كرة القدم النسوية... الناخب الوطني يوجه الدعوة ل27 لاعبة استعدادا لوديتي بوتسوانا ومالي    الرباط: فتح بحث قضائي في حق موظف شرطة متورط في إساءة استعمال لوازم وظيفية واستغلال النفوذ    المعرض الدولي للبناء بالجديدة.. دعوة إلى التوفيق بين الاستدامة البيئية والمتطلبات الاقتصادية في إنتاج مواد البناء        اعتقال الكاتب بوعلام صنصال من طرف النظام العسكري الجزائري.. لا مكان لحرية التعبير في العالم الآخر    وزير الخارجية السابق لجمهورية البيرو يكتب: بنما تنضم إلى الرفض الدولي المتزايد ل"بوليساريو"    موتسيبي: "كان" السيدات بالمغرب ستكون الأفضل في تاريخ المسابقة    مطالب للحكومة بالاستجابة الفورية لمطالب المتقاعدين والنهوض بأوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية    تيزنيت : انقلاب سيارة و اصابة ثلاثة مديري مؤسسات تعليمية في حادثة سير خطيرة    بعد متابعة واعتقال بعض رواد التفاهة في مواقع التواصل الاجتماعي.. ترحيب كبير بهذه الخطوة (فيديو)    الدار البيضاء.. حفل تكريم لروح الفنان الراحل حسن ميكري    محمد خيي يتوج بجائزة أحسن ممثل في مهرجان القاهرة    الطيب حمضي: الأنفلونزا الموسمية ليست مرضا مرعبا إلا أن الإصابة بها قد تكون خطيرة للغاية    محامون يدعون لمراجعة مشروع قانون المسطرة المدنية وحذف الغرامات        كأس ديفيس لكرة المضرب.. هولندا تبلغ النهائي للمرة الأولى في تاريخها        مرحلة استراتيجية جديدة في العلاقات المغربية-الصينية    19 قتيلا في غارات وعمليات قصف إسرائيلية فجر السبت على قطاع غزة    الوزير برّادة يراجع منهجية ومعايير اختيار مؤسسات الريادة ال2500 في الابتدائي والإعدادي لسنة 2025    فولكر تورك: المغرب نموذج يحتذى به في مجال مكافحة التطرف    اختفاء غامض لشاب بلجيكي في المغرب    النقيب الجامعي يكتب: على الرباط أن تسارع نحو الاعتراف بنظام روما لحماية المغرب من الإرهاب الصهيوني    مثير.. نائبة رئيس الفلبين تهدد علنا بقتل الرئيس وزوجته    ترامب يعين سكوت بيسنت وزيرا للخزانة في إدارته المقبلة    فعالية فكرية بطنجة تسلط الضوء على كتاب يرصد مسارات الملكية بالمغرب    سبوتنيك الروسية تكشف عن شروط المغرب لعودة العلاقات مع إيران    "كوب29" يمدد جلسات المفاوضات    تخليد الذكرى ال 60 لتشييد المسجد الكبير بدكار السنغالية    "السردية التاريخية الوطنية" توضع على طاولة تشريح أكاديميّين مغاربة    بعد سنوات من الحزن .. فرقة "لينكن بارك" تعود إلى الساحة بألبوم جديد    ضربة عنيفة في ضاحية بيروت الجنوبية    عندما تتطاول الظلال على الأهرام: عبث تنظيم الصحافة الرياضية        وسيط المملكة يستضيف لأول مرة اجتماعات مجلس إدارة المعهد الدولي للأمبودسمان    طقس السبت.. بارد في المرتفعات وهبات ريال قوية بالجنوب وسوس    كيوسك السبت | تقرير يكشف تعرض 4535 امرأة للعنف خلال سنة واحدة فقط    الموت يفجع الفنانة المصرية مي عزالدين    كندا تؤكد رصد أول إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة    بنسعيد: المسرح قلب الثقافة النابض وأداة دبلوماسية لتصدير الثقافة المغربية    موكوينا: سيطرنا على "مباراة الديربي"    مهرجان "أجيال" بالدوحة يقرب الجمهور من أجواء أفلام "صنع في المغرب"        افتتاح أول مصنع لمجموعة MP Industry في