الرباط.. انعقاد الاجتماع ال 11 للجنة العسكرية المشتركة المغربية-الإسبانية    عودة تدريجية للتيار الكهربائي إلى عدة مناطق بإسبانيا بعد انقطاع واسع    رئيس الحكومة الإسبانية: ننسق مع المغرب وفرنسا لإعادة استقرار الكهرباء بعد الانقطاع الواسع    بورصة الدار البيضاء تنهي تداولاتها على وقع الارتفاع    الطالبي العلمي .. إقلاع الجنوب رهين بتحقيق السلم والتوظيف الجيد لإمكانياتنا    التحالف الديمقراطي الاجتماعي في العالم العربي يؤكد دعمه للوحدة الترابية للمملكة ويرفض أي مساس بسيادة المغرب على كامل ترابه    أورونج المغرب تعلن عن اضطرابات في خدمة الإنترنت بسبب انقطاع كهربائي بإسبانيا والبرتغال    شبهات هجوم سيبراني بخصوص الشلل الكهربائي الشامل في إسبانيا    دوري أبطال أوروبا.. إنتر يواجه برشلونة من دون بافار    الرياح القوية تلغي الملاحة البحرية بميناء طنجة المدينة    أزيد من 3000 مشاركة في محطة تزنيت من «خطوات النصر النسائية»    نزهة بدوان رئيسة لمنطقة شمال إفريقيا بالاتحاد الإفريقي للرياضة للجميع    يضرب موعد قويا مع سيمبا التنزاني .. نهضة بركان في نهائي كأس الكونفيدرالية الإفريقية للمرة الخامسة في العقد الأخير    في بيان التحالف الديمقراطي الاجتماعي في العالم العربي التشديد على الالتزام الثابت بوحدة المملكة المغربية وسيادتها ورفض قاطع لكل محاولات الانفصال أو المساس بالوحدة الترابية    منتدى الحوار البرلماني جنوب- جنوب محفل هام لتوطيد التعاون بشأن القضايا المطروحة إقليميا وقاريا ودوليا (ولد الرشيد)    بوتين يعلن هدنة مؤقتة لمدة ثلاثة أيام    لماذا المغرب هو البلد الوحيد المؤهل للحصول على خط ائتمان مرن من صندوق النقد الدولي؟ محلل اقتصادي يجيب "رسالة 24"    الدار البيضاء.. توقيف عشريني بشبهة الاعتداء على ممتلكات خاصة    يوم انهيار الخدمات .. شل كهربائي ومائي واتصالاتي يضرب إسبانيا ودول مجاورة    أبوظبي .. المغرب يعمل تحت قيادة جلالة الملك على دمقرطة الولوج إلى الثقافة (بنسعيد)    منظمة الصحة العالمية: التلقيح ينقذ 1.8 مليون شخص بإفريقيا في عام واحد    انقطاع كهربائي غير مسبوق يضرب إسبانيا والبرتغال    مزور يؤكد على التزام المغرب بتعزيز علاقاته الاقتصادية مع الصين في إطار المنتدى الصيني العربي    لماذا لا يغطي صندوق الضمان الاجتماعي بعض الأدوية المضادة لسرطان المعدة؟    