التفاعلات التي رافقت جميع مراحل تقرير «شارل تانوك» الذي صادق عليه البرلمان الأوربي الثلاثاء الماضي تعطي صورة واضحة عن التحديات التي تحدث عنها الملك محمد السادس في خطاب افتتاح الدورة الخريفية للبرلمان، كما تكشف جانبا من جوانب التدافع الدبلوماسي الذي ستعرفه السنوات القادمة بين المغرب وخصوم وحدته الترابية. أوليا، يمكن القول إن الدبلوماسية المغربية قد تداركت الموقف، ونجحت في فرض تعديلات جوهرية على التقرير، وأفشلت بعض المقاصد السياسية التي كانت تتوجه بالأساس إلى تعطيل المفاوضات حول تجديد اتفاقية الصيد البحري الجارية بين المغرب والاتحاد الأوربي والحيلولة دون مصادقة البرلمان الأوربي عليها. من حيث الإجمال لم يخرج تقرير «تانوك» عن الإطار العام لتقرير الأمين العام للأمم المتحدة فيما يخص المكاسب المغربية منه، إذ أكد على انخراط المغرب في تعزيز حقوق الإنسان(توقيع المغرب ومصادقته على عدد من المعاهدات الدولية المتعلقة بحقوق الانسان) وعلى انفتاح المغرب على آليات منظومة الأممالمتحدة لحقوق الإنسان (دعوات المغرب للوفود الدولية المختصة وبشكل أساسي المقرر الخاص للأمم المتحدة حول التعذيب)، وأشاد بمسار الإصلاحات السياسية والاقتصادية، ونوه بالعمل الجدي للآلية الوطنية لحقوق الإنسان ممثلة في جهود المجلس الوطني لحقوق الإنسان وفرعه الجهوي في الأقاليم الجنوبية من أجل توثيق انتهاكات حقوق الإنسان بالمنطقة، ورحب بتعامل المغرب الإيجابي مع توصيات المجلس الوطني لحقوق الإنسان، وتبنيه لثلاث توصيات من توصيات مجلس الأمن الخمسة حول وضعية حقوق الإنسان بالصحراء. بل إن هذا التقرير أضاف جديدا مهما يمكن أن يتم استثماره مغربيا من أجل تعزيز مواقعه الدبلوماسية، إذ أنه بالإضافة إلى إعادة مطلب مجلس الأمن بضرورة إجراء إحصاء منتظم أو القيام بعمليات تسجيل رسمية» لعدد السكان بمخيمات تندوف، وبالإضافة إلى إعادة التأكيد على الحالة المأساوية التي يعيش فيها سكان المخيمات ومخاطر استغلال المجموعات الإرهابية لهذه الوضعية من أجل تجنيدهم في الإرهاب، وضرورة المبادرة لتحسين العلاقة بين الجزائر والمغرب وتوفير شروط الاندماج المغاربي لمعاجلة التحديات الأمنية التي تعرفها المنطقة، فإنه فتح نافذة حقوق الإنسان في هذه المخيمات بعد أن كانت التقارير الأممية السابقة تكتفي بالحديث عن عدم وجود بيانات في الموضوع، إذ تضمن التقرير إشارة واضحة إلى الوضعية المزرية لحقوق الإنسان بها لاسيما ما يتعلق بحق التعبير وحرية تنقل السكان، وحمل بشكل مباشر السلطات الجزائرية مسؤولية تحسين وضعية حقوق الانسان بمخيمات تندوف من خلال تمكين المراقبين المستقلين لحقوق الانسان من الولوج الحر والمنتظم وغير المحدود لهذه المخيمات والتحقيق بجدية بشأن أي ادعاءات. طبعا، لم يكن تقرير تانوك هدية أوربية إلى المغرب، فقد تضمن بعض الفقرات التي تطرح تحديات حقيقية على الدبلوماسية المغربية، لاسيما ما يتعلق بوضع حقوق الإنسان في الأقاليم الجنوبية وإعادة الحديث عن «إنشاء آلية مستقلة وذات مصداقية لمراقبة وحماية حقوق الانسان بالصحراء» وهو ما يفهم منه مطلب خصوم الوحدة الترابية بتوسيع مهام المينورسو لتشمل حقوق الإنسان بالمنطقة. الآن، وبعد أن تم تدارك الموقف، وأفرز التدافع الدبلوماسي هذه المخرجات الإيجابية، تأكد بأن المغرب مدعو إلى الاشتغال على خمس محاور أساسية لتحسين تموقعه الدبلوماسي في هذا الملف: 1 التأكيد على جدية وواقعية المقترح المغربي للحكم الذاتي كأرضية للتفاوض حول حل سياسي عادل للنزاع، وبذل الجهود لشرح الإصلاحات التي يقوم بها المغرب والتي تصب في زيادة منسوب الثقة في المبادرة. 2 ترشيد المقاربة الأمنية في الصحراء وتعزيز احترام حقوق الإنسان، والانفتاح أكثر على آليات منظومة حقوق الإنسان في هذا الاتجاه. 3 الاشتغال بإصرار على فتح ملف حقوق الإنسان في مخيمات تندوف والعمل على تحميل الجزائر المسؤولية الكاملة عن تدهور أوضاع حقوق الإنسان هناك. 4 الاشتغال الدبلوماسي الكثيف على المخاطر الناتجة عن الوضعية الحقوقية والاجتماعية والإنسانية بمخيمات تندوف وأثرها على مستقبل المنطقة وبشكل خاص على تحويل تندوف إلى منطقة للتجنيد الإرهابي. 5 تغيير استراتيجية مواجهة «سيناريو تفجير الوضع من الداخل» الذي يعتمده خصوم الوحدة الترابية، وذلك بتنشيط الأداء الأمني والاستخباراتي والإعلامي بالاستناد إلى لغة الأدلة بدل الاتهام، وفي هذا السياق نذكر بأن تصريح روس في العيون، حول تزامن الاحتقان مع زيارته، يؤشر إلى وجود أرضية لتقبل الأطروحة المغربية إن كانت معززة بما يسندها من الأدلة، إذ يطلب أن يتحول تصريح وزير الداخلية حول وجود أدلة بالصوت والصورة تدين خصوم الوحدة الترابية، إلى دينامية إعلامية نشطة يكون لها أثرها في إبطال الرهان على تحريك المنظمات الحقوقية الدولية ضد المغرب.