أفرد تقرير "الهيئة المركزية للوقاية من الرشوة 2012/2013"، حيزا خاصا لمصفوفة محينة بغرض محاربة الرشوة والفساد، تمحورت حول ستة توجهات إستراتيجية، موزعة إلى 37 اقتراحا، وأزيد من 260 إجراء قانونيا ومؤسسيا وعمليا. أولا: توصيات على مستوى النهوض بالتواصل والتحسيس والشراكة -المساجد والمجالس العلمية التي ينبغي أن تضطلع برسالتها كاملة في التنديد بالفساد والتربية على قيم الأمانة والمسؤولية والمحاسبة بما يسمح باستثمار مجموعة من المفاهيم الروحية الراسخة في الوعي الجماعي باعتبارها الرصيد الكبير والمرتكز الأساس لتوطين مرتكزات المنظومة الوطنية للنزاهة. -مستوى المدرسة الذي يعتبر من أهم المستويات التعليمية وأكثرها فعالية، ويتطلب بطبيعته نضالا طويلا لا تؤتى ثماره إلا على المدى البعيد، لكن بإمكانه أن يساهم إذا ترافق مع مبادرات أخرى في تحسين العقليات بشكل تدريجي للتلاميذ وللأسر. -هيئات المجتمع المدني التي يتعين دعم مجهوداتها الهادفة إلى إذكاء الوعي العام بظاهرة الفساد ومخاطرها. -مستوى الجامعة، وهو من أهم المستويات التعليمية لإحداث تحول سريع نسبيا في العقليات، حيث يتعين توجيه الجهد الأكاديمي بالأولوية نحو التخصصات ذات الصلة بشؤون الدولة والقانون دون إغفال استهداف المجالات الأكاديمية الأخرى. -مؤسسات التكوين الوظيفي المستمر، حيث ينبغي استهداف إصلاح العقليات لدى مختلف المهنيين ذوي الخبرة الذين سيكونون على احتكاك مباشر بدولة القانون من خلال إدخال البعد الأخلاقي في التدريب المهني. -النهوض بحس المصلحة العامة وإدماجه مع حس المواطنة الصالحة في إطار برمجة مواد دراسية متعددة وتمارين تعليمية متنوعة فعالة بأثرها غير المباشر على العقليات. -التركيز على ازدياد إدراك آثار الفساد الضارة على المدى البعيد سواء على الصعيد الفردي أو الجماعي مما سيؤدي تدريجيا إلى الامتناع عن ممارسة الفساد أو تشجيعه أو تقبله كأمر واقع. -تعزيز الحس الأخلاقي من خلال استثمار القيم الدينية والأخلاقية التي لا تزال مترسخة وحية في مجتمعنا وتلتقي في جوهرها مع القيم الكونية المتعارف عليها في هذا المجال. -ترسيخ القناعة في نفوس الناشئة بالترابط المتلازم بين المسؤولية والمساءلة وبالعدالة واحترام سلطة القانون. -إرساء قيم النزاهة في نفوس الناشئة عن طريق تعريفها بالمضيء من تاريخها. ثانيا: توصيات النهوض بالحكامة الجيدة وتعزيز الوقاية من الفساد -إجبار المسؤولين المزاولين لمهام حساسة على التصريح الشامل بالمصالح الشخصية المرتبطة بهذه المهام. -العمل على توحيد الأنظمة الأساسية والخاصة المنظمة للوظيفة العمومية في شكل نظام أساسي عام يشمل مختلف وظائف القطاع العام، ويتضمن مقتضيات وقائية لمنع كل الممارسات المؤدية إلى تضارب المصالح الناتجة عن الحيف المادي. -تمكين المجلس الأعلى للحسابات من الإمكانيات البشرية والمادية اللازمة للنهوض بهذه المهام مع ما يقتضيه ذلك من إحداث غرفة بالمجلس الأعلى وفرع بكل مجلس جهوي تختص بتلقي وتتبع التصاريح الإجبارية بالممتلكات، -تفعيل القانون رقم 06 -35 بتاريخ 30 نونبر 2007 المحدث للبطاقة الوطنية للتعريف الإلكترونية القاضي بقيام هذه البطاقة مقام شهادات عقد الازدياد والسكنى والحياة والجنسية. -إيلاء أهمية خاصة للمراقبات والتدقيقات الداخلية المتعلقة بالصفقات الجماعية عند تحديد هياكل الجماعات الترابية، -الارتقاء بالديمقراطية الداخلية للأحزاب، لا سيما عبر ترسيخ مفهوم التعددية السياسية التي تجد عمقها في الامتدادات الشبابية والطلابية والعمالية والنسائية والجمعوية للحزب، مع إيجاد قنوات مرنة لضمان تمثيلية الجميع في الهياكل التقريرية للأحزاب. -تضمين قانون الأحزاب مقتضيات تنص على المسؤولية المدنية