هشام مبشور يفوز بلقب النسخة الثامنة لكأس الغولف للصحافيين الرياضيين بأكادير    أزيد من 403 آلاف زائر… معرض الكتاب بالرباط يختتم دورته الثلاثين بنجاح لافت    403 ألف زاروا المعرض الدولي للكتاب بمشاركة 775 عارضا ينتمون إلى 51 بلدا    فعاليات المناظرة الجهوية حول التشجيع الرياضي لجهة الشرق    مصر تفتتح "الكان" بفوز مهم على جنوب إفريقيا    ترايل أمزميز.. العداؤون المغاربة يتألقون في النسخة السابعة    حمودي: "العدالة والتنمية" نجح في الخروج من أزمة غير مسبوقة ومؤتمره الوطني تتويج لمسار التعافي    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الثلاثاء    ندوة توعوية بوجدة تفتح النقاش حول التحرش الجنسي بالمدارس    تكريم سعيد بودرا المدير الإقليمي السابق لوزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة بالمضيق الفنيدق    هيئة حقوقية تدين حملات التشهير ضد ساكنة بن أحمد    الذهب يهبط وسط انحسار التوتر بين أمريكا والصين    "البيجيدي" يحسم أسماء أعضاء الأمانة العامة والمعتصم رئيسا للمجلس الوطني    انطلاق جلسات استماع في محكمة العدل الدولية بشأن التزامات إسرائيل الإنسانية    خط جوي مباشر يربط الدار البيضاء بكاتانيا الإيطالية    منظمات حقوقية تنتقد حملة إعلامية "مسيئة" للأشخاص في وضعية إعاقة    متصرفو قطاع التربية الوطنية يطالبون بتدخل عاجل من أخنوش    دراسة: متلازمة التمثيل الغذائي ترفع خطر الإصابة بالخرف المبكر    بريطانيا .. آلاف الوفيات سنويا مرتبطة بتناول الأغذية فائقة المعالجة    اختيار نوع الولادة: حرية قرار أم ضغوط مخفية؟    رد حكيم من بوريطة.. إسكات استفزازات العالم الاخر ومسه بسيادة العراق    كيوسك الاثنين | قرار وزاري يضع حدا لتعقيدات إدارية دامت لسنوات    ثروة معدنية هائلة ترى النور بسيروا بورزازات: اكتشاف ضخم يعزز آفاق الاقتصاد الوطني    شهادات تبسط مسار الناقدة رشيدة بنمسعود بين الكتابة والنضالات الحقوقية    "جرح صعيب".. صوت عماد التطواني يلامس وجدان عشاق الطرب الشعبي    مي حريري تطلق " لا تغلط " بالتعاون مع وتري    التنسيقية الصحراوية للوديان الثلاث وادنون الساقية الحمراء واد الذهب للدفاع عن الارض والعرض تستنكر… ارض الصحراويين خط أحمر    العرائش: عزفٌ جنائزي على أوتار الخراب !    التدين المزيف: حين يتحول الإيمان إلى سلعة    منصف السلاوي خبير اللقاحات يقدم سيرته بمعرض الكتاب: علينا أن نستعد للحروب ضد الأوبئة    مصل يقتل ب40 طعنة على يد آخر قبيل صلاة الجمعة بفرنسا    كردية أشجع من دول عربية 3من3    وداعًا الأستاذ محمد الأشرافي إلى الأبد    قصة الخطاب القرآني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محنة العاملين بالْمُوقُفْ
نشر في التجديد يوم 21 - 08 - 2004


عمال شبه عاطلين
لأجل أن نتعرف عن قرب على أوضاع أهل الْمُوقُفْ وظروف عملهم وعيشهم تفقدنا ثلاثة مواقع، اثنان بمدينة تمارة والثالث بمدينة الرباط. أمكنة تشهد على بؤس طبقة من أبناء هذا المجتمع، وفقر شريحة لا تعرف شيئا اسمه حقوق وواجبات المواطنة سوى أنها تحمل في جيبها بطاقة وطنية تتضمن اسم ونسب أفرادها، فضلا عن تاريخ ومكان سكناهم وجنسيتهم المغربية.
