يوجب مبدأ المشروعية والعدالة خضوع الأفراد والدولة بجميع إداراتها وأجهزتها للقانون، لحماية حقوق الأفراد ومصالحهم من أخطاء وتعسف الإدارات الحكومية، كما يوجب مبدأ المشروعية إلزام الجهة الإدارية الحكومية بتنفيذ الأحكام القضائية الصادرة ضدها متي أصبحت نهائية واكتسبت حجية وقوة الشيء المقضي به، فالقاعدة تقضي بأن امتناع الإدارة عن تنفيذ حكم قضائي صادر ضدها من شأنه أن يرتب مسؤولية الدولة عن الأخطاء المصلحية لمستخدميها طبقا للفصل 79 من قانون الالتزامات و العقود، ويخول للمحكوم له الحق في الحصول على تعويض ترميما للأضرار اللاحقة به من جراء حرمانه من التعويض المحكوم له به. قضية اليوم، واحدة من القضايا التي رفعها أحد المواطنين في مواجهة الدولة فماهي حيثيات هذا القرار؟ طلب إنصاف بناء على المقال الافتتاحي المسجل بكتابة الضبط هذه المحكمة الإدارية بمراكش بتاريخ 99/2/24 تعرض فيه المدعي بواسطة نائبه أنه سبق لهذه المحكمة أن أصدرت بتاريخ 96/4/27 حكما تحت عدد 210 في الملف رقم 95/621 قضى بنقل ملكية القطعة الأرضية للمنفعة العامة لفائدة الأشغال العمومية، والتكوين الأطر، -المديرية الإقليمية- مقابل تعويض نهائي قدره 15 درهما للمتر المربع يدفع لورثة أحمد بن الجيلالي، وإلى المتدخل في الدعوى الذي هو العارض بنسبة حصته في العقار حسب رسم البيع، وأضاف بأنه لما باشر إجراءات الحكم المذكور، امتنعت الجهة المحكوم عليها من التنفيذ، مما يكون معه قد حرم من العقار، ومن التعويض. ومن أجل ذلك التمس الحكم على المدعى عليها بأدائها له تعويضا قدره « 20 ألف درهم .وبناء على مذكرة جواب المدعى عليها التي أوضح فيها أن المقال معيب شكلا لعدم إدخال الدولة المغربية في شخص الوزير الأول، و المفوض الملكي وكذا الطرف الثاني في الحكم المطلوب تنفيذه، وهو أحمد بن الجيلالي، وفي الموضوع فإن طلب غامض وخاصة وأن منطوق الحكم نفسه لم يحدد المبلغ الواجب للمدعي. أجابت العارضة أنه لا يمكنها تنفيذ الحكم إلا بعد مكاتبة المحكمة لها، معتبرة أن هذا الجواب ليس امتناعا عن التنفيذ، ومن جهة أخرى، تمثل المندوبية الإقليمية الوزارة، وليست لها اعتمادات لتنفيذ الأحكام، وإنما الاعتمادات تكون على الصعيد الوطني، كما أن المبالغ المتعلقة بالتعويض عن نزع الملكية تكون مودعة لدى صندوق الإيداع و التدبير، لذلك يتعين أساسا الحكم بعدم قبول الطلب واحتياطا رفضه. تعليل المحكمة يرمي الطلب إلى الحكم على المدعى عليها بأدائها للمدعي مبلغ 20,000 درهم كتعويض عما أصابه من ضرر من جراء موقف المدعى عليها المتمثل في امتناعها عن تنفيذ الحكم الصادر عن هذه المحكمة بتاريخ 17 أبريل 1996 تحت رقم 210 في الملف عدد 95/621 . ويتبين من خلال الاطلاع على الحكم المذكور، أنه قضى بنقل ملكية القطعة الأرضية رقم 90 بجدول المرسوم المعلن لمنفعة العامة المدعية (وزارة الأشغال العمومية) من أجل المنفعة العامة، مقابل تعويض نهائي قدره 15 درهما للمتر المربع يدفع لورثة المدعى عليه أحمد بن الجيلالي وإلي المتدخل في الدعوى «ع» المدعي حاليا، وذلك بنسبة حصته في العقار. وبما أن نصيب المدعي في التعويض قد حدد بشكل واضح استنادا إلى حصته في العقار حسب رسم الإراثة، ورسم البيع المشار إلى مراجعها بدقة ضمن حيثيات الحكم، وكذا منطوقه الشيئ الذي يبقى معه ما أثارته المدعى عليها في هذا الشأن في غير محله، ويتعين رده حسب تعليل