قال الله تعالى : ( وإذا الموؤودة سئلت، بأي ذنب قتلت) سورة التكوير. هذا الصنيع كان من هوان النفس الإنسانية في الجاهلية، حيث سجل القرآن وأد البنات في صورة بشعة وقاسية، وهو دفن الأحياء تحت التراب، وهم ينظرون إلى هذا المصير. فجاء الإسلام ليعلن الثورة بلا هوادة على مثل هذه العقائد الفاسدة وهذه الضلالات الجاهلية. أما اليوم فنحن أمام جاهلية القرن الواحد والعشرين، وهي أشد قساوة وأشد فتكا بالإنسان، فإذا كانت الجاهلية القديمة تدفن الأفراد القلائل أحياء خوفا من الجوع أو من العار كما كان يخيل لأصحابها، فإن الجاهلية المعاصرة لا مبرر لها سوى العدوان والعلو في الأرض، وسحق القوي للضعيف لتعبيد الطرق الموصلة إلى منابع الثروة، ولضمان السبل المؤدية إلى التحكم والسيطرة، وفرض النموذج المهيمن الذي يقول لسان حاله : أيتها الشعوب ما علمت لكم من إله غيري..، ويقول لحلفائه : أوقد لي يا هامان على الجماجم لأصعد الصرح، فهي لا تصلح - في رأيه- لغير الامتطاء. جاهلية القرن الواحد والعشرين لا تئد البنات والأفراد فقط، بل تئد الشعوب بكاملها، ومن قبل في القرن العشرين وأدت شعوبا كان آخرها شعب فيتنام. كلكم شاهد بعض الصور المروعة للعدوان الأمريكي على العراق، ومن هذه الصور، صورة طفلة بريئة، حملها أبوها المسكين حثة هامدة بين يديه، وضمها إليه، يريد أن يقبل رأسها الذي تفجر بقصف صاروخي، يريد أن يقبل هذا الرأس للمرة الأخيرة، ولكنه لا يجد منه سوى الأشلاء التي تتساقط على الأرض، والدماء تبلل ثوبها الذي لم يعد يعرف غير لون واحد، هو لو الدم الشاهد على ظلم الإنسان. كيف يشعر الواحد منا بحرارة هذا الأب المسكين، وهو يرى هذا المصير الذي انتهت إليه حياة ابنته، فلذة كبده، على هذه الصورة البشعة من العدوان والإجرام والإرهاب. كلكم شاهد ذلك الطفل الصغير، الذي سقطت عليه شظية من قذيفة فبقرت بطنه، وشوهت جسمه، وحمله رجال الإسعاف، عندما وجدوه لازال على قيد الحياة، فحملوه وهو ينظر بعينيه البريئتين، اللتين تشهدان على خذلان المجتمع الدولي برمته، هذا الطفل البريء لا يبكي ولا يصرخ، ربما من شدة الهول فقد ذاكرته وفقد إحساسه بالألم، لأنه لا يصح أن نرى طفلا صغير السن يحاول الأطباء رد أمعائه إلى بطنه، وهو في تمام الهدوء والسكينة، في صورة يتألم منها المشاهد، ولا يتألم منها هذا الطفل.. كلكم شاهد من صور الضحايا الأبرياء أطفالا ونساء وشيوخا ما يندى له جبين الإنسانية الحديثة، فما ذنب هؤلاء الأبرياء؟؟؟ هؤلاء المستضعفون الذين ذاقوا مرارة الحصار سنين طوالا، وعانوا الحرمان والجوع والأمراض، ما ذنبهم؟؟؟ أهكذا يغاثون؟ يغاثون بإمدادات من القنابل والصواريخ المدمرة.. فإذا سئلوا بأي ذنب قتلوا، فماذا يكون الجواب؟ ومن سيجيب عنهم يومئذ؟؟؟ أمريكا تدفن الشعوب تحت الأنقاض وتحت الدمار الشامل لتشرب النفط.. أمريكا تتعاقد مع الشركات النفطية "لإعمار العراق"، وذلك قبل أحدات الحادي عشر من شتنبر، بل إبان الحملة الانتخابية لهذا البوش الصغير قدرا وسنا وعقلا .. آه..