أجمعت تصريحات خبراء اقتصاديين استقتها بيان اليوم، على صعوبة تطبيق ميكانيزم «المقايسة» في الظرفية الراهنة. ففيما يرى الخبير الاقتصادي عبد السلام الصديقي، أن تطبيق «المقايسة» سيعرف صعوبات من دون شك مما يثير علامات استفهام حول نجاعته خاصة أمام الفارق الزمني، حسب الاحتياطي النفطي الموجود، ما بين لحظة الشراء ولحظة البيع، قال محمد الشيكر أستاذ الاقتصاد، إن إعلان ميكانيزم «المقايسة» ما هو إلا خطاب موجه، حسب المتحدث، لصندوق النقد الدولي، حيث أن هناك التزامات من قبل المغرب تجاه هذه المؤسسة حول إصلاح نظام المقاصة وتطبيق حقيقة الأسعار. وقال عبد اللطيف برحو الخبير في العلوم الإدارية والمالية العامة وعضو فريق العدالة والتنمية بمجلس النواب، إن نظام المقايسة طبق نسبيا مع حكومة عبد الرحمان اليوسفي سنة 2000 واستمر إلى غاية سنة 2007 حيث تم إلغاؤها مع حكومة عباس الفاسي، مشيرا إلى قرار إلغائه كان خاطئا لأن أسعار المحروقات لم تعرف الاستقرار وظلت تراوح الصعود والنزول تبعا للظرفية السياسية العالمية. عبد السلام الصديقي أستاذ الاقتصاد التطبيق العملي لنظام المقايسة يثير علامات استفهام حول نجاعته قال عبد السلام الصديقي، عضو الديوان السياسي لحزب التقدم والاشتراكية، إن نظام المقايسة على أسعار المواد البترولية سيدخل حيز التطبيق خلال الأيام القليلة المقبلة، وفي جميع الاحتمالات ابتداء من يوم السادس عشر من الشهر الجاري بعد أن وقع رئيس الحكومة المرسوم المتعلق بهذا النظام. واعتبر الصديقي، أستاذ الاقتصاد، أن تطبيق هذا النظام سيكون «جزئيا» مقابل التطبيق «الكلي»، وسيشمل مواد البنزين والغازوال والفيول الصناعي. أما غاز البوطان فمستثنى من هذا النظام، في انتظار ما اعتبره «أياما عصيبة». وبخصوص التطبيق الجزئي لميكانيزم المقايسة فمن المتوقع، يقول الصديقي في حديث لبيان اليوم، أن يتم ذلك خلال فترة من 15 يوما كلما حاد سعر النفط عالميا صعودا أو نزولا عن السعر المرجعي المعتمد في القانون المالي أي105 دولار للبرميل الواحد بالنسبة لسنة 2013. ويرى المتحدث أن هذا النظام، يعني، مبدئيا، ربط أسعار المحروقات بالسعر العالمي للنفط سواء في اتجاه الارتفاع أو الانخفاض، لكنه نبه إلى أن اتجاه الأسعار نحو الانخفاض قليلا ما يحصل. وذكر الصديقي بأن المقايسة الجزئية لا تعني التخلي عن دعم الدولة كما هو مقرر في القانون المالي، بل تروم التحكم في مبالغ الدعم ليتم التحكم أكثر في مستوى العجز المالي. واعتبر أن هذا التحكم بات ضروريا علما أن أي ارتفاع لسعر النفط بدولار واحد يترجم بنفقات إضافية لصندوق المقاصة تصل إلى 600 مليون درهم. ولنتصور هنا كم ستبلغ هذه النفقات إذا بلغ سعر النفط 115 دولار للبرميل كما هو الشأن حاليا. بخصوص التطبيق العملي لنظام المقايسة يرى الصديقي أنه سيعرف صعوبات من دون شك مما يثير علامات استفهام حول نجاعته خاصة أمام الفارق الزمني، حسب الاحتياطي النفطي الموجود، ما بين لحظة الشراء ولحظة البيع. وهنا يحذر المتحدث من كون شركة إنتاج وتوزيع المحروقات، لاسمير، ستحقق ما أسماه «ريع المنتج»، أي بيع منتوج اشترته سابقا بثمن منخفض بسعر عال. كما أن الأسعار المرجعية في السوق العالمية ليست دائما أسعارا حقيقية وهذا مشكل آخر. من جهة أخرى يرى أستاذ الاقتصاد أن تداعيات تطبيق المقايسة على المستهلك وعلى المقاولات تبقى رهينة بحجم الزيادة في سعر البترول عالميا. ويرى في هذا الصدد أن الأسعار إذا ما بقيت محصورة فيما بين 105-115 دولار للبرميل فإن الزيادة يمكن تجرعها ولو بصعوبة، خاصة وأن نسيجنا الإنتاجي مازال هشا وضعيف التنافسية. لكن عند الاحتمالات