في الوقت الذي يصبح فيه الإجماع الوطني حول الوحدة الترابية، ومواجهة العدوان الاسباني الجزائري المتعاظم على بلدنا، وفي الوقت الذي يحرص فيه الجميع على الوقوف صفا واحدا كالبنيان المرصوص من أجل رفعة راية المغرب والدفاع عن حوزته، وإسناد القائد الأعلى والمسؤول الأول عن ذلك، ألا وهو ملك البلاد، تأبى بعض المنابر الحاقدة التي أعماها المرض المركب عن لإبصار والاستبصار وأصبحت ملاذا لكل وساوس الأبالسة والشياطين المتخصصين في تزيين الفواحش ما ظهر منها وما بطن، وغزو الشباب المغربي وتضييع طاقاته العقلية والصحية والزمنية، وطعن الرموز الإسلامية القديمة والحديثة، لكل الوسائل الممكنة. ذلك ما درجت صحيفة السوء والزور والبهتان وكل المنكرات، صحيفة الأحداث المغربية والتي يطلق عليها المغاربة صحيفة الأخباث المغربية، والتي أضافها بعض الظرفاء إلى الأسباب الموجبة للغسل من الحدث الأكبر والحدث الأصغر... وآخر ما قامت به هذه الجريدة السوداء أنها طعنت في مؤسسات الدولة، ولفقت ضدها خرافة أثبت تحريات السلطة المغربية نفسها أنها كذب مضاعف. الخرافة هذه بدت خيوطها العنكبوتية يوم اعتدت القوات الإسبانية على جزيرة تورة المغربية وجيشت جيوشها، ونهض المغاربة كلهم ضد التعسف الإسباني واستعلائها علينا وازدرائها لنا، وانخرط الخطباء في المعركةيحرضون المؤمنين على الوحدة والتقوى والاعتصام بحبل الله لاستجلاب النصر وتحرير الجيوب الاستعمارية، ومثله مثل إخوانه الخطباء، خصص خطيب مدينة صفرو الخطبة الثانية لهذه القضية الوطنية الساخنة، وقال ما يلي بالحرف «أما بعد، أيها الإخوة المومنون، لا شك أنكم على علم بما جرى يوم الأربعاء 17 يوليوز، حيث احتلت إسبانيا جزيرة "ليلى" (تورة)، وهو تصرف لا يتفق ومبادئ حسن الجوار والأعراف الدولية، وينم عن العقلية الاستعمارية التي لا تزال تتحكم في سياسة إسبانيا، كما ينم عن كراهية دفينة، وحسد أن يصيب المغرب الخير، وأن تراه مغربا مزدهرا باسطا سيادته على جميع أرضه، كما قال جل وعز (ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين أن ينزل عليكم من خير من ربكم) وقال إن تمسسكم حسنة تسؤهم وإن تصبكم سيئة يفرحوا بها) فصدور أهل الكتاب من اليهود والنصارى كالمشركين تكن لنا الشر والضغينة والحسد والحقد، وهذه حقيقة يكشفها لنا الله تبارك وتعالى، وتتأكد لنا واقعا، كالذي رأيناه في انحياز الاتحاد الأوروبي المطلق لإسبانيا ودعمه لأطماعها، مما يبين بجلاء أن ملة الكفر واحدة، ويحتم علينا إعادة النظر في سياستنا الخارجية، والتسلح بالإيمان والتقوى، فإنها الدرع الواقي والعروة الوثقى، كما سبق الذكر، «وإذا غابت التقوى فالغلبة للأقوى»، كما قيل، وعلينا أيها الإخوة أن نوظف سلاح المقاطعة، فإنه من أمضى الأسلحة، فلانشتري البضائع الإسبانية، فإن كل سلعة نشتريها من سلعهم دعم لاقتصادهم وتوهين لاقتصادنا». وهذا يظهر أن الرجل قام بواجبه في النصح والإرشاد، ودعا إلي الاعتصام بالتقوى لتحقيق الغلبة والنصر، ولم يتكلم عن جنود ولا عن مؤسسة عسكرية، ولكن عندما تعمى القلوب التي في الصدور، وعندما يسير أهل الهوى والفتن على البطون وما تحتها مكبين على وجوههم يرون ما لا يراه الناس، وتستولي عليهم الهلاوس والأكاذيب والأراجيف فيقلبون الحقائق ويزورون الوقائع والأقوال، ويسعون إلى الإيقاع بين أبناء الوطن الواحد، وتوهين الجبهة الداخلية، والمس بمؤسسات الدولة وبذلك ينقلبون إلى طابور خامس يقدم الخدمات إلى خصوم الدين والدولة. وعندما نشرت الأكاذيب في صفحاتها السوداء، قامت السلطات بواجبها وتبين أن الأمر كذب ملفق وزور عظيم، وكان الرجل وهو خطيب المسجد الأعظم بصفرو، قد بعث بيان تكذيبه إلى الصحيفة المذكورة يسفه فيه ما ذهبت إليه، ويحيطها علما أنه أودع نظيرا من الخطبة لدى نظارة وزارة الأوقاف والسلطات المحلية بالإقليم، وذلك لما تضمنه المقال من خطورة وإثارة لفتنة، ورغم ذلك لم تتراجع الصحيفة عن غيها وبهتانها وبقيت مصرة على وساوسها. ماذا يملك المرء من دواء لقوم عميت قلوبهم فعميت أبصارهم، وصار الكذب والتدليس والفتن حرفتهم الأولى والأخيرة فإنها لا تعمى الأبصار، ولكن تعمى القلوب التي في الصدور. حسن سرات