"الدستورية" تصرح بشغور مقاعد برلمانية    إسرائيل: محكمة لاهاي فقدت "الشرعية"    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    بإذن من الملك محمد السادس.. المجلس العلمي الأعلى يعقد دورته العادية ال 34        البطولة الوطنية الاحترافية لأندية القسم الأول لكرة القدم (الدورة 11): "ديربي صامت" بدون حضور الجماهير بين الرجاء والوداد!    خلوة مجلس حقوق الإنسان بالرباط، اجتماع للتفكير وتبادل الآراء بشأن وضعية المجلس ومستقبله    الحزب الحاكم في البرازيل يعلن دعم المخطط المغربي للحكم الذاتي في الصحراء    المغربيات حاضرات بقوة في جوائز الكاف 2024    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    الاستئناف يرفع عقوبة رئيس ورزازات    طنجة.. توقيف شخصين بحوزتهما 116 كيلوغرام من مخدر الشيرا    مؤشر الحوافز.. المغرب يواصل جذب الإنتاجات السينمائية العالمية بفضل نظام استرداد 30% من النفقات    المركز السينمائي المغربي يقصي الناظور مجدداً .. الفشل يلاحق ممثلي الإقليم    ميركل: ترامب يميل للقادة السلطويين    زكية الدريوش: قطاع الصيد البحري يحقق نموًا قياسيًا ويواجه تحديات مناخية تتطلب تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص    لأول مرة.. روسيا تطلق صاروخا باليستيا عابر للقارات على أوكرانيا        الجديدة: توقيف 18 مرشحا للهجرة السرية    "ديربي الشمال"... مباراة المتناقضات بين طنجة الباحث عن مواصلة النتائج الإيجابية وتطوان الطامح لاستعادة التوازن    ارتفاع أسعار الذهب مع تصاعد الطلب على أصول الملاذ الآمن    وزارة الإقتصاد والمالية…زيادة في مداخيل الضريبة    مشاريع كبرى بالأقاليم الجنوبية لتأمين مياه الشرب والسقي    رودري: ميسي هو الأفضل في التاريخ        أنفوغرافيك | يتحسن ببطئ.. تموقع المغرب وفق مؤشرات الحوكمة الإفريقية 2024    سعر البيتكوين يتخطى عتبة ال 95 ألف دولار للمرة الأولى    ارتفاع أسعار النفط وسط قلق بشأن الإمدادات جراء التوترات الجيوسياسية    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولاتها بأداء إيجابي    "لابيجي" تحقق مع موظفي شرطة بابن جرير يشتبه تورطهما في قضية ارتشاء    اسبانيا تسعى للتنازل عن المجال الجوي في الصحراء لصالح المغرب    نقابة تندد بتدهور الوضع الصحي بجهة الشرق    بعد تأهلهم ل"الكان" على حساب الجزائر.. مدرب الشبان يشيد بالمستوى الجيد للاعبين    حادثة مأساوية تكشف أزمة النقل العمومي بإقليم العرائش    من شنغهاي إلى الدار البيضاء.. إنجاز طبي مغربي تاريخي    الشرطة الإسبانية تفكك عصابة خطيرة تجند القاصرين لتنفيذ عمليات اغتيال مأجورة    مدرب ريال سوسيداد يقرر إراحة أكرد    المركز السينمائي المغربي يدعم إنشاء القاعات السينمائية ب12 مليون درهم    انطلاق الدورة الثانية للمعرض الدولي "رحلات تصويرية" بالدار البيضاء    8.5 ملايين من المغاربة لا يستفيدون من التأمين الإجباري الأساسي عن المرض    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية    اليسار الأميركي يفشل في تعطيل صفقة بيع أسلحة لإسرائيل بقيمة 20 مليار دولار    الأساتذة الباحثون بجامعة ابن زهر يحتجّون على مذكّرة وزارية تهدّد مُكتسباتهم المهنية    شي جين بينغ ولولا دا سيلفا يعلنان تعزيز العلاقات بين الصين والبرازيل        جائزة "صُنع في قطر" تشعل تنافس 5 أفلام بمهرجان "أجيال السينمائي"    بلاغ قوي للتنسيقية الوطنية لجمعيات الصحافة الرياضية بالمغرب    منح 12 مليون درهم لدعم إنشاء ثلاث قاعات سينمائية        تفاصيل قضية تلوث معلبات التونة بالزئبق..    دراسة: المواظبة على استهلاك الفستق تحافظ على البصر    من الحمى إلى الالتهابات .. أعراض الحصبة عند الأطفال    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    "من المسافة صفر".. 22 قصّة تخاطب العالم عن صمود المخيمات في غزة    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محنة العاملين بالْمُوقُفْ
نشر في التجديد يوم 21 - 08 - 2004


عمال شبه عاطلين
لأجل أن نتعرف عن قرب على أوضاع أهل الْمُوقُفْ وظروف عملهم وعيشهم تفقدنا ثلاثة مواقع، اثنان بمدينة تمارة والثالث بمدينة الرباط. أمكنة تشهد على بؤس طبقة من أبناء هذا المجتمع، وفقر شريحة لا تعرف شيئا اسمه حقوق وواجبات المواطنة سوى أنها تحمل في جيبها بطاقة وطنية تتضمن اسم ونسب أفرادها، فضلا عن تاريخ ومكان سكناهم وجنسيتهم المغربية.