طنجة المتوسط    من العاصمة .. إخفاقات الحكومة وخطاياها    مجلس المنافسة يفرض غرامة ثقيلة على شركة الأدوية الأميركية العملاقة "فياتريس"        مندوبية التخطيط :انخفاض الاسعار بالحسيمة خلال شهر اكتوبر الماضي    لتعزيز الخدمات الصحية للقرب لفائدة ساكنة المناطق المعرضة لآثار موجات البرد: انطلاق عملية 'رعاية 2024-2025'    طبيب ينبه المغاربة لمخاطر الأنفلونزا الموسمية ويؤكد على أهمية التلقيح    الأنفلونزا الموسمية: خطورتها وسبل الوقاية في ضوء توجيهات د. الطيب حمضي    القانون المالي لا يحل جميع المشاكل المطروحة بالمغرب    لَنْ أقْتَلِعَ حُنْجُرَتِي وَلَوْ لِلْغِناءْ !    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محمد إكيج باحث في قضايا الأسرة ل«التجديد»: التعريف بمضامين مدونة الأسرة لم يتم على أوسع نطاق
نشر في التجديد يوم 28 - 11 - 2013

بعد قرب انصرام عشر سنوات على دخول مدونة الأسرة حيز التنفيذ يطرح سؤال تقييم العائد من هذا الورش الإصلاحي الذي كان ينتظر أن ينظم جميع ما يتعلق بقضايا الأسرة. وعلى الرغم من أن الجميع كان يعتبر المدونة تشريعا متقدما وخطوات مهمة في سبيل المساواة في الحقوق والتشريع للأسرة إلا أنه على امتداد هذه السنوات ومنذ أن تمت المصادقة على المدونة في فبراير 2004 لم تتوقف الجدالات حول بعض بنود المدونة وطريقة تنزيلها خاصة مع بعض الوقائع السجالية كزواج القاصرات وقضايا الطفولة والاغتصاب والاجهاض وغيرها. وفي هذا السياق أقام المركز الدانماركي للمعلومات حول النوع الاجتماعي والمساواة والتنوع (kvinfo) بالتعاون مع عدة جمعيات مغربية ندوة بالرباط 21 و22 نونبر الجاري بمناسبة الذكرى السنوية العاشرة لإصلاح مدونة الأسرة في المغرب تحت عنوان «الأسرة + 10: خبرات وآفاق». وقدمت الندوة دراسة تستعرض تأثير تنفيذ الاصلاحات من حيث الأمر الواقع في مقابل ما يرد في القانون وتقييم العوائق الاجتماعية والمؤسسية التي تقف أمام ذلك.
وفي حين أشارت الدراسة إلى ما اعتبرته نقاط تقدم حققته المدونة فيما يتعلق بالمرأة من قبيل انخفاض تعدد الزوجات والتقدم فيما يخص مشكل العنف القائم على النوع الاجتماعي وغيره؛ أشارت إلى مجموعة من المعيقات التي اعتبرتها تعترض تنفيذ مدونة الأسرة بالشكل المطلوب، من قبيل العيوب الواردة في صياغة مدونة الأسرة كعدم تحديد حد أدنى لزواج الفتاة وعدم إلغاء تعدد الزوجات تماما أو إلغاء قيام الزوج بتطليق الزوجة حسب مشيئته أو التمييز في قواعد الميراث وغيره. كما اعتبرت الدراسة أن هناك فجوة بين تشريع المدونة والواقع العملي خصوصا فيما يتعلق بإمكانية وصول النساء إلى العدالة، مشيرة إلى أن المعرفة بشأن المدونة لم تنتشر على نحو متسق بين سكان المغرب الذين يعيشون خارج المراكز الحضرية. وأضافت الدراسة أن بعض المعيقات تتعلق بمستويات القبول الاجتماعي للمدونة ورفضها حيث خلقت انقسامات في المجتمع المغربي برزت على شكل مقاومة كبيرة من الرجال الذين اعتقدوا أن المدونة ستمنح النساء حقوقا أخرى منها الحق في الطلاق وغيره، قبل أن تؤكد على مشكل عدم رفع التحفظات كاملة حول اتفاقية سيداو.
«التجديد» تطرح بعض الأسئلة المتعلقة بالمدونة وتنزيلها بعد العشرية الأولى للعمل بمدونة الأسرة مع الباحث في قضايا الأسرة محمد إكيج وتناقش معه بعض الملاحظات المسجلة بهذا الخصوص.
