ليلة سراح عبد الحق كانت مفاجئة، دموع اختلطت بالصراخ، فرحة عودته أنست أمه جهة القبلة لتقدم سجدة شكر لله، صراخ فاجأنا ونحن نستجوب عائلته عن ظروف اختطافه، الكل ينادي بأعلى صوته «عبد الحق! عبد الحق!» أبناء وبنات إخوته يسكبون دموعا حارة تعبر عن مدى الحب الذي تحمله هذه القلوب البريئة لعمهم، الكل يتعلق به ويحتضنه. أمه التي كادت أن تجن أغمي عليها من شدة الفرحة، أخته تصرخ قائلة «هل أنا في حلم، أحقا عاد عبد الحق!؟» الكل وقف مشدوها لشدة التغيير الذي لحق به، كنا حينها قد أنهينا الاستجواب ولازالت صورته معنا، لم نصدق أن صاحب الصورة هو الماثل أمامنا، ترى كيف تم اختطاف عبد الحق؟ وماهي خلفيات الاعتقال؟ وكيف أمضى أربعة وعشرين يوما في سجن المخابرات؟ اعتقلوني بعد أن شهروا المسدسات في وجهي بعد صلاة الظهر يوم 23 غشت 2002 نام عبد الحق (وهو من مواليد 1963) ليرتاح من سفر التجارة. كان وحيدا، وعلى موعد مع بعض الأصدقاء. استيقظ على أنغام هدم الحائط وتكسير الباب. ظن في البداية أنه كان يحلم، لكن الحلم أصبح حقيقة وواقعا مرا، خرج من غرفة النوم حافيا. لم يصدق ما رأى، باب مهشم، وعشرون رجلا يشبهون أبطال المصارعة. تحدث إلينا عبد الحق وهو لا يدري من أين يبدأ، هل قبل الاختطاف؟ حيث كان رجال الاستخبارات يلازمونه كظله أم فترة الاعتقال، أم لحظة الاعتقال الرهيبة، يقول عبد الحق وهو متأسف على الظلم الذي لحقه «استيقظت على صوت رهيب، ظننت في البداية أنني أحلم، إلا أنني وجدت البيت هدم من الجهة الأمامية، كان هجوما قويا ففتشوا البيت بدقة أخذوا صورا، ووثائق وكل الأشرطة والكتب، وبعض أغراض زوجته، ومبلغ خمسمائة درهم الأدوات المدرسية لابنته. اجتمع سكان الحي، واعتقلني رجال المخابرات بعدما شهروا مسدساتهم في وجهي. أخذوني بعدها إلى "فيلا" بالقنيطرة وهي للاستخبارات العامة، وبقيت حوالي ثلاث ساعات، وأنا مكبل اليدين بالقيد "المينوت"، وبعدها أتوا بصديقين يشتغلون معي وهما أحمد ماطو وعبد القادر العثماني ، وبعد صلاة العشاء عصبوا عيناي وحملونا نحن الثلاثة في اتجاه لا ندري عنه شيئا؟» أمتعة عبد الحق لم تسلم من المفسدين، أشرطة أناشيد الأطفال التي تمتلكها ابنته زينب أخذوها معهم، حزام زوجته الفضي، أخذوه بعدما تركوا سكان المنطقة يتساءلون عن ذنب رجل لا يعرفون عنه إلا الخير والصلاح.
تعذيب مختلف الأشكال
لمكان الاعتقال مراسيم دخول خاصة، تبدأ بالسؤال عن الإسم ونزع أي خيط أو حزام، ثم المشي على الركبتين، وبعدها المشي على هيئة الركوع، للتدريب على الخضوع والخنوع، يخبرنا عبد الحق عن هذه المراسيم قائلا: «بعد أن أدخلوني المكان صعدنا سلاليم بها ست درجات، ثم أعطيتهم إسمي وأنا معصب العينين، نزعوا مني أي خيط رغم أنهم اعتقلوني بثياب النوم. مشيت على ركبتي حوالي أربعة أمتار، وبعدها على هيئة الركوع ثلاثة أمتار، وأعدت الكرة على ركبتي، ثم هبطت السلاليم مرتين تحت الأرض. أدخلوني لمرحاض كبير «سيلون» به سرير وغطاء ووسادة، وبعد خمس دقائق أخذوني معصب العينين وأنا منحن لمدة خمسة أمتار وبدؤوا معي التحقيق». قاعة التحقيق حسب عبد الحق بيت صغير لا نوافذ له، ورائحة التدخين فيه من شدتها تخنق الأنفاس. عصبوا عينيه بحزام جلدي وأضافوا فوقه حزام الصوف. عصابة العينين أصابت رأسه بحرارة شديدة ومفرطة. حرارة تدفع المستجوب للتخلص من أية معلومة لديه. يضيف عبد الحق والحياء يسطع من وجهه: «جردوني من كل ثيابي وعبثوا بعورتي. صبوا علي الماء. نعتوني بأقبح الأوصاف وبكلام فاحش أستحيي من ذكره. نتفوا لحيتي. أما الضرب فبكل أشكاله بالرجل واليد والعصا ويرافق الضرب الأسئلة، ولا تدري حينها أتصرخ من شدة الألم أم تجيب على أسئلتهم. كما أنهم تركوا القيد «المينوت» بيدي لمدة أربعة أيام». استمرت طريقة التعذيب بكل الأشكال والألوان مع التحقيق ثلاث ساعات متتالية مع إعطائه فترة للراحة بالمرحاض مدتها خمس دقائق. استمر كل هذا طيلة أربعة أيام بكثافة. مكان رابط فيه عبد الحق أربعة وعشرين يوما. المحققون كثر. الضربات كانت تنزل عليه متتالية. رائحة الخمر تنبعث من أفواههم النتنة. يشتد التفتيش أحيانا في الثالثة ليلا. مكان المعتقل كان قريبا من ثكنة عسكرية لأن أصوات مروحية وشاحنات كانت تسمع دائما. كما أن عبد الحق كان يسمع أصوات طيور غريبة تؤكد أن المكان قريب من حديقة للحيوانات.
