المرأة والحملة الانتخابية قضية أكثر راهنية في أيامنا الجارية. ذلك ما نشاهده ونتابعه في وسائل الإعلام الوطنية، خاصة بعد أن أصبحت المرأة ذات دور فعال في الحملات الدعائية، رغم ماتواجهه من تعسفات تمس كرامتها الشخصية قبل برامجها وتصوراتها السياسية. إذا كانت المرأة فيما مضى قد شاركت كقوة عددية في الحملات الانتخابية وذلك باستغلال جهلها من جهة وظروفها الاجتماعية من جهة ثانية، فإنها اليوم تخوض غمار الانتخابات من موقع المسؤولية عن وعي ومبادرة ذاتية. في هذا الإطار سنتعرف على نماذج من نساء يشاركن في الحملات الانتخابية معززة ببعض الشهادات لرجال ونساء ممن استهدفتهم الحملة. ناشطات في الحملة كقوة نوعية لاعددية كان لنا موعد مع السيدة أمينة الحاجي التي كانت برفقة مجموعة من النساء يجبن شوارع وأزقة حي التقدم بالرباط ويوزعن أوراق الحملة الانتخابية لحزب العدالة والتنمية، لم يتركن بيتا ولا محلا تجاريا ولا مارا، إلا وشرحن له تصورات الحزب وبرنامجه لانتخابي، وبعد جولة دامت ساعتين ونصف من الزمن، استقبلتنا أمينة الحاجي في بيتها وعلامات الإرهاق والتعب بادية عليها، ولمَ لا وهي أم لخمسة أطفال، منهم من يستعجل وجبة العذاء للوصول إلى المدرسة في الموعد المحدد. لحسن حظ أمينة أن والدتها تساعدها في مهام المنزل. السيدة أمينة الحاجي حاصلة على شهادة السلك الأول من التعليم الجامعي، تخصص بيولوجيا، تؤكد على أن مشاركتها في الحملة الانتخابية تعزيز لمكانتها في المجتمع، وفرصة للقاء بالمواطنين للتعريف بخطاب الحزب وبرنامجه وليست فقط مهنة توزيع موسمية مؤدى عنها. وجوابا عن سؤال ل"التجديد" عما إذا كان لها برنامج يومي أثناء الحملة قالت: نبتدئ عملنا في العاشرة صباحا إلى حين أذان الظهر، وبعد فترة راحة، واهتمام بالبيت والأولاد نستأنف الحملة بعد أذان العصر إلى آذان المغرب). أما فيما يخص الدعاية للائحة الوطنية فإن السيدة أمينة تؤكد سعيها مع مرافقاتها إلى توضيح الأمور للناس بأبسط الأساليب لتعميم الفائدة ولا تستغرب هذا ما دامت نسبة أمية الناخبين المسجلين حسب إحصائيات وزارة الداخلية في موقعها على الانترنيت قد وصلت إلى 61% من أصل 8807.877 ناخبا. ورغم ذلك فإن قضاء أمينة لخمسة أيام في الحملة وجدت فيه مختلف الشرائع المجتمعية تبدي احتراما وتقديرا للمرأة الفاعلة في الحملة الانتخابية وفي المقابل، منها قلة تبدي استغرابها من مشاركة المرأة بسبب اعتيادها على وجود الرجل كعنصر أساسي وفعال في الحملات الانتخابية. إسلام الابنة البكر لأمينة الحاجي، البالغة من العمر 18عاما سألناها عما إذا كان لخروج والدتها تأثير سلبي عليها وعلى إخوانها أجابت بالنفي، بل أكدت مشاركتها لأمها في بعض الخرجات لأجل الحملة، وأنها تساعد إخوانها على واجباتهم المدرسية عوض أمها بدون أية مشاكل. ومن جهتها أكدت السيدة خديجة الهيقي أنها تتحدى كل العوائق، بإمكانها التوفيق بين مهامها المنزلية والمشاركة في الحملة الانتخابية وتواجه جميع الاستفزازات التي تتعرض لها بصدر رحب. إنها تزاوج بين التعبئة لحزب العدالة والتنمية في مدينة الرباط ومدينة القنيطرة التي تعرف نشاطا أكثر وحماسة متوقدة. وفي جوابها عن سؤال ل"التجديد" عن انتظاراتها من المرأة التي ستلج قبة البرلمان قالت: (يجب على المرأة