بني ملال أون لاين تنشر مقترحات الهيئة المركزية للوقاية من الرشوة ذات الأولوية في مجال الوقاية من الفساد ومكافحته * اعتماد قضاء متخصص في مجال مكافحة الفساد * التدعيم المادي والبشري للمجلس الأعلى للحسابات * الرفع من فعالية المراقبة السياسية بتعزيز قدرة البرلمان على توظيف الأدوات الرقابية المتاحة له * إعادة تحديد اختصاصات هيئات المراقبة المالية والإدارية وتحسين مستوى التنسيق بينها * تعزيز دور المحاكم المالية ودينامية مراقبتها * مراجعة المادة 11 من القانون التنظيمي لمجلس النواب المتعلق بحالات التنافي من أجل التنصيص على منع الجمع بين مهام التمثيلية المحلية والجهوية والتمثيلية التشريعية في إطار الاضطلاع بالمهام المخولة لها بمقتضى مرسوم الإحداث، تتابع الهيئة المركزية للوقاية من الرشوة باهتمام كبير تطورات الوضع الإقليمي والوطني التي أعادت بقوة إلى الواجهة مطلب مكافحة الفساد والمفسدين، والتصدي للإفلات من العقاب، والقطع مع جميع مظاهر الريع والاحتكار. إن الهيئة المركزية للوقاية من الرشوة، من منطلق وعيها بأن هذا المطلب يجد ما يبرره في القصور الملحوظ في سياسة مكافحة الفساد، التي لم تول بشكل خاص الأولوية اللازمة لتفعيل آليات إنفاذ القانون، ولم تكرس مقاربة قطاعية تشاركية فعالة في هذا المجال، تؤكد اليوم اقتناعها الراسخ والمتزايد بوجاهة التوصيات والاقتراحات التي تقدمت بها في إطار تقريرها السنوي الأول، والتي جاءت نتيجة تشخيص وتقييم دقيق لآليات المكافحة والوقاية الموجودة. وتود الهيئة المركزية في هذا السياق، أن تلفت الانتباه إلى أنه، بعد مرور ما يقرب من سنة على تقديم التقرير المذكور، لم تعرف اقتراحاته إجمالا طريقها للتنفيذ، حيث لوحظ أن الحكومة لم تتجاوب مع أغلبها، واكتفت بتحيين برنامج عملها وفق مقاربة لا تستوعب جميع مقومات البعد الاستراتيجي لسياسة مكافحة الفساد، ولا تدرج ضمن أولوياتها المقترحات الأساسية المرتبطة بتفعيل آليات إنفاذ القانون، والتي كان حريا أن تشكل النواة الصلبة لهذه السياسة. إن الهيئة المركزية، إذ تستشعر الدور الحيوي المنوط بها في هذه المرحلة الدقيقة بالذات، لتؤكد، في إطار جمعها العام المنعقد يوم 24 فبراير المنصرم، على ضرورة الانخراط الحقيقي والجدي في محاربة الفساد والمفسدين، مجسدة هذا الاقتناع بالمبادرة إلى إعادة ترتيب مقترحاتها، لتتقدم بها، من منطلق موقعها كقوة اقتراحية وسلطة معنوية، في شكل مقترحات متكاملة وعملية إلى الديوان الملكي والوزير الأول والبرلمان بمجلسيه والمجلس الاقتصادي والاجتماعي، وذلك وفق ما تمليه أولويات الظرف الراهن التي تستدعي تصحيح المسار الإصلاحي المتبع في مجال مكافحة الفساد، من خلال التأسيس على ما يلي: مقترحات لتطويق الفساد وردع المفسدين تبين للهيئة المركزية أن محاصرة الفساد وزجر المفسدين تشوبهما عدة عوائق، تتعلق على الخصوص باتساع دوائر الفساد واتخاذها صورا مستحدثة ومستجدة، وبطابع السرية والخفاء الذي يميز الظاهرة، وبالتوظيف السلبي للسر المهني الذي يقف عائقا أمام الكشف عن تفاعلات الفساد داخل مرافق الدولة، إضافة إلى صعوبة ضبط الاغتناء غير المشروع، فضلا عن تذبذب