حذر هنري رينو، أستاذ "الاقتصاد المتوسطي العالم العربي" بجامعة pau (بو) بفرنسا، المغرب من الاستمرار في مفاوضاته مع الولاياتالمتحدةالأمريكية في أفق التوقيع على اتفاقية التبادل الحر بين الطرفين سنة 2003، مبرزا خطورة توقيع مثل هذه الاتفاقية على مستقبل العلاقة بين المغرب والاتحاد الأوروبي. وقال هنري رينو، خلال مداخلة له السبت الماضي في إطار فعاليات اليوم الدراسي حول "اتفاقية التبادل الحر بين المغرب والولاياتالمتحدة" المنظم من طرف "الفريق الاشتراكي" "إذا وقعتم هذه الاتفاقية فهو ذهاب وليس إياب لسوق أوروبية، فلا تتركوا أنفسكم خاضعين للآخرين"، وأضاف في أثناء حديثه عن مستقبل العلاقات الأورو متوسطية في ظل الاتفاق "يجب أن تحذروا من الانخراط في الاتفاقية، لأن الولايات تريد أن تشتري المغرب من عند الاتحاد الأوروبي، لكن هذا الأخير لن يفعل ذلك، فكأننا في زمن العبودية". وأشار أستاذ الاقتصاد في جامعة pau بفرنسا إلى أن ما يهم أمريكا هم السوق، أما مساهمتها في دعم النمو الاقتصادي للبلدان الأطراف في الاتفاقيات الثنائية المبرمة معها فتحتوي على الصالح والطالح، كما أن نتائجها تكون وخيمة، ملفتا، في الوقت ذاته، انتباه المشاركين في اليوم الدراسي، إلى أهمية التعاون مع أوروبا، وبخاصة فرصة التحاق المغرب بالاتحاد الأوروبي، "الأكثر صراحة وتضامنا والتزاما بين أعضائه". واستشهد هنري رينو بمثالين متناقضين في تعامل الولايات مع شركائها من جهة، وتعامل الاتحاد الأوروبي مع شركائه من جهة أخرى، وتركز الأول على دولة المكسيك التي واجهت مشاكل عديدة مع الولايات في أثناء دخولها في اتفاق معها، إذ لم تستطع حسب رينو خلال التسعينيات أن تحمي ثلث مليون من المكسيكيين من الصعوبات التي أحذقت بهم، فضلا عن أن ولوج منتوجات الولاياتالمتحدة أسواق المكسيك ابتداء من هذه السنة ستكون له عواقب وخيمة على الفلاحة المحلية. فيما ارتبط المثال الثاني بدولة تركيا التي ستصير عضوا في الاتحاد الأوروبي. وقال هنري رينو "إن المغرب عليه أن يختار بين أن يتساوى مع تركيا في علاقتها مع أوروبا وإما أن يحصر علاقته معها". بالمقابل أكد كريستيان دوبلوك من جامعة كيبيك مونتريال أن التجارة هي التي تضمن التقدم والسلام في العالم، كما أن الأمريكان يعتبرون المبادلات الثنائية بين الولاياتالمتحدة والدول الأخرى تتجاوز كونها مسألة تجارية إلى اعتبارها وسيلة لضمان الرفاه والأمن العالميين. وقال كريستيان في عرضه حول "السياسة التجارية الأمريكية واتفاقيات التبادل الحر" إن الولايات تفضل التعاقد مع الدول كيفما كانت، بدل تقديم المساعدات" مضيفا "السياسة التجارية الأمريكية تتميز بالاستمرارية في فتح الأسواق الخارجية ودعم التفوق الأمريكي، فضلا عن كون التجارة هي تصدير للقيم وليس السلع فقط". وأوضح كريستيان أن الولاياتالمتحدةالأمريكية تشعر بخيبة الأمل في ضبط عجز ميزانيتها، وتشعر بكونها منفردة ومعزولة بعدما تقوت اليابان وكذا الاتحاد الأوروبي، لأجل ذلك يقول كريستيان "أصبحت الولايات تستهدف التعجيل في عقد علاقات مع البلدان المنفردة كسنغفورة مثلا". وأبرز دوبلوك أن السياسة التجارية الأمريكية عرفت محطات عديدة بدءا بالانفتاح المتعدد الأطراف بعد الحرب الباردة، مرورا بالانفتاح الثنائي الأطراف، ووصولا إلى الانفتاح الجهوي ثم الانفتاح التشاركي الذي مكن الولايات من التموقع في مركز الشبكة التشاركية الذي دعا إليه الممثل التجاري الأمريكي روبيرت زوليك، مشيرا إلى أن الاتفاقية المزمع عقدها مع المغرب تدخل في إطار التوجه الأخير للسياسة الأمريكية. وفي السياق ذاته صرح عبد الرزاق مويسات رئيس جمعية منتجي ومصدري الخضر والفواكه، عضو الفريق الاشتراكي، ل"التجديد": «لا نستطيع الآن أن نحدد ما إذا كانت الاتفاقية ستفرز سلبيات أم إيجابيات، لأن النقاش حولها مازال مستمرا، كما أن الرؤية لم توضح بعد» وتابع «أما فيما يخص الفلاحة، فكلنا يعلم أن الولايات من المجموعات الاقتصادية الكبرى إنتاجا وجودة، وأرخصها أسعارا في العالم، وخاصة المواد الفلاحية التقليدية كالحبوب والحليب ومشتقاته والذرة مما سينعكس إيجابا على المستهلك المغربي لكن، يقول مويسات "يجب ألا ننسى أن لدينا منتجين محليين ينتجون مثل هذه المواد، يوجدون بالبوادي سيضطرون إلى مغادرة أراضيهم والتخلي عن إنتاجهم لأن المنتوجات الأمريكية ستدخل بأثمنة منخفضة وستزداد المشاكل في البوادي مع ازدياد الهجرة في اتجاه المدن». ونبه عبد الرزاق مويسات إلى أن المغرب عليه أن يحتاط بهذا الشأن، لأن الصادرات المغربية من المواد الفلاحية ستصطدم بشروط تعجيزية تفرضها الولاياتالمتحدة، وخاصة الشروط الصحية التي عادة ما تعجز الدول النامية عن الاستجابة إليها، مبرزا أن حصة المملكة من صادراتها الفلاحية في اتجاه الولايات على مدى 10سنوات في ظل الشروط المجحفة لن تمثل سوى 1% إذا ما قورنت بصادرات الولايات في اتجاه المغرب. وقال «لذلك علينا أن نفكر جيدا قبل أن نوقع على هذه الاتفاقية". من جانبه قال عدنان الدباغ نائب رئيس الكونفدرالية العامة لمقاولات المغرب إن "المقاولات المغربية في ظل الانفتاح والعولمة الشرسة، تقول بضرورة النظر في ما إذا كان اقتراحات الولاياتالمتحدة في مصلحة المغرب، حينها نوقع الاتفاقية، أو عكس ذلك فلا نوقع" مضيفا في تصريح ل"التجديد": «الهاجس هو مصلحة المغرب ليس ردود فعل اتجاه الاتحاد الأوروبي أو أطراف معينة أخرى، لأن الأساس هو استقلالية الفكر واستقلالية القرار على هذا المستوى». وأوضح الدباغ أن المقاولة المغربية خلال خمس سنوات الماضية، دربت نفسها على الانفتاح وسعت إلى تأهيل نفسها، ليس باعتبار التأهيل مسألة مرتبطة بالمنافسة فقط، ولكن أيضا لارتباطها بدعم الاقتصاد المغربي، معتبرا في الآن ذاته تأهيل المقاولة الوطنية مسألة مغربية مغربية. يشار إلى أن وزير الخارجية الفرنسي كان قد حذر المغرب، خلال زيارة له للمملكة، من خطورة توقيع اتفاقية تبادل حر مع الولايات على العلاقة مع الاتحاد الأوروبي، واصفا هذا المسعى بغير المنسجم. محمد أفزاز