المواقع الثلاث تشبه بعضها بعضا، ووجه الشبه يكمن في أنها تضم صباغين وبنائين ولحامين وحدادين، ورصاصين و... ينصبون أمامهم الحد الأدنى من الوسائل التي يستعملونها، ليتعرف عليهم الزبون: سطول وأدوات للصباغة ، ومطارق وملالس للبناء، أنابيب مياه وحنفيات، وقضبان حديدية للحامة. أما فئة العمال المساعيدن (المانوفريا بتعبير أهل الْمُوقُفْ) فينتتظرون نداء من أحد المعلمية سواء من داخل الْمُوقُفْ أو خارجه ليرحلوا معه حيث مكان العمل: دراجات عادية وأخرى نارية وسيارات من نوع رونو 12 أو سيمكا في أحسن الأحوال بالنسبة ل المعلمية، تؤثت المواقع الثلاث. أجسام نحيلة تغطيها ثياب بالية وأقدام تختبئ في أحذية ممزقة أو بلاستيكية، ووجوه شاحبة يعلو بعضها دخان السجائر من نوع كازا أو ماركيز
لا بديل لنا
لا يقصد الْمُوقُفْ إلا التائهون والضائعون، بهذه العبارة المؤثرة بدأ محمد(30سنة) حديثه إلينا، وهو يشبك أصابعه. محمد، الذي اشتغل بالْمُوقُفْ لمدة تربو عن 7 سنوات، قال إنه وزملاءه يعيشون بدون كرامة وبدون شروط دنيا للإنسانية، وإنه لا شيء أهم بالنسبة إليه من أن يتمتع بعمل محترم يحفظ له كرامته، كي لا يعود إلى هذا المكان البئيس. حالة الضياع والتيه التي تحدث عنها محمد يعاني منها أربعة آخرون من زملائه، أحدهم كان فلاحا ثم هجر أرضه اضطرارا، والآخر قصد الكثير من الشركات دون نتيجة تذكر، والثالث عمل مساعدا رياضيا قبل أن يجد نفسه مرميا بالْمُوقُفْ، أما الرابع فاشتغل سائق شاحنة قبل أن يرغم على مرافقة (المانوفريا). يقول عبد الله (30 سنة، متزوج): في السابق كنت أشتغل مع أحد الأشخاص كمساعد في إحدى قاعات الرياضة لمدة 7سنوات، لكن عندما طالبته بضرورة أن يمكنني من بطاقة الانخراط في صندوق الضمان الاجتماعي طردني. ياسين (45 سنة)، هو الآخر، اشتغل فلاحا بمدينة خريبكة قبل أن يهجرها إلى مدينة تمارة، تحت ضغط الفقر والجفاف ، ليعمل ك طالب معاشو بالْمُوقُفْ، وقال حاولت أن أمتهن حرفة بائع خضر متجول، لكنني علمت أن
موظفي البلدية يسلبون الفقراء عرباتهم، وأن العديد من المهن تحتاج إلى رأس مال معتبر، فقصدت الْمُوقُفْ مكرها. أما أحمد الصباغ(54 سنة)، فيحكي أنه قصد شركات كولورادو وأسطرال وشيميكولور للعمل بها، ووعده المسؤولون هناك بالاتصال به، لكن لا شيء من ذلك وقع على الإطلاق، فنزلت إلى الْمُوقُفْ، مكان الفقراء والبؤساء والمقهورين. أما مصطفى، الذي يتوفر على نوعين من رخصة السياقة، فيؤكد أنه اشتغل سائق شاحنة لمدة ثلاث سنوات، وأضاف: لم أترك طريقا إلا مررت منها، غير أن أقدار الله رمت بي في هذا الْمُوقُفْ لأبحث عن عمل كيفما كان نوعه، سواء كمساعد بناء أو مساعد صباغ أو حمال، حتى أقوى على مصاريف الكراء والعيش.