نظام العقوبات وضعف فعاليته. اقتناعا منها بضرورة تطويق كل مظاهر الفساد، وبحتمية تحقيق تدابير إنفاذ القانون المتخذة بشأنها لأثرها الردعي المطلوب، توصي الهيئة المركزية بما يلي: - اعتماد قضاء متخصص في مجال مكافحة الفساد يستجيب لمتطلبات التخليق الشامل والمتغيرات المتعلقة بتنوع جرائم الفساد المالي المرتبط بتطور الأنشطة التجارية والاقتصادية، - استصدار قانون يضمن الولوج غير المقيد للمعلومات مع مراعاة مستلزمات النظام العام التي تستدعي تحديد وتوضيح الاستثناءات، - مراجعة المادة 18 من النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية من أجل التعريف الدقيق لمفهوم الأحوال الاستثنائية التي لا تسمح برفع كتمان السر المهني، والتنصيص الصريح على رفعه عن الموظفين المبلغين عن أفعال الفساد، - نشر تقارير التفتيش والتدقيق التي تقوم بها الهيئات المختصة بما فيها تقارير التدقيق بخصوص الصفقات المنجزة من قبل إدارات الدولة، - التدعيم المادي والبشري للمجلس الأعلى للحسابات للاضطلاع بمهام تتبع ومعالجة التصريحات بالممتلكات بالنجاعة المطلوبة. - تجريم محاولة ارتكاب جرائم الاختلاس والغدر والرشوة الانتخابية والتعسف في استعمال ممتلكات الشركات التجارية على غرار الجرائم الأخرى، - التنصيص على تجريم محاولات تهرب المقاولات من المخصصات الاجتماعية ومستحقات العمال واعتبارها شكلا من أشكال الاغتناء غير المشروع واستغلال النفوذ، - التنصيص على المسؤولية الجنائية أو المدنية للأشخاص المعنويين فيما يتعلق بجميع أفعال الرشوة بالقانون الجنائي وبقانون الشركات التجارية، - التنصيص على عقوبات إضافية بالنسبة لجريمة الرشوة لتقوية الجانب الردعي والوقائي، - توحيد عقوبات الحبس والغرامة بالنسبة للرشوة بالقطاعين العام والخاص، - تطبيق نفس العقوبة الحبسية والمالية المترتبة عن الإرشاء والارتشاء المنصوص عليها بالقانون التنظيمي لمجلس النواب على الإرشاء والارتشاء المنصوص عليهما في مدونة القانون الجنائي ومدونة الانتخابات، - سريان نفس العقوبة المطبقة على أفعال الاختلاس وتحصيل المنافع غير الشرعية واستغلال النفوذ في القطاع العام على جنحة التعسف في استعمال ممتلكات الشركات نظرا لاستيعابها لهذه الأفعال بجميع مواصفاتها. مقترحات لتعزيز آليات المساءلة وإعطاء الحساب تأكد للهيئة المركزية أن آليات المساءلة وإعطاء الحساب التي من شأنها أن تساهم في كشف بؤر الفساد وتقديم المفسدين للعدالة تعاني من نواقص جوهرية على مستوى الفاعلية والتنسيق، سواء فيما يتعلق بالمراقبة السياسية أو المالية أو الإدارية أو القضائية. لسد هذه النواقص، توصي الهيئة المركزية بما يلي: - الرفع من فعالية المراقبة السياسية بتعزيز قدرة البرلمان على توظيف الأدوات الرقابية المتاحة له، وذلك من خلال العمل على: - متابعة تطبيق القوانين مع السلطة التنفيذية ومؤسسات إنفاذ القانون، - المتابعة الدائمة لمختلف التقارير التي ترصد الفساد وطنيا ودوليا، - تجاوز دور المساءلة إلى ممارسة استقصاء واستطلاع الحقائق للوقوف على حقيقة ما يثار من موضوعات وبيان مواطن الفساد، - إعادة تحديد اختصاصات هيئات المراقبة المالية