للأحزاب فيما يتعلق بجميع أفعال الفساد المرتكبة من طرف المترشحين للانتخابات المنتسبين إليها، بما يتفق مع مقتضيات المادة 26 من الاتفاقية الأممية لمكافحة الفساد. -التنصيص في القانون التنظيمي لانتخاب أعضاء مجالس الجماعات الترابية على إدراج التحقيق في نفقات المترشحين للانتخابات الجماعية من طرف المجلس الأعلى للحسابات ضمن الاختصاص المتعلق بمراقبة استخدام الأموال العمومية الذي يضطلع به هذا المجلس وفق الشروط المحددة بمدونة المحاكم المالية. -العمل بانتظام على نشر المعلومات حول صفقات الخوصصة والأراضي العامة ومناقصات الشراء، ولاسيما المعلومات الخاصة بالمستفيدين. -إقرار آليات تنسيقية بين المؤسسات العامة المتعاملة مع القطاع الخاص لاحتواء التلاعبات المرتبطة بالتملص الضريبي. -ضمان استقلالية مجلس المنافسة وتعزيز قدرات تدخله وتوسيع مجال الإحالة عليه، مع تمكينه من المبادرة بشكل تلقائي بالتحريات اللازمة في الممارسات المنافية للمنافسة بما يقتضيه الأمر من سلطة تقريرية تسمح له بإصدار العقوبات وإحالة القضايا عند الاقتضاء على القضاء إذا تعلق الأمر بمتابعات جنائية مع إمكانية الطعن في قراراته. -تكليف مجلس أخلاقيات القيم المنقولة بالسهر على توسيع مجال تنفيذ مدونة الممارسات الجيدة لحكامة المقاولة وتتبع تنفيذها. ثالثا: إجراءات تدعيم فعالية ونجاعة مؤسسات المراقبة والمساءلة - تقييد السلطة التقديرية للوزير الذي تحال عليه تقارير المفتشيات العامة بإلزامية تحريك المسطرة التأديبية أو الإحالة على النيابة العامة عند الاقتضاء على ضوء التجاوزات المرصودة. -نشر تقارير المفتشيات العامة مع تضمين مبدإ تتبع مآل التوصيات الصادرة بالتقارير السابقة ضمن التقرير التركيبي السنوي. -رفع السر المهني عن المفتشين تماشيا مع مقتضيات الدستور الجديد الضامنة لحق الولوج للمعلومات، وتجاوبا مع مقتضيات التعديل الجديد للمسطرة الجنائية خصوصا المتعلقة بحماية المبلغين، واستجابة لمستلزمات النهوض بمهام تعاون هذه المفتشيات مع كل من المحاكم المالية والمفتشية العامة للمالية والهيئة المركزية للوقاية من الرشوة. -مراجعة المادة 51 من مدونة المحاكم المالية بالتنصيص على إخضاع أعضاء الحكومة ومجلسي النواب والمستشارين للاختصاص القضائي للمجلس الأعلى للحسابات في ميدان التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية مع إلغاء المادة 52 من هذه المدونة. -مراجعة المواد 114،111 ، 162 و 163 من مدونة المحاكم المالية بتمكين النيابات العامة لدى المحاكم المالية من رفع الأفعال التي تستوجب عقوبات جنائية مباشرة إلى وكلاء الملك. -قيام المجلس الأعلى للحسابات بالنشر المنتظم للأحكام القضائية طبقا لمقتضيات الدستور. -مطالبة الوزارة الوصية على الجماعات المحلية بالانصراف نحو إحالة ملفات مرتكبي المخالفات المخلة بالضوابط الأخلاقية والقانونية والتدبيرية على المجالس الجهوية للحسابات للبت فيها في إطار التأديب المتعلق بالميزانية. رابعا: إجراءات تحيين وملاءمة السياسة الجنائية مع متطلبات مكافحة الفساد -تجريم الإثراء غير المشروع المحدد في «كل زيادة كبيرة لموجودات الموظف العمومي التي لا يستطيع تعليلها بصورة معقولة قياسا إلى دخله المشروع» وفق ما نصت عليه مقتضيات المادة 20 من الاتفاقية الأممية. -تجريم محاولات تهرب المقاولات من المخصصات الاجتماعية ومستحقات العمال واعتبارها شكلا من أشكال الاغتناء غير المشروع واستغلال النفوذ. -التجريم الصريح لرشوة الموظفين العموميين الأجانب وموظفي المؤسسات الدولية العمومية، طبقا لأحكام المادة 16 من اتفاقية الأممالمتحدة لمكافحة الفساد وتمديد اختصاص المحاكم المغربية إلى هذه الجنحة المرتكبة خارج أراضي