يوم عمل وأسابيع عطالة
يكون الواحد من أهل الْمُوقُفْ مطالبا بأن يستيقظ باكرا في كل يوم ليحتل موقعا من تلك الرقعة البئيسة، عله يظفر بعمل قد يكسبه بعض الدريهمات ليدخل الفرحة على فؤاد زوجته وقلوب أبنائه، ومدعوا أيضا إلى أن يصبر على هذا الوضع أياما وشهورا حتى ولو لم يحصل خلالهن على عمل، إذ لا مفر له من الْمُوقُفْ إلا إلى الله.
يقول عبد الله (30 سنة): لا أتمكن من العمل إلا مرتين إلى ثلاث مرات في الأسبوع، وفي كل مرة أتقاضى 60 إلى 70 درهما، ثم يزيد بالقول أكون مطالبا بعد حصولي على عمل بأن أدبر هذه الدراهيم بشكل جيد، لعلمي أنني قد لا أوفق للعمل ثانية إلا بعد مدة طويلة.
عبد الله، الذي لم يمر على مجيئه إلى الْمُوقُفْ إلا بضع سنوات، سئم هذا الصنف من العمل، لكنه لم يجد أفضل منه، فقبل به مكرها كما يقول. أما جامع ذو ال 15 سنة من التجربة رغم أن سنه لم يتجاوز بعد 35 سنة، فيؤكد ،بدوره، أن الْمُوقُفْ لا يتيح له العمل إلا مرة إلى مرتين في الأسبوع في أحسن الأحوال، يحصل خلالهما على أجر لا يكفي لتدبير مصاريف العيش، لذلك، يقول، ف نحن ضائعون ومقهورون وحياتنا بئيسة، نظل اليوم كله تحت أشعة الشمس دون أن نظفر بعمل يمكن أن نجلب منه أجرا نفرح به أطفالنا.
أما معاناة مصطفى (متزوج وأب لطفلين) في الحصول على العمل، فهي مضاعفة بالمقارنة مع حالة زملائه، يقول مصطفى (مساعد بناء): أتكلف عناء التنقل من مكان بعيد، وأدفع لأجل ذلك 7 دراهم في كل يوم نظير الرحيل نحو الْمُوقُفْ للبحث عن فرصة عمل قد أجدها وقد لا أجدها. مصطفى يشتغل يوما ويحرم أياما عديدة، ومع ذلك فإنه مطالب بتوفير سبعة دراهم يوميا، كما يؤكد، لأضمن الالتحاق بزملائي بهذه البقعة الكئيبة. هذا الأمر لوحده يظل صعبا بالنسبة لمصطفى، فكيف بمصاريف الأبناء والزوجة؟ . ويبقى كلام بناصر(مساعد بناء) أبلغ تعبيرا وأدق وصفا لحالة العمل بالْمُوقُفْ، يقول بناصر إننا هنا في الْمُوقُفْ في حالة وقوف دائم أملا في الحصول على عمل قد يأتي وقد لا يأتي.
نبيع ثيابنا لنضمن لقمة العيش
يضطر العديد من أهل الْمُوقُفْ في بعض الأوقات إلى بيع أثاث منزلهم وملابسهم وملابس زوجاتهم وأبنائهم ليشتروا بثمنها خبزا وحبات شاي، ويؤدوا واجب كراء البراكة، خاصة في فصل الشتاء، حيث يتناقص الطلب على أهل الْمُوقُفْ، وبذلك تتقلص فرص العمل إلى أن تصبح منعدمة أحيانا.
