الغزو الأمريكي للعراق عام 2003 لم يكن هجوماً عبثياً وإنما كان غزواً مدروساً بدقة وعناية فائقة، وهذا بشهادة كتاب غربيين، ومنهم الكاتب السياسي الأمريكي (رايموند بيكر) الذي حدد أهداف الغزو الأمريكي لأرض السواد، وذلك في كتابه الذي حمل عنوان: (الغزو الأمريكي تعمد تدمير الهوية العراقية والبنية الوطنية) ونشر عام 2010، ومما قاله بيكر: (إن نتائج الغزو الأمريكي للعراق هي ليست عشوائية؛ وإنما هي حرب تطهير ثقافي منظم تعمد تدمير الهوية العراقية، وتعريض ثرواته للنهب، وكنوزه الآثارية للتدمير والخراب، ونشر الفوضى؛ وجعلها وسيلة لإعادة صنع البلد وتحويله إلى دولة تابعة للولايات المتحدة). ونستشهد أيضاً بما قاله الباحث البريطاني (ديليب هيرو) في كتابه (أسرار وأكاذيب .. عملية تحرير العراق وما بعدها) الذي نشر عام 2004: (قرار الحرب على العراق اتخذه بوش، وفريق اليمين المتطرف في مارس عام 2002، ومنذ ذلك الوقت عمل ذلك الفريق على (التجميع القسري) لمبررات ومسوغات الحرب، وهي حرب غير قانونية، شنت خارج إطار قرارات مجلس الأمن وبعيداً عن القانون الدولي). إذن؛ هي الكارثة التي بدأت في التاسع من نيسان عام 2003 باحتلال العراق؛ وقادت لخروجه من المعادلة الإقليمية والدولية، مواجهة غير متكافئة بين العراقيين الذين أنهكتهم سنوات الحصار الدولي الظالم وبين دول (التحالف) التي جربت كافة صنوف أسلحتها في تلك الحرب غير العادلة، وهي تجربة مريرة ما زلنا - حتى الساعة - نلمس ويلاتها وآهاتها! يوم الاحتلال الأمريكي للعراق، ذلك اليوم الذي طلّ بوجهه العبوس على حياة العراقيين بحجة نشر الديمقراطية، وتخليص العالم من خطر الأسلحة العراقية (المحرمة)، كان بداية لمرحلة مليئة بالقتل، والاعتقالات، والتهجير والتغريب والضياع. لا يمكن تصوير مشاعر الحيرة التي تغلف الفكر والروح؛ حينما تحاول تذكر ما جرى في بلدنا الحبيب!، وبعد 11 عاماً من المهزلة الديمقراطية، ماذا نكتب؟! وماذا نتذكر؟! هل نتذكر أهلنا الذين سحقتهم آلة الحرب الأمريكية اللعينة، وغدرت بهم القوات الحكومية؟!، وهل نتذكر الذل والهوان الذي نثرته قوات (التحرير) الأمريكية في حياتنا؟!، وكيف يمكن أن ننسى سجون أبو غريب وبوكا والمطار، والجرائم التي وقعت فيها، واغتصاب الرجال والنساء وغيرها من الجرائم، التي هزت ضمائر الشعوب الحية؟!، وهل من الممكن غض البصر عن شبح الطائفية، التي زرعها الأمريكان بين العراقيين في السياسة والأمن حتى التعليم؟!، وهل بالإمكان تجاهل المهجرين في أكثر من (80) دولة، بعد أن ضاقت عليهم بلادهم الشاسعة؟، وهل بمقدورنا تجاهل جرائم الحكومات الطائفية، التي نصبتها أمريكا علينا، ثم سلمت البلاد على طبق من ذهب لإيران؟!، وهل نتجاهل ذكر المليشيات التي تنشر الرعب في عموم الوطن، تساندها في ذلك غالبية أجهزة الأمن الرسمية؟! ماذا نتذكر؟!...صور مؤلمة نحتت في أرواحنا المآسي والآلام! ومقابل هذه الصور المأساوية لن ننسى: بطولات أهلنا، الذين هزموا المحتل الأمريكي، وسنبقى نتفاخر بالدماء الزكية، التي روت أرضنا بالحرية والكرامة، ولن ننسى وقوف أهلنا بوجه محاولات التقسيم، التي حاولت أمريكا من خلالها تقطيع أوصال العراق، ولن ننسى وقفة أهلنا بوجه المليشيات الحكومية، وتمسكهم بالحياة؛ رغم إصرار الحكومة ومليشياتها على قتلهم! نحن العراقيون تعلمنا أن حب الوطن أبلغ الدروس، التي ينبغي ألا تغيب عن فكر الجميع، وأن الشعارات والدعايات الفارغة لا تغير من الواقع المرير شيئاً. أختم هذا المقال - الذي لا أعرف كيف سطرته من هول الألم الذي يعتصر قلبي في هذه الذكرى المؤلمة - بكلمات شاعر العراق الأستاذ عبد الرزاق عبد الواحد: سَلاماً أيُّها الوَطَنُ الجَريحُ وَيا ذا المُستَباحُ المُستَبيحُ تَعَثَّرَ أهلُهُ بَعضٌ ببَعضٍ ذَبيحٌ غاصَ في دَمِهِ ذَبيحُ! وأدري.. كبرياؤكَ لا تُدانَى يَطيحُ الخافِقانِ وَلا تَطيحُ لذا سَتَظلُّ تَنزفُ دونَ جَدوى ويَشرَبُ نَزفَكَ الزَّمَنُ القبيحُ! سَلاماً أيُّها الوَطَنُ الجَريحُ!