. فإن لم نكن صادقين مع أنفسنا فلن يكون إعدادنا لها إعداداً صحيحاً. ب - الانجازات مقابل الاخفاقات ليس القصد من تحديد مواطن ضعفنا رسم صورة سلبية قاتمة للحركة. فهناك نقاط قاتمة وأخرى مضيئة، وما استمرار الدعوة الإسلامية - في الحقيقة - ويقظتها العالمية إلا شهادة على نجاحها العظيم في مجالات عديدة. إن عرضنا لنواحي العجز والقصور ينبع من التزامنا العميق بالعمل والجهاد في الاتجاه الصحيح ما دُمنا نحن والتزامنا من نتاج هذه الحركة كذلك. ج - العمل السياسي وردة الفعل لقد شملت الهجمة الغربية على العالم الإسلامي الاستعمار السياسي والعسكري، وبدهي أن يكون رد الفعل الإسلامي والقومي مماثلا للنوع نفسه. يفسر ذلك اصطباغ حركات التحرير عامة بالصبغة السياسية واتسام أعمالها بروح المواجهة في صدها للمستعمرين الطغاة ومن جاء بعدهم. وعليه، فقد أعطت هذه الحركات غالبا أهمية ثانوية لجوانب الحياة الاجتماعية والاقتصادية والتعليمية. وعندما حصلت تلك الدول على استقلالها عن السلطة الاجنبية، جاء ذلك الاستقلال سطحياً ولم يعِ القادة الجدد ما يترتب على الحرية السياسية. وهذا يفسر بعض أسباب استمرار أنماط الحياة الاستعمارية في الاقتصاد والاجتماع والثقافة والتعليم على ما كانت عليه تحت الاستعمار ولمدى طويل من الزمن، بالزخم نفسه إن لم يكن بزخم أشد. د - التخلّف لا بد من الاعتراف بأن العالم الإسلامي ظل يعاني حالة الانحطاط في معظم الجوانب لقرون عديدة. ولم يقتصر ذلك الانحطاط على تصورات العوام وأعمالهم وممارساتهم، بل طال حركات الاصلاح كذلك إن ضعفنا هذا يحدّ بشكل كبير من قدرتنا على التحليل والتشخيص ووصف العلاج، وكوننا مؤمنين لم يؤثر كثيراً على أساليب عملنا في الحركة. إن لظاهرة التخلف آثارها السيئة على الافراد والاحزاب والتجمعات الدينية والقومية واليسارية والعلمانية على حد سواء، كما أنها تؤثر على جميع قطاعات المجتمع من قادة ومعلمين وأطباء ومهندسين وموظفين مدنيين وعسكريين وفلاحين، رجالاً ونساءً، فقراء وأغنياء. إن التخلف وباء يصيب الجميع، فتبقى القلّةُ مكبّلة بتخلف الاغلبية الساحقة تدور في فلكها عاجزة عن تحضرها والارتقاء بها. ه - هل كان بالامكان أحسن مما كان ؟ قد نقول إن الحركة بذلت ما في وسعها، وإن النتائج على الله سبحانه وتعالى. من المؤكد اننا لم نحقق الاتقان في تصوراتنا ووسائلنا، وظل المجال مفتوحاً لتقديم الافضل، ولا شك في أن أجر العاملين في سبيل الله أجر وفير. ولكننا نلاحظ أن التقدم الحقيقي في التحول الاجتماعي المأمول لامتنا لا يزال بطيئاً، ولكي نتقدم لا بد لنا من أن نعترف بأخطائنا ونقوّم أنفسنا ومسيرتنا كي نستطيع القيام بعمل بنّاء حيالها. إن انتقاد امرئ ما للحركة لا يضعه بالضرورة في مرتبة فوق الحركة نفسها، كما لا يصنفه ضمن أعدائها. فالناس سواسية، والله تعالى وحده الكفيل بالحساب والجزاء. فالتفوق هو تفوّق العقيدة والرسالة وليس تفوق الاشخاص. و - معركة من أجل البقاء لقد كانت الحركة في الغالب مكبلة الحرية، تخوض معركة حياة أو موت وبصورة يومية، وبالتالي لم تتوافر لها فرصة التوقف والتفكير وإعادة النظر في خط سير أعمالها. فقد كان ذلك نوعاً من الترف الذي لم يتوافر لها أو لم تحرص هي عليه. ومن الطبيعي أن تولّد مثل هذه الظروف أفراداً متطرفين ومتكتمين، متزمتين وغامضين، مثاليين وبدون خبرة، الامر الذي يعيق الانطلاق والتطور. وعليه، فإن عبء