والإدارية وتحسين مستوى التنسيق بينها من خلال: - الرفع من فعالية دور المفتشيات العامة للوزارات عبر تحيين مقتضياتها التنظيمية وتضمينها في نص قانوني شامل يسمح لها بالاضطلاع بمهام المراقبة الداخلية والتدقيق والتقييم، - تطوير دور المفتشية العامة للمالية لينتقل من مهمة المراقبة التقليدية إلى تدقيق المالية العمومية من أجل تقنين التطور الحاصل على مستوى الممارسة. - تعزيز دور المحاكم المالية ودينامية مراقبتها من خلال: - مراجعة المادة 51 من مدونة المحاكم المالية بالتنصيص على إخضاع أعضاء الحكومة ومجلسي النواب والمستشارين للاختصاص القضائي للمجلس الأعلى للحسابات في ميدان التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية مع إلغاء المادة 52 من هذه المدونة، - تسريع مسطرة المصادقة على الحسابات الخاضعة لمراقبة المجالس لرفع عدد الحسابات المدلى بها، العمل على تحسين معدلات البت في الحسابات، مع بذل مجهود أكبر على مستوى تبليغ القرارات، - مواصلة تعزيز الموارد البشرية والرفع من قدراتها. - تقوية التنسيق والتعاون بين جميع هيئات المراقبة والمساءلة والتتبع خاصة عن طريق ترسيخ مبدإ اعتبار مخرجات أجهزة المراقبة والتفتيش مدخلات لعمل وصلاحيات سلطات إنفاذ القانون. مقترحات لمكافحة «الإفلات» من المتابعة تأكد للهيئة المركزية أن «الإفلات» من المتابعة القضائية يشكل أحد أسباب التمادي في ممارسة الفساد، كما تبين لها أن هذا «الإفلات» يعزى إلى وجود ثغرات على مستوى القانون والممارسة تجعل من الصعوبة، بل من المستحيل أحيانا، تحريك مسطرة المتابعة في حق أصناف من المسؤولين، كالوزراء والبرلمانيين والولاة والعمال وبعض الموظفين السامين والقضاة. واتضح للهيئة أن هناك كوابح تحول دون متابعة الأشخاص المذكورين، وتساهم بالتالي في تقويض مبدإ الاحتكام إلى عدالة يتساوى أمامها الجميع براءة وعقابا. وتهم هذه الكوابح الشروط الدستورية التعجيزية لمحاكمة الوزراء، والإعمال غير الموضوعي لمفهوم ومقصود الحصانة البرلمانية وقواعد الاختصاص الاستثنائية (الامتياز القضائي)، والشروط التقييدية لتحريك المتابعات من طرف المجلس الأعلى للحسابات، إضافة إلى إخضاع المتابعات لمبدإ الملاءمة من طرف رؤساء النيابات العامة الذين يخضعون تراتبيا لسلطة وزير العدل. لرفع هذه الحواجز، وتمكين الهيئات المختصة من إطلاق المتابعات في حق كل من ثبت تورطه في جرائم يعاقب عليها القانون، ومنها جرائم الفساد، توصي الهيئة المركزية بما يلي: - رفع القيود عن تفعيل دور المحكمة العليا لمحاكمة الوزراء من خلال: مراجعة مقتضيات الفصل 90 من الدستور المتعلقة بالمحكمة العليا لمحاكمة الوزراء بالتنصيص على التصويت بالأغلبية المطلقة لأعضاء مجلس النواب أو أغلبية الثلثين لأعضاء مجلس المستشارين للموافقة على اقتراح توجيه الاتهام لأحد الوزراء انسجاما مع مقتضيات الفصول 75 و76 و77 من الدستور المتعلقة على التوالي بسحب الثقة وملتمس الرقابة، استصدار قانون تنظيمي جديد على ضوء المراجعة الدستورية المشار إليها، - اعتماد منظور متطور للحصانة البرلمانية وللامتيازات القضائية يأخذ بمبدإ رفع الحصانة والامتياز القضائي عندما