أصبح أمام اللجنة الملكية لتعديل مدونة الأحوال الشخصية حيز زمني لا يتعدى الأربعة أشهر لكي تنهي أشغالها وتقدم تقريرها النهائي لجلالة الملك، وخلال هذه الفترة فإن اللجنة تحاول كسب رهان الوقت وتقريب وجهات النظر بين أعضائها من أجل تحضير مدونة جديدة لا تكون محل خلاف. وكان جلالة الملك في خطاب العرش الأخير يوم 30 يوليوز الماضي قد أكد أن أمام اللجنة المكلفة باقتراح مدونة جديدة للأحوال الشخصية أجلا لا يتعدى السنة الحالية، وأكد أن المشروع الجديد عليه أن طيراعي مقاصد شريعتنا السمحة، والتزاماتنا الدولية في هذا الشأن". وإذا كانت اللجنة ما تزال تواصل أشغالها ولقاءاتها ومناقشاتها، ولم يتم بعد تحديد أي تصور واضح حول طبيعة ومضامين المدونة الجديدة، فإن هناك جهات أخذت تشكك منذ الآن في مصداقيتها وتستبق النتائج، محاولة التشويش على عملها والتأثير في أعضائها، وهو ما يعتبره البعض طعنا غير مبررفي لجنة شكلها جلالة الملك وفوض لها صلاحية التقرير في التعديلات الممكنة على فصول المدونة، بشكل يتجاوب مع الشريعة الإسلامية وهوية المغرب الحضارية. وفي هذا الإطار ظهرت بعض الأخبار بشأن وجود خلافات بين أعضاء اللجنة، وتهديد أحد أعضائها بالاستقالة، وهو ما نفته مصادر مطلعة وأكدت أن أعضاء اللجنة من حيث المبدأ ملتزمون بميثاق أخلاقي يقضي بعدم تسريب أي معلومات حول عملها ونقاشاتها الداخلية، والالتزام بسرية الأعمال ورفضت الإدلاء لنا بأي معلومات تخص سير أعمال اللجنة، الأمر الذي يطرح عدة تساؤلات بشأن هذه الأخبار التي تدخل في إطار التشويش على عمل اللجنة وسحب المصداقية عن أعضائها، وجلهم من العلماء، والمؤكد أن جهات معينة حاولت منذ تشكيل اللجنة الملكية للنظر في تعديل مدونة الأحوال الشخصية في شهر أبريل من السنة الماضية التأثير بشتى الطرق على أشغالها،وأخذت تتحدث عن غياب الانسجام بين أعضائها، وعن وجود خلافات بين توجهين متصارعين داخلها يمثل أحدهما وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، وكانت قضية الدمونة إحدى الأسباب التي كانت وراء الحملة الإعلامية القوية التي استهدفت هذا الأخير في العام الماضي، وصلت حد الدعوة إلى ابتعاده من الحكومة. وقد جاء تشكيل اللجنة المذكورة في السنة الماضية عقب المعركة التي أثارها شروع الخطة الوطنية لإدماج المرأة في التنمية الحكومي، وتباين المواقف حولها بشكل أصبح ينذر بمواجهة حتمية بين معسكري التغريب والهوية، وكان جوهر الخلاف في المشروع الحكومي يتركز على المطالب والتوصيات الواردة فيها حول مدونة الأحوال الشخصية، وقد أدى ذلك إلى المطالبة بالتدخل الملكي، باعتبار الملك أمير المؤمنين الذي له حق البث في مثل هذه القضايا الخلافية، وكان هذا المطلب موضع إجماع جميع القوى السياسية والنسائية والمدنية المغربية. لكن خرق هذا الإجماع جاء من القوى التي دافعت عن مشروع الخطة في السابق واعتبرت أنها "الحد الأدنى" للمطالب النسائية، إذ لم ترضها تشكيلة اللجنة الملكية وبدأت تتحدث عن وجود معسكر المحافظة ممثلا فيما سمته "حزب وزير الأوقاف" داخل اللجنة، كما لم يرضها أصلا أن يتم عزل موضوع المدونة عن الخطة الوطنية لادماج المرأة في التنمية، وعدت ذلك مقاربة تجزيئية لا تساير تطلعاتها الجذرية. وقد تمثل مخطط التشويش على اللجنة منذ تشكيلها في القفز على صلاحياتها ومحاولة فرض وجهة نظر محددة تريد تجاوز المدونة باعتبارها "القانون الأكثر إجحافا وإذلالا للمرأة"، كما ورد ذلك في المذكرة التي رفعتها القطاعات النسائية التابعة لأحزاب اليسار إلى الوزير الأول في الأيام الأولى لتشكيل اللجنة، وقادت بعض الهيئات النسائية حملة قوية ضد اللجنة من أجل الضغط والتأثير على أعضائها واستباق النتائج النهائىة بدعوى إسماع صوت هذه الهيآت للجنة، وكان هدف هذه الحملات الإعلامية المكثفة هو دفع هذه الأخيرة إلى اعتماد المرجعية الدولية أساسا لتعديل المدونة على حساب المرجعية الإسلامية التي تأتي في المرتبة الثانية، بدعوى "الالتزامات الدولية" للمغرب. ويبدو أن إقبار الخطة الوطنية لادماج المرأة في التنمية رسميا لم تستطع هذ الجهات ابتلاعه بسهولة، وهي ترى في تشكيل لجنة خاصة لتعديل المدونة سحبا للبساط من تحت أقدامها، وحرمانها من "ماركة" المرأة التي تتاجر بها سياسيا واقتصاديا وتزايد بها ايديولوجيا، خصوصا أن اللجنة لن تضع الصورة النهائية للمدونة الجديدة المقترحة إلا إثر الانتخابات التشريعية المنتظرة في شهر شتنبر المقبل، مما يسحب من هذه الهيآت ورقة انتخابية توظفها لأغراضها السياسية والانتخابية. إدريس الكنبوري