يقول جمال(30 سنة، أب لطفلين): نعيش في وضعية يرثى لها، ففي فصل الصيف نلجأ إلى الْمُوقُفْ للبحث عن العمل، وفي فصل الشتاء نبيع ثيابنا وأثاث البيت لنقوى على مصاريف العيش، ويستطرد بالقول: الكل على هذه الحالة، لكن الكثير منا لا يقدر على كشف ذلك. جمال إذا فرح أياما بحصوله على همزة، كما يحكي، حزن شهورا وشهورا، لقد قبل هذا النوع من العمل رغما عن أنفه، ولو أنه وزملاءه، وجدوا عملا بأجرة 1200 إلى 1500 درهم في الشهر لما قصدوا هذا المكان الكئيب. عبد القادر (51 سنة، بناء) بدوره يؤكد أنه يرغم تارات عديدة على بيع ثيابه ليجلب بعض الحاجات الضرورية لأبنائه وزوجته، وإلا سيموتون جوعا. صاحبنا يذكر بألم وحسرة بالغين يوم باع قعة قماش كانت تفترشها زوجته، وهي ماتزال حديثة عهد بالولادة، يقول : لقد حصل يوما أن سحبت قطعة ثوب من تحت زوجتي، وكانت حينها قد وضعت مولودا جديدا، ثم بعته بالسوق لكي آتي ببعض الحليب للمولود.. إنها حياة سئيمة، يزيد عبد القادر، تلك التي يضطر فيها الرجل إلى أن ينزع ثوبا كانت تفترشه زوجته كي يؤمن بعض الحليب لابنه. أما عبد العزيز(15 سنة من التجربة) فيصف العمل بالْمُوقُفْ بأنه خدمة رخيصة وذليلة،
إذ نشتغل في المتوسط يوميين في الأسبوع ولا نجني من ورائهما إلا التعب، أما الأيام الخمسة الباقية فنبيع فيها ثياينا. محنة بيع الثياب هذه تنضاف إليها محنة مضايقة الشرطة لأهل الْمُوقُفْ بطلب من أصحاب المحلات التي يقفون أمام واجهاتها، يقول عبد الرحمن الصحراوي (66 سنة): إننا نعيش محنة الانتظار ومطاردة رجال الشرطة الذين يأتون بين الفينة والأخرى بطلب من بائع العقاقير هذا (وأشار إلى محل يجلس أصحاب الْمُوقُفْ أمامه)، ويقص عبد الرحمن أن الشرطة ألقت القبض عليه مرات عديدة مصحوبا بوسائل عمله، وفي كل مرة كانت تقوده إلى أقرب مركز، وهناك كانوا يطلبون منه أن يوقع على التزام يقضي بعدم الجلوس بالقرب من ذلك المحل، لكنه كان يمتنع عن التوقيع.عبد الرحمن تساءل في الأخير، والابتسامة تكاد لا تفارق شفتيه لأنه مراكشي النشأة، كيف لي أن أغادر ذلك المكان، وهو مصدر رزقي؟
حرمان وتأخير في أداء الأجرة
ما إن يظفر المانوفري بفرصة شغل ليوم واحد أو أسبوع في أحسن الأحوال بعد طول الانتظار، حتى يدخل في حلقة جديدة من سلسلة معاناته بالْمُوقُفْ، إنها الحرمان من أجرة العمل تارة والخصم منها تارة وتأخيرها تارة أخرى، خاصة من لدن (المعلمين) الذين يوجدون خارج الْمُوقُفْ. يقول حسن (43 سنة): إذا ما صاحب أحدنا شخصا إلى منزله لأداء مهمة ما، صباغة كانت أو بناء، فإن صاحب المنزل يكرمه ويمنحه واجبا محترما يتراوح مابين 800 إلى 1000 درهم في الأسبوع، أما إذا صاحب معلم عطاش، فإنه يقهره قهرا ويهد صحته طيلة أسبوع، ثم لايؤدي له في آخر المطاف إلا 400 درهم في أحسن الأحوال.
عبد الفتاح (40 سنة، لحام) يؤكد هو أيضا أنه عندما يشتغل مع (العطاش) فقد يحدث أن يسرق أجرته. وأما مانوفري ثالث، فضل عدم ذكر اسمه، فيقول إن هناك أشخاصا نشتغل معهم طيلة اليوم أو طيلة الأسبوع، ثم يحرموننا كليا من أجورنا، كما أن البعض الآخر يؤخرعنا هذه الأجور رغم علمه بأننا في حاجة ماسة للنقود اليوم قبل الغد، متابعا قوله: إننا نشتغل مع أشخاص قد لا نعرف أسماءهم، وهذا الأمر خطير جدا لأنه قد يجني علينا كأن ينكر هذا الشخص أننا اشتغلنا معه، ثم يسرق أجرتنا. ويمضي المانوفري في الحديث عن شريط معاناته قائلا إن كل من يصحبنا معه للعمل سواء كان معلما أو شخصا آخر يعتبرنا عطاشة (مياومين)، وعليه فإنه إذا حصل لنا مكروه فإنه يلفظنا ويتبرأ منا.
