تربية الأبناء تحتاج إلى عناية واهتمام خاص وإلى علم ومعرفة كافية لمواجهات تحديات عديدة فرضتها التحولات القيمية والإعلامية التي عولمت كل شييء، وفتحت الأبواب لمختلف الجهات لنشر توجهاتها وأفكارها وسلوكاتها التي تحمل الكثير من وسائل التدمير والانحراف. فكيف يواجه الآباء التحديات التي تواجههم في تربية أبنائهم؟ هذا ما تتناوله الأسطر التالية: رعاية أم عائشة فتاة تجاوزت العشرين من عمرها وقضت المرحلة الثانوية كما الجامعية بسلام غير متأثرة برياح الانحراف التي تجر الفتيات إلى الهلاك بسبب الرفقة السيئة أو التأثير السلبي للمؤثرات الخارجية عن الأسرة. أكدت عائشة في تصريح ل "التجديد" أن الفضل في وقايتها يعود لأمها التي كانت عونا لها في طريقها. وأجابت عائشة عن الطرق التي كانت تستعملها معها والدتها لحمايتها فأجابت: "الأصل أنه لحمايتي من انحراف السلوك في الثانوية مهدت منذ السنوات الأولى، فقد كانت تعرفني بالمظاهر الموجودة في المجتمع والمرفوضة أخلاقيا ودينيا قبل أن تكون عيبا". وأضافت عائشة التي تلتزم بالزي الإسلامي أنها لم يسبق لها أن تعرضت يوما ما لمحاولة جر للانحراف من قبل زميلات الدراسة وقالت في حديث ل "التجديد": "صراحة لا ربما لأن أسلوب التعامل واللباس والكلام يجعلهن يبتعدن عني وكثيراً ما لقبت بالمعقدة من بعضهن"، بل إن عائشة كانت تحاول، حسب قولها، إنقاذ بعض الفتيات من السير في الطريق غير الصحيح وكثير منهن يبدين استجابة، مؤكدة أن بعض الأساتذة كانوا أيضا على قلتهم يهتمون بسلوك التلاميذ وينفتحون عليهم. معاناة أم (ب . م) أم لفتاة عمرها ستة عشر سنة عانت معها الويلات لمجرد أنها أصبحت ترافق بعض الفتيات اللواتي جررنها إلى بعض السلوكات غير المحببة على رأسها التغيبات عن الدراسة ومرافقة الشباب، وبمجرد ما علمت الأم بالأمر بدأت تعمل كل ما في جهدها لإرجاع ابنتها إلى الطريق الصحيح فقد أصبحت الأم، حسب قولها ل "التجديد" تتصل بالأساتذة تتفقد أحوال بنتها وانضمت إلى جمعية آباء وأولياء التلاميذ وبحثت عن المستشارين في قضايا الشباب والمراهقين ومدت جسور التواصل مع ابنتها أكثر من السابق حتى عادت البنت إلى صوابها واهتمت بدراستها واستعادت تفوقها بعدما فقدته بسبب الرفقة السيئة. رفقة الآباء المصطفى يطو، باحث في مجال علم النفس أكد في تصريح ل "التجديد" بخصوص الرفقة الصالحة لدرء انحراف الأبناء قائلا: "تعتبر الأسرة المحضن الطبيعي والبيئة التأسيسية الأولى لكل فرد فهي مدرسته الأولى وفيها تتشكل شخصية الطفل ونفسيته، فهي المجتمع المصغر الذي يعيش فيه الطفل ويتأثر به ويتلقى داخله المبادئ الأساسية في التنشئة الاجتماعية حيث يلقنه التربية والأخلاق، ففيه تنمو قدراته من خلال التفاعل مع غيره ويؤهله للاندماج في المجتمع الكبير. . وفيها ينشأ الأطفال ويتأثرون بوالديهم تأثرا بالغا بحيث أن الأولاد ينطبعون بطابع الوالدين وهو ما يسمى في علم النفس" بالتقمص" أى تقليد الآباء في سلوكهم والتخلق بأخلاقهم وقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى ذلك في حديثه الشريف "كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه، أو يمجسانه" ويقول الشاعر: وينشا ناشئ الفتيان فينا …على ما كان عوده أبوه مما لاشك فيه أن للوسط الأسري الذي يعيش فيه الطفل أثر بالغ كبير على شخصيته وقيمة أفكاره وسلوكه، فالبناء الاجتماعي المتماسك لايتحقق