التصحيح والاصلاح يقع على عاتق الذين يمتعون بقسط من الحرية. إن مسؤولية هؤلاء مضاعفة وعظيمة للغاية، وعليهم ألّا يقارنوا أوضاعهم بأحوال من يعيشون تحت الظلم والدكتاتورية الذين لا يملكون سوى تجرع الحسرات واجترار الاماني. بناءً على هذه الخلفية لاوضاع الامة في القرن الماضي، نستطيع أن نتفهم طبيعة كفاح الحركة، وبوسعنا أن نتلمس مجالات الاصلاح الممكنة فيها. لقد تمكنت الحركة بحمد الله من البقاء رغم جميع مظاهر الظلم والعداء داخل العالم الإسلامي وخارجه، وهذه نعمة كبيرة من الله سبحانه وتعالى. ورغم أن جهادها أثمر الكثير الا ان إمكانية تحقيق نتائج أفضل كانت متوفرة. المطلوب في المرحلة الراهنة هو التحسن في المجالات التي سنتطرق إليها أدناه. ثانياً : تحديد مجالات التحسين نلفت انتباه الشباب الى الجوانب التالية من مجالات العمل، آملين بعون الله أن يحالفهم التوفيق خلال القرن الخامس عشر، أكثر مما حالف أسلافهم في القرن الرابع عشر. أ - الشورى لم تتمكن الحركة بصورة عامة من مزاولة الشورى بكليتها، وقد ركزت بشكل أو بآخر على ممارسة نظام آخر أكثر موافقة، هو نظام «السمع والطاعة». لقد ظلت بعض القيادات تدعو الى الشورى نظرياً، إلا أن ممارسة ذلك لم تأخذ شكلها المنتظم عملياً، وظل الجدل البيزنطي مستمراً حول ما إذا كانت الشورى معلمة أو ملزمة للامير أو القائد. وكان لكل فريق حجته وما يدعم موقفه من الكتاب والسنّة. ولما كان هذا الامر من المسائل الاجتهادية، فلم يكن من الممكن البتّ فيها عن طريق الفتوى فقط. بيد أننا اليوم في حاجة الى نظام للشورى ملزم ومؤسس على قواعد وأسس علمية منظمة. فلا بد من اشتراك عدد معقول من الاعضاء في عملية صنع القرار، وفي تنفيذ القرارات كذلك. إن مزايا نظام الشورى القرآني هذا يجب التأكيد عليها بكل إصرار، لا سيما في عصرنا هذا. ب - روح الفريق لقد تمكنت الحركة عبر برامجها التربوية من تكوين أفراد ممتازين، ولكن المشكلات نشأت عندما طلب من هؤلاء الافراد العمل معاً في برامج مشتركة. فقط ظلت الحركة في معظم الاحايين يقودها أفراد معدودون بدلاً من فرق عمل جماعية، دون إدراك لحقيقة أن نتائج العمل الجماعي أولى وأفضل من نتائج العمل الفردي. ولقد تمخض عن ذلك بيئة متخلفة قوامها «قيادة الرجل الواحد» في معظم مناحي الحياة. فللاب السيادة المطلقة في الاسرة، وكذلك الحال في المدارس والحكومات والجيش والاحزاب. لقد استحوذ هذا النظام - وهو عرض من عوارض التخلف - على معظم مؤسساتنا. ولو تفحصنا الساحة العالمية لوجدنا أن أوروبا بالروح الجدية في العمل الدؤوب والمثابرة المستمرة كانت أول من رفع شعار الحرية بمفهومه الحديث وأسست الدول القومية، لكن أمريكا تفوقت على أوروبا ومن خلال ممارساتها لنظام «بوتقة الانصهار» التي تصهر مختلف القوميات وتؤلف بينها في اطار الروح الجدية للعمل والمثابرة. أما اليابان، فقد سبقت اوروبا وأمريكا بإضافة روح الفريق الجماعية والولاء للتقاليد والمعتقدات الدينية. عليك أن تتصور العمل الإسلامي كفريق كرة القدم الذي لو جمع أحسن اللاعبين العالميين بدون ان يمارسوا روح الفريق فيما بينهم لخسروا أمام خصم أقل كفاءة إذا كان أفراده يمارسون الروح الجماعية في لعبهم. ج - النساء والاطفال هناك إخفاق واضح في مجال العمل النسوي ومرحلة الطفولة. فحين حققنا بعض النجاح مع الرجال أخفقنا مع غيرهم ولم يكن في مقدورنا تكوين حركة نسوية فعالة، وظلت