المواقع الثلاث تشبه بعضها بعضا، ووجه الشبه يكمن في أنها تضم صباغين وبنائين ولحامين وحدادين، ورصاصين و... ينصبون أمامهم الحد الأدنى من الوسائل التي يستعملونها، ليتعرف عليهم الزبون: سطول وأدوات للصباغة ، ومطارق وملالس للبناء، أنابيب مياه وحنفيات، وقضبان حديدية للحامة. أما فئة العمال المساعيدن (المانوفريا بتعبير أهل الْمُوقُفْ) فينتتظرون نداء من أحد المعلمية سواء من داخل الْمُوقُفْ أو خارجه ليرحلوا معه حيث مكان العمل: دراجات عادية وأخرى نارية وسيارات من نوع رونو 12 أو سيمكا في أحسن الأحوال بالنسبة ل المعلمية، تؤثت المواقع الثلاث. أجسام نحيلة تغطيها ثياب بالية وأقدام تختبئ في أحذية ممزقة أو بلاستيكية، ووجوه شاحبة يعلو بعضها دخان السجائر من نوع كازا أو ماركيز
لا بديل لنا
لا يقصد الْمُوقُفْ إلا التائهون والضائعون، بهذه العبارة المؤثرة بدأ محمد(30سنة) حديثه إلينا، وهو يشبك أصابعه. محمد، الذي اشتغل بالْمُوقُفْ لمدة تربو عن 7 سنوات، قال إنه وزملاءه يعيشون بدون كرامة وبدون شروط دنيا للإنسانية، وإنه لا شيء أهم بالنسبة إليه من أن يتمتع بعمل محترم يحفظ له كرامته، كي لا يعود إلى هذا المكان البئيس. حالة الضياع والتيه التي تحدث عنها محمد يعاني منها أربعة آخرون من زملائه، أحدهم كان فلاحا ثم هجر أرضه اضطرارا، والآخر قصد الكثير من الشركات دون نتيجة تذكر، والثالث عمل مساعدا رياضيا قبل أن يجد نفسه مرميا بالْمُوقُفْ، أما الرابع فاشتغل سائق شاحنة قبل أن يرغم على مرافقة (المانوفريا). يقول عبد الله (30 سنة، متزوج): في السابق كنت أشتغل مع أحد الأشخاص كمساعد في إحدى قاعات الرياضة لمدة 7سنوات، لكن عندما طالبته بضرورة أن يمكنني من بطاقة الانخراط في صندوق الضمان الاجتماعي طردني. ياسين (45 سنة)، هو الآخر، اشتغل فلاحا بمدينة خريبكة قبل أن يهجرها إلى مدينة تمارة، تحت ضغط الفقر والجفاف ، ليعمل ك طالب معاشو بالْمُوقُفْ، وقال حاولت أن أمتهن حرفة بائع خضر متجول، لكنني علمت أن
موظفي البلدية يسلبون الفقراء عرباتهم، وأن العديد من المهن تحتاج إلى رأس مال معتبر، فقصدت الْمُوقُفْ مكرها. أما أحمد الصباغ(54 سنة)، فيحكي أنه قصد شركات كولورادو وأسطرال وشيميكولور للعمل بها، ووعده المسؤولون هناك بالاتصال به، لكن لا شيء من ذلك وقع على الإطلاق، فنزلت إلى الْمُوقُفْ، مكان الفقراء والبؤساء والمقهورين. أما مصطفى، الذي يتوفر على نوعين من رخصة السياقة، فيؤكد أنه اشتغل سائق شاحنة لمدة ثلاث سنوات، وأضاف: لم أترك طريقا إلا مررت منها، غير أن أقدار الله رمت بي في هذا الْمُوقُفْ لأبحث عن عمل كيفما كان نوعه، سواء كمساعد بناء أو مساعد صباغ أو حمال، حتى أقوى على مصاريف الكراء والعيش.
يوم عمل وأسابيع عطالة
يكون الواحد من أهل الْمُوقُفْ مطالبا بأن يستيقظ باكرا في كل يوم ليحتل موقعا من تلك الرقعة البئيسة، عله يظفر بعمل قد يكسبه بعض الدريهمات ليدخل الفرحة على فؤاد زوجته وقلوب أبنائه، ومدعوا أيضا إلى أن يصبر على هذا الوضع أياما وشهورا حتى ولو لم يحصل خلالهن على عمل، إذ لا مفر له من الْمُوقُفْ إلا إلى الله.
يقول عبد الله (30 سنة): لا أتمكن من العمل إلا مرتين إلى ثلاث مرات في الأسبوع، وفي كل مرة أتقاضى 60 إلى 70 درهما، ثم يزيد بالقول أكون مطالبا بعد حصولي على عمل بأن أدبر هذه الدراهيم بشكل جيد، لعلمي أنني قد لا أوفق للعمل ثانية إلا بعد مدة طويلة.