● هل يمكن الحديث بعد هذه المدة عن تقييم لمدونة الأسرة؟
●● بطبيعة الحال بعد مرور عشر سنوات على دخول مدونة الأسرة حيز التنفيذ حيث تستكمل المدة في فبراير 2014، وكأي عمل انساني لا بد له من عملية تقييم وإعادة النظر من أجل المراجعة للوقوف على الإيجابيات والسلبيات. وهذا العمل الذي جاء في فترة 2004 كان بكل المقاييس نقلة نوعية في المجال الأسري. وذلك باعتباره شكل عملية إصلاح في مجال الأسرة بعد عملية الشد والجذب التي كانت في المجتمع المغربي بين أنصار المحافظة وما يسمون بالحداثيين أو العلمانيين. والعمل ظهر أنه فيه مجموعة إيجابيات ومجموعة سلبيات. والوقت يقتضي بعد العشرية أن يقف الجميع سواء الوزارة الوصية التي هي وزارة العدل أو الفاعليين المعنيين والمجتمع المدني من أجل تقييم الحصيلة بإيجابياتها وسلبياتها ومعرفة الأسباب الكامنة وراء الإخفاقات.
● في نظركم، ما هي أهم الإضافات التي يمكن أن تكون قد ظهرت خلال هذه المدة وما أوجه القصور كذلك؟
●● من خلال هذه المدة ومن خلال التتبع والرصد والعمل المباشر، يمكن أن نسجل من حيث الإيجابيات أن مدونة الأسرة هي قانون أسري جامع ومستمد من أصول الشريعة الاسلامية ومقاصدها، وأيضا قانون عصري منفتح بلغة تجاوزت اللغة السابقة الفقهية التي كانت تعوق فهم المواطن العادي في المسائل الأسرية وحتى المتخصصين أحيانا. وربما تفتح الباب على الكثير من التأويل وأحيانا سوء الفهم. وأيضا لا بد أن تحسب للمدونة أنها يسرت عملية حسن تبليغ كل ما يتعلق بقضايا الأسرة.
أيضا هذه التجربة وفرت لنا فضاءات جامعة لما يسمى أقسام قضاء الأسرة، وإن كان المنشود أن ترقى إلى مستوى المحاكم الأسرية لأنه لا يعقل في إطار النظام القضائي المغربي أن تخصص محاكم للقضايا الإدارية ومحاكم للقضايا التجارية ونبخل على الأسرة التي هي النواة ومحل الصراع على المستوى الكوني في إطار التدافع الحضاري، وأن لا نخصص لها محاكم إسرية قائمة الذات تسهر على كل شؤونها بدل أن تكون تابعة للمحاكم الابتدائية. ونعرف أن هذه الأقسام لا ترقى إلى مستوى المحكمة، فإذا كانت هناك محكمة فستكون فيها رئاسة ونيابة عامة قارة وموارد بشرية كافية وأمور لوجيستيكية مهمة لصالح هذه الاقسام. ثم أيضا من بين هذه الإيجابيات التي تسجل للمدونة أنها حدّت الى حد كبير من التعسفات التي كانت تمارس سابقا سواء على مستوى مساطر الطلاق أو التطليق أو الإذن بالتعدد أو بالزواج وغيره. إذن الحد من التعسفات إيجابي جدا لأنه رفع الحيف عن كثير من النساء ومن الحالات التي كانت تصاب به سابقا.
لكن هذا لا يمنع من تسجيل مجموعة من السلبيات التي تتعلق بمسار المدونة وكيفية تنزيلها على المستوى الواقعي. ومن ذلك غياب التكوين التخصصي في قضايا الأسرة، ونحن نعرف أن التكوين في إطار المعهد العالي للقضاء يتضمن مجموعة من التكوينات تتعلق بالممارسة القضائية بشكل عام سواء تعلق الأمر بقضاء الموضوع أو قضاء النيابة العامة ومجموعة من الأقسام التجارية والإدارية وغيرها؛ لكن ليس هناك تخصص قائم الذات يتخرج منه قاض متخصص في قضاء الأسرة هذا يؤدي الى غياب تكوين أكاديمي صحيح وسليم، لأن الأسرة يلتقي فيها ما هو شرعي بما هو قانوني ونجد أن هناك حرصا كبيرا على مستوى ضبط المسطرة القانونية أكثر من فقه الواقعة، وهذا الفقه لا يمكن أن يتأدى إلا بوجود تكوين شرعي عميق ومعرفة بمقاصد الشريعة والانفتاح على الأقوال الفقهية والاجتهادات الفقهية القديمة والمعاصرة في هذا المجال.