الأكثر تشاؤمية حيث يتجاوز سعر البرميل 115 دولار بل قد يصل إلى 150 دولار كما تتوقع بعض الهيئات بارتباط مع احتمال ضربة عسكرية ضد سوريا، ففي هذه الحال ستكون المقايسة مميتة، يقول عبد السلام الصديقي، سواء بالنسبة للمقاولة أو بالنسبة للمستهلك. وهنا ربما سيكون من الأفضل، حسب المتحدث، التوجه نحو حل آخر وتبني «سعر سياسي» للبترول فكل ظرفية استثنائية تقتضي إجراء استثنائيا. ذلك أن على الحكومة معالجة المشاكل بنظرة شمولية بدل تجزيئها وبدل لعب دور الإطفائي، أي انتظار حتى تستفحل المشاكل وبعد ذلك يأتي التدخل السريع عبر إجراءات متسرعة. عبد اللطيف برحو الخبير في العلوم الإدارية والمالية العامة الحكومة متخوفة من ارتفاع الأسعار إلى مستويات لا يمكن للمالية العمومية تحملها اعتبر عبد اللطيف برحو الخبير في العلوم الإدارية والمالية العامة وعضو فريق العدالة والتنمية بمجلس النواب، أن لجوء الحكومة إلى إقرار نظام المقايسة هو ناجم عما يعرفه الوضع الدولي من تقلبات سياسية والتي تؤثر على أسعار البترول في السوق العالمية، مشيرا إلى أن الحكومة متخوفة من أن تصل هذه الأسعار إلى مستويات لا يمكن للمالية العمومية تحملها، خاصة إذا ما نفذت الضربة العسكرية ضد سوريا، حيث من الممكن أن يصل معها سعر البرميل من البترول إلى 160 دورلا وهو سعر لا يمكن للمالية العمومية تحمله. وأوضح عبد اللطيف برحو في تصريح لبيان اليوم، أن نظام المقايسة طبق نسبيا مع حكومة عبد الرحمان اليوسفي سنة 2000 واستمر إلى غاية سنة 2007 حيث تم إلغاؤها مع حكومة عباس الفاسي، مشيرا إلى أن قرار إلغائه كان خاطئا لأن أسعار المحروقات لم تعرف الاستقرار وظلت ترواح الصعود والنزول تبعا للظرفية السياسية العالمية. وقال عبد اللطيف برحو «إن الرؤية لم تتضح بعد، بخصوص هذا القرار وحيثياته وسبل تطبيقه» وإلى حين اكتمال الصورة، خلال اجتماع لجنة المالية المزمع عقده يوم الأربعاء المقبل، أكد القيادي في حزب العدالة والتنمية، على أن اللجوء إلى نظام المقايسة هو بالأساس لحماية المالية العمومية، في حال تجاوز سعر البترول الحدود الممكن تحملها من قبل الميزانية العمومية، مشيرا إلى أن الجديد الذي تضمنه قرار الحكومة القاضي بتطبيق هذا النظام، هو الإجراءات المصاحبة والمتمثلة بالخصوص في تفعيل آلية التأمين عن المخاطر وهي الآلية التي ستتكفل بتأدية الفارق في حال تجاوز سعر البترول الحدود الممكن تحملها من قبل المواطن ومن قبل المالية العمومية، وهذه الآلية، يضيف المتحدث، ستكون إيجابية في حال ما اتضحت الرؤية بشكل كامل. ويرى عبد اللطيف برحو أنه من الأفيد الحفاظ على النظام القديم، أي نظام الدعم، في حال بقي سعر البترول في مستواه الحالي، إلى حين إيجاد تصور كامل ومتوافق بشأنه لإصلاح صندوق المقاصة، على اعتبار أن تأثيرات تطبيق نظام المقايسة، قد تكون له انعكاسات سلبية على القدرة الشرائية للمواطنين، خاصة في ظل عدم إمكانية التحكم في ارتباطات السلسلة السعرية، التي يصعب التحكم فيها لا من طرف الدولة ولا من طرف أي جهة أخرى. وأوضح في هذا السياق أنه في بعض الأحيان نجد أن ارتفاع سعر المحروقات ليس له تأثير مباشر على بعض المواد، لكنها مع ذلك تعرف ارتفاعا في أسعارها، وحتى تلك التي تتأثر بشكل مباشر تكون الزيادة فيها مرتفعة بشكل كبير وغير مناسبة لحجم التأثير الحقيقي على تلك المواد. وأورد عبد اللطيف برحو أن الحديث عن دعم النقل العمومي عن طريق آلية تعتمدها وزارة الداخلية، غير واضح، ويصعب تنفيذه، مشيرا إلى أن نموذج دعم مراكب الصيد البحري، هو نموذج فاشل وسيئ لا ينبغي تكراره، خاصة وأن الجميع يعرف الطريقة التي تشتغل بها وزارة الداخلية. محمد الشيكر، أستاذ الاقتصاد من الصعب تطبيق نظام المقايسة وخطاب الحكومة موجه لصندوق النقد الدولي فقط في البداية يلاحظ محمد الشيكر، أستاذ الاقتصاد، أن الحكومة تقول بتطبيق نظام المقايسة جزئيا، أي أنها حددت سقفا لهذا التطبيق. لكن السؤال الكبير، يقول محمد الشيكر في تصريحه لبيان اليوم، هو هل في استطاعة الحكومة تطبيق هذا الميكانيزم؟ ليجيب مباشرة أنه ليس من السهل تطبيقه. وبالتالي فكل هذا الأمر هو خطاب موجه، حسب المتحدث، لصندوق النقد الدولي، حيث أن هناك التزامات من قبل المغرب تجاه هذه المؤسسة حول إصلاح نظام المقاصة وتطبيق حقيقة الأسعار. صعوبة تطبيق نظام المقايسة على أسعار المحروقات تكمن في كون أسعار النفط مرشحة للارتفاع أكثر مع الأزمة السورية، خاصة عندما ستصل إلى مستوى 140 دولار للبرميل أو أكثر، مما يجعل من الصعب عكس هذه الارتفاعات على المستهلك أو على الاقتصاد الذي قد يتدحرج إلى الهاوية، يقول محمد الشيكر. ويضيف أنه كان يجب التفكير قبل ذلك في إصلاح منظومة المقاصة ومراجعة ميكانيزماتها من الداخل. ذلك أن المستفيد الأول من المقاصة ليس هو الفقير أو الغني بل هم أولئك المستفيدون من المنتوجات المدعمة كأرباب المطاحن والشركات المستعملة للسكر وللقمح المدعم إلخ... وبعد إصلاح هذه المنظومة آنذاك يمكن طرح السؤال حول تطبيق نظام المقايسة جزئيا أو كليا. أما الآن حيث تتحدث الحكومة عن تطبيق هذا النظام بصفة جزئية فهذا الأمر موجه لصندوق النقد الدولي وسيكون من المفاجئ إذا طبقت الحكومة هذا النظام خلال الشهر الحالي أو المقبل، يقول محمد الشيكر. إن خطورة تطبيق نظام المقايسة تكمن أيضا في طبيعة السوق الداخلية. فعندما سترتفع أسعار المحروقات ترتفع معها أسعار المواد الاستهلاكية الأخرى كأسعار النقل العمومي للأشخاص والبضائع وغيرها. لكن عندما تنخفض أسعار المحروقات من الصعب جدا أن تنخفض أسعار هذه المواد، وبالتالي فنظام المقايسة لن يكون، حسب محمد الشيكر، سوى مسلسلا لارتفاعات متتالية للأسعار أي مسلسلا للزيادة في التضخم. بخصوص نموذج التنمية في المغرب، يقول المتحدث إن المنظور السياسي والاقتصادي للدولة يضع نموذج التنمية مبنيا على الطلب الخارجي وليس على الطلب الداخلي. إن هذا المنظور يبرز جليا إبان المفاوضات مع الفرقاء الاجتماعيين حيث ترفض الحكومة دوما أي زيادة في الأجور وإجراءات تحسين القدرة الشرائية للمواطنين والرفع من وتيرة التوظيف. لكن ما يثير الانتباه هو أن الحكومة لم تنجح في اعتماد نموذج التنمية المبني على الطلب الخارجي وظل الطلب الداخلي هو محرك التنمية في الواقع. إن هذا يتطلب مراجعة السياسة الاقتصادية لتتلاءم مع ضرورة رفع التنمية الاقتصادية والاجتماعية عبر رفع الأجور والتوظيف لأن الاقتصاد المغربي غير تنافسي. لكن الخطاب الذي نسمعه حول إعادة النظر في نموذج التنمية المعتمد على الطلب الداخلي هو مجرد مغالطة، حسب أستاذ الاقتصاد. فهذا الخطاب له خلفيات إيديولوجية تريد الحكومة من خلاله التضييق على الطلب الداخلي. كما أن الخطاب الذي يروج له حول صندوق المقاصة يغالط الرأي العام بشأن من المستفيد من دعم الصندوق ما بين الفقير والغني في الوقت الذي تطمس فيه الحقيقة حول كون المستفيد الأول هو نظام الريع من شركات تستعمل المنتوجات المدعمة. ويرى المتحدث أنه لا بديل عن الخروج من هذه المفارقة سوى بالاعتماد على الابتكار والخبرة الداخلية لتوسيع هامش المناورة الاقتصادية حتى لا تبقى الحكومة في موقف ضعيف في المفاوضات مع المؤسسات الدولية. وهذا يقتضي الارتكاز على الرأي العام وقواعد الديمقراطية، يضيف محمد الشيكر.