عبد الله، الذي لم يمر على مجيئه إلى الْمُوقُفْ إلا بضع سنوات، سئم هذا الصنف من العمل، لكنه لم يجد أفضل منه، فقبل به مكرها كما يقول. أما جامع ذو ال 15 سنة من التجربة رغم أن سنه لم يتجاوز بعد 35 سنة، فيؤكد ،بدوره، أن الْمُوقُفْ لا يتيح له العمل إلا مرة إلى مرتين في الأسبوع في أحسن الأحوال، يحصل خلالهما على أجر لا يكفي لتدبير مصاريف العيش، لذلك، يقول، ف نحن ضائعون ومقهورون وحياتنا بئيسة، نظل اليوم كله تحت أشعة الشمس دون أن نظفر بعمل يمكن أن نجلب منه أجرا نفرح به أطفالنا.
أما معاناة مصطفى (متزوج وأب لطفلين) في الحصول على العمل، فهي مضاعفة بالمقارنة مع حالة زملائه، يقول مصطفى (مساعد بناء): أتكلف عناء التنقل من مكان بعيد، وأدفع لأجل ذلك 7 دراهم في كل يوم نظير الرحيل نحو الْمُوقُفْ للبحث عن فرصة عمل قد أجدها وقد لا أجدها. مصطفى يشتغل يوما ويحرم أياما عديدة، ومع ذلك فإنه مطالب بتوفير سبعة دراهم يوميا، كما يؤكد، لأضمن الالتحاق بزملائي بهذه البقعة الكئيبة. هذا الأمر لوحده يظل صعبا بالنسبة لمصطفى، فكيف بمصاريف الأبناء والزوجة؟ . ويبقى كلام بناصر(مساعد بناء) أبلغ تعبيرا وأدق وصفا لحالة العمل بالْمُوقُفْ، يقول بناصر إننا هنا في الْمُوقُفْ في حالة وقوف دائم أملا في الحصول على عمل قد يأتي وقد لا يأتي.
نبيع ثيابنا لنضمن لقمة العيش
يضطر العديد من أهل الْمُوقُفْ في بعض الأوقات إلى بيع أثاث منزلهم وملابسهم وملابس زوجاتهم وأبنائهم ليشتروا بثمنها خبزا وحبات شاي، ويؤدوا واجب كراء البراكة، خاصة في فصل الشتاء، حيث يتناقص الطلب على أهل الْمُوقُفْ، وبذلك تتقلص فرص العمل إلى أن تصبح منعدمة أحيانا.
يقول جمال(30 سنة، أب لطفلين): نعيش في وضعية يرثى لها، ففي فصل الصيف نلجأ إلى الْمُوقُفْ للبحث عن العمل، وفي فصل الشتاء نبيع ثيابنا وأثاث البيت لنقوى على مصاريف العيش، ويستطرد بالقول: الكل على هذه الحالة، لكن الكثير منا لا يقدر على كشف ذلك. جمال إذا فرح أياما بحصوله على همزة، كما يحكي، حزن شهورا وشهورا، لقد قبل هذا النوع من العمل رغما عن أنفه، ولو أنه وزملاءه، وجدوا عملا بأجرة 1200 إلى 1500 درهم في الشهر لما قصدوا هذا المكان الكئيب. عبد القادر (51 سنة، بناء) بدوره يؤكد أنه يرغم تارات عديدة على بيع ثيابه ليجلب بعض الحاجات الضرورية لأبنائه وزوجته، وإلا سيموتون جوعا. صاحبنا يذكر بألم وحسرة بالغين يوم باع قعة قماش كانت تفترشها زوجته، وهي ماتزال حديثة عهد بالولادة، يقول : لقد حصل يوما أن سحبت قطعة ثوب من تحت زوجتي، وكانت حينها قد وضعت مولودا جديدا، ثم بعته بالسوق لكي آتي ببعض الحليب للمولود.. إنها حياة سئيمة، يزيد عبد القادر، تلك التي يضطر فيها الرجل إلى أن ينزع ثوبا كانت تفترشه زوجته كي يؤمن بعض الحليب لابنه. أما عبد العزيز(15 سنة من التجربة) فيصف العمل بالْمُوقُفْ بأنه خدمة رخيصة وذليلة،
