يتساءل المرء وهو ينظر إلى ذلك العدد الهائل من اللوحات الإشهارية التي أضحت تؤثت شوارع المدن الكبرى، بل والمدن الصغرى كذلك، خاصة عند ملتقى الطرقات، حيث تكثر إشارات الوقوف، مما يتيح إمكانات أكبر للرفع من درجة مشاهدة المواطن لها (أي اللوحات)، (يتساءل) عما إذا كانت هناك قوانين صارمة تضبط كثافة هذه اللوحات ضمن مسافة معينة، ومعدل انتشارها، وأبعاد أحجامها، وطبيعة الصور التي تعلن عنها، أخذا في الاعتبار المستوى المعيشي لعموم المغاربة، أم أن الأمر يظل موكولا للشركات المكلفة بالصناعة الإشهارية ذات التوجه الليبرالي العالمي المتوحش، التي لا تعير أي اهتمام لمسألة القيم الإنسانية. ومنبع التساؤل هذا يعود بالأساس إلى كوننا لا نكاد نقطع بعض الأمتار عن لحظة مشاهدتنا لوحة إشهارية أو مجموعة لوحات ينظر بعضها إلى بعض، حتى تقع أعيننا من جديد سجينة سحر لوحة أخرى، ويستمر الأمر على هذا الشكل طول الشارع الذي نسلكه. إنه زخم كبير من الرسائل الاستهلاكية، ذلك الذي تعمل اللوحات الإشهارية على بعثه بشكل متجدد باتجاه المواطنين لتسهم بقصد في تأسيس نمط استهلاكي موحد وثقافة عيش مشتركة، دونما اعتبار لاختلاف الطبقات الاجتماعية والقدرات الشرائية. ومع فرض وجود هذه القوانين، فإنه كان الأجدر بالمسؤولين المغاربة، وفي مقدمتهم الوزاء الأوصياء على هذا القطاع، أن يرحموا المواطن المغربي البئيس الذي لا يجد ما يشتري به الغذاء، ويؤدي به فاتورة الكراء والماء والكهرباء والدواء، بله أن يقتني أثاثا فاخرا أو سيارة جميلة أو شاشة تلفاز بحجم منزله أو هاتفا بثمن يفوق أجرته أضعافا مضاعفة. وكان حريا بهؤلاء المسؤولين أيضا أن يرخصوا لتثبيت مثل هذا اللوحات، إن كان ضروريا، في الأحياء الراقية وأمام منازل، عفوا قصور، الوزراء والسفراء والكتاب العامين والمدراء، وألا يرخصوا بها في الأحياء المهمشة وجحور الفقراء والضعفاء والبؤساء، مع علمنا المسبق أن علية القوم لا يكترثون بمثل هذه اللوحات لأن نمطهم الاستهلاكي مشدود إلى بوتيكات ومحلات فرنسا وإيطاليا وإسبانيا، التي يشترون منها حاجاتهم دون أن يدفعوا درهما واحدا في دعم اقتصادهم، إن كان هناك اقتصاد أصلا، ليظل المواطن الضعيف هو المقصود الأول والأخير من تلك الرسائل الإشهارية، حتى إذا وقع في شباكها ولم تكن له القدرة على الفكاك منها، التقته لوحة إشهارية أخرى تدعوه إلى الاقتراض من هذا البنك أو ذاك إن كان موظفا، أو قصد غير البنك ليقترض منه إن كان مواطنا عاديا، إلى أن يجد نفسه في لحظة من اللحظات مثقلا بالديون ومكبلا بالهموم. وما مديرية التأجير التابعة لوزارة المالية عنا ببعيد، حيث عشرات الآلاف من الملفات العالقة للموظفين الصغار نتيجة تورطهم في دوامة قروض الاستهلاك. إنه إرهاب استهلاكي يحدث في بلد ما يزال أكثر من نصف ساكنته يعاني الفقر والحرمان، و6 ملايين منهم تقبع تحت عتبة الفقر بأجرة يومية لا تتجاوز 10 دراهم، وعنف ذوقي يقع في مجتمع تفاقمت فيه العطالة بشكل مهول إلى أن أصابت خمس الطبقة النشيطة ( حوالي 20 بالمائة). محمد أفزاز