* في اللحظات التي أعانق فيها الكتب الرشدية بالخزانة الوطنية بالرباط صادفت شخصية إسلامية بامتياز في إحدى الكتب التاريخية، فقلت لما لا أتحدث عن الشخصية المختارة، وأخص لها سلسلة تتحدث عن معالمها الفكرية العلمية والمنهجية في ثلاثة أجزاء، ووقع على اسم أبو الحسن الأشعري. * طبعا نسبة للشيخ أبو الحسن الأشعري إمام المتكلمين، (1) المؤسس والمنظر والمقعد للمذهب الأشعري الذي سينسب له فيما بعد، هو أستاذ في علوم العقيدة ومؤرخا للعقائد. (2 ) من العلماء البارزين في الفكر العقدي الإسلامي، و الذي ساهم بدور فعال في إغناء الثقافة العقدية، وبيان الأصول المنهاجية والحضارية للفكر الإسلامي خاصة في شقه العقدي، فأصل لهذه المقولات العقدية، وقعد لها القواعد، وناظر المخالفين، فرد على أهم الفرق الكلامية الكبرى، كالمعتزلة، الشيعة، المشبهة، المعطلة، المرجئة... والتي خالفت المضامين والأسس العقدية التي جاءت بها العقيدة التوحيدية الإسلامية. * فأبو الحسن الأشعري يمثل محطة بنيوية في تاريخ الفكر الإسلامي بصفة عامة وعلم الكلام (3 ) بصفة خاصة، نظرا للحقبة التاريخية التي كانت تمر بها الحضارة الإسلامية من جهة، ونظرا للتحول الفكري و المذهبي والمراجعة الفكرية التي عرفتها شخصية الإمام أبو حسن الأشعري. أما المحطة التاريخية للولادة الأشعرية فقد كانت سنة 260 ه بالبصرة، كما ذهب بذلك الإمام بن عساكر و الإمام السبكي (4 ) ، أما الإمام بن خلكان فيذهب إلى أن الولادة سنة 270 ه (5 ) ، أما الوفاة فعلى الأرجح سنة 324 ه . (6 ) وهي نفس الفترة التي ظهر فيها العالم العقدي أبي منصور الماتريدي (ت 324 ه )، والعالم العقدي أبي جعفر الطحاوي (ت 321 ه ). ( 7 ) كان في بداية مشواره الفكري و المذهبي مدافعا عن الأطروحات العقدية الاعتزالية، ويناظر من أجلها، ثم ما لبث أن شهد الإمام الأشعري ما يعرف بالانفصال المذهبي أو القطيعة المعرفية عن الأطروحات الاعتزالية، ليتحول إلى فاعل عقدي ضمن المنظومة المذهبية والفكرية لأهل السنة و الجماعة. هذا التحول الفكري والمذهبي هو نتاج للإرهاصات المذهبية التي شهدها القرن الثالث الهجري، وما صحبه من تعصب كل فريق لمنظومته العقدية، ومن تعطش للرأي العام إلى فكر جديد يمثل المنظومة التوحيدية تمثيل الوسط و الاعتدال و التسامح، و يتجاوز الصراعات المذهبية للفرق الكلامية. ( 8 ) فالظروف و الملابسات الفكرية التاريخية، وخاصة من توظيف للسلطة السياسية لخدمة التوجه الاعتزالي، و محاولة القضاء على الخصم بقوة السلطة المادية لا السلطة الفكرية و سلطة الإقناع و التناظر الحضاري كلها ساهمت في بروز الفكر الأشعري بقوة. وهكذا نشأ المذهب الأشعري وانتشر تلبية لحاجة فكري منذ القرن الرابع الهجري بعد الفراغ الذي أحدثه أفول نجم الاعتزال من جهة، وعدم ملائمة الفكر الحنبلي أن يكون عقيدة للأغلبية، ( 9 ) وذلك للوصول إلى معادلة متوازنة ومقبولة بين غلو المعتزلة في الأخد بالدليل العقلي، و بين من قدس النص و جمد على ظاهره دون مراعاة حوادث الزمن المتغيرة. ( 10 ) فسميت هذه المرحلة بفترة علم الكلام السني، أي نصرة