الحق في الحياة وفقا للقانون الدولي لحقوق الإنسان يعتبر من الحقوق الأساسية، لا يجوز معه الحكم بالإعدام إلا مع احتياطات تتعلق بالجرائم الخطيرة وشروط ترتبط بالضمانات الضرورية للمحاكمة العادلة. ويلاحظ أن صياغة العديد من الاتفاقيات الدولية والإقليمية جاءت منسجمة مع قاعدة التوازن بين التنصيص على مبدأ الحق في الحياة مع تقييد عقوبة الإعدام بمجموعة من الشروط والضوابط. وهكذا نصت المادة 6 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية في فقرتها الثانية على أنه: «لا يجوز في البلدان التي لم تلغ عقوبة الإعدام أن يحكم بهذه العقوبة إلا جزاء على أشد الجرائم خطورة وفقا للتشريع النافذ وقت ارتكاب الجريمة وغير المخالف لأحكام هذا العهد ...» وفي هذا السياق ذهبت لجنة حقوق الإنسان في تعليقها على المادة 6 من العهد المشار إليه إلى تفسير دقيق بقولها : «مع أنه يستنتج من المادة 6-2 و6-6 أن الدول الأطراف ليست ملزمة بإلغاء عقوبة الإعدام إلغاء تاما، فإنها ملزمة بالحد من استخدامها، ولا سيما بإلغاء الحكم بها إلا في حالة ارتكاب «أشد الجرائم خطورة» لذلك ينبغي لها أن تفكر في إعادة النظر في قوانينها الجنائية في ضوء ما سبق، وهي ملزمة، على أية حال، بقصر تطبيق عقوبة الإعدام على «أشد الجرائم خطورة»، وقد فسرت اللجنة لاحقا الجرائم أشد خطورة على أنها الجرائم «المتعمدة التي تسفر عن نتائج مميتة أو نتائج أخرى بالغة الخطورة» واعتبر المقرر الخاص المعني بحالات الإعدام خارج نطاق القانون أو بإجراءات موجزة أو الإعدام التعسفي، أنه ينبغي أن تعتبر لفظة «المتعمدة» معادلة لسبق الإصرار وينبغي أن تفهم على أنها نية القتل المتعمد. التفسير نفسه ذهبت إليه الاتفاقية الأوروبية لحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية إذ نصت في المادة 2 منها المتعلقة بالحق في الحياة على أن «القانون يحمي حق كل إنسان في الحياة. ولا يجوز إعدام أي إنسان عمدا إلا تنفيذا لحكم قضائي بإدانته في جريمة يقضي فيها القانون بتوقيع هذه العقوبة». كما أن الاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان في مادتها الرابعة تبنت نفس التوجه بتنصيصها على أنه «لا يجوز في البلدان التي لم تلغ عقوبة الإعدام أن توقع هذه العقوبة إلا على أشد الجرائم خطورة وبموجب حكم نهائي صادر عن محكمة مختصة ووفقا لقانون ينص على تلك العقوبة، ويكون نافذا قبل ارتكاب الجريمة». يستنتج مما سبق أن عقوبة الإعدام لم تحظر بشكل مطلق من طرف القانون الدولي لحقوق الإنسان، غير أنه تم التأكيد في حالة عدم الإلغاء على وضع ضوابط وشروط لتطبيقها.. إن هذه الخلاصة لا تتغاضى عن كون أجهزة وهيئات الأممالمتحدة العاملة في مجال حقوق الإنسان، بما في ذلك مجلس الأمن واللجنة المعنية بحقوق الإنسان والجمعية العامة والمجلس الاقتصادي والاجتماعي، قد عبرت بوضوح عن الرغبة في إلغائها في قرارات ومناسبات مختلفة، وهو ما يمكن اعتباره تحولا تدريجيا داخل الأممالمتحدة يشجع على إلغاء عقوبة الإعدام. وقد تجلى هذا التوجه في اعتماد البروتوكول الاختياري الثاني للعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية. لكن هذا التحول لم يصل بعد إلى درجة التقعيد