النساء المسلمات - فيما عدا بعض الاستثناءات - عاجزات عن تنظيم أنفسهن أو التأثير في الاخريات، كما أن الاغلبية منهن لا تجيد الاتصال بغيرهن أو التحاور في قضايا المجتمع الاساسية. وعلى حين كانت الاحزاب القومية واليسارية تستغل النساء الى أقصى حد ممكن لتحقيق مكاسب سياسية، لم يكن بمقدورنا الاستفادة من الامكانات الهائلة لدى أخواتنا المسلمات. وهكذا ظللن - فيما عدا حالات معدودة - خاملات وغير فاعلات ولا قدرة لهن على المساهمة في نشاط الحركة. وفي الوقت الذي ندّعي ونتمنى أن تربِّي نساؤنا قادة الامة ورجالاتها، فإننا لا نبذل أي مجهود من أجل إشراكهن في النشاط أو إعدادهن أو مساندتهن. ويظل هذا الامر يمثل تناقضاً داخل الحركة، ولن يتسنى لنا - في الواقع - كسب المعركة اذا كانت نسبة 50 % أو أكثر من طاقاتنا معزولة ومبعدة عن الميدان الحقيقي. وبالمنطق نفسه، لم نبذل إلا النذر اليسير من الجهد في إعداد الاطفال وتنميتهم. فنسبة الادبيات الإسلامية - مثلاً - الموجهة الى الاطفال لا تزيد عن 5 % تقريباً، حيث إننا نتوقع منهم أن يقرؤا الكتب الموجهة الى الكبار ويستوعبوها ويقتنعوا بها. إن تعليم الاطفال الناشئة من المجالات التربوية المتخصصة التي يحتاج كل منها الى أدبيات خاصة متميزة، ولا تزال الحركة تفقد الكثير بإهمالها لهذا الجانب من العمل. د - نموذج القائد «الشيخ» فى بعض الحالات تبنت الحركة نموذج القائد «الشيخ»، ذلك البطل الملائكي الاسطوري ذي الكشف والقوى الخارقة، العالم بكل شيء والقادر على كل عمل، والذي يقود التنظيم مدى الحياة. وترتبط الحركة بهذا القائد المستديم الذي لا يمكن تنحيته عن كرسي القيادة ارتباطاً مصيرياً بكل أعماله وتصرفاته مهما كانت. وإذا غاب عن بلده، استمر في الاشراف على التنظيم وتسييره بطريقة «التحكم عن بعد». وفي الاجتماعات، يهيمن نموذج هذا القائد «الشيخ» على جدول الاعمال، فيتحدث متى شاء وأنى شاء وللمدة التي يريد وفي أي موضوع يختاره، فهو لا يستعد مسبقاً، ولا يدوّن أفكاره أو ملاحظاته. كما أن له الحق أن يرتجل الحديث وعلى الجميع ان يظهروا له الاحترام والاولوية في كل شيء، بغضِّ النظر عما يتطلبه مركزه القيادي من مؤهلات وإمكانات وتخصصات. وتظل المعضلة الرئيسة التي يواجهها الصف الثاني من القيادة هي من يستطيع أن يخلف القائد «الشيخ»؟ فقد جبل كل عضو منهم على الاعتقاد بأنه لا يساوي شيئاً أمام «الشيخ»، وهذا التواضع أو الخضوع شرط من شروط تكوينه الحركي الإسلامي. فلم يتدرب معظظمهم على حرية الرأي والقيادة من خلال ممارسته للشورى الجماعية، واحترامه العظيم للشيخ يمنعه من تحدّيه أو مخالفته أو حتى مساءلته، فضلاً عن تبنيه وجهة نظر مخالفة لشيخه. ويمثل هذه العلاقة أحياناً الشعار الصوفي القائل بأن «المريد أمام شيخه كالميت بين يدي مغسّله». وهكذا يتحول القرار الملحّ المطلوب من الشيخ في بعض الحالات الى مجرد دعاء فقط. ومن المؤسف أحيانا أن نرى الحالة قد تردّت الى درجة جعلت بعضهم يتهمون قياداتهم بمقولة «وافق أو نافق أو فارق». ونحن - معاذ الله - لا نتهم كل من تولوا القيادة بأنهم كانوا على هذا النمط، ولكننا نجد بعض هذه المواصفات على الاقل في غالبية القادة والمسؤولين. علينا اليوم أن نتدارس بجدّية وموضوعية الممارسات والتجارب العالمية الحديثة للفترة المثالية لتولّي القيادة، فهي تتراوح بين أربع وست سنوات، قابلة للتجديد لمرة واحدة فقط، الامر