إذ نشتغل في المتوسط يوميين في الأسبوع ولا نجني من ورائهما إلا التعب، أما الأيام الخمسة الباقية فنبيع فيها ثياينا. محنة بيع الثياب هذه تنضاف إليها محنة مضايقة الشرطة لأهل الْمُوقُفْ بطلب من أصحاب المحلات التي يقفون أمام واجهاتها، يقول عبد الرحمن الصحراوي (66 سنة): إننا نعيش محنة الانتظار ومطاردة رجال الشرطة الذين يأتون بين الفينة والأخرى بطلب من بائع العقاقير هذا (وأشار إلى محل يجلس أصحاب الْمُوقُفْ أمامه)، ويقص عبد الرحمن أن الشرطة ألقت القبض عليه مرات عديدة مصحوبا بوسائل عمله، وفي كل مرة كانت تقوده إلى أقرب مركز، وهناك كانوا يطلبون منه أن يوقع على التزام يقضي بعدم الجلوس بالقرب من ذلك المحل، لكنه كان يمتنع عن التوقيع.عبد الرحمن تساءل في الأخير، والابتسامة تكاد لا تفارق شفتيه لأنه مراكشي النشأة، كيف لي أن أغادر ذلك المكان، وهو مصدر رزقي؟
حرمان وتأخير في أداء الأجرة
ما إن يظفر المانوفري بفرصة شغل ليوم واحد أو أسبوع في أحسن الأحوال بعد طول الانتظار، حتى يدخل في حلقة جديدة من سلسلة معاناته بالْمُوقُفْ، إنها الحرمان من أجرة العمل تارة والخصم منها تارة وتأخيرها تارة أخرى، خاصة من لدن (المعلمين) الذين يوجدون خارج الْمُوقُفْ. يقول حسن (43 سنة): إذا ما صاحب أحدنا شخصا إلى منزله لأداء مهمة ما، صباغة كانت أو بناء، فإن صاحب المنزل يكرمه ويمنحه واجبا محترما يتراوح مابين 800 إلى 1000 درهم في الأسبوع، أما إذا صاحب معلم عطاش، فإنه يقهره قهرا ويهد صحته طيلة أسبوع، ثم لايؤدي له في آخر المطاف إلا 400 درهم في أحسن الأحوال.
عبد الفتاح (40 سنة، لحام) يؤكد هو أيضا أنه عندما يشتغل مع (العطاش) فقد يحدث أن يسرق أجرته. وأما مانوفري ثالث، فضل عدم ذكر اسمه، فيقول إن هناك أشخاصا نشتغل معهم طيلة اليوم أو طيلة الأسبوع، ثم يحرموننا كليا من أجورنا، كما أن البعض الآخر يؤخرعنا هذه الأجور رغم علمه بأننا في حاجة ماسة للنقود اليوم قبل الغد، متابعا قوله: إننا نشتغل مع أشخاص قد لا نعرف أسماءهم، وهذا الأمر خطير جدا لأنه قد يجني علينا كأن ينكر هذا الشخص أننا اشتغلنا معه، ثم يسرق أجرتنا. ويمضي المانوفري في الحديث عن شريط معاناته قائلا إن كل من يصحبنا معه للعمل سواء كان معلما أو شخصا آخر يعتبرنا عطاشة (مياومين)، وعليه فإنه إذا حصل لنا مكروه فإنه يلفظنا ويتبرأ منا.
أخطار محدقة و حالات كسر ووفاة
كنت أفرغ حمولة إحدى الشاحنات المملوءة بالدقيق لأنقلها إلى داخل إحدى المخبزات مستعينا في ذلك بسلم، غير أن هذا الأخير زاغ بي فسقطت أرضا وكسرت رجلي كسرا خطيرا، حملني المشغل على إثرها باتجاه المستشفى، وهناك رمى بي وتخلى عني ولم يمنحني حتى ثمن إبرة، لأنني بكل بساطة لا أتوفر على أوراق عمل، فما أنا سوى طالب معاشو، بهذه العبارات المؤثرة حاول محمد أن يتذكر شريط الحادثة التي حولته إلى شخص عاجز تمام العجز عن حمل أي نوع من الأثقال، دون أن تصرف له تعويضات تعينه على صلف الحياة، (محمد) لم يستسلم فرفع إثر ذلك شكاية إلى الجهات الوصية، غير أنه لم يتلق أي جواب يذكر حتى الآن. ورغم قلة حيلته ظل محمد يتردد على الْمُوقُفْ عله يجد عملا يناسب وضعه الصحي الجديد، يقول محمد : لم أعد أقدر على امتهان الحرف الشاقة وحمل الأشياء الثقيلة، لكن قلة الحيلة وشعوري بحالة أبنائي الجائعين والمحرومين حملاني على الوقوف مع أصدقائي علني أجد عملا أقدر عليه.