اتهامات بالجملة
كل الجرائم التي وقعت بإقليم القنيطرة سئل عنها عبد الحق. أسئلة المخبرين ترتكز بالأساس حول السلاح. اتهامات لا يدري عنها المستجوب أي شيء. فهو الذي يقطن بدوار أولاد أوجيه بإقليم القنيطرة يقول:»اتهموني بأنني أمير لمجموعة من الخلايا وأمتلك السلاح، وأنني خططت لعملية ضد شركة كوكا كولا بسيدي اسليمان، وأنني جلبت أناسا من سيدي الطيبي للقيام بهذه العملية. ولم يقفوا عند هذا الحد بل اتهمت بأنني سلمت لأسامة بن لادن 180ألف درهم ومعطفا جلديا». وسألوني عن كل معارفي، ولا يهمهم إلا الملتحون، سألوني عن حسن الكتاني وأبو حفص، فأجبتهم بما أعرف، كما طلبوا رأيي في الملكية الدستورية والبرلمان وتعريف الديمقراطية، وعن بعض الفتاوى، وكان جوابي واضحا لا غبار عليه، وسألوني أيضا عن حكمي عليهم كمخابرات» تهديدات وجهت إلى عبد الحق ليعترف بشيء لم يرتكبه، وأشخاص لم يعرفهم، كل الجرائم المرتكبة حاولوا أن يجدوا لها خيطا رابطا به، سألوه عن شخص يدعي فكري، وهذا الأخير يجهله، واتهموه بأن له كتائبا للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ودقق المحققون مع عبد الحق (مستواه الدراسي الباكالوريا) وحول طريقة تدينه. سألناه نفس السؤال فكان جوابه «بدايتي كانت مع رجال الدعوة والتبليغ وآخرها مع السلفية التقليدية برئاسة المغراوي طلبا للعلم، غير أن فتوى المغراوي بهجري واتهامه لي بأنني تكفيري، سببت لي حصارا اقتصاديا في تجارة الكتب والأشرطة، هذه الفتوى سببت لي آلاما نفسية، التزمت حينها الصمت وذاع صيتي في المغرب وأصبح كل السلفيين يعرفون عبد الحق رضوان عن طريق الفتوى، أما حاليا فأنا من أهل السنة والجماعة، وجميع المسلمين في خانة واحدة ولي علاقات جيدة مع كل أبناء الحركات الإسلامية وغيرهم» ويضيف عبد الحق أن سؤال المحققين كان حول انتمائه للسلفية الجهادية، هذا المصطلح الذي أعتبره من صنع المخابرات، فانتماء عبد الحق هو مسلم من أهل السنة والجماعة، يحب القرآن وسنة النبي صلى الله عليه وسلم. سأل رجال المخابرات «dst» عبد الحق عن استراتيجية تمركز بعض الدعاة في المدن، مثلا لماذا يوجد أبو حفص بفاس، والشيخ حسن الكتاني بسلا؟ كان همهم هو الحصول على شيء غير موجود كما قال عبد الحق، وهددوه بهدم بيته كاملا وتشريد أسرته وتشميع دكانه إن لم يعترف بالتهم المنسوبة إليه.