إلا ببناء نفسيات أبنائه وقيمهم وثقافتهم لأنها السور الذي سيؤمن لهم الحماية والقدرة على التفكير السليم والعطاء. فالأسرة تقوم بوظيفة نفسية تتمثل في إشباع احتياجات أفرادها من الأمن والسكينة والاستقرار والحب والتقبيل واللعب وممارسة هوايات مختلفة. ويجب الاعتراف أن تربية أبناء هذا الجيل تعتبر المعادلة الأكثر صعوبة وتحديا أمام الوالدين في ضوء تعقيدات الحياة المعاصرة ومشكلاتها المختلفة التي أخذت تتصاعد وتلقي بظلالها الكئيبة على الإنسان. فبفضل كثرة المنابع الثقافية الجديدة من وسائل الاعلام والاتصال أصبحنا نستقبل أفكار الأمم وثقافتهم، فالمؤثرات الإعلامية والتواصلية أصبحت لها الكلمة الأولى في تحديد أخلاق الأجيال وثقافتهم". وأضاف الباحث في مجال علم النفس أن "الخطير في هذه القضية هو حجم التاثير الكبير وسرعة التغيير الذي أحدثثه هذه الوسائل الحديثة في مستوى الثقافة والأخلاق والسلوك والذوق العام، إلى درجة يفقد معها الوالدون القدرة على التفاهم مع أبنائهم، بل ربما لا يجدون الوقت لممارسة التوجيه والتربية ليس لانشغالهم بل لأن أولادهم لاوقت لديهم لانشغالهم بالفضائيات أو الأنترنت. فكلنا يرى الركض اللاهت للآباء وراء تحصيل المعيشة على حساب تربية الناشئة وتحصينهم من موجات الإعلام غير الهادف وبالتالي فرض الرقابة على ما ينبغي أن يشاهد أو لايشاهد . وأشير إلى أن لوسائل الاتصال دورها الإيجابي في مجال المعلومات والترفيه، إلا أن هذه الايجابية ليست خالصة بل يشوبها كثير من المضار ويتجلى ذلك في قدرتها على السيطرة على العامة ودس الشر في النفوس من خلال الأفلام العنيفة والماجنة … ولهذا فهي مثل السكين إما أن يستعمل في الأكل أو يستخدم في القتل". أمن الأبناء يرى الأستاذ الباحث مصطفى يطو أن نجاة الأبناء تتحقق كلما تحقق الأمن لهم في ظل أسرة قادرة وقال بهذا الصدد: "إن هذا الدور لا يتحقق إلا في ظل أسرة واعية تحقق في أبنائها الأمن النفسي، والجسدي، والغذائي، والعقدي، والاقتصادي، والصحي بما يشبع حاجاتهم النفسية والتي ستنعكس بالرغبة الأكيدة في بث الطمأنينة في كيان المجتمع كله وهذا ما سيعود على الجميع بالخير الوفير. وأول تكوين لأي فرد من أفراد الأسرة هما الأبوان، فالأبوان مرآة يرى فيها الأبناء أنواع السلوكيات التي تنعكس آثارها على الأبناء بعامل القدوة، لا سيما إذا كان الأبناء في مرحلة الطفولة فهم أكثر تقليداً لمن حولهم، فانحراف الآباء يعطي مؤشراً كبيراً على تأثر الأبناء بهذا الانحراف. قال الشاعر: وينشأ ناشئ الفتيان فينا****على ما كان قد عوَّده أبوه كما أن اختيار الرفقة الصالحة لها دور كبير في تربية الأبناء والمحافظة على سلوكياتهم من الانحراف. فالمرء من جليسه، وفي الحديث (المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل). ودور الوالدين في هذا العامل المهم هو حسن الاختيار، لأن الأبناء لا غنى لهم عن الرفقة الطيبة، والصحبة الطاهرة، التي تعينهم على الحق وتدلهم عليه، فليس من الصحيح أن يعيش الأبناء في عزلة عن الآخرين فإن ذلك يسبب كبتاً وضيقاً يولد ما لا تحمد عقباه في ما بعد. كما أن على الأبوين الاستمرار في متابعة الأبناء ومعرفة من يصاحبون خوفاً من دخول شخصيات غريبة تفسد أكثر مما تصلح، ومتى رأى الأبوان جليساً غير صالح وجب التحذير منه وإبعاده عن محيط الأبناء؛ ففي حسن الاختيار والمتابعة والمراقبة خير معين..