لك الله يا بلاد المسلمين، لك الله يا قلاع الموحدين والمرابطين، لك الله يا مدينة يوسف بن تاشفين، مراكش مدينة العلماء والصالحين، المدينة التي كتب تاريخها بمداد من فخر واعترف بشرفها كل مفكري العالمين ، أي حال هذا الذي أصبحت نسوانك عليه ، أي موال بات رجالك ينشدون من أجله ، ما بال فتيانك وفتياتك خرجوا عن طوع أمرك، ما بال حكامك فقدوا الموازين ، قبل أسبوع منع المنشد أبو راتب من لقاء محبي الكلمة الهادفة و اللحن الجميل ، حجتهم أن المتدينين العفيفين لم يحصلوا على ترخيص العارفين ، واليوم لا ترخيص ولاهم يحزنون ، اختير المكان بدقة وعناية، وتحولت المدينة ليلة الجمعة الماضية إلى ليلة كل مطرب وغانية، وتحولت ساحة جامع الفنا إلى مرقص كبير، وإلى "شاطئ" من المجون. المناسبة "اسبيسيال" اتصالات المغرب، شركة المغاربة الموقرة، التي تربح من القمار ومن الإشهار الملايين، ولا يكترث رؤوسها لا بالمحتجين ولا بالصائمين ولا بالذين هم عن الطعام مضربين، نعمت في الخيرات وغرقت، ولم ترد أن تفوت على سكان البهجة والسرور فرصة المشاركة للفوز بجوائز المجون، في إطار جولاتها المائعة في شواطئ مغربنا الحبيب. لم تكترث بالشائعات الضالات المضلات وبما قيل عن الساحة أنها قد عرفت محاولة للإرهاب وللتفجير، محولة التقطها كاميرا المخابرات ولم تكشفها بطاقات المشعوذين، فاستقدمت من بلاد محاربة الإرهاب ، من ينشط ليلة القمار، اختارته بلكنتين عربية وعجمية ، قدمته "شيخة" السهرة أنه من بلاد المسلمين ، قالت إن رأسه سقط في المدينة الحمراء. وتقول الرواية إن والده سماه "سيمحمد"، فأرضعته والدته رغبة الهجرة ففر وغادر ليتعلم، و اعترافا للمدينة بجميلها أتى إليها ليعلم الجهال ما تعلم، تحريك الأكتاف وهز البطون، وفن سلخ الذات وتغير الأسماء، ففي بلاد الغربة وحتى لا يتهم بشيء من عروبة ولا بقليل من تطرف، اختار وخيرا فعل أن يستبدله اسمه "سيمحمد"، والعهدة على الراوي دائما، إلى "سيمو" ثم إلى "سيمون" ،ولم لا إلى "شمعون. سيمون سايس" هذا اسمه الكامل. وعد جماهير المراهقين وجحافل المخنثين بالعودة في العام المقبل بجميع فرقته من الموسيقيين العفنين.واعتبره المنظمون من قلائل المطربين الذين يقبلون بالقليل لإشاعة العفن الذليل. بدأت السهرة وعطلت قوانين الحشمة واحترام الأماكن العامة، ونزلت الغمة على أصحاب "الحليقات" الذين جمعوا ً قشهم ً ، وعلى المتسولين الذين فروا من المكان حيث لم يعد توسلهم يدخل عطفا إلى أي قلب ولا نحيبهم يدا إلى أي جيب ، وتحولت الساحة إلى حلقة كبيرة للذكر، ذكر كلمات الفحش وجلب الشياطين من الإنس والجن أجمعين .ليلة الجمعة هذه لم يكتف المنظمون فيها بزرع مكبرات الصوت في كل بهو وفي كل جانب ،لتهتز من صدى الموسيقى الفاجرة كل أرجاء المدينة ، بل حملوا الساحة لوحة كهربائية تسري فيها تيارات البث الماجن المباشر، ليسهل التقاط مشاهد الخلاعة للأبدان المائلة المتمايلة وتنقله عبر الأثير إلى أبعد نقطة من الساحة حيث رست السيارات والدراجات وحتى عربات الخيول ،وليستمتع أصحاب الأعناق القصيرة بلقطات الخنا بالصوت والصورة، ويتمايل الشباب من الجنسين ومن "الجنس الثالث" سكارى. لم يكفهم ما تقدمه شاشاتنا من حفلات الغرب المتحضرين ، بل أرادوا لفتياننا وفتياتنا أن يطبقوا ما تعلموه من هذه الحفلات ويسلكوا سبل سياسة وضع أشباه النساء فوق أعناق أشباه الرجال، حيث تلتصق الساق بالساق والفخذ بالذراع، وتختلط رائحة العطور الرخيصة بروائح الإبط الكريهة . وفي نهاية السمر الماجن لم يفت مقدمة السهرة و"شيختها" أن تشكر الحضور على ما ضيعوا من أوقات و ً دراهيمً، ليتسابقوا على جوائز الفسق والمجون ، ولم يفتها أن تشكر رجال سلطاتنا المحلية المرخصين منهم والمتعاونين، ونحن بدورنا نشكر الله أنه لازال في هذا البلد الكريم من لا يشكر هذه السلطات على هذا الفسوق العفن، ولا ينساق إلى سوق النخاسة مع أشباه النساء وأشباه الرجال المجرمين. لك الله يا مدينة ابن تاشفين، قد علم كل غيور أنك تمنيت أن تبتر تلك الليلة وكل ليلة مثل هكذا ليلة من عمرك الطويل، قد علم كل مسبح أن ليلك ذلك اليوم بات مكسور الجناح يشكو ربه ظلم العابثين ، قد علم كل مؤذن أن صوامع مساجدك المزينة على غير عادة ودت أن يلفها سحاب رب العالمين، لكي لا تشهد خبث الماجنين.قد علم كل عاشق للحق وللجمال أنك فرحت بقدوم أبي راتب سيد المنشدين، وحزنت بقدوم سيمون اللعين . عبد الغني بلوط