ثم أيضا هذا التكوين يفتقد إلى الخبرة الاجتماعية الكافية في المجال الأسري لدى كثير من الممارسين في مجال الأسرة. وهنا لا بد من التنويه إلى أنه لا ينبغي إسناد المهام الأسرية لغير المتزوجين أي فيما يتعلق بفصل النزاعات الأسرية. فلا يعقل أن يتخرج مثلا قاض من المعهد ويوجه مباشرة إلى البت في القضايا الأسرية رغم كفاءته العلمية، لأنه اذا لم يكن مصحوبا بخبرة اجتماعية كافية فقد تكون أحكامه ناقصة من هذا الجانب وقد لا يستطيع مسايرة هذه القضايا الاجتماعية بالشكل الذي تطمح إليه مدونة الأسرة. ثم أيضا هناك ضعف الموارد البشرية المرصودة على مستوى قضاء الأسرة وعلى مستوى العاملين في مجال كتابة الضبط، فبعض أقسام قضاء الأسرة يعمل فيها فقط أربعة موظفين وهو عدد لا يكفي لكمّ هائل من القضايا التي تعرض، وهذه أيضا من السلبيات أي كثرة القضايا المعروضة على قضاء الأسرة مما لا يؤدي الى النظر فيها بشكل عميق وإعطائها ما يكفي من الوقت، وبالتالي يتم احترام المسطرة القانونية أكثر من البحث عن حل ملائم للقضايا.
وفي هذا الباب ينبغي أن نقترح ضرورة التخفيف على الأطر القضائية وإشراك الأطر الإدارية العاملة في المجال الأسري، ونحن نعرف أن مجال كتابة الضبط مثلا فيه مجموعة من الكفاءات العلمية تصل الى مستوى الدكتوراة ومتخصصة في القضايا الشرعية والقانونية ولها من المؤهلات ما يكفي للنظر في هذه المسألة. فينبغي للمهام التي ليست فيها صبغة قضائية أن تسند إلى هذه الأطر للنظر فيها، كقضايا الحالة المدنية التي تتعلق بالبت في اليوم والشهر والمسائل المتعلقة بالصلح الأسري ومراقبة الملفات المتعلقة بالزواج وغيره. ونحن نعرف أن قاضي الأسرة له مهام تدبيرية ومهام قضائية وشبه قضائية وغير ذلك فهذه المهام شبه القضائية ومن أجل التخفيف عن الجانب القضائي يجب إسنادها لهذه الأطر التي تتحمل كامل مسؤوليتها وتتحلى بالفعالية والنجاعة القضائية التي ننشدها في قسم قضاء الأسرة.
● أشارت إحدى الدراسات الصادرة مؤخرا إلى بعض المعيقات الأساسية بعد تقييم عشر سنوات من المدونة، وتم الحديث عن مستوى القبول الاجتماعي للقانون ورفضه، ولفتت إلى أنه بحكم الأعراف الاجتماعية والثقافية خلقت المدونة انقسامات في المجتمع المغربي وبرزت مقاومة عسيرة من الرجال الذين اعتقدوا أن المدونة تسمح للنساء بالحق في الطلاق وغير ذلك. كيف ترى هذا الأمر؟
●● من ناحية يمكن التسليم بمثل هذه المقولة، ولكن لا ينبغي أيضا أن ننسى أن هناك نوعا من التعسف يمارس من طرف النساء باسم مدونة الأسرة. إذا كانت هناك عقلية ذكورية مقاومة لهذا النوع من القانون لأنه فعلا على المستوى الواقعي نلاحظ أنه على مستوى ممارسة التطليق والشقاق أغلب الطلبات المقدمة تقدم من طرف النساء بأكثر من سبعين في المائة بعضها حالات مبررة وصلت إلى الباب المسدود ويمارس التعسف في حقها داخل الحياة الزوجية وتعاني من الظلم والتضييق لكن هناك حالات أخرى كثيرة مورس فيها التعسف باسم القانون من قبل الزوجة. إذن المسألة مسألة عقلية مشتركة بين الطرفين، ولا بد من عملية تحسيس بهذا. والسبب في هذا هو أن عملية التحسيس والتواصل في إطار تبليغ ما يتعلق بكل بنود مدونة الأسرة منذ البداية خرجت مشوّهة وكانت مصحوبة بنوع من الدعاية الإعلامية التي تكرس انتصار المرأة على الرجل بحكم الأمية الأبجدية وكذلك الأمية القانونية والاجتماعية في الأوساط المغربية. فنجد بعض العقليات التي تنظر إلى المدونة على أنها مدونة للمرأة وتهميش الرجل وانهزامه فلابد من تحميل المسؤولية للطرفين معا وإعادة النظر في كيفية التحسيس بمضامين مدونة الأسرة لتعود الأمور إلى نصابها.