أخطار محدقة و حالات كسر ووفاة
كنت أفرغ حمولة إحدى الشاحنات المملوءة بالدقيق لأنقلها إلى داخل إحدى المخبزات مستعينا في ذلك بسلم، غير أن هذا الأخير زاغ بي فسقطت أرضا وكسرت رجلي كسرا خطيرا، حملني المشغل على إثرها باتجاه المستشفى، وهناك رمى بي وتخلى عني ولم يمنحني حتى ثمن إبرة، لأنني بكل بساطة لا أتوفر على أوراق عمل، فما أنا سوى طالب معاشو، بهذه العبارات المؤثرة حاول محمد أن يتذكر شريط الحادثة التي حولته إلى شخص عاجز تمام العجز عن حمل أي نوع من الأثقال، دون أن تصرف له تعويضات تعينه على صلف الحياة، (محمد) لم يستسلم فرفع إثر ذلك شكاية إلى الجهات الوصية، غير أنه لم يتلق أي جواب يذكر حتى الآن. ورغم قلة حيلته ظل محمد يتردد على الْمُوقُفْ عله يجد عملا يناسب وضعه الصحي الجديد، يقول محمد : لم أعد أقدر على امتهان الحرف الشاقة وحمل الأشياء الثقيلة، لكن قلة الحيلة وشعوري بحالة أبنائي الجائعين والمحرومين حملاني على الوقوف مع أصدقائي علني أجد عملا أقدر عليه.
ياسين ضحية أخرى للعمل بالْمُوقُفْ، أصيب في أعلى عينه اليمنى إصابة كادت أن تذهب بعينه كاملة، ومع ذلك لم يحصل على أي تعويض، لأنه لا يتوفر على أوراق قانونية للعمل. يقص علينا ياسين مقتطفا من حكايته المؤلمة فيقول : أصبت في أعلى العين اليمنى عندما كنت اشتغلت بإحدى المنازل بمنطقة بير قاسم (الرباط)، نقلت إثرها إلى مستشفى سيدي لحسن بمدينة تمارة، هناك سألوني عن اسم مشغلي أو صاحب المنزل، فأجبتهم أنني لا أعلم شيئا عنه، والواقع أننا نشتغل في أغلب الأحيان مع أشخاص لا نعرف أسماءهم ولا صفاتهم، ثم أديت 100 درهم لأجل الحصول على شهادة طبية تثبت العجز والإصابة، بعد ذلك عدت إلى صاحب المنزل لكنه صدني ولم يلتفت إلى مطالبي.
بناصر ومحمد الصباغ وإيدر من جهتهم أخبرونا بأن هناك حالات مأساوية وقعت في صفوفهم، أشخاص أصيبوا إثر حوادث مؤلمة خلال العمل لكن لم يحصلوا على تعويضات أو حتى رعاية من طرف من كانوا يعملون معهم.
بناصر ذكر أنه في يوم من الأيام غادر الْمُوقُفْ بعدما لم يتمكن من الحصول على عمل، وفي طريقه إلى المنزل شاهد صديقا له ممدودا على الأرض، فعلم منه أنه قد سقط من على البناية فكسرت رجله، وبعد مدة، يمضي بناصر في سرد حكايته، التقى بزميله بإحدى المقاهي وسأله عما إذا كان قد حصل على تعويضات، فأكد له أن أهل ذلك المنزل الذي اشتغل فيه كانوا يمنحونه 300 درهم في الأسبوع لكنهم بمجرد أن علموا أنه قد أزال الجبس من رجله المكسورة منعوا عنه تلك التعويضات. أما إيدر فقال إنه حدث أن توفي صديق لنا اسمه مصطفى بعدما سقط من فوق شاحنة كان يركبها في اتجاه العاصمة، هذه الحافلة فقدت إحدى عجلاتها فاختل توازنها ثم سقط زميلنا قتيلا.
تغطية اجتماعية منعدمة ومستقبل غامض
جميع من استجوبناهم من أهل الْمُوقُفْ لا يتمتعون بأية تغطية صحية أو اجتماعية، ولا يتوفرون على وثائق قانونية تمنحهم حق مزاولة مهنهم، مما يجعلهم في وضع غير طبيعي تجاه مستقبلهم ومستقبل أسرهم من جهة، وتجاه مستخدميهم في حالة التنازع من جهة ثانية، وقد تعرفنا على حالات عديدة ممن أصيبوا إثر حوادث شغل فلفظهم مشغلوهم ولم يمكنوهم من أية تعويضات.