المحكمة. واعتبرت المحكمة أن جواب رئيس المصلحة بالوزارة المدعي المتضمن بالمحضر المؤرخ في 98/11/15 موضوع ملف التنفيذ عدد 216 بأنه لن ينفذ الحكم، وما على المحكمة إلا أن تكاتبه يعتبر امتناعا صريحا عن تنفيذ الحكم الصادر لفائدة المدعي الشيئ الذي يشكل خرقا لمبدأ المشروعية، وهو ما أكده العمل القضائي في العديد من الأحكام و القرارات الصادرة في هذا الصدد. وأوضحت المحكمة أن الأمر الاستعجالي الصادر عن رئيس المحكمة الابتدائية بالرباط بتاريخ 1985/12/16 المنشور في مجلة المحاماة عدد 24 الصفحة 71 و الذي جاء فيه « لا يوجد نص يستثني الدولة من التنفيذ بل إن مبدأ المشروعية الذي يعتبر من أقدس المبادئ التي أقرها الدستور المغربي، يجعل تصرفات الدولة خاضعة لمراقبة القانون، و بالتالي مقاضاتها وفق ما يرسمه القانون، ويفيد لا محالة بأنها ملزمة بتنفيذ القرارات و الأحكام الصادرة ضدها، وإلا لما كان لمبدأ المشروعية أي معنى إذا كانت الدولة تستثنى من تنفيذ الأحكام». كما ذهب المجلس الأعلى في قرار صادر بتاريخ 1959/7/9 (قضية كيرا ضد كاتب الدولة في المالية)، منشور بمجموعة قرارات المجلس الأعلى الغرفة الإدارية 57/60 الصفحة 58، «يشكل امتناع السلطة الإدارية عن تنفيذ المقرر القضائي الحائز لقوة الشيئ المقضي به، و القاضي على الإدارة بأداء تعويض خرقا للقوانين الأساسية للتنظيم القضائي، و المسطرة القضائية، هذا الخرق الذي يمكن أن يصلح كأساس سواء لدعوى التعويض أو الطعن بالإلغاء». الامتناع عن التنفيذ عرج التعليل إلى أن امتناع رئيس المصلحة بالمديرية الإقليمية لوزارة الأشغال العمومية بآسفي عن تنفيذ الحكم المعني بالأمر، يشكل خطأ من جانبه أثناء قيامه بعمله، وقد ترتب عن هذا الخطأ أضرار لحقت بالمدعي، تمثلت في حرمانه من التعويض المحكوم له به، واضطراره إلى الالتجاء إلى القضاء لرفع الدعوى الحالية، وتكبد مصاريف في سبيل ذلك. وبما أن الدولة تعتبر مسؤولة عن الأضرار التي تنشأ مباشرة عن تسيير أي مرفق من مرافقها الإدارية، وعن الأخطاء المصلحة لمستخدميها طبقا لمقتضيات الفصل 79 من قانون الالتزامات والعقود. وأن المدعي يستحق تعويضا ترميما للضرر اللاحق به من جراء الخطأ المذكور و المحكمة بمالها من سلطة تقديرية تحدد التعويض الواجب للمدعي في مبلغ عشرة آلاف درهم. المنطوق وتطبيقا للفصول 1-3-32-37-38-50-124-329-333 من قانون المسطرة المدنية و الفصل 79 من قانون الالتزامات و العقود و القانون رقم 41-90 المحدثة بموجبه محاكم إدارية. قضت المحكمة الإدارية بمراكش قسم دعاوى التعويض الحكم رقم 105 بتاريخ 1999/10/27 ملف رقم 99/16 ت، بتعويض الدولة المغربية للمدعي «ع» تعويضا قدره 10.000.000 . تعليق على حكم تعليق نوفيق مساعف، محامي بهيئة الرباط : الموظف الممتنع عن التنفيذ يستحق المتابعة التأديبية القضية موضوع التعليق، تفتح الباب لمناقشة أحد المعضلات الكبرى لمبدأ المشروعية وحجية الأحكام القضائية، وحرمة القضاء والقرارات الصادرة عن المحاكم، ثم موقف السلطة التنفيذية من الجهاز القضائي. إن القرار رقم 105 الصادر بتاريخ 23 أكتوبر 1999 يعرض الموقف السلبي للإدارة العمومية المغربية من الأحكام القضائية الصادر في مواجهتها، والتي تتنوع من خلق عدة عراقيل في التنفيذ إلى عدم المبالاة بها، ثم إلى الامتناع الصريح عن تنفيذها. فبالرجوع إلى وقائع النازلة، سيتبين أن وزارة الاشغال العمومية