المملكة المغربية. -توحيد عقوبات الحبس والغرامة المنصوص عليها بالقانون الجنائي بالنسبة للرشوة والارتشاء بالقطاعين العام والخاص. -تضمين القوانين التنظيمية المتعلقة بمجلسي النواب والمستشارين وانتخاب أعضاء مجالس الجماعات الترابية مقتضى ينص بالنسبة للمخالفات المتعلقة بتسخير الممتلكات العمومية في الحملات الانتخابية على تطبيق مضاعفة العقوبة إذا كان مرتكب هذه المخالفات موظفا عموميا أو مأمورا من مأموري الإدارة أو جماعة محلية. -التنصيص في العقوبة المقررة لجريمة الرشوة في القطاع الخاص على عتبة لمضاعفة العقاب كما هو الشأن بالنسبة لعقوبة جريمة الرشوة في القطاع العام. -تحسين أداء الجهاز القضائي عبر اعتماد سقف زمني معقول للبت في القضايا المعروضة أمام المحاكم، ونظام لتوزيع القضايا مبني على معايير موضوعية تراعي الاختصاص. -إحداث شرطة قضائية مختصة في التحري والبحث في قضايا الفساد المالي والاقتصادي، -الإسراع بإحداث مرصد الإجرام الذي سيساعد على تعميق المعرفة بظاهرة الفساد. -إحداث هيئة متخصصة في إدارة وتدبير الممتلكات المجمدة أو المحجوزة أو المصادرة في جرائم الفساد. -تمديد نطاق الحماية المقررة للشهود والضحايا والخبراء والمبلغين عن جرائم الفساد إلى الحماية الاقتصادية بتقديم الدعم المالي المناسب عن الأضرار المادية التي قد يتعرضون لها عند تقديم شكاية أو شهادة أو خبرة في جريمة من جرائم الفساد. خامسا: توصيات وإجراءات ترسيخ البعد الاستراتيجي لسياسة مكافحة الفساد -دعم التخطيط والبرمجة في مجال مكافحة الفساد باعتماد رؤية شمولية منبثقة عن مقاربة جماعية تشاركية. -إعداد خريطة لمواطن وبؤر الرشوة بالمغرب تمكن من وضع مؤشرات ترتب القطاعات المستهدفة والتمظهرات الغالبة عليها ونهج مقاربة جهوية تتكامل مع المقاربة القطاعية وتمكن من حصر الجهات والمناطق الأكثر تعرضا للرشوة مع تحديد الفئات والشرائح الاجتماعية المتعاطية لها. -إعداد خريطة لمواطن وبؤر الرشوة بالمغرب تمكن من وضع مؤشرات ترتب القطاعات المستهدفة والتمظهرات الغالبة عليها ونهج مقاربة جهوية تتكامل مع المقاربة القطاعية وتمكن من حصر الجهات والمناطق الأكثر تعرضا للرشوة مع تحديد الفئات والشرائح الاجتماعية المتعاطية لها. -تنمية تقنيات التحري والتحقيق والقياس والتشخيص على المستوى الكمي والنوعي، بتوظيف مختلف الآليات المتوفرة للبحث العلمي والإحصائي بالمغرب، وتنمية تطبيق تكنولوجيا المعلوميات في مجال فهم وإدراك ظاهرة الرشوة. -توسيع وتنويع مصادر تجميع المعطيات من خلال العمل على مد جسور التنسيق والتعاون بين مختلف قواعد المعطيات المتوفرة لدى الهيئات القضائية والرقابية والمنظمات المختصة في الاستطلاعات والتحقيقات الميدانية والمراصد العاملة في هذا المجال، من أجل الإحاطة الشاملة بمختلف مظاهر الإجرام بما فيها جرائم الرشوة. سادسا: النهوض بمقومات الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها -الارتقاء بالهيئة إلى هيئة وطنية مستقلة ومتخصصة تتمتع بكامل الأهلية القانونية والاستقلال المالي على غرار باقي هيئات الحكامة الجيدة التي تمت دسترتها، بما يضمن لها التموقع الملائم والوضع الاعتباري المنسجم مع خصوصياتها الهيكلية والوظيفية. -تزويدها بآليات الامتداد الترابي الذي يسمح لها بالتجاوب عن قرب مع الخصوصيات والحاجيات الجهوية، ومواكبة مشروع الجهوية الموسعة، من خلال تمكينها من إحداث لجان جهوية باختصاصات محددة. -تمتيعها بصلاحيات تسمح لها بممارسة تحرياتها وتحقيقاتها دون مواجهتها بالسر المهني أو الامتناع عن التعاون معها أو الاعتراض على أعمالها، مع إلزام الإدارات بموافاتها بمآل آرائها وتوصياتها ومقترحاتها وتعليل عدم الأخذ بها عند الاقتضاء.