● كيف ترى القول بأن المعرفة بشأن المدونة لم تنتشر بشكل متسق بين سكان المغرب عامة وأنها ظلت محصورة في المناطق الحضرية ما أدى إلى تفاوت في إمكانية وصول النساء إلى العدالة؟
●● هذا ممكن أن نعتبره معطى من المعطيات الحقيقية والواقعية التي كشفها تطبيق مدونة الأسرة. والسبب في ذلك كما قلت يرجع إلى مسألة التحسيس بالمدونة والأمية والهشاشة والفقر الاجتماعي الذي يعاني منه كثير من سكان البوادي. وبالتالي حتى التعريف بمضامين المدونة لم يتم على أوسع نطاق سواء داخل المدن أو البوادي والدليل على ذلك أن مشكلة ثبوت الزوجية لازالت قائمة رغم الحملات التي قامت بها وزارة العدل للحد من الظاهرة ورغم التمديد لمدة خمس سنوات أخرى، لكن المشكل لا يزال قائما بحكم أن الأعراف لازالت غالبة على كثير من الناس ولا يتم التعامل بكثير من الصرامة القانونية اللازمة. وكذلك تيسير الوصول إلى خدمات قضاء الأسرة بكيفية سهلة وسلسة نظرا لأن أقسام قضاء الأسرة غالبها توجد في المناطق الحضرية وفي القليل من الأحيان نجدها في مراكز القضاء المقيم، وهذه المسألة تشكل عائقا للولوج إلى الخدمات الأسرية بالنسبة للناس القاطنين في البوادي المغربية.
● تحدث البعض عن الصياغة الغامضة للمدونة ودورها في النتائج الحاصلة الآن، مؤكدين أنها تمنح القضاة والمسؤولين قدرا كبيرا إلى حد غير مقبول من السلطة التقديرية التي تتحول إلى سلطة تعسفية أحيانا وتقود إلى مشاكل فعلية في التنفيذ. كيف ترى الأمر؟
●● أنا لا أتفق بأن مواد المدونة أو صياغتها كانت غامضة، بالعكس كانت مرنة جدا وكانت الصياغة سلسة وسهلة. صحيح أنه في إطار هذه الصياغة منحت سلطة تقديرية كافية للقضاة، وهذا شيء إيجابي من أجل التأكيد على استقلالية القضاء في هذا الباب، ولا ينبغي النظر إليه على أنه شيء سلبي لأن القاضي إذا لم يمنح هذا الهامش من السلطة التقديرية فإننا سنقيد عمله. وبالتالي سننزع تلك الصبغة القضائية عن عمله ويصبح مجرد عمل إداري روتيني خاضع لمسألة فيها زائد وناقص بينما العمل القضائي لا يسير وفق هذا بل هو يقتضي إعمال مجموعة من القواعد القانونية والفقهية خاصة في المسائل الأسرية لأنها ليست مسائل ميكانيكية مثلها مثل العمليات الحسابية التجارية أو العمليات الإدراية أو العقارية التي فيها واحد زائد واحد وإنما فيها مجموعة من المعطيات النفسية والاجتماعية والسلوكية. فلا بد من منح هامش كاف للقاضي لتكوين قناعاته لذلك ألححت على ضرورة أن يكون هناك قضاء متخصص في المجال الأسري وأن يفتح المجال حتى للأطر الإدارية للإدلاء بدلوها في هذا الباب وتعميق النقاش في هذه المسألة.
في نظري مسألة السلطة التقديرية ليست تعسفية ولكنها نوع من المصداقية التي ينبغي أن تعطى للقضاء من أجل ممارسة مهامه بشكل كاف والاجتهاد في إخراج أحكام تتلاءم مع كل نازلة لأن القضايا لا تتشابه ولا يمكن إعطاء القاضي قالبا محددا لأنه قد ينتج أحكاما مشوهة.
