أصدرت المندوبية السامية للتخطيط على خلفية دخول نظام المقايسة حيز التنفيذ ورقة حاولت فيها تقييم الآثار المترتبة عن الزيادة في سعر جزء من المحروقات على أهم المجاميع الماكرو اقتصادية خلال الفترة 2013 - 2018. ملخص هذه الورقة يمكن إجماله في نقطتين أساسيتين: 1- الإقرار بأن تقليص نفقات دعم أسعار المواد البترولية له أثر إيجابي على ميزانية الدولة، يقدر بحوالي 0,18 نقطة مئوية من الناتج الداخلي الإجمالي سنة 2013. 2- أن غياب تدابير حكومية مرافقة لرفع أسعار المحروقات قد يؤدي إلى ارتفاع الأسعار المحلية ، وتراجع الطلب الداخلي، وانخفاض الناتج الداخلي الإجمالي، وتقليص مناصب الشغل . وبعيدا عن المزايدات السياسية التي حاولت أن توظف معطيات هذه الورقة، وتجعل من مخرجات المؤسسة العلمية التي أنتجتها أداة في المناكفة السياسية، فإن الخلاصات التي انتهت إليها الورقة تتناغم كليا مع الاستراتيجية التي اعتمدتها الحكومة عند قرارها تطبيق نظام المقايسة، إذ لم يكن الهدف من اعتماد هذا النظام فقط هو التقليص من نفقات دعم أسعار المحروقات التي بلغت تكلفتها 22 مليار درهم برسم الفترة الممتدة من يناير إلى يوليوز 2013، والتحكم في ذلك في نسبة العجز الميزانية الذي انتقال سنة 2012 إلى 7.3 في المائة، وإنما كانت له خلفية اجتماعية أيضا، إذ قررت الحكومة بالموازاة مع تطبيق نظام المقايسة الجزئية لأسعار المواد البترولية السائلة اعتماد إجراءات المواكبة للتخفيف من تأثير هذا النظم على المستعملين الأساسيين لهذه المواد، إن في شكل إبرام اتفاقات بين الحكومة ومهنيي النقل للتحكم في كلفة النقل وعدم المس بالقدرة الشرائية للمواطنين، أو في شكل استمرار دعم الحكومة لأسعار المواد البترولية بجميع أصنافها، إذ تم استثناء غاز البوطان والوقود الموجه لإنتاج الكهرباء من هذا النظام، أو في شكل مواصلة استفادة المواد التي تخضع لنظام المقايسة من دعم ميزانية الدولة. لكن مع الخلفية الاجتماعية التي راعتها الحكومة، ومع اجتهادها في اعتماد صيغة لنظام المقايسة تجمع بين التقليص من نفقات دعم أسعار المحروقات وبين التدابير الخاصة التي تمكن من حماية القدرة الشرائية للمواطنين، فإن سؤال تأمين عدم الزيادة في أسعار مختلف المواد الاستهلاكية يحتاج إلى جواب، لاسيما وأن العديد من المقاولات ستضطر إلى رفع أسعار البيع بسبب ازدياد كلفة النقل، مما سيؤدي بشكل آلي إلى ارتفاع الأسعار وتراجع نسب الاستهلاك وانخفاض الطلب الداخلي تبعا لذلك مما سيكون له أثر واضح على نسب النمو. بمعنى، أن إرادة الحكومة للمحافظة على استقرار الأسعار، وحتى تفعليها للمراقبة، لن يستطيع وقف ارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية، ما لم تتوسع الإجراءات المرافقة لتشمل، إلى جانب دعم مهنيي النقل، إبرام اتفاقات أخرى موازية للحيلولة دون إقدامها على زيادة الأسعار، وتفعيل الإجراءات الصارمة في وجه كل من يستثمر هذه الظرفية للزيادة غير المشروعة في الأسعار. هل معنى ذلك أن تتحمل المقاولات وحدها الزيادة في الأسعار بدعوى أنها تستفيد من دعم الدولة للمقاصة الموجة أصلا إلى الفئات الفقيرة؟ قد يكون هذا المنطق سليما نظريا، لكن ما سنراه في الواقع هو أن هذه المقاولات ستزيد في أسعار المواد الاستهلاكية بسبب زيادة كلفة الإنتاج الناتج عن زيادة أسعار المحروقات، وسيكون المواطن البسيط في المحصلة هو الضحية الذي يؤدي الثمن. الإشكال واضح تماما، والجواب ينبغي أن يكون أيضا واضحا، وحتى يكون لهذه الإجراءات المواكبة أثرها الاجتماعي الواضح، فإن الحكومة ملزمة بتوسيع الاتفاق مع مهنيي النقل المختصين في نقل البضائع والسلع، حتى تضمن بذلك الحفاظ على استقرار الأسعار والمحافظة على مستويات الطلب الداخلي. الحكومة أكدت عبر الورقة المذكرة المرجعية الخاصة بالمقايسة أنها ستعتمد الإجراءات المواكبة بنحو تدريجي، لكن المطلوب اليوم، نظرا لحساسية الوضعية الاجتماعية، أن تسرع من وتيرة تفعيل حزمة هذه الإجراءات المواكبة حتى لا تسبق الزيادة في الأسعار مساعي الاتفاق.