القانوني الملزم لجميع الدول، وهو ما يعطينا الحق في تأصيل أطروحة ثالثة تنسجم مع المعايير الأساسية لحقوق الإنسان وتبقي على عقوبة الإعدام في الجرائم الخطيرة وفق ضوابط وشروط دقيقة. إن الإيمان بتعدد التشريعات الوطنية في هذا الباب هو الذي جعل لجنة حقوق الإنسان تصدر مجموعة من القرارات، ومنها القرار رقم 12/1997 المتعلق بمسألة عقوبة الإعدام، والذي تطلب فيه من جميع الدول «التي لم تلغ بعد عقوبة الإعدام أن تحد تدريجيا من عدد الجرائم التي يجوز المعاقبة عليها بتوقيع الإعدام» ودعت أيضا الدول إلى النظر في وقف تنفيذ عمليات الإعدام، كما وضعت معايير لتطبيق عقوبة الإعدام. كما أوصت لجنة حقوق الإنسان، بقرارها 1982/29 المؤرخ ب 11آذار/مارس 1982، المجلس الاقتصادي والاجتماعي أن يطلب إلى رئيس اللجنة تعيين شخص له مكانة دولية معترف بها مقررا خاصا ليقدم تقريرا شاملا إلى اللجنة في دورتها التاسعة والثلاثين عن حدوث حالات «الإعدام التعسفي وبإجراءات موجزة». ووضع المجلس ولاية المقرر الخاص المتعلقة بحالات الإعدام التعسفي وبإجراءات موجزة في قراره 1982/35. وجددت لجنة حقوق الإنسان ولاية المقرر الخاص عدة مرات ووسعت عنوان الولاية في قرارها 1992/72 ليتضمن عبارة «بلا محاكمة» بالإضافة إلى الإعدام «التعسفي وبإجراءات موجزة». هكذا يتضح بما لا يدع مجالا للبس بأن المقصود من وراء التشريعات الدولية هو الإعدام التعسفي الذي يتم خارج نطاق القانون وبإجراءات موجزة. إن هذه العقوبة التي عرفتها البشرية منذ الأزل وأقرتها الديانات الثلاث وتبنتها تشريعات معاصرة، يتداخل فيها البعد الحقوقي بالبعد القانوني بمدارسه المختلفة، بالإضافة إلى البعد الديني وتأثيره في صياغة نظام الجرائم والعقوبات في مختلف الحضارات والثقافات. غير أن هذه العقوبة أصبحت اليوم محل خلاف عالمي تعيشه العديد من الدول حيث تتجاذبها ثلاثة اتجاهات تتراوح بين دول تبنت الإلغاء الكلي لعقوبة الإعدام، ودول أبقت على عقوبة الإعدام مع التنفيذ، ودول أبقت على عقوبة الإعدام مع وقف التنفيذ مثل حالة المغرب. وهكذا يظهر بأن موضوع عقوبة الإعدام من الإشكاليات العالمية الكبرى التي تختلف بشأنه الآراء والمواقف تبعا لاختلاف المقاربات وتباين المرجعيات على الصعيد الدولي والوطني، ويلاحظ أن المطالبين بالإلغاء على الصعيد الدولي يراعون الدعوات الرامية إلى الإلغاء التام لعقوبة الإعدام والحرص على الحق في الحياة بالنسبة للجناة، أما المطالبون بالإبقاء فإنهم يستهدفون الدفاع عن الضحايا وعن حقهم في الحياة كما يراعون فلسفة القانون الجنائي الرامية إلى زجر الجناة والحد من الجريمة بالإضافة إلى استحضار التوجه الثقافي الغالب داخل المجتمع، دون إنكار دور أحكام الشريعة بالنسبة للمسلمين. لقد حرص القرآن الكريم على معاقبة القتل العمد بالقصاص و جعل الحق في المطالبة بإنزال العقوبة على القاتل بيد ولي الدم حيث خوله حق العفو على القاتل بل رغبه فيه..وهو ما يفتح المجال واسعا أمام إلغاء عقوبة الإعدام في العديد من الجرائم مثل جرائم محاولة القتل أو المشاركة والقضايا السياسية، مع الإبقاء عليها في جرائم القتل الخطيرة وفق شروط محدودة، إلا في حالة عفو ولي الدم.. والله أعلم.