عودة من إيران اكتسب عبد الحق شهرة لما زار بيت الله الحرام، أدى العمرة وبعد انقضاء المدة كان يريد أن يجلس ليؤدي مناسك الحج، غير أن السلطات السعودية اعتقلته لمدة 15 يوما بتهمة أنه يريد الحج، غير أن السلطات المغربية اتهمته بأنه كان ينوي الذهاب إلى أفغانستان ومنذ 19991 ابتدأت مراقبة الأمن لعبد الحق وكانت الاستخبارات العامة تستدعيه بين الحين والآخر وكان يجيبهم على قدر الحاجة، وما يزيد من درجة المراقبة له هو ذهابه في أكتوبر الماضي إلى أفغانستان حيث لم يتمكن من الوصول، يقول عبد الحق «تكررت استدعاءات الأمن لي بعد رجوعي من العمرة، وتصاعدت وتيرة مراقبتي بعد رجوعي من أفغانستان، حيث بدأ الأمن يلازمني كظلي، وذهابي كان بنية الجهاد في أكتوبر الماضي، إثر العدوان الأمريكي على أفغانستان، غير أنني فشلت في الوصول، ولم أستطع الدخول من إيران، وعدت لبلدي». اعتبرت السلطات أن عبد الحق مصدر تمويل لخلايا لا يعلم عنها شيئا، غير أن ما أثارهم هو مساعدته للناس ومديد العون لهم، والمعروف عن المغاربة الكرم والتضامن، وأضحت هذه التصرفات تثير المخابرات الذين أصبحوا يتابعونه أينما حل وارتحل، لدرجة أنهم اكتروا بيتا بالقنيطرة لمراقبته والتقاط صور له ولزبائنه بالدكان، وبلغ عبد الحق أن رجال الاستخبارات العامة قدمت أموالا لمن يتتبع أخباره، وفي يوم الاعتقال هاتف أحد الناس عبد الحق مخبرا إياه أن رجال المخابرات يتتبعون خطواته، بيد أن الأمر أصبح معهودا لديه ولذلك لم يتخذ أي احتياط.
معذبونا هم مناضلو أمس كانت جريدة "الأحداث المغربية" هي رائدة زرع الفتن وتلفيق التهم لمن يأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، الحقد الدفين لصحافة الرصيف لم تترك أحدا إلا ولفقت له التهم، فحسب عبد الحق أن هذه الجريدة أرادت أن تثير هذه الأمور في هذا الوقت بالذات كما يقول «جريدة الأحداث طرحت مجموعة من الأمور بهدف تشويه المسلمين، وصرحت بعدائها للإسلام، وكان توقيت الانتخابات مقصودا فأهل الأحداث يصطادون في الماء العكر، ولا يتنفسون إلا في الجو الملوث، وهدفهم بذلك خلق الفتنة» وحسب عبد الحق أن المغرب بلد آمن وأن المخابرات ستقوده لا محالة إلى أمور لا تحمد عقباها، وستحوله إلى برك من الدماء إذا استمرت على هذا النهج ، وسيولد العنف إذا ما مات أحد لا قدر الله تحت التعذيب فإن أسرته لا محالة ستنتقم من باب العصبية والثأر. إن سماحة قلب عبد الحق وحلمه، جعلته يشبه ما حصل له بيوسف عليه السلام حيث أن الشيطان نزع بينه وبين إخوته يقول عبد الحق «كنت أقرأ كثيرا سورة يوسف، في قرآني الذي أرجعوه لي بعد أربعة أيام وأعرف أن الشيطان نزغ بيني وبين إخوتي حتى هتكوا عرضي ونتفوا لحيتي وأطلب من الله أن يغفر لهم، كما أرجو أن يتوب الشيخ المغراوي إلى الله سبحانه وتعالى»، لا يريد عبد الحق أن يلجأ للقانون لأنه متأكد أنه ما دام أن هناك أناسا بالأمس كانوا ينادون بحقوق الإنسان وكانوا يسمون أنفسهم مناضلين، هم اليوم الذين يمارسون هذه الأفعال، وإن حصل أن قام عبد الحق بشكوى فإنها ستكون للاستئناس فقط، والله سبحانه وتعالى هو الذي سيجازي الظالمين. كما أنه لازال يعتبر نفسه مواطنا غير عادي مادامت المخابرات لازالت تترصد به في كل لحظة وأن نسبة خروجه هي 52% ويتوقع أن يختطف مرة أخرى. معاملة بعض العاملين بالمعتقل خففت على عبد الحق من شدة التعذيب، كانوا يحاولون إدخال السرور على نفسه ويواسونه، يقول عبد الحق «الذين يخدموننا يدخلون علي بعض السرور، رغم أنه ليس في القنافذ أملس، حيث يصبرنا أن أناسا كثيرون مروا في هذا المكان وأفرج عنهم». فكان يوم الخروج هو يوم الأحد 15 شتنبر 2002. حيث أطلقوا سراحه بسيدي الطيبي مع العلم أنه يقطن بالقنيطرة. خديجة عليموسى