الذي يسمح للقائد بمدة أقصاها اثنا عشر عاماً. وعند انتهاء فترة تولّي القائد مهام القيادة بإمكانه المساهمة الرشيدة الفعالة عن طريق اللجان المتخصصة أو كمستشار للقيادة الجديدة له قدره ومكانته احترام خبراته الطويلة. ه - غياب المؤسسات اعتمدت الحركة في نشاطها على الافراد موكلة المهام اليهم، الامر الذي أدعى الى اعتماد الوظائف على الاشخاص، وبالتالي عدم الاستقرار وكثرة التغيرات الوظيفية ونقص فادح في تغطية الادوار. فقد كان العمل القائم على المؤسسات نادراً - ان وجد أصلاً - وكان هناك في المؤسسات المعدودة التي أقيمت افتقار الى التخطيط والعمل بروح الفريق والتنظيم السليم. فلم تتمكن الحركة من تجسيد أهدافها عبر هذه المؤسسات، بل أصبح عبئاً على الحركة، بدلاً من أن يكون عوناً لها. وبالرغم من نجاح الافراد في الكثير من المشاريع الشخصية، الا أنهم فشلوا في إنجاح العمل الجماعي، كما أن الحركة لم تعالج حتى الان الحاجة الماسة الى «فقه المؤسسات» بلغة وتصورات معاصرة مفهومه. وسيظل عمل الدعوة مقتصراً على الكلام حتى تبرز في بلادنا مؤسسات اسلامية عامة ناجحة، بما لا يقلّ عن معدل عشر مؤسسات كبيرة في كل بلد، قبل أن يحق لنا أن ندّعي الشروع في عملية إقامة المؤسسات بنجاح. و - النزعة الاقليمية والنزعة القومية إن الحركة - نظرياً - مقتنعة بوحدة الامة وعالمية الدعوة، ولكننا عمليا لا نكاد نجد صدى كاف لهذه المعاني، إذ إننا نعكس في سلوكنا توجهات وطبائع قبلية واقليمية واضحة. يظهر ذلك التصور بجلاء في لقاءاننا حيث يتعلق كل منا بأصدقائه من أبناء جلدته، وقليلاً ما نختلط اجتماعياً بمن هم خارج دائرتنا المحلية. أما على مستوى القيادات، فقد توفّر لبعضها لقاءات دورية عالمية مع قيادات أخرى لكنها تعثرت كثيراً بسبب ما ارتضته لحركتها من أطر وعوائق إقليمية وقومية. رغم ان مثل تلك اللقاءات تعتبر أمراً أساسياً لتبادل المعلومات والتجارب ووضع الاستراتيجيات والتنسيق فيما بينها. ومع اقرارنا بأن أعداءنا يعملون ضدنا وفقاً لخطة موحدة، الا أننا لم ننجح في مواجهتهم من خلال خطة موحدة مماثلة. لقد خدعنا بالمثل القائل: «أهل مكة أدرى بشعابها» متناسين أن الاجنبي المتخصص المتابع قد يعرف اليوم عن بلادنا أكثر مما نعرف، كما أنه بإمكان بعض الخبراء أن يقدموا لاخوانهم في بلاد اخرى الكثير من النصائح والخبرات التي تفيدهم في عملهم المحلي. جعلت وسائل الاتصال العالم اصغر واقرب يوماً بعد يوم، ومفهوم القرية العالمية يزداد تجسداً، وهو مفهوم العالمية الذي دعا اليه الإسلام منذ ظهوره، لكن الحركة لا تزال تنظر الى شؤونها نظرة محلية وتعدّ كل منطقة وكأنها معزولة عن بقية المناطق. ز - غياب التخطيط إن الحركة غالباً ما تعيش من يوم الى يوم تكافح لمجرد البقاء فقط، وقلّما أتيحت لها فرصة لوضع خطط مستقبلية سنوية أو خمسية أو عشرية. فهي تدير عملها من خلال مواجهة الازمات، وكثيراً ما تتحول الاعمال الروتينية الى حالات طوارىء. لقد أدى غياب التخطيط المسبق الى عدم وضوح فى الاهداف وسوء توزيع في الموارد وخلط في تحديد الاولويات وفقدان تحديد الوجهة، ولم يعد بإمكاننا تّبين مواطىء أقدامنا ومدى قربنا من أهدافنا أو اعتماد أسلوب منهجي لتقويم نشاطاتنا. وعليه، فإننا نمضي غافلين عن نتائج أعمالنا أو تبعاتها غير عابئين بالتخطيط السليم وبصورة الانتقال من مرحلة «عمل ما في الامكان» الى مرحلة «عمل ما