على طول التاريخ وعرضه، عرفت الأمم والشعوب والقبائل طغاة استولوا على مقاليد الحكم والتسيير، واستحوذوا على مواقع القرار، ثم آخذتهم العقد النفسية المتورمة إلى قمة الاستخفاف بشعوبهم والشعوب الأخرى. ولا يستطيع هذا العمود إحصاء هؤلاء الطواغيت المستبدين نظرا لضيقه وسرعته، ولكن الدنيا تعرف فرعون المصري ونيرون الروماني من الأقدمين، وتعرف هتلر وموسوليني وستالين من المعاصرين. العرب والمسلمون، من تاريخهم، يعرفون سفاحيهم الأقدمين والآخرين. ومهما اختلفت الملل والنحل والأجناس والألوان، فإن شيئا واحدا تأكد لدى الجميع، وهو أن الطواغيت يستخفون برعاياهم عندما يصيبهم جنون العظمة والكبرياء، ويحيطون أنفسهم بطائفة من المستبدين المخادعين الذين لا تعنيهم سوى أنفسهم ومصالحهم وعلوهم فوق المستضعفين. ذلك ما نراه اليوم بأم أعيننا في مصيبة العدوان الأمريكي البريطاني على العراق شعبا وحضارة وأرضا، وعلى المشرق العربي، ثم العالم الإسلامي والإنسانية كلها. الطواغيت هم السبب، لأنهم استحوذوا على الثروات الأرضية وجعلوها قسمة بينهم، وحولوا البشرية كلها إلى سوق واسع تستهلك بضائعهم جملة وتقسيطا، ثم سيطروا على وسائل الإعلام المكتوبة والمسموعة والمرئية، وحاصروا العاملين فيها حتى لا ينشروا ولا يعرضوا إلا ما يرضي الأولياء الكبار، وأخيرا استولوا على مواقع القرار السياسي وفصلوا القوانين الانتخابية و"اللعبة"الديمقراطية لتكون على مقاسهم، وفي مصلحتهم. الطواغيت هم السبب، فرئيس الولاياتالمتحدة الذي يزهق أرواح المدنيين العزل أمام مرأى الجميع، ويهدم المنازل والأبنية فوق رؤوس الأطفال الرضع، والأمهات الضعيفات، والشيوخ الذين بلغوا من العمر عتيا، أحاط نفسه بمجموعة من "الصقور" الذين تربعوا على تجارة النفط والسلاح والإعلام، وآمنوا بأساطير وخرافات مدمرة، وكمموا أفواه المعارضين في وسائل الإعلام، ويتأهبون لتزويد الكيان الصهيوني ببترول العراق. الطواغيت هم السبب، لأن عالم المستضعفين والمسلمون منهم محكومون بالاستبداد في الشارع والمدرسة والبيت والإعلام والأجهزة الأمنية والتشريعية وغيرها. الطواغيت الكبار التقوا مع الطواغيت الصغار، وأشعلت الحروب العدوانية بينهم، والخاسرون هم المحكومون. الشعوب هي التي تدفع الثمن من دماء أبنائها المدفوعين إلى جحيم الرصاص والقنابل العنقودية والانشطارية والغازات المدمرة للأعصاب، وتدفع الثمن أيضا من أموالها عن طريق دفع الضرائب، لتدور الآلة الاقتصادية لتجار السلاح والنفط والشركات العملاقة. قبل أسبوع، أسقطت الحرب العدوانية أحد مشعليها وهو ريتشارد بيرل الملقب ب"أمير الظلمات"، بعد أن افتضحت علاقته المالية بشركات السلاح وجماعات اللوبي الضاغطة على الإدارة الأمريكية، وتوشك أن تسقط الذين عينوه ومكنوا له، دونالد رامسفيلد وزير الدفاع الأمريكي، وديك تشيني وكولن باول ولم الرئيس بوش الصغير نفسه والآخرين. لكن الشعوب الحية بدأت تدرك المجرمين الكبار وتميزهم عن الصغار، وبدأت تتلمس طريقها نحو التحرر النفسي والاجتماعي والاقتصادي والإعلامي والسياسي، ولن يتحقق التحرر كاملا، إلا بمقاومة شعبية وممانعة شعبية ناضجة سواء في ساحة الحرب الطاحنة في العراق وفلسطين، أو في ساحة التدافع المدني والثقافي، وللإسلام كلمة حاسمة في هذا التحرر، إذا أحسن عرضه والعمل به.