أعلنت جميع القوى السياسية المغربية المعتبرة على أن انتخابات 27 شتنبر كانت مرحلة فاصلة في التاريخ السياسي المغربي المعاصر لما عرفته من نزاهة وشفافية لم يعدها المغرب من قبل. وإفرازها للقوى السياسية الأساسية في البلاد وحجمها الحقيقي، انتخابات أبانت عن تقدم كبير لحزب العدالة والتنمية انتقل بموجبه من الرتبة التاسعة في انتخابات 97 المزورة إلى الرتبة الثالثة في اقتراع 27 شتنبر الماضي فكيف نظرت باقي الأحزاب السياسية المغربية لهذا التقدم؟ وكيف فسرته؟ تباينت ردود فعل الأحزاب السياسية المغربية حول فوز العدالة والتنمية ب 42مقعدا في مجلس النواب واحتلاله الرتبة الثالثة بعد كل من الاتحاد الاشتراكي وحزب الاستقلال. ويمكن تصنيفها في نوعين أساسيين. 1 "أحزاب "اليمين" ترحيب واستبشار كانت مجمل ردود فعل أحزاب اليمين (إذا جاز هذا التصنيف في الحقل السياسي الحزبي المغربي) على التقدم الواضح الذي حققه حزب العدالة والتنمية في انتخابات 27 شتنبر التشريعية إيجابية، بحيث نظرت إليه على أنه أمر عادي ومتوقع وتأكيد واضح لحضوره في المشهد السياسي المغربي، بل اعتبرته أكثر من ذلك درسا آخر لليسار وأحزابه لتعلم منه ما تصلح به حالها وخطابها المناهض للهوية الدينية والأصالة المغربية. وقد سبق لأحمد عصمان الأمين لحزب التجمع الوطني للأحرار أن توقع هذا التقدم في حوار له مع الشرق الأوسط قبل أسبوعين تقريبا من اقتراع 27 شتنبر قائلا: "يمكن أن يكون للتيار الإسلامي تأثير ملموس في الاستحقاقات المقبلة لكن يجب أن تتسم بروح رياضية وبالديموقراطية". حزب الحركة الشعبية هو الآخر استبشر لهذا الفوز واعتبره تقوية لما أسمته صحافته بالعائلة الحركية ومن شأنه أن يؤثر على الخريطة السياسية المقبلة وكتبت جريدة "الحركة" الناطقة باسمه وبالبنط العريض في عددها قبل الثلاثاء: التحالف مع العدالة والتنمية حتمية تاريخية، وأرجع محند العنصر الأمين العام للحركة الشعبية فوز العدالة والتنمية المذكور لقوته التنظيمية وانضباطه وكذلك لاستفادته من أصوات الطبقات المتدمرة من سياسة حكومة التناوب. أما المحجوبي أحرضان الأمين العام للحركة الوطنية الشعبية فعلق على فوز أنصار عبد الكريم الخطيب بعدما هنأهم بقوله: لقد قاموا بعمل جاد خلال الحملة الانتخابية التي كانت نظيفة. عباس الفاسي الأمين العام لحزب الاستقلال من جهته أرجع تقدم حزب العدالة والتنمية إلى ضعف المرجعية الإسلامية في خطاب الحكومة حيث صرح قائلا: "نحن المشاركون في الحكومة مسؤولون عن ذلك (يقصد التقدم البارز للعدالة والتنمية)... المرجعية الإسلامية في خطاب حكومة التناوب كانت نادرة" وأضاف بأنه كان يطالب بالحد من التفاوت الطبقي والظلم الاجتماعي وإعادة توزيع الثروة ومحاربة الفقر وه ما جعل حزب العدالة والتنمية يستفيد من أصوات الفئات المحرومة. وقد صرح فيما بعد لوكالة الأنباء الفرنسية "إننا لا نقاسمه جميع مما في برنامجه، لكننا نلتقي حول قيم الإسلام". 2 أحزاب اليسار: اعتراف واستصغار إذا كانت أحزاب اليسار عامة قد أكدت على أن هذه الانتخابات كانت الأسلم في تاريخ الانتخابات المغربية فإن موقفها من التقدم الكبير الذي حققه حزب العدالة والتنمية لم يكن متطابقا بحيث يمكن تقسيم مواقفها إلى ثلاثة أنواع على الشكل التالي: أ موقف موضوعي: وجسده السيد بن سعيد آيت يدر الأمين العام الشرفي لحزب اليسار الاشتراكي الموحد عندما قال في تصريح له للصحافة: "إن حزب العدالة والتنمية هم الذين أحرزوا تقدما في هذه الانتخابات وقد لعبوا دورا مهما في التحرك السياسي وشكلوا معارضة قوية". ب موقف استصغاري: وصدر عن محمد اليازغي نائب الكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي عندما اعتبر أن نمط الاقتراع الجديد يعطي لكل الحساسيات إمكانية التمثيلية في البرلمان. ج موقف هجومي: جسدته صحافة التقدم والاشتراكية الصادرة يوم الثلاثاء الماضي من خلال الافتتاحية ومقال عنونته ب "كيف تقدم الإسلاميون في اقتراع 27 شتنبر؟" حيث أرجعت تقدم حزب العدالة والتنمية في انتخابات 27 شتنبر إلى ستة أسباب رئيسية: 1 الاستفادة من التصويت العقابي من طرف جماهير تعيش تحت وطأة البطالة والأمية والتهميش. 2 الاعتماد على تجييش المناضلين والمتعاطفين والامتثال للقادة بالتوجه إلى مكاتب التصويت. 