يتعلق الأمر بجرائم الفساد، - مراجعة المواد 111، 114، 162 و163 من مدونة المحاكم المالية وملاءمة مقتضياتها مع مقتضيات المادة 42 من المسطرة الجنائية بتمكين النيابات العامة لدى المحاكم المالية من رفع الأفعال التي تستوجب عقوبات جنائية مباشرة إلى وكلاء الملك، - السهر على عدم إخضاع تحريك الدعوى العمومية ضد المرتشين لأية إشارة سياسية أو أوامر من السلطات العليا، من خلال تفعيل الفصل 238 من القانون الجنائي الذي يتوافق في مضمونه مع المادة 25 من الاتفاقية الأممية بخصوص تجريم التدخل في أعمال الموظفين القضائيين أو الموظفين المعنيين بإنفاذ القانون. مقترحات لمكافحة «الإفلات» من العقاب اعتبرت الهيئة المركزية للوقاية من الرشوة أن ظاهرة «الإفلات» لا تقتصر على المتابعة بل تطال العقاب أيضا. فقد تأكد لديها أن النتائج تظل جد هزيلة على مستوى إنزال العقوبات وتنفيذ الأحكام بخصوص جرائم الفساد، كما يؤكد ذلك الإفراج عن العديد من المتابعين في قضايا الفساد، وعدم التمكن من تصفية ملفات محكمة العدل الخاصة، وكذا عدم تنفيذ بعض الأحكام القاضية باسترجاع الأموال المنهوبة من بعض المؤسسات، فضلا عن عدم تفعيل الإجراءات المتعلقة بتسليم المجرمين المدانين في قضايا الفساد الفارين إلى الخارج، وتلك المتعلقة باسترداد الموجودات المنهوبة المهربة إلى الخارج. لتجاوز هذا الوضع، وصونا لمصداقية الأحكام الصادرة عن السلطة القضائية، أكدت الهيئة المركزية على ضرورة إعطاء مفعول عقابي لهذه الأحكام، ترسيخا لجوهر الوظيفة التي ينهض بها القضاء في إقرار العدل وإشاعة الإنصاف. في هذا الإطار، توصي الهيئة بما يلي: - مراجعة النظام القانوني للتنفيذ الجبري للأحكام، - التسريع بإخراج مشروع القانون المتعلق بإلزام إدارات الدولة والجماعات المحلية والمؤسسات العمومية بالتقيد بتنفيذ الأحكام الصادرة ضدها، - إصدار قانون يحدد غرامات يومية عن التأخير في التنفيذ ويتضمن آليات زجرية ضد الموظفين المتواطئين لتعطيل التنفيذ أو عرقلة إجراءاته، - تعزيز إجراءات تسليم المجرمين والمساعدة القضائية من خلال: إنجاز جرد شامل للاتفاقيات الثنائية المبرمة، بهدف ملاءمتها مع الاتفاقية الأممية لمكافحة الفساد، تحضير اتفاقيات ثنائية أو متعددة الأطراف في حالة عدم وجودها. - اتخاذ إجراءات عملياتية لاسترداد الموجودات من خلال: إنشاء قاعدة بيانات تتضمن المعلومات المتعلقة بالتشريعات المتخذة في هذا المجال، إعداد دليل عملي لتعقب مراحل استرداد الموجودات، ابتداء من عملية رصدها وانتهاء بإرجاعها، دعوة الجهات المانحة إلى دعم وتعزيز المساعدة التقنية الموجهة لاسترداد الموجودات، التفاعل إيجابيا مع مطلب إنشاء صندوق دولي لتمويل قضايا استرداد الموجودات، واستبعاد اللجوء إلى القروض لتلبية احتياجات الدول في هذا الشأن، تثمين مبدإ رصد وتوجيه استخدام الموجودات المستردة، نحو أغراض إنمائية وطنية. مقترحات لمحاربة الريع السياسي تبين للهيئة المركزية أن واقع الممارسة السياسية والإطار القانوني المؤطر لها وللشأن الحزبي تعتريهما، من منظور مكافحة الفساد، مجموعة من الهفوات التي تساهم في انبثاق نوع من الريع الذي يُحَوّل