يقول حسن(43 سنة) إن معظمنا لا يدخر أية مبالغ مالية ل دْوايْر الزمان، فكل ما نجنيه بالنهار يصرف كاملا في الليل. عبد الله أكد من جانبه أنه لا يتوفر على تغطية اجتماعية أو صحية، وقال: إذا حدث لي مكروه فلا منقذ لنا في هذه الحالة إلا الله، لأن من أعمل معه قد يتبرأ مني. أما عبد الفتاح وعبد القادر وحسن (البناي) فقد سبق لهم أن انخرطوا في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي عندما كانوا يشتغلون في القطاع الخاص، لكنهم لم يعودوا كذلك، مباشرة بعد مغادرتهم العمل. يقول عبد الفتاح: كان لي انخراط بصندوق الضمان الاجتماعي سنة ,1986 عندما كنت أشتغل مع إحدى الشركات، لكن بعد توقف هذه الأخيرة أوقفت أداء أقساط الاشتراك بالصندوق، ومن ثم فلا يوجد لدي أي درهم في هذا الصندوق، كما أن مستقبلنا بيد الله، عبد القادر هو الآخر أكد أنه انخرط في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي سنة ,1976 لكنه عدل عنه، لأنه لم يعد يشتغل مع الشركة، وبالتالي لم تعد لي قدرة على مصاريف العيش، يقول عبد القادر، بالأحرى دفع أقساط الاشتراك. أما حسن البناي فظهر أنه على وعي بأهمية الانخراط في الصندوق ودوره في تأمين المستقبل، لكن ظروفه المادية لم تعد
تسمح بذلك، يقول حسن: توقفت عن أداء واجب الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي بعد 1500 ساعة من العمل بإحدى الشركات، ورغم علمي بأهمية هذا الصندوق في ضمان تقاعد مريح للعامل، يزيد حسن في وصف حالته، إلا أن المثل يقول العين بصيرة واليد قصيرة والله غالب على أمره.
وإذا كان الكثير من أهل الْمُوقُفْ يفضلون العمل بإحدى الشركات بدل طول الانتظار، وأغلبهم من المانوفريا إلا أن بعضهم يرى العكس تماما، عبد القادر (51سنة، بناء) نموذج من هؤلاء، يقول عبد القادر إن العمل ب الْمُوقُفْ خير لي من العمل بالشركة لأنه(أي الْمُوقُفْ) يوفر لك يوما ما عملا يدر عليك فيضا كبيرا من الأموال قد تنفعك لأسابيع عديدة، بخلاف الشركة التي تقهرك وتستعبدك دون أن تمنحك مقابل ذلك حقوقك التي تستحقها، هذا رغم أن كلاهما، يبين عبد القادر، لا يوفر لك أوراقا تثبت العمل الذي تمارسه سواء كان بناءا أم صباغة أم شيئا آخر.
نريد عملا دائما ولو بأجر زهيد
يرى البعض من أهل الْمُوقُفْ أن الحل لأوضاعهم المزرية يكمن في تنظيم المهنة، فيما يعتقد البعض الآخر أن إنهاء حالة البؤس التي يقبعون فيها يتوقف على إحساس المسؤولين بضرورة تمكينهم من عمل دائم، ولو بأجرة زهيدة، بشرط أن يتمتعوا بتغطية صحية وأخرى اجتماعية. يقول عبدالله: نطالب بتنظيم هذه المهنة من خلال تعيين أمين للحرفة يحفظ لنا كرامتنا ويدافع عن حقوقنا في وجه كل من ظلمنا أو تبرأ منا، وكذا ضمان الحقوق لأصحابها، وفي مقدمتها التغطية الاجتماعية والصحية . محمد (29 سنة) يرى أن مطلب ( الأمين) يظل ثانويا، مقارنة مع مطلب توفير عمل محترم يتضمن شرط الكرامة، كي لا يعود أحد إلى هذا الْمُوقُفْ البئيس. أما المانوفري، الذي فضل عدم ذكر اسمه، فقال إننا نرغب في تنظيم هذا المجال، وفي أن نجد عمل دائما ولو بأثمان منخفضة ما بين 25 و 30 درهما في اليوم، ومثله جمال (30 سنة) الذي قال لو أننا وجدنا عملا بأجرة 1200 إلى 1500 درهم في الشهر لما قصدنا هذا المكان البئيس... إننا نريد مبلغا كي يعيش أبناؤنا.
إعداد: محمد أفزاز


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.