يكمن الهدف الرئيسي من هذه الخطاطة في المساهمة في النقاش الدائر حول موضوع تشكيل الحكومة وموقف حزب العدالة والتنمية منه. ومقاربتنا للموضوع تعتمد ثلاثة محاور أساسية نقدر أنها تشكل ركائز موقف العدالة والتنمية من المشاركة في الحكومة أو عدمها. المحور الاول: المصلحة العامة: من خلال وثائق الحزب وكذلك من خلال وثائق حليفه الاستراتيجي حركة التوحيد والاصلاح تظهر خدمة المصلحة العليا للبلاد، بصفتها الركن الأساسي الذي يؤسس لمبدأ العمل السياسي بشكل عام والحزبي بشكل خاص. فالانخراط في العمل العلني السلمي والقانوني لحركة التوحيد والإصلاح يندرج في هذا الإطار وكذا محاولة تأسيس لحزب "التجديد الوطني"، وانخراطها في حزب "الحركة الدستورية الديمقراطية الشعبية". كما أن المواقف السياسية البارزة لحزب العدالة والتنمية في مساره السياسي كانت دائما تتم تحت شعار المصلحة العليا للوطن. فموقف المساندة النقدية كان لدعم حكومة نشأت في ظرفية أحوج ما يكون المغرب فيها إلى الاستقرار السياسي ودعم الاختيار الديمقراطي. كما أن التحول عن هذا الموقف إلى موقف المعارضة الناصحة أملته المصلحة العليا للوطن والمتمثلة في الدفاع عن الهوية والوقوف في وجه العلمنة والتطبيع مع الصهاينة... واتضح الالتزام بمبدأ المصلحة العليا للوطن في الانتخابات التشريعية الأخيرة (27/09/2002) حيث أن الحزب وانطلاقا من قراءته للمحيط الدولي وحساسيته المفرطة لكل ما هو وطني أو إسلامي، قرر ضبط حجم حضوره في المؤسسة التشريعية في الحدود التي لا تجعل منه سببا يتذرع به أي طرف داخليا كان أم خارجيا للإضرار بتلك المصلحة ، وهكذا قرر الاكتفاء بالترشيح في 52% من الدوائر الانتخابية. وهو ما أعطاه النتائج التي جعلت منه القوة الثالثة في البلاد من حيث المقاعد المحصل عليها والقوة الثانية من حيث الأصوات المعبر عنها وهي نتيجة لم تسلم من مراجعة الداخلية. وإذا رجعنا إلى موضوع المشاركة في الحكومة أو عدمها وتساءلنا عن : أين تكمن المصلحة العليا للوطن؟ هل في المشاركة في الحكومة أم في البقاء خارجها؟ للإجابة عن هذا السؤال نجد أن موقف حزب العدالة والتنمية ومن خلال تصريحات قيادييه وكذلك من خلال تموقعه في التحالفات قبل تعيين الوزير الأول يحكمه اعتباران وهما المحوران المتبقيان لمقاربتنا للموضوع. -الاعتبار الأول هو الموقف من الاتحاد الاشتراكي. -الاعتبار الثاني هو التقدير السلبي للأهلية الذاتية للمشاركة في تجربة الحكم. وسنحاول مناقشة كلا الاعتباران، مع التاكيد أنهما مؤسسان على مبدأ المصلحة العليا للوطن. الاعتبار الاول: الموقف من الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ما فتئت قيادة الحزب تؤسس لموقف الحزب من المشاركة في الحكومة بالموقف من الاتحاد الاشتراكي، . فقبل تعيين الوزير الأول التيكنوقراطي، كان الموقف سيحدد كالتالي: استحالة المشاركة في حكومة يقودها الاتحاد الاشتراكي وأحيانا حتى اذا شارك فيها، وإمكانية المشاركة في باقي الحالات. وبعد تعيين الوزير الأول أصبح الموقف هو كالتالي( :الصيغة الجديدة للحكومة التي أملاها تعيين جطو وزيرا أول، تفرض النقاش حول المشاركة في الحكومة حالما شارك فيها حزب الاتحاد الاشتراكي في تصريح لنائب الامين العام للصباح 14/10/2002) والملاحظة الاساسية، إن هذا الموقف أقرب الى الموقف المبدئي منه الى الموقف السياسي وأقصد جانب المرونة والنسبية فيه، بالرغم من كون الفتوى بدورها تتغير بتغير الزمان والمكان و...!! وهنا تظهر أهمية طرح بعض الأسئلة: 1- إذا اقتضت مصلحة البلاد والعباد أن يشارك حزب العدالة والتنمية في حكومة يقودها الاتحاد الاشتراكي أو يشارك فيها !! 2-إلى أي حد يمكن اعتبار حزب الاستقلال في طبعته العلمانية الغالبة حاليا أقل إضرارا بالهوية (الموقف المحايد في خطة إدماج المرأة في التنمية والموقف السلبي في قانون السلفات الربوية...)؟ 