إن الديمقراطية لا تصدر إلى الشعوب عبر أجنحة الطائرات الحربية والصواريخ المدمرة.. إن الحرية لا تهدى إلى الشعوب بالقصف الذي يحولهم إلى أنقاض، وبالقصف الذي يحولهم إلى أشلاء متناثرة.. إن الشعارات الإنسانية الداعية إلى إسعاف الإنسان لا تقدم إليه في امتصاص النفط مقابل الغذاء.. إن الذين يجوعون شعوبا، ويسحقون شعوبا، ويستخفون عقول الناس بشعارات الديمقراطية والحرية والمساعدات الإنسانية، إنما يريدون إضعاف قوة الأمة، ويريدون تعطيل نهضتها.. يريدون "صهينة" المناطق العربية، وعلى رأسها منطقة الخليج العربي، وذلك انطلاقا من تطويقها بالقواعد العسكرية، وباحتلال العراق.. إن الحرب الدائرة اليوم في العراق وفي فلسطين، وفي غيرهما من بقاع العالم الإسلامي هي حرب عقيدة لا شك فيها، والحرب على شعب مسلم لا تعني ذلك الشعب بعينه، بل هي طريق ممهد إلى غزو الأمة الإسلامية جميعها. وإذا كانت الحرب الدائرة اليوم في أراضي المسلمين هي حرب عقيدة، فهل آن الأوان لكي نعود إلى عقيدتنا التي هجرناها، ونحن نرى أمام أعيننا استمساك الأمم بعقائدها على ضلالها، لا تفرط فيها؟ فأي صلاة يدعو إليه الكونغريس الأمريكيين تبيح احتلال الأراضي وقتل الأبرياء؟؟؟ إن النصر قد يأتي بإحكام العدة والعدد مرة واحدة، ولكنه يأتي مستساغا بالإيمان وبنصرة الله مرات ومرات عديدة، قال الله تعالى : (إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم)، وقال الله تعالى : (وكان حقا علينا نصر المومنين). وليس من المعقول قطعا أن نتعامل مع الأعداء الذين يقتلون إخواننا ويشردونهم ويسومونهم سوء العذاب، ويدكون أبناءهم تحت الأنقاض، لا يصح أن نتعامل مع هؤلاء المجرمين وأعداء الإنسانية، لا ببيع ولا بشراء، ولا بأية معاملة تدل على أن شيئا لم يحصل من عدوانهم، فنصرة إخواننا توجب علينا أن نقف إلى جانبهم لنمد لهم يد العون، لا أن نجعل عدونا وعدوهم يربح من ورائنا الأموال الطائلة التي تساعده على قهر إخواننا والاعتداء عليهم. بل إن شرعنا الحنيف يحثنا على الوقوف مع إخواننا المجاهدين الصامدين في محنتهم، لأن في وقوفنا معهم وقفة مع الله أولا، ومع النفس ثانيا، وهذه جوانب إيمانية لا ينبغي أن توزن بالمكاسب أو الخسائر الاقتصادية، فقد أشار القرآن الكريم إلى ذلك في قوله تعالى : (وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من فضله إن شاء، إن الله عزيز حكيم). فهذه الآية دليل يقيني، يرد ردا قويا على المضللين والمتخاذلين في استخدام سلاح المقاطعة الاقتصادية، تحت ذريعة الضرورات أو عدم الاستطاعة، أو نفي الجدوى من هذا السلاح، وما شابه ذلك من سفسطة الكلام. وأخيرا وليس أخيرا فقد نهانا الله تعالى عن موالاة المعتدين ومن يظاهرهم ويتحالف معهم في الاعتداء، فقال : (إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم، ومن يتولهم منكم فأولئك هم الظالمون). وهذا كله يفرض على المسلمين الجهاد بكل الوسائل المتاحة لرد الظلم والعدوان. عبده الدحاني -الجديدة