1- كيف تقيمون واقع الصحة بالمؤسسات التعليمية؟ ** في الحقيقة بلادنا اهتمت بالصحة المدرسية منذ بداية الاستقلال وأولتها عناية خاصة بالرغم من قلة الأطر الصحية وقتئذ، بحيث كانت تعرف المؤسسات التعليمية مراقبة مشددة عند دخول التلاميذ إلى المدارس لا من حيث النظافة ولا من حيت الإصابة ببعض الأمراض المعدية أو الموسمية. وعلى إثر الدراسة الميدانية للعشر سنوات الممتدة من 1975 الى 1985 والتي أظهرت أن عدد التلاميذ الذين تشملهم أنشطة الصحة المدرسية لا تتعدى 40 بالمائة، بادرت كل من وزارة الصحة ووزارة التربية الوطنية إلى وضع برنامج وطني للنهوض بالصحة المدرسية والجامعية، وقد رصدت لها إمكانيات هامة بغية تحقيق عدد من الأهداف أهمها رفع مستوى الوعي الصحي والبيئي لدى التلاميذ ورفع مستوى النظافة الشخصية والعامة في المدارس وتحسين الوضع الصحي الغذائي للطلبة ومراقبة ذلك من خلال مؤشرات صحية. كما نظمت حملات لتحصين التلاميذ من عدد من الأمراض وإجراء الفحوصات الضرورية والإشراف على تدبير الدفاتر الصحية المدرسية للتلاميذ من حيث الاقتناء والحفظ والتعبئة ومتابعة تغطية حملات تلقيح التلاميذ خاصة في المرحلة الابتدائية. كما سجلنا بارتياح مبادرة توعية التلميذات ممن هن في السن من 15 الى 16 سنة بالوقاية الصحية وتلقيحهن ضد جرثومة "la rubéole" لضمان الصحة الإنجابية، ناهيكم عن بعض الحملات التحسيسية من بعض الأمراض كأمراض المثانة وتسوس الأسنان والوقاية من التدخين والمخدرات ومرض فقدان المناعة المكتسبة..إلخ. إلا أننا لاحظنا في السنوات الأخيرة تراجع مستوى وحدة هذه الحملات التي أصبحت شبه موسمية يستغل فيها تخليد بعض المناسبات الصحية الوطنية والدولية، ويرجع ذلك في نظرنا المتواضع إلى افتقار وزارة الصحة إلى الوسائل والإمكانيات المادية والبشرية، بسبب أولا ضعف الاعتمادات المرصودة لهذه الحملات والعجز في تغطية مجموع المؤسسات التعليمية عبر التراب الوطني مما أثر سلبا على وتيرة الحملات الصحية خاصة بالنسبة لأبناء الطبقة المعوزة الذين لا يتوفرون على إمكانية ولوج الخدمات الصحية الخاصة. 2- هل تعتقدون أن الجهود المبذولة والظروف داخل المدارس وحولها كافية لضمان صحة سليمة للتلاميذ؟ ** طبعا نحن غير راضين على الجهود التي تبذل حاليا إن كانت هناك مجهودات بالفعل، فهناك تراجع ملحوظ من حيث الاهتمام بالصحة المدرسية، وذلك على الرغم من وجود اتفاقية للشراكة والتعاون بين وزارتي التربية الوطنية والصحة في مجال الصحة المدرسية بسبب قلة الإمكانيات، إضافة إلى مساهمة عدد من العوامل في تأثيراتها السلبية على صحة التلاميذ، أذكر منها بالخصوص الاكتظاظ الذي تعرفه جل المؤسسات التعليمية وضعف التهوية داخل الأقسام مما يسمح بسرعة انتشار بعض الأمراض المعدية أو الموسمية، والافتقار إلى مرافق صحية مجهزة بوسائل النظافة وانعدام المكاتب الصحية وغياب الزيارات المنتظمة لأطباء الصحة المدرسية، وضعف البنيات التحتية خاصة الفضاءات والمرافق الرياضية والمساحات الخضراء. كما أشير إلى بعد خطير تعاني منه جل مؤسساتنا التعليمية ويتمثل في عرض وبيع بعض المواد الاستهلاكية للتلاميذ كالحلويات في ظروف تنعدم فيها أبسط مقومات النظافة والصحة، وانتشار بائعي السجائر بالتقسيط للتلاميذ مما يشكل خطورة كبيرة على صحة التلاميذ، بل على مسارهم الدراسي لا قدر الله بسبب افتقار هؤلاء التلاميذ إلى الوعي بما يدبر لهم من طرف المنحرفين. 3- ما المطلوب في نظركم من الجهات المعنية من أجل حماية التلاميذ في هذه المرحلة؟ ** المطلوب وضع استراتيجية وطنية للصحة المدرسية وبإمكانيات كافية، ونظرا لأهمية مرحلة سن الدراسة حيث يكون الطفل في بداية تكوينه الجسمي والعقلي والعاطفي، فإنه في أمس الحاجة إلى رعاية صحية متكاملة، لذلك تعمد الدول المتقدمة إلى الاعتناء بالمتعلمين بتوفير التغذية المتوازنة لهم داخل المؤسسات التعليمية وتجهيز هذه الأخيرة بمختلف متطلبات تكوين أجيال المستقبل وسواعد الدولة وأطرها المستقبلية، لذلك نطالب الوزارة الوصية على قطاع التعليم ومن خلالها وزارة الصحة بالتركيز على الخدمات الوقائية وعلى رأسها التوعية الصحية وإطلاق الأنشطة والبرامج الصحية من المدرسة وإشراك الأسرة في التوعية الصحية وتعديل السلوكات الصحية الخاطئة وتشجيع إشراك القطاع الخاص في تصميم وتمويل برامج الصحة المدرسية وفتح المجال أمام المجتمع المدني للمساهمة في مجهودات الدولة وإشراكها الفعلي في تنفيذ برامج الصحة المدرسية. ولتجاوز الخصاص في الأطر الصحية، نقترح تكوين أساتذة الرياضة والتربية الأسرية في مجال الصحة المدرسية، إذ إنهم الأقرب والمؤهلون للاضطلاع بدور محوري في مجالي التوعية والتحسيس، وتعيين مشرف صحي على عدد من المؤسسات التعليمية المجاورة لبعضها البعض. واسمحوا لي أن أتوقف عند نتائج الملتقى الوطني الثاني حول الصحة المدرسية والجامعية الذي انعقد مؤخرا بمدينة الرباط حيث تم اختيار الصحة النفسية كموضوع لهذا الملتقى خصوصا وأن الاحصائيات أثبتت معاناة 20 في المائة من الأطفال والشباب من الاضطرابات النفسية كالاكتئاب واضطراب المزاج والاضطرابات السلوكية والمعرفية، ونسجل بالمناسبة التزام وزارة الصحة تعزيز الصحة النفسية وتوفير خدمات ومؤسسات الوالدين كإطار يمكن الوالدين من الاضطلاع بدورهم في تعزيز النمو النفسي الاجتماعي وخدمات الإنصات والمشورة والدعم النفسي. وأود أن أغتنم هذه الفرصة لإخبار قراء جريدة التجديد الغراء بأننا في الشبكة المغربية لجمعيات أمهات آباء وأولياء التلاميذ والمرصد المغربي للتعليم بادرنا يوم السبت 29 مارس 2014 بمقر جهة الرباطسلا زمور زعير إلى تأسيس مدرسة الوالدين تحت شعار "جميعا من أجل إدماج الأسرة في العملية التعليمية" بحضور عدد من الفعاليات الجمعوية المختصة في مجالي الانصات والوساطة ومختصين في علوم التربية والنفس والاجتماع وهو مشروع متكامل يصب في نفس توجه الوزارتين ونتمنى صادقين أن يحضى برعايتهما، وسنشرع الأسبوع المقبل في تطبيق برنامج واسع للمرافعة والدفاع عن هذا المشروع المجتمعي الوطني الاصلاحي. 4- هل لجمعيات الآباء إسهام في تأطير التلاميذ من الناحية الصحية؟ ** مع كامل الأسف لازال يطغى مفهوم مقاولة الإصلاح والترميم والتجهيز وتمويل الأنشطة المدرسية على دور بعض الجمعيات، وإن كنا نسعى جاهدين للخروج من هذا الدور النمطي الخدماتي إلى جمعيات فاعلة ومتفاعلة ومندمجة كليا في العملية التربوية بتنظيم الأنشطة المدرسية وتوقيع اتفاقيات الشراكة والتعاون مع جمعيات المجتمع المدني والمنظمات الدولية، بل والحصول على مقتضى المنفعة العامة حتى تضطلع بدورها كاملا كشريك حقيقي، أما بالنسبة لمساهمة جمعيات الآباء في تأطير التلاميذ، فإنها بالفعل تواكب مختلف الأنشطة وتساهم في تمويل بعض مصاريفها كما تعمل على تعبئة الآباء والأمهات بالمبادرة إلى دعوة بعض المختصين في التربية النفسية والقيام ببعض الحملات التحسيسية بتنسيق مع الهيأة الإدارية للمؤسسة وجمعيات المجتمع المدني، لكنها تبقى مجهودات معزولة ومتفرقة حسب إمكانية كل جمعية.