ياسين ضحية أخرى للعمل بالْمُوقُفْ، أصيب في أعلى عينه اليمنى إصابة كادت أن تذهب بعينه كاملة، ومع ذلك لم يحصل على أي تعويض، لأنه لا يتوفر على أوراق قانونية للعمل. يقص علينا ياسين مقتطفا من حكايته المؤلمة فيقول : أصبت في أعلى العين اليمنى عندما كنت اشتغلت بإحدى المنازل بمنطقة بير قاسم (الرباط)، نقلت إثرها إلى مستشفى سيدي لحسن بمدينة تمارة، هناك سألوني عن اسم مشغلي أو صاحب المنزل، فأجبتهم أنني لا أعلم شيئا عنه، والواقع أننا نشتغل في أغلب الأحيان مع أشخاص لا نعرف أسماءهم ولا صفاتهم، ثم أديت 100 درهم لأجل الحصول على شهادة طبية تثبت العجز والإصابة، بعد ذلك عدت إلى صاحب المنزل لكنه صدني ولم يلتفت إلى مطالبي.
بناصر ومحمد الصباغ وإيدر من جهتهم أخبرونا بأن هناك حالات مأساوية وقعت في صفوفهم، أشخاص أصيبوا إثر حوادث مؤلمة خلال العمل لكن لم يحصلوا على تعويضات أو حتى رعاية من طرف من كانوا يعملون معهم.
بناصر ذكر أنه في يوم من الأيام غادر الْمُوقُفْ بعدما لم يتمكن من الحصول على عمل، وفي طريقه إلى المنزل شاهد صديقا له ممدودا على الأرض، فعلم منه أنه قد سقط من على البناية فكسرت رجله، وبعد مدة، يمضي بناصر في سرد حكايته، التقى بزميله بإحدى المقاهي وسأله عما إذا كان قد حصل على تعويضات، فأكد له أن أهل ذلك المنزل الذي اشتغل فيه كانوا يمنحونه 300 درهم في الأسبوع لكنهم بمجرد أن علموا أنه قد أزال الجبس من رجله المكسورة منعوا عنه تلك التعويضات. أما إيدر فقال إنه حدث أن توفي صديق لنا اسمه مصطفى بعدما سقط من فوق شاحنة كان يركبها في اتجاه العاصمة، هذه الحافلة فقدت إحدى عجلاتها فاختل توازنها ثم سقط زميلنا قتيلا.
تغطية اجتماعية منعدمة ومستقبل غامض
جميع من استجوبناهم من أهل الْمُوقُفْ لا يتمتعون بأية تغطية صحية أو اجتماعية، ولا يتوفرون على وثائق قانونية تمنحهم حق مزاولة مهنهم، مما يجعلهم في وضع غير طبيعي تجاه مستقبلهم ومستقبل أسرهم من جهة، وتجاه مستخدميهم في حالة التنازع من جهة ثانية، وقد تعرفنا على حالات عديدة ممن أصيبوا إثر حوادث شغل فلفظهم مشغلوهم ولم يمكنوهم من أية تعويضات.