أن تتوفر على تكوين سياسي ووعي ثقافي واجتماعي لتستحق هذا المنصب... ولا نريدها فقط أن تصل، وإنما نريدها أن تكون فاعلة...) زينب الخراز طالبة في السنة الثانية من السلك الثالث بمدينة الرباط، وهي واحدة من النساء الفاعلات في هذه الحملة الانتخابية، أكدت أنها تخاطب الجميع بأسلوب سلس مع التركيز على فئة الشباب، وقد لقيت تشجيعات من أشخاص كثيرين. آراء بعض المهتمات بالشأن النسائي أكدت ممثلة اللائحة الوطنية النسوية بدائرة وزان السيدة لطيفة علوشا >أن المرأة حين تدلي بصوتها وتشجع الأخرى لأداء الواجب فإنها تحقق بذلك أكبر كسب لذاتها ووطنها وخاصة إذا علمنا أن نسبة النساء الناخبات تفوق نسبة الرجال، أما حين تكون المرأة منتخبة فإنها تدافع عن مصالح اختها التي اختارتها وحملتها مسؤولية معاناتها وهي بالتالي تحقق الديمقراطية الحقيقية في إشراك المرأة في مراكز القرار وسيرها جنبا إلى جنب مع أخيها الرجل...). نعيمة خلدون وكيلة اللائحة الوطنية لحزب الاستقلال فيما يتعلق بالحملة الجارية، فمن المفروض أن يتغير الأمر لأن المناخ السياسي عرف مجموعة من المستجدات الجوهرية، فاعتماد الورقة الفريدة في التصويت يحمي المواطنين من كافة أشكال الضغط والتأثير، إضافة إلى تخصيص 30 مقعدا للنساء في مجلس النواب المقبل... وجعل النساء المغربيات معنيات وليس مجرد منخرطات ومندمجات في الحملة الانتخابية. عندما بدأنا نشتغل كلجنة مسؤولة عن الحملة حرصنا على أن نستحضر ما قاله الزعيم علال الفاسي (مظهر الإيمان هو العمل أو الخلق الصحيح، ويقدر الإسلام في العمل الغاية المقصودة منه، فليس هناك فرق بين الوسيلة والغاية). على هذا الأساس وضعنا برامجنا فاعتمدنا على الوسائل المعروفة كالملصقات، والنداءات التحفيزية، اللقاءات الصحفية، المسيرات، التجمعات الجماهيرية في أغلب الدوائر، المشاركة في الحملة الإعلامية الإذاعية والمتلفزة وتركنا الباب مفتوحا أمام إمكانيات التجديد والاستفادة من التقنيات الحديثة. مشاركة منظمة المرأة الاستقلالية في الحملة الانتخابية الحالية مشاركة منظمة وقوية، فبالإضافة إلى العمل التنظيمي.. تمكنا من تغطية أغلب الدوائر الانتخابية بلجن دعم نسائية مدربة ومؤطرة تبذل قصارى جهودها لمساندة اللوائح المحلية واللوائح الوطنية على حد سواء. نشارك في الحملة الانتخابية على أساس الأمل والتفؤل والثقة في المستقبل وهو الشعار الذي اختاره الحزب لهذه الاستحقاقات. فاطمة بلحسن وكيلة اللائحة المحلية بدائرة الفحص بني مكادة (حزب العدالة والتنمية) بطنجة إن دور المرأة في المشاركة السياسية كان مختزلا في استخدامها في تزوير الانتخابات حيث تتم بواسطتها تعبئة الأصوات النسائية بشكل مفتعل ودفعهن لصالح مرشح معين، وذلك من خلال الانتماء القبلي، وبالتالي فالمرأة المغربية تشكل لجل الأحزاب مصدرا للمراهنة على الأصوات الانتخابية ويتم استغلالها كرهان، وذلك راجع بالأساس إلى غياب التنشئة السياسية داخل الأسرة وإلى الموروث الثقافي الذي جعل السياسة حكرا على الرجل ثم لقناعة بعض النساء بكفاية هذا الأخير، وذلك ما بدأت المرأة تنفلت منه بفعل الوعي السياسي. كما تذكر فاطمة بلحسن في حوار أجرته معها "التجديد" العدد 864 بالتشبث بميثاق الشرف الذي اتفقت عليه النساء ممثلات الأحزاب في لقائهن