(1) ظللنا منذ سنوات، كلما أظلتنا ذكرى عاشوراء، نصاب بحزن مقيم، وأسىً لا يوصف. تظلم الدنيا في أعيننا، ويظلنا هم مقيم، وأسف دائم. ولا علاقة لهذا الهم والغم باستشهاد الإمام الحسين السبط، رضي الله عنه وأرضاه. فإنا نحسبه عليه السلام شهيداً، اصطفاه الله وارتضاه. فقد مات وهو يدفع الظلم عن نفسه، ويدافع عن أهله وعرضه، وفوق ذلك، فإنه قتل لأنه كان يدافع عن كل المسلمين ضد الظلم والقهر والخروج على الشرع والدين. (2) لقد انتصر الحسين رضي الله عنه في كربلاء، ولم يهزم. ومن يقول بأنه هزم لا بد يرى أن يزيد انتصر وفاز. ومن كان هذا شأنه فإنه يتمنى أن يكون مكان يزيد بدلاً أن يكون مكان الحزين، وبئس المصير ذلك. ويشبه هذا قول من قالوا: «ليت لنا مثل ما أوتي قارون إنه لذو حظ عظيم». (3) لا نحزن طرفة عين على الحسين رضي الله عنه، حيث نرجو أنه ممن قيل له: «يا عباد لا خوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون.» وأنه كان من «الذين تتوفاهم الملائكة طيبين يقولون سلام عليكم ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون.» فليس هناك خوف ولا حزن على الإمام الحسين وصحبه، وإنما الخوف على الظالمين. (4) ما يحزننا هو القتل الحقيقي للإمام الحسين، والعدوان اليومي عليه كرمز وقدوة. فعندما يهتف المجرمون باسم الحسين، ويكتبون اسمه على رايات يزيد المخضبة بدماء الأبرياء، فهؤلاء هم حقاً قتلة الحسين. عندما تنقض ميليشيات إجرامية على المسالمين في بيوتهم ومساجدهم، فتقتل الركع السجود، وتغتصب الحرائر، ويدعي المجرمون القتلة وصلاً بالحسين، عندها يكون هؤلاء من قتل الحسين ومثل به ومرغ رمزيته في تراب البربرية والفسوق والعصيان. (5) يقتل الحسين كل يوم حين تلقى فيه براميل البغي والعدوان على بيوت المحاصرين، وتفجر الأسلحة الكيماوية فوق رؤوس الأطفال، ثم يساق المغرر بهم لنصرة من تولى كبر هذه الجرائم، تماماً كما سيق الغوغاء إلى كربلاء ليحاصروا الحسين ويمنعوا عنه وأطفاله الماء كما منع عن حمص والقصير، وهم يهتفون: «لبيك يا حسين». مثل هذا ما يؤلم الحسين وكل محب له. فهل استشهد الحسين ليحمل راياته وينادي باسمه من يموت يزيد خجلاً من منكر أفعالهم؟ (6) ما يصدق على من يفترون الكذب على الحسين يصدق كذلك على من يرفعون راية الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم تسليماً كثيراً، ويرتكبون تحت ظلالها جرائم يندى لها جبين عتاة المجرمين. وهذا أبشع عدوان على الله ورسوله الكريم. فارتكاب الكبائر له عواقبه وعقوباته، وكفى به إثماً مبيناً. أما حين يضيف مرتكب الكبائر افتراءً وبهتاناً: «والله أمرنا بها»، فإنه يضيف إلى إثمه ما هو أعظم منه بكثير. (7) جاء في القرآن أن الله سبحانه وتعالى يستنطق الأنبياء يوم القيامة عن غلو أتباعهم، وما افتروه عليهم وهم منه براء. عندها يتبرأ الأنبياء صادقين من الفرية وممن افتراها: « وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله قال سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق إن كنت قلته فقد علمته تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك إنك أنت علام الغيوب.» وذاك يوم ينفع فيه الصادقين صدقهم، أما الكذابون المفترون، فيودون لو أنهم كانوا تراباً. (8) لا شك أن الحسين عليه السلام بريء مما يرتكب باسمه، وأن هذه البراء ستعلن على رؤوس الأشهاد يوم ينفع الصادقين صدقهم، حين يتبرأ رسول الله وسبطه من كل مجرم ومنتحل. ونحن نشهد الآن على هذه البراءة. (9) نكرر حتى لا يبقى لمن ختم الله على قلوبهم عذر: إن يزيداً لم ينتصر في كربلاء، بل كان الحسين هو المنتصر. وكذلك لم ينتصر يزيد العصر ولن ينتصر. ومن اتخذ خليفة يزيد ولياً من دون الله والمؤمنين، وطلب عنده العزة ولا عزة إلا عند الله وجنده، فإنه كمثل العنكبوت اتخذ بيتاً. وهذا شأنه. كل ما نرجوه ألا يضيف دم الحسين إلى دماء الأبرياء التي سفك. فكفاه تلك الدماء، وهي دماء غرق فيها ولا مخرج له منها، لأنه سيضطر كل يوم إلى سفك المزيد منها حتى يدركه القدر المحتوم. اقتلوا من شئتم أيها القوم، ولكن كفوا أيديكم وألسنتكم عن الحسين!