المشهد السياسي إلى فضاء للاغتناء غير المشروع وتحقيق منافع مادية أو معنوية. وتهم الهفوات المرصودة بشكل خاص، الجمع بين عدة مهام تمثيلية، وغياب آليات كفيلة بتحصين وتخليق العمل السياسي والتمثيلي، إضافة إلى هشاشة آليات إعطاء الحساب المتعلق بجرد مصاريف النفقات الانتخابية، وغياب آليات إلزامية لنشر الحصيلة المالية للأحزاب، إضافة إلى التساهل القانوني الكبير في معاقبة ظاهرة تسخير الممتلكات العمومية في الحملات الانتخابية، ومحدودية الأثر الردعي لعقوبة الرشوة في الانتخابات الجماعية. لهذه الغاية، توصي الهيئة المركزية بضرورة القيام بإصلاحات جوهرية تهم ما يلي: - مراجعة المادة 11 من القانون التنظيمي لمجلس النواب المتعلق بحالات التنافي من أجل التنصيص على منع الجمع بين مهام التمثيلية المحلية والجهوية والتمثيلية التشريعية لضمان استقلالية الممارسة التشريعية عن أي اعتبارات مصلحية ناتجة عن تمركز للسلط، - التنصيص في قانون الأحزاب على إلزام الأحزاب السياسية بنشر الوثائق المقدمة لمجلس الحسابات لتمكين الجمهور من حق الاطلاع على حصيلتها المالية، - إلزام المرشحين للانتخابات الجماعية بإيداع الجرد المتعلق بالمبالغ التي تم صرفها أثناء الحملة الانتخابية لدى لجنة التحقق كما هو الشأن بالنسبة للمرشحين للانتخابات التشريعية، - التنصيص على نشر تقرير لجنة التحقق بشأن جرد المبالغ التي تم صرفها أثناء الحملة الانتخابية، - تجريم المخالفات المتعلقة بتجاوز السقف المحدد وبعدم احترام أجل إيداع جرد نفقات الحملات الانتخابية وتحديد العقوبات المترتبة عليها لتمكين الجهات القضائية المختصة من إطلاق المتابعات ومعاقبة المخالفين إذا ما أحالت عليها لجنة التحقق ما لاحظته من تجاوزات في الموضوع، - تطبيق نفس عقوبات الحبس والغرامة المطبقة على الاختلاس في القانون الجنائي على جنحة تسخير الممتلكات العمومية في الحملات الانتخابية، - توحيد العقوبات السالبة للحرية والغرامات في مجال الرشوة الانتخابية على جميع المرشحين للانتخابات سواء التشريعية أو الجماعية أو المهنية، - توجيه الهيئات السياسية نحو تبني ميثاق وطني للأخلاقيات يشمل قيم النزاهة والشفافية والمساءلة الكفيلة بضبط وتخليق العلاقات بين القوى السياسية فيما بينها ومع المواطنين بصفة عامة، مع العمل على نشره والإعلان عن مضامينه. مقترحات لمنع تحقيق الامتيازات رصدت الهيئة المركزية مجموعة من الثغرات العميقة التي تسمح بتحقيق امتيازات مادية أو معنوية، شخصية أو مرفقية، تؤثر بشكل عام على مبادئ المساواة وتكافؤ الفرص وحياد القرارات. وتهم هذه الثغرات بشكل عام الجمع بين ممارسة السلطة والأنشطة الاقتصادية، وكذا الجمع بين عدة مهام ومسؤوليات، إضافة إلى الاستثناء الذي يبقي الدولة خارج نطاق مقتضيات المنافسة في إطار التدبير المفوض، فضلا عن نواقص نظام الصفقات العمومية بما فيها عدم إخضاع إدارة الدفاع الوطني لمقتضيات هذا النظام. لسد هذه الثغرات، توصي الهيئة المركزية بما يلي: - استصدار تشريع ونصوص تطبيقية لمنع تضارب المصالح، ينص بشكل خاص على التحديد الدقيق لنطاق هذا المفهوم، وعلى إلزامية تصريح جميع المسؤولين بالمصالح الشخصية