عندما تتبادل أطراف الحديث مع الحاج محمد بنملاح المتطوع بلا حدود في مجال النظافة والتزيين، تحس أنك تحاور شخصية فريدة من نوعها. يعبر لك عن فرحه الكبير بهذا العمل الراقي والحضاري الذي يقوم به رغم معاناته القاسية جدا، إذ أن الكثير من سكان مدينة سطات الذين أعجبوا بقافلة النظافة كما يسميها الحاج بنملاح، لا يعلمون أن هذا المتطوع بلا حدود قدم خدمات جليلة للمدينة وبعض ضواحيها من ماله الخاص ومما ادخره من عمله بسلك التعليم، والمؤسف له أنه التجأ إلى الاقتراض من شركات السلف لكي تستمر هذه المهمة التي سكنت كيانه ووجدانه وحياته. تعرض للسخرية والاستهزاء الجارح من كثير من زملائه وأصدقائه وسكان المدينة وأعلام البلدية وعائلته، حيث أصبح معزولا ووصلت الدرجة بخصوم النظافة أن وسموه بالمجنون، لكنه لم يبال لذلك، واستمر في عمله، حيث دخل الآن في السنة الخامسة. وهو الآن يحس بفرحة كبيرة بقدوم الوالي الجديد، لأنه جاء من سيتعاون معه كما عبر عن ذلك. لاستكمال التعرف على هذه الشخصية من العيار النادر في الشرف والوطنية، نقدم لكم الحوار التالي: كيف جاءت فكرة تطوعك بلا حدود للعمل في مجال النظافة والتجميل؟ بدأت الفكرة بشكل عفوي، وانطلقت من ثانوية ابن عباد التي أعمل بها، حيث تطوعت بشكل تلقائي للقيام بمختلف أعمال النظافة والتجميل والتزيين والبستنة في أرجاء المؤسسة، ثم تحول العمل إلى محيطها، لأن المصالح المختصة تخلفت عن عدة مواعيد في هذا المجال البيئي، فكتبت عدة لافتات وعلقتها في واجهة الثانوية ثم عممتها على عدة مواقع استراتيجية بالمدينة، كان عنصر المفاجأة لي هو تعرضي للنقد والسخرية والاستهزاء من أطراف عديدة، حتى عائلتي. هل حصلتم على دعم مالي لكي تستمر قافلة النظافة كما أسميتموها؟ قافلة النظافة تتحرك بفضل الله ثم عبد ربه الضعيف، ليست هناك أية جهة تموله أو تدعمه، أصرف على هذا العمل من مالي الخاص، وكل ما ادخرته من عملي بقطاع التعليم. وفي الأخير التجأت إلى الاقتراض من وكالات بنكية لكي لا يتوقف عمل هذا القافلة، وضدا على خصوم النظافة، وقد فاقت المصاريف منذ أن بدأت 04 مليون سنتيم، وأنا جد سعيد بهذا العمل التطوعي، لأن الله عز وجل يقول: (وجعلنا ما فوق الأرض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عملا). ماهو شعورك عندما تنتهي من تنظيف وتجميل واجهة معينة؟ أحس بحبور كبير وأنني أديت واجبا وطنيا خدمة لبلدي وضميري، وأواصل هذا العمل رغم العراقيل الكثيرة لتحسيس المواطنين بفضل هذا العمل، وأتمنى أن أكون عبرة لمن يعتبر، لأن مسؤولي المدينة في هذا المجال تخلفوا عن عدة مواعيد، لكن والحمد الله وبدون مجاملة، منذ قدوم السيد الوالي الجديد بدأت المدينة تتحرك، ولا أخفيكم أنني كنت أود التوقف مكرها عن هذا العمل بسبب انعدام الدعم والتمويل، لكن بكل صدق، شجعني كثيرا قدوم السيد الوالي، الذي يمتاز بديناميكية هائلة في العمل والحركة الدؤوبة، بدليل تلك الجلسة التاريخية التي عقدها ببلدية سطات، والتي كانت سابقة في تاريخ المدينة رغم إقصائي من التدخل، وقد قال لي بعض الأصدقاء "هنيئا لقد جاء من سيتعاون معك". عندما باشرت هذا العمل التطوعي بلا حدود، كيف كانت نظرة المجتمع إليك؟ عدة أصدقاء وزملاء وجل أفراد عائلتي وسموني بالمجنون والأحمق، والكثير من الناس سخروا مني، لكن والحمد لله أنا الآن في السنة الخامسة من هذا العمل، ولازلت أواصل عملي هذا، فلا يهمني كلام الناس، ما يهمني هو أن أعطي دروس التربية الحضارية في الشوارع، وهي دروس صامتة، كما أوصل أيضا رسالة إلى خصوم النظافة مفادها أن الرجال لا تقهر، وأنكم أخطأتم موعدا مع التاريخ. أستاذ بنملاح كيف تواجهون خصوم البيئة؟ نواجههم بالحوار وبالخدمات التي نقدمها لهم أمام الفضاءات التي يعملون بها وواجهات منازلهم، ونفتح معهم حوارا، ونقول لهم إن هذا العمل يجب أن يكون، وإن البيئة التي نعيش وسطها يجب أن تكون بيئة صحية، والإنسان الذي لا يعنى بالبيئة فهو منعدم الحياة. صادق أخيرا المجلس البلدي على تفويت ساحة محمد الخامس لشركة من أجل بناء مركب تجاري، مارأيكم في هذا التفويت؟ الذي أعرف أن ساحة محمد الخامس كانت معلمة تاريخية، ومحطة للمسافرين وفضاء لجميع الناس. كان من الممكن التفكير في جعلها فضاء يدل على تراث وحضارة المدينة وذاكرتها، فيمكن تعويضها بحديقة للأطفال تعود بالنفع على المدينة، أما بالنسبة للمركب التجاري فمن الأفضل أن ينشأ في مكان غير هذا الموقع، لأنه تتواجد أسواق تجارية جانبية كسوق زنقة القايد علي وقيسارية النخيل... والمركب التجاري سيؤثر على الحركة التجارية، ناهيك عن خنقه لمتنفس وسط المدينة، وحتى هندسة المدينة ستصبح على شاكله أخرى، إضافة إلى أن سطات عرفت امتدادا عمرانيا مهما، فلم لا يكون هذا المركب التجاري بعيدا عن هذا المكان. ماهي الخدمات البيئية التي قدمتم للمدينة على امتداد ما يقارب 5 سنوات؟ علقت لافتات على جميع واجهات إدارات مدينة سطات وجميع أشجارها ونخيلها، وأثرنا يدل علينا، لأن المسؤولين كان تحركهم لا يرقى إلى المستوى المطلوب، بدأت تدب فيهم الحركة عند قدوم السيد الوالي. كذلك قمت بخدمات خارج المدينة (سيدي العابدي، لحساسنة) ولكي لا أنسى أيضا، عملت على واجهات عدة مساجد والمصلى والمقابر، كما قدمت خدمات لدواوير العمال الذين يتعاونون معي في إطار قافلة النظافة، كما ساهمنا بشكل جيد في الفيضانات الأخيرة التي ضربت المدينة، ولا يمكنني حصر جميع أعمال القافلة. ماذا سيكون انطباعكم إذا ما توقفتم لا قدر الله عن هذا العمل التطوعي بدافع الإكراهات التي ذكرتم سلفا؟ أتمنى أن لا يتوقف، لأن الإصلاح عملية دائمة كما يقول المثل الشعبي "لي بغى النقا يداومو وبيقى"، لذلك نحن في حاجة ملحة إلى دعم لكي نستمر، ولكن إذا قدر الله وتوقف هذا العمل وأتمنى ألا يحدث سيترك أثرا بليغا في نفسيتي وعلى القافلة أيضا، على اعتبار أنه إصلاح سنحرم من أجره وتحرم المدينة منه. من خلال تجربتكم الرائدة هذه، ماذا تودون قوله في ختام هذا الحوار؟ في البداية لابد أن نتوجه بالشكر الجزيل للسيد الوالي الذي زارني أخيرا بموقع عملي التطوعي ودعمني وحياني تحية خاصة، رفعت من معنوياتي وزادتني إصرارا على المتابعة في هذه المهمة النبيلة، كما أود أن أوجه نداء إلى سكان المدينة، وذلك قصد التعاون على الصلاح والإصلاح وحماية البيئة، وكذلك أرجو من الفاعلين في هذا الميدان التحرك من أجل تأطير المواطنين وتكريس ثقافة بيئية تحافظ على جمالية المدينة، كما أشكر جريدة التجديد على هذه الالتفاتة الكريمة. أجرى الحوار: محمد معناوي