إن المتأمل في المشهد السياسي المغربي يلاحظ أن المرأة المغربية تشكل أكثر من نصف الهيأة الناخبة، وأن صوتها يكون غالبا حاسما في نجاح هذا المرشح أو ذاك أو هذا الحزب أو ذاك، لأنها شاركت وتشارك بقوة وبشكل مكثف في التصويت في جميع محطات الاستحقاقات الانتخابية التي عرفها المغرب منذ الاستقلال إلى الآن. إلا أن دورها ومكانها بقي متأخرا وهامشيا داخل المجتمع وداخل الأحزاب السياسية رغم الجهود الجبارة التي بذلتها. فقد ظلت مقصية من دائرة الفعل السياسي اليومي، ومن دائرة القرار السياسي المحلي أو الوطني، ولم تستطع أن تصل إلى مراكز القرار إلا نادرا. وهذا يرجع إلى عدة أسباب أسرد منها في هذا المقال فقط كون الأحزاب السياسية لم تستطع أن تتخلص من ثقافة التخلف العامة المهيمنة في المجتمع المغربي، فجعلت المرأة مجرد أثاث تؤثث به هيئاتها ومؤسساتها واجتماعاتها. وحتى بعد أن تعالت في السنين الأخيرة الأصوات بإنصاف المرأة المغربية والسماح لها بدور أكبر يليق بها في الحياة الاجتماعية والسياسية للبلاد عبر إتاحة الفرصة لها للدخول إلى البرلمان من خلال اللائحة الوطنية، نلاحظ أن العقلية القديمة بقيت مسيطرة داخل الأحزاب في طريقة اختيار هذه اللوائح، إذ نجد أن منطلقات القرابة والأقدمية والمحسوبية والزبونية والعلاقات الشخصية هي التي حكمت في غالب الأحيان طريقة وضع هذه اللوائح، الشيء الذي قد يهدد التجربة الجنينية الحالية، حيث قد تصل إلى البرلمان نساء لا تتوفر فيهن معايير الكفاءة وليس لهن تجربة سياسية معتبرة، بل ليس لديهن باهتمام بالشأن السياسي مع ما يستتبع ذلك من غياب الشروط الأخلاقية والنزاهة الفكرية والمصداقية الشخصية. وفي هذا الظرف الحساس نحن في حاجة إلى أن يصبح للمرأة دور أكبر داخل الهيئات السياسية أولا، وذلك بوجودها في مواقع التوجيه والتسيير والاختيار واتخاذ القرار، وأن تعمل على تصحيح مسارات الأحزاب واختياراتها الثقافية والفكرية والسياسية، وألا تبقى مجرد أدوات منفذة أو مجرد ديكور يزين البيت الداخلي للأحزاب ليس إلا. كما أننا في حاجة إلى أن تقدم الأحزاب السياسية للمجتمع النساء الفاعلات ذات الطاقات والكفاءات العالية وأن لا يدخل في هذا التقديم أي اعتبار آخر غير القوة والأمانة والكفاءة والأهلية. نحن في حاجة إلى أن تفرز لنا هذه الانتخابات نساء يسجلن حضورهن بقوة في المشهد السياسي المغربي، ويكن قادرات على تحمل المسؤولية والمشاركة الحقيقية في وضع القرارات والمساهمة في تسيير الشأن العام المحلي أو الوطني للبلاد. وأستغل هذه المناسبة لتوجيه دعوة حارة إلى المرأة المغربية الناخبة إلى أن لا تتردد في المشاركة القوية في هذه الاستحقاقات، وأن لا تكون سلبية وأن لا تنهج سياسة الكرسي الفارغ الذي يستفيد من فراغه المفسدون فحضورها الإيجابي يكون أفضل بكثير من غيابها أو انسحابها. وأدعو المرأة الناخبة أن تعلم أن التصويت من حيث المبدإ هو شهادة يحذر الله عز وجل من كتمانها إذ يقول: "لا تكتموا الشهادة، ومن يكتمها فإنه آثم قلبه"كما أرجو من المرأة المغربية أن تعطي صوتها لمن تتوفر فيه الكفاءة ليقوم بما أسند إليه خير قيام. الأستاذة: خديجة زاكي