المرتبطة بهذه المهام مع تتبع هذه التصريحات، ويحدد العقوبات الملائمة، كما يعمل على ضبط وتأطير الاحتضان بالقطاع العام. - التنصيص الصريح على منع الجمع بين عدة مهام ومسؤوليات، - التنصيص على خضوع الدولة لقانون التدبير المفوض في منح حق الامتياز لبعض مرافقها العامة للخواص، - إخضاع جميع العقود التي أبرمت قبل إصدار قانون التدبير المفوض، لمقتضيات هذا الأخير كلما تعلق الأمر بالتمديد أو التغيير أو توسيع النطاق، - تدعيم ضوابط اللجوء إلى التفاوض المباشر لاختيار المفوض إليه، - رفع الاستثناء غير المبرر لإدارة الدفاع الوطني في مجال الصفقات العمومية بالنسبة للشراءات التي ليست لها علاقة بأمن الدولة، - إغناء مشروع المرسوم المتعلق بالصفقات العمومية بمقتضيات إضافية: تحد من السلطة التقديرية الواسعة المخولة لصاحب المشروع، في مجالات اختيار مسطرة إبرام الصفقات، وتحرير دفتر التحملات، ونشر التقديرات، والإجابة على طلبات التوضيح الواردة عن المتنافسين، تحدث آلية مستقلة للحسم في الشكايات والتظلمات، تحدد المرجعيات الأساسية للمراقبة والتدقيق، وتلزم بنشر تقارير التدقيق المرفوعة للوزراء أو المسؤولين المعنيين. مقترحات لتخليق القضاء وترسيخ دوره في مكافحة الفساد تبين للهيئة المركزية أن الاضطلاع بالدور المحوري للقضاء في أي استراتيجية لتخليق الحياة العامة ومكافحة الفساد، يمر بالضرورة عبر نظام للعدالة محصن ببنيان قوي من القيم الأخلاقية تدعمه آليات حديثة للرقابة والتقويم، وتسنده إجراءات الشفافية والتبسيط، وعبر قضاء قادر على إعطاء مفعول عقابي لأفعال الفساد، ومؤهل للسهر على سيادة القاعدة القانونية التي يحاسب في ظلها الجميع. اعتبارا لأهمية دور القضاء في سياسة المكافحة، توصي الهيئة المركزية بما يلي: - تدعيم استقلال القضاء من خلال: توضيح مهام المجلس الأعلى للقضاء باعتباره الضامن لاستقلال السلطة القضائية، تدعيم استقلال جهاز النيابة العامة عن وزير العدل، تقيد النيابة العامة بالقانون والأوامر المكتوبة فقط الصادرة عن الرؤساء، ضمان نظام تأديبي قضائي يتوخى استقلالية العدالة وضرورة المساءلة. - تعزيز النزاهة في قطاع العدل من خلال : توفير قواعد إلزامية لتجنب تضارب المصالح بين القضاة والمتقاضين، التحيين المستمر لمقتضيات مدونة أخلاقيات القضاة، وضع آليات خاصة بتخليق المهن المساعدة للقضاء، النشر المنتظم لتقارير المفتشية العامة لوزارة العدل، ولتقييم أداء القضاة، وللأحكام النهائية، تمكين المتقاضين من الحصول على المعلومات المتعلقة بالقوانين والمساطر القضائية والأحكام، إشهار العقوبات التأديبية المقررة في حق القضاة والمساعدين القضائيين. - الرفع من كفاءة الجهاز القضائي خاصة من خلال مراجعة نظام المعهد العالي للقضاء في أفق ضمان استقلاله وتفتحه على مواكبة التطورات، - ضمان فعالية الجهاز القضائي من خلال: وضع آليات ومعايير لمراقبة الأحكام وتقييم جودتها، تحسين أداء الجهاز القضائي عبر اعتماد سقف زمني معقول للبت في القضايا المعروضة أمام المحاكم، وكذا اعتماد نظام لتوزيع القضايا مبني على معايير واضحة وموضوعية وعادلة وعلى مراعاة الاختصاص، - اعتماد