استفادت من نزع ونقل ملكية من أجل المنفعة العامة، والتزمت بأداء التعويض المستحق للمتضرر المنزوعة منه الملكية، فأصبحت تبعا لذلك مجبرة بتنفيذ التزاماتها، وكان من الأولى لها أن تبادر بوضع مبلغ التعريض رهن إشارة المتضرر لسحبها، ودون أن يكلف نفسه متابعتها واستصدار محضر يثبت امتناعها عن الأداء. وأن تملصها عن تمكين المتضرر من حقوقه المادية، بدعوى أن الحكم لم يحدد نصيب المتضرر على سبيل الحصر، ثم تارة أخرى بأنه يتعين على رئيس المحكمة أن يوجه إليها كتابا بالأداء، لا يعدو عن كونه تماطلا عن الأداء وتسويفا غير مبرر عن تنفيذ التزاماتها. ورئيس المصلحة بالمديرية الإقليمية بوزارة الأشغال العمومية، بسلوكه الناشز هذا، يكون قد ارتكب خطأ مرفقي جسيم، ووضع المرفق العمومي الذي يسيره في مأزق قانوني فادح، أضر بشكل مباشر بالمركز القانوني للدولة المغربية، و الإدارة العمومية خصوصا، فنسب إليها خرق مبدأ المشروعية، بل وأسقط عنها الهبة والاحترام و التقدير و المصداقية التي يتعين عليها التحلى بها، فجعل القانون الذي يعتبر أسمى تعبير عن إرادة الأمة و المرجع الوحيد المعتمد في البت في المنازعات غير معتبر، ولا حرمة له ولا نفاذ له ولا سلطان له، ثم جعل القضاء و الأحكام الصادر عنه دون قيمة ودون اقتدار ودون فاعلية، وكأنها سلطة أدبية تصدر توصيات أخلاقية غير ملزمة، وهيئة استشارية يلجأ إليها لتقديم وجهة نظرها على سبيل الاستئناس و المشورة. وبما أن الدولة ملزمة باحترام وتنفيذ القوانين والأحكام القضائية بحسن نية وبفعالية، تحت طائلة مقاضاتها أمام القضاء الإداري المنتدب لهذه الغاية فقط حتى لا تتجاوز وتعلو عن القانون وتخرق القواعد الاساسية للتنظيم القضائي و المساطر القضائية، وإلا فإننا سنصبح أمام الدولة « الصعلوكة « «l'etat voyou « التي تستعبد الأمة وتسخرها لمصالحها الضيقة، وتستبيح الأرواح و الأموال و الأعراض ... بدعوى السيادة و المصلحة العليا للبلد وحماية المال العام ... وغيرها من المبررات الواهية. والموظف الممتنع عن التنفيذ، والوكيل القضائي الذي دافع عنه بسذاجة في هذه النازلة، يستحقان حسب فريق من الفقهاء الإداريين المتابعة التأديبية وخاصة الموظف الذي يتعين تحميله أداء التعويض عن الضرر اللاحق بالمتضرر لكونه مسؤول عن تسيير مرفق عمومي، وبالتالي كان يتعين عليه أن يحافظ على سمعته وذمته المالية ويمتتل للقانون، و الأحكام القضائية الموجهة ضده بكل انضباط وعفوية، بدل تحميل الدولة أخطائه طبقا لاحكام الفصل 79 من قانون الالتزامات و العقود ، وخاصة انه كان من المستطاع تفادي هذا الخطأ لان الذمة المالية للدولة كافية لتغطية هذه المصاريف وبالتالي المحافظة على المال العام وعدم تعريضه للتبديد غير المشروع . وبالرغم من صدور هذا الحكم لجبر الدولة عن الوفاء بالتزاماتها واحترام القانون، فإنه لا توجد أية آلية للتنفيذ الجبري على الدولة لحملها على تنفيذ هذا الحكم، فيمكنها أن تمتنع وبدون مبرر، ولا يمكن الحجز على أموالها وعقاراتها، أو إعمال مسطرة الإكراه البدني على الموظف أو الشخص الممتنع . وبالتالي نتواجد داخل حلقة مفرغة لا طائل منها، وتبقى نسخة الحكم بيد المتضرر أو القضاء جسد بدون روح لن تدب فيه الحياة ويكون له أثر إلا إذا حققنا دولة الحق و القانون، وهذا هو مصير عشرات الآلاف من القضايا المركونة في مستودعات وأرشيفات المحاكم و الإدارات العمومية.