يجب أن يكون». ح - البديل الإسلامي لقد ظلت الحركة حتى عقد الخمسينات مشغولة بإثبات صلاحية الإسلام، ثم اتجهت بعد ذلك الى تأكيد تفوقه على غيره من الايديولوجيات، ولكنها ظلت تتحرك داخل هذه العموميات، ولم ينضج عملها خارج هذه الدائرة. فلم نتمكن، على سبيل المثال، من توفير البديل في مجال الكتاب الجامعي من منظور اسلامي وهو ما نحتاج إليه في جميع مجالات الدراسات الاجتماعية. هذا البديل ليس عملاً تطوعياً لبعض الوقت يقوم به الفرد المتحمس المخلص، لكنه واجب من أولويات العلماء المختصين المتفرغين، وعلى الحركة أن تنشىء العديد من المؤسسات الاكاديمية الراقية لمزاولة الاجتهاد في هذه المجالات. كما لم يعد من الممكن أن يوكل هذا الواجب الى أفراد من العلماء «النوابغ» وحدهم، اذ لا بد أن يكون مجهوداً جماعياً. فهو عمل متخصص ومكلف وشاق، ويستغرق الكثير من الوقت، وهو عمل مستمر لا يكفيه الاعتماد مرحليا على المؤيدين والمتعاطفين. انه شرط لا بد منه لبداية النهضة الحضارية العملاقة لهذه الامة، وسيظل تفوق النظام الإسلامي من دون مجرد قناعة عاطفية. هناك حاجة الى نموذج اسلامي حي مستنير يجذب الغرب والشرق نحو حضارة الإسلام. وهذا ما يفسر اقبال المهندسين والاطباء وعلماء الطبيعيات على الحركة أكثر من اقبال علماء الاجتماع عليها، لان العموميات المشوقة تقنعهم بعقلانية وسمو الدين وسماحته وأخلاقياته، بينما يحتاج علماء الاجتماع المتخصصون الى الاقتناع بالتفاصيل. فالعموميات لا تكفي وحدها لجذب هؤلاء الى حظيرة الإسلام. وليس هذا بالوضع السويّ أو السليم، ولن يمكننا الانطلاق بالحضارة الانسانية من جديد حتى نرى غالبية قادة الحركة من علماء الاجتماع المتخصصين. ط - الغايات والوسائل يعاني بعض الاعضاء قدراً من البلبلة والخلط بين الغايت والوسائل. وكثيراً ما نلاحظ أنّ مصلحة الجماعة أصبحت معياراً للعمل والنجاح رغم أن الجماعة ما هي في الحقيقة الا وسيلة لخدمة هدف اصلاح المجتمع. وقد أدى ذلك اللبس الى انشغال الجماعة بنفسها أكثر من انشغالها بالمجتمع الذي تقوم من أجل اصلاحه وخدمته. وقد يبين تحليل احصائي تقريبي لتوظيف وقت الاعضاء وأموالهم وجهودهم أنّ حوالي 70 % منها يصرف في معالجة الشؤون الداخلية للحركة، بينما يخصص 30 % فقط لصالح المجتمع الخارجي، في حين ينبغي أن يكون الترتيب الصحيح عكس ذلك تماماً. لقد أصبحت الجماعة حزباً مقدساً لذاته، كما لو كان الحزب قد تأسس من أجل نفسه، الامر الذي جعله لا يختلف أساساً عن أي ناد رياضي أو جمعية تعاونية تقتصر خدماتها على أعضائها فحسب. وقد أصبحت صورة الحزب عبارة عن مجموعة من الاعضاء تهتم بمصالحها فقط دون اضطلاع بدور حقيقي لها في المجتمع ككل. ولهذا السبب فان جمهور الناس لا يبدي أي اهتمام أو تعاطف تجاه ما قد يقع على الجماعة من ظلم واضطهاد. وتترافق هذه الظاهرة مع فقدان الإسلاميين لما يكتسبونه من المواقع للعلمانيين نتيجة قلة التعاون بين الحركات والجماعات الإسلامية المختلفة. ان هياكل الحركة التنظيمية قد تقف عائقاً في بعض الاحيان امام تحقيق اهدافها الجوهرية، وينبغي التأكيد بدون هوادة على ضرورة تبني الحركة لمشكلات الامة عامة وايجاد الحلول لها كتحد مباشر توجهه الحركة. كما يجب على الحركة توجيه معظم جهودها لمعالجة تل القضايات كي تطمئن الامة الى ان الحركة هي حارسها الامين الذي بامكانها الاعتماد عليه في الاعتناء بشؤونها عناية كاملة.