قضاء متخصص في مجال مكافحة الفساد. مقترحات لضمان حق وأمن المواطنين في التبليغ عن الفساد ومعاقبته من منطلق الاقتناع بأن مكافحة الفساد هي مسألة يتعين أن تنخرط فيها جميع مكونات المجتمع، تؤكد الهيئة المركزية على الدور الحيوي للمواطنين في التبليغ وفضح ممارسات الفساد، الأمر الذي يستدعي إجراء إصلاحات عميقة للانتقال بالمواطن من الاستنكار العدمي إلى التبليغ الفاعل. واقتنعت الهيئة بأن هذا الانتقال يتحقق بتجاوز المعضلة المتعلقة بصعوبة الإثبات في قضايا الفساد التي تساهم في كبح مبادرة التبليغ لدى المواطنين، وبالتصدي للمعالجة غير الملائمة للشكايات التي لا تحفز على التشكي، ثم بمواجهة إشكالية الجهل بطرق التظلم الذي يقابله تقصير كبير من طرف الإدارات على مستوى التواصل. وتبقى المعضلة الكبرى التي يتوجب الإسراع بتجاوزها هي المتعلقة بإحجام المواطنين عن التبليغ على خلفية الخوف من الانتقام أو التهديد. لكل هذه الاعتبارات، توصي الهيئة المركزية بضرورة توجيه الجهود نحو التفعيل الآني لما يلي: - توفير الحماية القانونية للشهود والمبلغين والخبراء والضحايا من خلال التعجيل بالمصادقة على مسودة قانون تقدمت بها الهيئة المركزية في هذا الشأن، - تضمين الإجراءات العقابية المترتبة عن عدم التبليغ المنصوص عليه بمقتضى المادة 42 من مدونة المسطرة الجنائية، - تفعيل آليات التبليغ عن الفساد المتاحة للمواطنين بالتواصل المنتظم حول طرق التظلم، وبالالتزام الفعلي للمصالح الإدارية التي تحال عليها الشكايات برفع نسبة تسويتها ومعالجتها وفق معايير الجودة، ومستلزمات التدبير المنفتح. مقترحات للنهوض بقدرات المكافحة لدى الهيئة المركزية للوقاية من الرشوة خلصت الهيئة المركزية، بعد مرور سنتين من الاشتغال، إلى وجود عوائق تحول دون ممارستها الفعال لاختصاصاتها بما يستجيب لمتطلبات المكافحة. وتبين لها أن العائق الأساسي يكمن في عدم تحكمها في إحدى الحلقات الأساسية للمكافحة، والمتمثلة في الضمانات القانونية التي تخول لها الانتقال باقتراحاتها وتقييمها واستشارتها من مستوى الطرح والترويج إلى مستوى الفاعلية والتنزيل. لتجاوز هذا الوضع، تقترح الهيئة المركزية مراجعة شمولية لإطارها القانوني بما يضمن لها النهوض بالصلاحيات المتعارف عليها في مجال المكافحة، وتفعيل وتسهيل الاضطلاع بها، وذلك من خلال: - الارتقاء بالهيئة المركزية إلى مستوى التنصيص الدستوري: لتثبيت موقعها كقوة مؤثرة في الدينامية الوطنية لمكافحة الفساد، لتمكينها من تجسيد خطابها المتميز كسلطة معنوية وقوة اقتراحية تستمد مشروعية هذا الخطاب من تمثيليتها المتنوعة والمتوازنة، لضمان تأثيرها على صناعة القرار المتعلق بهذا الورش الحيوي، وفرض سلطتها على الجهات المعنية لوضعها أمام مسؤولياتها في تفعيل توصياتها واقتراحاتها. - إعادة تقعيد الإطار القانوني للهيئة على أساس تشريعي يُمَكِّنُ من رفع الغموض الذي يحيط بتموقعها ويمنحها بالتالي الشخصية المعنوية والاستقلالية المالية والتدبيرية، - توسيع مجال تدخل الهيئة ليشمل مجموع أفعال الرشوة والفساد طبقا لما تنص عليه الاتفاقية الأممية، وتوضيح مهام الهيئة الأفقية المتعلقة على الخصوص