التكويني، وذلك بعدم التشهير والتحقير في الحملات الانتخابية . السيدة فاطمة سميح مرشحة باللائحة المحلية لعمالة عين السبع الحي المحمدي ترى أن رسالة المرأة في الحملة الانتخابية هي دعوة في سبيل الله ومشاركتها مساهمة في الدفاع عن الوطن ومصالحه وتضيف: >لا للزرود، لا للنقود، لا للوعود الكاذبة وأقول للمرأة صوتك أمانة، وتربية أبنائك مسؤولية، والحفاظ على دينك فضيلة< الرأي العام ومشاركة المرأة في الحملة الانتخابية: مؤيدون ومعارضون تتأرجح آراء الشارع المغربي بين مؤيد ومعارض لمشاركة المرأة في الحملة الانتخابية بناء على موروثاث ثقافية، قد تكون صائبة مرة ومخطئة في مرات عديدة. السيد (خ ب) تاجر يقول: >من حق المرأة أن تشارك في الحملة مثلها مثل الرجل، لقد أصبحنا نثق في المرأة بعدما فقدنا الثقة في بعض الرجال<. أما السيد، (ن ي) مطلقة، تؤيد خروج المرأة للحملة وتؤكد على أهمية مشاركتها في البرلمان تقول: >لو توفر لدي الوقت لخرجت مع هؤلاء (مشيرة إلى النساء المشاركات في الحملة)، إنني أريد أن أعبء لصالح اللائحة الوطنية للنساء لأننا ننتظر منهن الدفاع عن حقوقنا، كما نحتاج منهن إشاعة الثقافة القانونية للنساء كي لا تهدر حقوقنا، وأنا أؤيد المرأة التي ستدافع عن حقوقي انطلاقا من الشريعة الإسلامية). أما الشاب (س. ز) 62 سنة فإنه يائس من الانتخابات وما يتعلق بها من حملات دعائية واكتفي بقوله: >المرشحون كلهم كذابون، لقد فقدنا الثقة في الجميع، فلا داعي لحملة انتخابية سواء من طرف المرأة أو الرجل<. ثلاث زمر من الشباب يرتدون صدريات وأقمصة تحمل شعارات الأحزاب التي يقومون بالدعاية لها، لا توجد بينهم أية امرأة، التقيناهم بأحد شوارع الرباط وسألناهم عن السبب فكانت أجوبتهم مرتبكة، ولا تنم إلا عن اهتمامهم بتحصيل أجرهم اليومي، والغريب أن منهم من لا يدرك الفرق بين اللائحة الوطنية واللائحة المحلية.. معذورون.. فهم لم يدخلوا غمار الانتخابات عن وعي سياسي، وإنما بغية ارتزاق موسمي. سعيد غربال واحد من الناشطين في الحملة الانتخابية لأحد الأحزاب النشيطة، سألناه عن رأيه في مشاركة المرأة في الحملة الدعائية للانتخابات فجاء جوابه كالتالي: >مكان المرأة الطبيعي هو البيت ولا شأن لها بشؤون السياسة... فعن أية حقوق تبحث؟ إنها تقلد الغرب، والرجل قائم بدوره على أكمل وجه، ولا يحتاج إلى أن تشاركه المرأة مهامه الخاصة به، فهي فتنة وأتحدى من يقول إن المرأة ستفعل شيئا<. ولم يذهب (م.خ) (42 سنة) تاجر في مكتبة بحي التقدم بالرباط، بقوله بعيدا حين صرح بأن مشاركة المرأة غير جائزة شرعا وحصر مهامها في مجال الطب والتعليم أما المجال السياسي فهو حكر على الرجل. وفي المقابل يرى (ع ز) مجاز، أن الكثير من الناس ما زالوا يتحفظون من الحقوق السياسية للمرأة، والأمر في اعتقاده نوع من قصر الفهم سببه العرف الخاطئ والعادات المتوارثة، ويضيف (... فالمرأة ناضلت في سبيل الدعوة حتى كانت أول شهيدة في الإسلام والتاريخ لم ينس المرأة المهاجرة التي تركت ابنها وزوجها ومالها في سبيل دينها... فكانت حاضرة إلى جانب الرجل في معارك الكفاح...). مع هذا وذاك فإن خوض تجربة الانتخابات التشريعية بكل جدارة وقوة يحتاج منا إلى وقفة تضامنية من الرجل والمرأة على حد سواء. صالحة برزيزوي حبيبة أوغانيم