يقول حسن(43 سنة) إن معظمنا لا يدخر أية مبالغ مالية ل دْوايْر الزمان، فكل ما نجنيه بالنهار يصرف كاملا في الليل. عبد الله أكد من جانبه أنه لا يتوفر على تغطية اجتماعية أو صحية، وقال: إذا حدث لي مكروه فلا منقذ لنا في هذه الحالة إلا الله، لأن من أعمل معه قد يتبرأ مني. أما عبد الفتاح وعبد القادر وحسن (البناي) فقد سبق لهم أن انخرطوا في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي عندما كانوا يشتغلون في القطاع الخاص، لكنهم لم يعودوا كذلك، مباشرة بعد مغادرتهم العمل. يقول عبد الفتاح: كان لي انخراط بصندوق الضمان الاجتماعي سنة ,1986 عندما كنت أشتغل مع إحدى الشركات، لكن بعد توقف هذه الأخيرة أوقفت أداء أقساط الاشتراك بالصندوق، ومن ثم فلا يوجد لدي أي درهم في هذا الصندوق، كما أن مستقبلنا بيد الله، عبد القادر هو الآخر أكد أنه انخرط في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي سنة ,1976 لكنه عدل عنه، لأنه لم يعد يشتغل مع الشركة، وبالتالي لم تعد لي قدرة على مصاريف العيش، يقول عبد القادر، بالأحرى دفع أقساط الاشتراك. أما حسن البناي فظهر أنه على وعي بأهمية الانخراط في الصندوق ودوره في تأمين المستقبل، لكن ظروفه المادية لم تعد
تسمح بذلك، يقول حسن: توقفت عن أداء واجب الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي بعد 1500 ساعة من العمل بإحدى الشركات، ورغم علمي بأهمية هذا الصندوق في ضمان تقاعد مريح للعامل، يزيد حسن في وصف حالته، إلا أن المثل يقول العين بصيرة واليد قصيرة والله غالب على أمره.
وإذا كان الكثير من أهل الْمُوقُفْ يفضلون العمل بإحدى الشركات بدل طول الانتظار، وأغلبهم من المانوفريا إلا أن بعضهم يرى العكس تماما، عبد القادر (51سنة، بناء) نموذج من هؤلاء، يقول عبد القادر إن العمل ب الْمُوقُفْ خير لي من العمل بالشركة لأنه(أي الْمُوقُفْ) يوفر لك يوما ما عملا يدر عليك فيضا كبيرا من الأموال قد تنفعك لأسابيع عديدة، بخلاف الشركة التي تقهرك وتستعبدك دون أن تمنحك مقابل ذلك حقوقك التي تستحقها، هذا رغم أن كلاهما، يبين عبد القادر، لا يوفر لك أوراقا تثبت العمل الذي تمارسه سواء كان بناءا أم صباغة أم شيئا آخر.
نريد عملا دائما ولو بأجر زهيد
يرى البعض من أهل الْمُوقُفْ أن الحل لأوضاعهم المزرية يكمن في تنظيم المهنة، فيما يعتقد البعض الآخر أن إنهاء حالة البؤس التي يقبعون فيها يتوقف على إحساس المسؤولين بضرورة تمكينهم من عمل دائم، ولو بأجرة زهيدة، بشرط أن يتمتعوا بتغطية صحية وأخرى اجتماعية. يقول عبدالله: نطالب بتنظيم هذه المهنة من خلال تعيين أمين للحرفة يحفظ لنا كرامتنا ويدافع عن حقوقنا في وجه كل من ظلمنا أو تبرأ منا، وكذا ضمان الحقوق لأصحابها، وفي مقدمتها التغطية الاجتماعية والصحية . محمد (29 سنة) يرى أن مطلب ( الأمين) يظل ثانويا، مقارنة مع مطلب توفير عمل محترم يتضمن شرط الكرامة، كي لا يعود أحد إلى هذا الْمُوقُفْ البئيس. أما المانوفري، الذي فضل عدم ذكر اسمه، فقال إننا نرغب في تنظيم هذا المجال، وفي أن نجد عمل دائما ولو بأثمان منخفضة ما بين 25 و 30 درهما في اليوم، ومثله جمال (30 سنة) الذي قال لو أننا وجدنا عملا بأجرة 1200 إلى 1500 درهم في الشهر لما قصدنا هذا المكان البئيس... إننا نريد مبلغا كي يعيش أبناؤنا.
إعداد: محمد أفزاز


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.