بالتنسيق والإشراف والتتبع والتقييم، - تسهيل عمل الهيئة من خلال تعزيز حقها في الولوج إلى المعلومات لدى جميع الإدارات والجماعات المحلية والمؤسسات العمومية ومختلف الهيئات المعنية، عبر استصدار تشريع عام في هذا الشأن وتحيين مقتضيات المادة 18 من النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية المتعلقة بالسر المهني، - منحها صلاحية إبداء الرأي بخصوص جميع مشاريع النصوص القانونية ذات الصلة بمجال تدخلها لتمكينها من الاضطلاع بفعالية بمهامها كقوة استشارية واقتراحية، - تخويلها مهمة القيام بعمليات الافتحاص والتدقيق اللازمة لتفعيل دورها كأداة للتقييم، - تمكينها من الحصول في الآجال المعقولة على توضيحات معللة تتعلق بمآل توصياتها، لضمان التجاوب الإيجابي مع مختلف هذه التوصيات، - تخويلها صلاحية القيام بالتحقيقات والتحريات اللازمة حول الأفعال والمعلومات التي تصل إلى علمها والتي من شأنها أن تشكل أفعال فساد، سواء بالانتقال إلى عين المكان أو باستدعاء الأطراف المعنية وكل شخص من شأن شهادته أن تقدم معطيات تفيد التحقيق، - رفع جميع الحواجز في مجال التبليغ عن الفساد التي من شأنها أن تحول دون تمكين الهيئة من الإحالة المباشرة للأفعال التي تبلغ إلى علمها على النيابات العامة مع الاحتفاظ بصلاحية تتبع مآلاتها، - إعادة توزيع المهام بين مختلف أجهزة الهيئة بما من شأنه أن يضمن تحسين مستوى الحكامة وبلوغ الفعالية المطلوبة. مقترحات لترسيخ البعد الاستراتيجي لسياسة مكافحة الفساد تبين للهيئة المركزية، من خلال استعراض المرجعيات المتعارف عليها عالميا في مجال مكافحة الفساد، أن الإطار الاستراتيجي لسياسة مكافحة الفساد لا زالت تشوبه بعض مظاهر القصور التي تتجلى على الخصوص في غياب رؤية شمولية تربط التوجهات الاستراتيجية بالأهداف والعمليات المبرمجة، وفي ضعف المقاربة التشاركية الضامنة للإجماع والانخراط، وفي عدم اعتماد برامج عمل جهوية منبثقة من التوجهات العامة ومستجيبة لمستلزمات تحسين الحكامة الترابية، فضلا عن التغييب التام للمواصفات الأساسية للتخطيط والبرمجة. لتجاوز هذه الهفوات، توصي الهيئة المركزية بما يلي: - تمكين جميع الأطراف المعنية من الانخراط في التحضير والتتبع والتنفيذ والتقييم للاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد، وضمان النهوض بالتعبئة والشراكة بين مختلف الفعاليات، - إدراج المقاربة الزجرية في استراتيجية مكافحة الفساد، - اعتماد رؤية شمولية تربط التوجهات الاستراتيجية بالأهداف والعمليات المبرمجة، - تحديد جدولة زمنية موحدة لإنجاز المشاريع كقوة ضاغطة تضمن التفعيل، - إعداد جذاذات مصاحبة لبرنامج العمل تسمح بتقييم جودة التخطيط وفعالية العمليات، وتحديد الوحدات المسؤولة عن التنفيذ، وتوصيف الأهداف والمراحل والآجال، وتقدير الاعتمادات المخصصة، مع استحضار وقع الإجراءات وصعوبات التنفيذ ومدى التطابق مع الأهداف المتوخاة، - إعداد برامج عمل جهوية منبثقة من التوجهات العامة، ومستجيبة لمستلزمات تحسين الحكامة الترابية، - إرساء آليات للتنسيق والتتبع والتقييم ومراقبة الإنجاز، - التواصل المستمر حول المشاريع المبرمجة.