عقائد أهل السنة و الجماعة بالأدلة العقلية إلى جانب الأدلة النقلية، (11) وذلك في نسق مذهبي متكامل للخطاب العقدي والمذهبي لأبي الحسن الأشعري. * أما أهم الكتب الفكرية و العقدية و المذهبية التي وجهت الإطار النظري لفكر أبي الحسن الأشعري فهي كثيرة و متعددة يمكن حصر أهمها: الإبانة: و هو كتاب تأصيلي للفكر العقدي الإسلامي، على منهج الإمام بن حنبل كما أشار ذلك الإمام الأشعري. اللمع في الرد على أهل الزيغ و البدع: حيث وظف فيه الإمام الأشعري المنهج العقلي والنقلي في الرد على المخالفين للمنظومة العقدية التوحيدية الإسلامية. مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين: و هو عبارة عن مرجع معرفي عقدي يستظهر فيه الإمام الأشعري لآراء الفرق الكلامية بكل اتجاهاتها بموضوعية وعلمية. استحسان الخوض في علم الكلام: هي رسالة علمية تؤسس لمشروعية علم الكلام في الدفاع عن العقيدة التوحيدية الإسلامية. رسالة إلى أهل الثغر: حيث يقرر فيه الإمام الأشعري للمقولات العقدية الإسلامية وفق منهج أهل السنة و الجماعة ( 12) . هذه الكتب المذكورة على الأقل تقدم الإطار النظري و العلمي للفكر العقدي الأشعري، وتظهر مدى حرص الإمام على بيان المنظومة العقدي التوحيدية في شكلها الحضاري من جهة، وكذا حرصه على الرد و تفنيد مقولات المشككين و المخالفين لهذه المنظومة التوحيدية. يتبع ... المراجع: 1 – المقدمة، ابن خلدون ص 368. دار الكتب العلمية بيروتلبنان، ط8، 2003 م. تبيين كذب المفتري فيما نسب للإمام الأشعري، ابن عساكر،ص 34 .دار الكتاب العربي بيروتلبنان. 2 - أبو الحسن الأشعري، حمودة غرابة، ص 69،المكتبة الأزهرية، مصر القاهرة. 3 - " علم يتضمن الحجاج عن العقائد الإيمانية بالأدلة العقلية، و الرد على المبتدعة المنحرفين في الاعتقادات عن مذهب السلف و أهل السنة، وسر هذه العقائد الإيمانية هو التوحيد" المقدمة لابن خلدون ص 363. 4 - تبين كذب المفتري فيما نسب للإمام الأشعري، ابن عساكر ص 146 . . طبقات الشافعية، للإمام السبكي،الجزء 2، ص 446، دار إحياء الكتب العربية لبنانبيروت. 5 - وفيات الأعيان، ابن خلكان الجزء 2، ص 446،بيروتلبنان ط 1، 1986 م. 6 - تبيين كذب المفتري فيما نسب للإمام الأشعري، ابن عساكر ص 56 . 7 - تطور المذهب الأشعري في الغرب الإسلامي، يوسف احنانة ص 17 .منشورات وزارة الأوقاف، 2003 م. 8 - مدخل إلى علم الكلام، محمد صالح محمد السيد ص 270. دار قباء مصر، ط1،2001 م. 9 - في علم الكلام: دراسة فلسفية لآراء الفرق الكلامية في أصول الدين، الجزء 2، ص 38، احمد محمود صبحي، دار النهضة العربية بيروتلبنان 1985 م. 10 - أم البراهين للإمام محمد بن يوسف السنوسي،شرخ شيخ الجماعة محمد المكي البطاوري،قراءة تحقيق محمد آمين السماعيلي،ص 6، المغرب الرباط، 2010 م. 11 - الفرق الكلامية الإسلامية: مدخل و دراسة، عبد الفتاح المغربي ص 267.مكتبة وهبة مصر ط2، 1995 م . 12 - مذاهب الإسلاميين، عبد الرحمن بدوي، بتصرف،دار العلم بيرت لبنان، 2005 م. * باحث في تاريخ المذاهب والفلسفة بجامعة محمد الخامس بالرباط / اكدال.