3 استغلال مكشف وممنهج للمساجد في أغراض سياسوية وانتهاز لكل المناسبات الدينية والأعياد التي يعاني فيها الفقراء من ضيق ذات اليد. 4 انشغال الأحزاب "الوطنية والديموقراطية" في تأمين انتقال السلطة والانتقال الديموقراطي، وكذلك بتدبير الشأن العام. 5 استفادة العدالة والتنمية من الحملة الأمريكية على ما أسمته بالإرهاب عقب أحداث 11 شتنبر والتي أعلت نجم الإيديولوجية الإسلاموية وجلبت تعاطف الشباب المغربي معها. 6 الحملة الأمنية على ما سمي بالسلفية الجهادية والمكتبتات والتي خلفت نوعا من التعاطف مع كل من يمثل ميلا إسلامويا في المشهد الحزبي وقال كاتب بيان اليوم دون أن يخشى الإقحام بأن الحملة كانت هدية ذهبية للتيار الإسلامي. نقطة نظام على الموقفين الأخيرين: فضل اليازغي سياسة النعامة القائمة على إقفال العين عن الحقيقة المدوية، إذ أن حزب العدالة والتنمية بحصوله على 24 مقعدا لا يمكن أن يكون مجرد تيار أو حساسية من قبيل الحساسيات التي خرجت من رحم الاتحاد الاشتراكي بل إنه القوة السياسية الثالثة في البلاد رقميا والقوة السياسية الأساسية واقعيا في البلاد برهنت على نضجها في التعاطي مع قضايا البلاد ومصالحه الداخلية والخارجية وأكدت الصناديق الزجاجية ذلك رغم أنه لم يقدم مرشحيه إلا في 56 دائرة من أصل 19 دائرة انتخابية محلية. لقد نسي اليازغي شعار "الحقيقة أولا" التي قال عنها مصدر مغربي مسؤول "يجب أن نتعامل مع الأمور كما هي ولا يجب أن نخفي حقائق واقعنا، بل ينبغي أن نتعامل معها كما هي فهذه هي الديموقراطية". أما ما قالته صحافة التقدم والاشتراكية فهو تافه ومضطرب ويكفي أن يعلم كاتب بيان اليوم أننا نعلم أنه في أعماقه يعرف بأن الحملة الأمريكية على ما تسميه بالإرهاب أثر سلبا على الحركة الإسلامية عموما والمعتدلة منها على الخصوص وخلق تخوف الناس منها لا العكس، وأن الحملة الأمنية على ما عرف بالسلفية الجهادية التي واكبتها حملة بعض الصحف المحسوبة على اليسار بالمغرب وبعض الأبواق بالخارج كانت بقصد تخويف الشعب المغربي من الإسلاميين ودفعه لعدم التصويت على العدالة والتنمية والإيحاء للنظام بأنهم خطر على أمن البلاد و... أما استغلال المساجد فهذه أسطوانة قديمة مل الناس من سماعها ويعرفون حقيقتها، ويعرفون من استغل فعلا الدين وراح يقول لهم إن رمزه يعني القرآن. ويبقى المبرر المضحك لنجاح حزب العدالة والتنمية حسب صحافة بيان اليوم أن الأحزاب الوطنية والديموقراطية جدا كانت مشغولة بتأمين انتقال السلطة والانتقال الديموقراطي وتدبير الشأن العام. ونسيت أن انتقال السلطة الهادئ كان طبيعيا في شعب معتز بالملكية الدستورية ومتشبث بها عبر التاريخ لا يعود فيه الفضل للأحزاب التي قال عنها إنها ديموقراطية. أما الانتقال الديموقراطي الذي يحكي عنه كاتب بيان اليوم فلم يحصل إلا مع انتخابات 27 شتنبر التي ستعطينا مؤسسات لها مصداقية وشرعية شعبية عكس سابقاتها التي انبنت بشهادة الجميع على أساس غير شرعي ومطعون فيه. بقي مبرر الانتقال بتدبير الشأن العام، ولست أدري عن أي تدبير يتكلم كاتب بيان اليوم أهو الذي عقاب الشعب المغربي لأحزاب معينة بعدم التصويت لصالحها أم الذي لم يستجب لانتظارات الجماهير التي قالت عنها بيان اليوم أنها تعيش تحت وطأة البطالة والتهميش والأمية والسكن غير اللائق، أما انضباط أعضاء العدالة والتنمية ومتعاطفيه وتوجههم المكثف إلى مكاتب التصويت فقد شرف الانتخابات المغربية وعزز مصداقيتها ويسجل في صحيفة حسناتها عكس بعض الأحزاب الفوقية التي راحت نداءاتها أدراج الرياح...!؟ لقد سبق وأن كتبنا في أعداد سابقة أن الشعب المغربي واع ولا يحتاج إلى ناطقين باسمه وقد قال كلمته وحكم يوم 27 شتنبر على كل حزب ووضعه في المكانة التي يستحقها ولا داعي للعزف على الأوتار البالية فإن التاريخ لا يرحم. خاتمة: لقد رسم الشعب المغربي ولأول مرة في تاريخ الانتخابات الخريطة السياسية الحقيقية للبلاد وأبطل الكثير من الادعاءات ومنح ثقته لحزب العدالة والتنمية معلنا تمسكه بالمرجعية الإسلامية ونبذه لأي مرجعية تسلخه عن عقيدته وحضارته وتخرب أسرته وتفكك شبكته الاجتماعية، ثقة على الأحزاب السياسية التي تحترم نفسها أن تجلس لكي تحللها وتعمل بالدروس المستخلصة منها للتعاون مع أمير المؤمنين جلالة الملك محمد السادس لخدمة الشعب المغربي الجدير بكل احترام وإكرام. محمد عيادي