قراءة متعسفة في حق نص مدونة الأسرة
● أثارت دراسة تقييم مدونة الأسرة عرضها معهد دنماركي مؤخرا، أن اتفاقية «سيداو» ليس لها أي تأثير ملموس على وضع النساء مادام أنه لا يزال هناك تأخير واضح في رفع جميع التحفظات.حيث أكدت أنه ما يزال الأمر يقوي التمييز على أساس النوع الاجتماع، ولا زالت الكثير من الأحكام التمييزية في مدونة الأسرة من قبيل وضع معايير مختلفة للنساء والرجال في قضايا تتصل بالزواج والأسرة وسن أدنى مختلف للزواج بين النساء والرجال، وقيود اكثر للنساء في الحصول على الطلاق وفسخ الزواج وغيرها من الأحكام التمييزية. ما رأيكم؟
●● للأسف أظن أن هذه قراءة متعسفة في حق نص مدونة الأسرة لأن المعايير التي وضعتها المدونة سواء في ممارسة المعايير التي تتعلق بمساطير الزواج أو الطلاق لم تميز بين الذكور والإناث والدليل على ذلك هو أنه في إطار تزويج القاصرات، حدد القانون أن سن الأهلية للزواج هو 18 سنة للفتى أو الفتاة إذن ليس هناك أي تمييز. ولكن في إطار السلطة التقديرية للقاضي يمكن النزول على هذه السن فهو لم يميز بينهما وإنما قال مطلقا حين بلوغ الأهلية.
ثم في إطار ممارسة مساطير الطلاق هناك مساطير موحدة مشتركة بين الرجال والنساء. أكثر من هذا هناك هامش كبير أعطي للزوجة لممارسة حقها في الطلاق وفصل العلاقة الزوجية أكثر من الرجل، مثلا الزوج عنده ما يسمى بالطلاق الرجعي ويحق له أن ينفرد بهذه المسطرة وعنده مسطرة التطليق بالشقاق في حين أنه إذا تصفحنا مدونة الأسرة نجد أن هذه العلاقة الزوجية يمكن أن تفصلها المرأة بعدة مساطر منها الخلع وهذه المسطرة أصبحت هامشية ولم تعد تمارس بأي شكل من الأشكال في جميع محاكم المملكة، وهناك ما يسمى بالتطليق بالشقاق وهناك مسطرة التطليق للضرر والتطليق للعيب ثم أيضا في حالة ما إذا كان الزوج يرغب في التعدد ورفضت زوجته أن تمنحه الإذن يمكنها اللجوء إلى مسطرة الشقاق.
إذن فإذا أردنا الحديث عن التمييز يمكن الحديث عن التمييز الممارس في حق الزوج وليس الزوجة. وبالتالي فمسألة النوع الاجتماعي المتحدث عنه هنا لا علاقة له بهذه المسألة. ربما له علاقة بقوانين أخرى يمكن أن يظهر فيها هذا الأمر خاصة في إطار التمكين للنساء في ممارسة حقوقهن على مستويات سياسية أو اجتماعية أو على مستوى تولي المهام إلى غير ذلك، أما على مستوى الأسرة فيمكن الحديث عن أن هناك مساواة تقريبا شبه مطلقة. أيضا حتى على مستوى ممارسة الحقوق المتبادلة بين الزوجين لا فرق فيها بين الزوج والزوجة على مستوى الولاية على الأطفال وحضانة الأطفال. بقوة القانون الآن يمنح الامتياز بالنسبة إلى الأم بعد طلاقها وتمنح لها الحق في الولاية على أطفالها بعد وفاة زوجها مباشرة ولا أدري أين يمكن الحديث عن التمييز وعن تطبيق المبادئ المتعلقة ب»سيداو» في هذا الاتجاه.
● في نظركم، ما هو الورش المنتظر في هذا المجال؟
●● أظن أن المسألة ينبغي أن ترجع أولا إلى أهل الشأن العاملين فيه بشكل مباشر سواء تعلق الأمر بالقضاة الممارسين في المجال الأسري أو بالموظفين من كتابة الضبط الفاعلين في المجال. وهناك فئة كبيرة من هذه الفئات تمارس في هذا ولها احتكاك مباشر بالقضايا اليومية إضافة إلى الباحثين المهتمين بقضايا الأسرة ثم الفاعلين في المجتمع المدني. فينبغي أن يستشاروا في هذا الشأن وأن يوكل لهم أمر التقييم ولا يوكل فقط لأناس أكاديميين بعيدين كل البعد عن الممارسة اليومية ويكتفون فقط بالنظر في مجموعة من الكتابات أو الوقائع. التقييم الحقيقي ينبغي أن يمارس من الداخل وليس من الخارج.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.