3-ماهي الضمانات اعتبارا للتشكيلة الحزبية الحالية، في أن تكون حكومة لا يكون فيها حزب الاتحاد الاشتراكي أقل تطبيعا مع الصهاينة أو أقل إفسادا للمواطنين في المجال الإعلامي والتعليمي والثقافي...؟ أعتقد أن الموقف السياسي يقتضي وضع شروط للمشاركة لا تذهب إلى حد وضع تضاد وجود بين حزبين، مهما بلغت التناقضات بينهما مادامت المصلحة العليا للبلاد هي التي يجب أن تحكم المواقف! وإلا لو كان نفس الموقف صادرا من الاتحاد الاشتراكي ضد حزب العدالة والتنمية! الأمر سيظهر حينذاك أنه موقف إقصائي لا ديمقراطي! وهذا المنطق، العقابي يكون غير مقبول حين يتعلق الأمر بأحزاب كبيرة وفي خريطة سياسية هشة. كالتي عندنا! اللهم إلا إذا كان حزب العدالة والتنمية مازالت تحكمه مواقف حزب صغير لم يكن يملك أكثر من 14 نائبا! ولم تكن له شعبية كبيرة. وإلا فالوضع يختلف إذ بقراءة سريعة للمعطيات الرقمية المرتبطة بالانتخابات الحالية سيتضح أن حزب العدالة والتنمية في واقع الأمر هو القوة السياسية الأولى في البلاد! الاعتبار الثاني: التقدير السلبي للأهلية الذاتية ينطلق هذا الاعتبار من كون الحزب فتي ولا يمتلك بعد تجربة تؤهله لممارسة شؤون الحكم وما يزال يحتاج الى مزيد من الوقت لكسب مزيد من التجربة في تسيير الشأن العام المحلي أولا ثم الوطني بعد ذلك... وأننا كنا نأمل أن يتحول الحزب من حزب صغير الى حزب متوسط الى غير ذلك من الاعتبارات. غير أن الدخول في عالم السياسة لا يدع للفاعل السياسي الحرية الكاملة في التحكم في مصيره ومواقفه والتعبير عن إرادته. بل بدخوله هذا العالم يدخل عالم النسبية وعالم الاحتمالات وعالم الترجيحات والمعادلات وموازين القوى... يصبح رهينة هذا العالم بنسبة كبيرة فهذه هي الحقيقة المرة، لقد قرر حزب العدالة والتنمية التقليص من حجم حضوره في البرلمان(الظهور كحزب متوسط) ولكن الانخراط في العملية الانتخابية أعطى عكس ذلك (حزب كبير)، فالسياسة أحيانا كما يقال هي أنك لا تكتشف ما أنت عازم على فعله حتى تفعله" هنا جانب أول، الجانب الثاني هو أن حجم حزب العدالة والتنمية كقوة ثالثة من حيث المقاعد المعترف بها رسميا لا يسوغ له الاعتذار بضعف التجربة عن ممارسة الحكم وإلا لماذا طرح برنامجه الانتخابي وطلب من الناخبين التصويت عليه! كان يجب أن لا يتجاوز برنامجه جملة واحدة "أعطوني فرصة التعلم لخمسة سنوات إضافية! الجانب الثالث أن التجربة تأخذ بالممارسة ويمكن مقاربة نظرية التدرج من زاوية مخالفة لما هو مطروح حيث يمكن المشاركة بعدد محدود من الحقائب الوزارية، والعمل على إنجاحها وأخذ التجربة من خلالها. الجانب الرابع: أن أكثر ما يؤكد عليه الخطاب السياسي العام والانتخابي الخاص هو الاستقامة ودورها في نجاح التنمية وعنصر الاستقامة موجود والحمد لله، وإنما تعوزه الجرأة والإقدام. وهكذا يمكن سرد مجموعة من الملاحظات ونخلص في نهاية التحليل إلى أن الاعتذار عن الدخول في الحكومة بضعف التجربة وعدم القدرة على تحمل المسؤولية اعتذار لا يستند إلى اعتبار قوي. ولا نريد هنا أن نسرد أمثلة لأحزاب صغيرة أو أحزاب صنعت عشية الانتخابات وانخرطت في تدبير الشان العام سواء تعلق الأمر بحكومة التناوب المنتهية أم بحكومات قبلها، وهنا لا يمكن الاعتذار بفشل أكثرها لان حزب العدالة والتنمية لن يعد بالنجاح في مهامه فهو لا يضمن ذلك ولكن يعد بحسن العمل والتضحية والفعالية. وهذه الخصال متوفرة في الحدود المعقولة المشرفة. هذا اذا لم يكن الخوف من الفشل خوفا على المستقبل الانتخابي. وأود، أن أختم هذه الملاحظات في هذا المحور بالسؤال عن:المصلحة العامة" وخدمتها أين تتجلى؟؟ خاتمة: بالرغم من المؤاخذات السالفة الذكر يبقى حزب العدالة والتنمية الحزب الذي لا يقارب موضوع المشاركة في الحكومة من خلال التهافت على المناصب الوزارية أو من خلال المكاسب الحزبية الضيقة كما هو شأن كثير من الاحزاب. بل يقاربه من زاوية المصلحة العليا للوطن وايماننا بهذا المعطى هو الذي جعلنا نحتكم الى المصلحة العليا للوطن في نقد موقفه. حسن بويخف اكادير في 15/10/2002