في قراءة سريعة للتاريخ الحديث يتبين أن التحالفات العسكرية لم تقم إلا ضد تحالفات مضادة أو في حالات معدودة ضد دولة قوية عسكريا مجتاحة لدول أخرى ومكتسحة لكل من يقف أمام جبروتها.من النموذج الأول، أذكر تشكل مجموعة الحلفاء ضد مجموعة المحور خلال الحرب العالمية الاولى(على اثرها سقطت الامبراطورية العثمانية وقُسِّم العالم العربي الى شبه دويلات).وأيضا تشكل حلف وارسو(الاتحاد السوفييتي ومن يدور في فلكه) ضد حلف شمال الاطلسي(أمريكا وكثير من الدول الغربية) خلال الحرب الباردة. أما في النموذج الثاني فيمكن أن نذكر التحالف ضد النظام النازي خلال الحرب العالمية الثانية (وإن كانت في جزء منها حرب بين الحلفاء ودول المحور).وأيضا تشكل تحالف دولي مطلع تسعينيات القرن العشرين ضد العراق (لم يكن يحمل صفة الدولة القوية حينها بل كان مدخلا لاحتلال الخليج أمريكيا). لكن مع تفكك الاتحاد السوفييتي ، انتهت الحرب الباردة واشتعلت حرب أخرى غير باردة اتخذت البلدان الاسلامية ساحة لها وأبناء هذه الأرض عدوا مستهدفا. ظهر ذلك جليا مع حرب الخليج الأولى ووأد الربيع الجزائري في مطلع التسعينات ودعم أطراف في افغانستان لإشعال حرب أهلية ورعاية دول بعينها لتنظيم القاعدة . وكل ذلك تمهيدا لخلق عدو خارجي لأمريكا وحلف شمال الاطلسي. في هذا السياق صار تشكيل التحالفات ليس ضد تحالفات مضادة أو دول عظمى وقوية بل ضد تنظيمات صغيرة تحت شعار محاربة"الإرهاب" الذي رفعته أمريكا. وٍأحدث هذه التحالفات تشكل قبل أسابيع قليلة. فبإشارة واحدة من أصبع أمريكا،هرول المهرولون للانضمام إلى جوقة التحالف الجديد (حتى الأعراب الذين لم يحركوا طائراتهم لتحرير جزر لهم تحتلها إيران وأخرى يحتلها الكيان الصهيوني – نظرا لجبنهم – شاركوا في الغارات على مسلحين لايملكون مضادات للطيران) . إنهم سيقاتلون (بخمسين جيشا في التحالف) "إمبراطورية داعش العظمى" !!! قوام هذه"الإمبراطورية " ثلاثون ألف مسلح تقريبا(وفق تقديرات المخابرات الامريكية) وبعض الدبابات وقليل من الأسلحة الثقيلة. ولا تملك أسلحة نووية ولا بارجات ولا صواريخ عابرة للقارات ولا حصون لا تقهر . أما رصيدها من سلاح الجو فصفر كبير. نعم هذه هي حقيقة هذه "الامبراطورية" المخيفة بالأرقام. أما حدودها فجزء من أرض العراقوسوريا وهي حدود عائمة غير ثابتة. فهل "داعش" بهذه المقومات تستدعي فعلا كل هذا الحشد الدولي؟؟! وهل الجيش العراقي وحده (لو كان مهنيا) لا يستطيع أن يقضي على هذه الجماعة المتطرفة؟؟! ولماذا تُرِك ثوار سوريا لمصيرهم بين وحشية النظام ووحشية "داعش"؟؟ في حين كان بقدرتهم لوحدهم دحر "داعش" والنظام معا لو لم يُطعنوا من الخلف من طرف بعض الأنظمة العربية والغربية التي تخلت عن دعهمهم خوفا من صعود الإخوان المسلمين للحكم بعد الأسد!! إن التحالف العسكري بهذا الحجم كان يمكن أن يكون "مبرَّرًا" لو أن تنظيم "داعش" يملك مواصفات الامبراطورية التي لاتغيب عنها الشمس.أو أن التنظيم يملك بنك أهداف عسكرية تستأهل غارات جوية مكلفة للغاية(لا نعلم حتى الآن من يمول هذه الغارات!!).وبما أن "إمبراطورية داعش العظمى" لا وجود لها في الواقع (بل هي جماعة إرهابية معزولة) فإن الثابت أنها مجرد بالون نفخ فيه الغرب (وبعض الأعراب المغرضين)لإطالة الاحتلال الأمريكي -الغربي للمنطقة العربية في أفق إعادة توزيعها الى كنتونات طائفية وعرقية دائمة التناحر.ولاشك أن حديث كل المسؤولين الغربيين عن صعوبة القضاء على "داعش" إلا من خلال حرب تطول 10 سنوات أو أكثر يدل على النية المبيتة للتحالف في هذه المنطقة. وأكاد أكون شبه متأكد أنه عندما تصير ورقة هذا التنظيم غير صالحة سيولدون من رحمه تنظيما أكثر تطرفا لإبقاء الاحتلال المباشر هناك واستباحة الأرض والانسان والثروة لهم.