_ بعد تفصيل العلامة المقرئ إبراهيم بن المبارك بن علي الهلالي في بحثه لكل ما وجده من أخطاء في الطبعات التجارية لثمانية مصاحف، قال :»وبناء على ما تقدم في هذه الخاتمة، أتوجه بندائي هذا إلى صاحب الجلالة أمير المؤمنين، حامي الملة والدين لإصدار أمره إلى الوزارات الثلاث الآتية أسماؤها: أولا:وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، بتأسيس لجنة من العلماء لمراقبة وتصحيح كل المصاحف التي تطبع في المغرب والواردة عليه، والسهر على نتفيذ رغبة المحبس فيما قصده من تحبيسه. ثانيا: وزارة التعليم، بإنشاء دار للقرآن على غرار دار الحديث تختص بإتقان حفظ القرآن ورسمه وضبطه وتجويده وتلقين القراءات. ثالثا:وزارة الإعلام، قسم الإذاعة الوطنية، بإنشاء لجنة علمية تكون مسؤولة عن كل ما يتلى ويذاع من القرآن الكريم7 هذا ما كتبه الأستاذ الهلالي في كتاب « التبيان»مما يؤرخ للدواعي والبواعث الملحة التي ظلت تتكرر، وفي كل مرة كان يقترح لها علاج جزئي لا يتأتى به وعن طريقه الحسم النهائي في مثل هذه الخروقات، وقد كان من آخرها ما وقع في إحدى الطبعات التي جرى توزيعها في المساجد على نطاق واسع، ثم أعيد جمعها لإعادة تصحيحها من جديد مما كلف من الجهد والوقت الكثير، واستغل استغلالا سيئا ضد الوزارة الوصية بنشر قوائم من تلك الأخطاء في بعض الجرائد والتشهير بما حدث. ولكن الأمر لم يكن قد نضجت الفكرة فيه بالقدر المطلوب، وعلى مستوى المشروع الكبير الذي من شأنه أن يحسم العلة ويبلغ الهدف، بشرط توافر الكفاءات اللازمة، ودعم المشروع ماديا ومعنويا حتى يستطيع النهوض بمأموريته، والوفاء بمسؤوليته، وهكذا وبعد هذا المخاض العسير كان ميلاد هذه المأثرة المحمدية الجليلة استجابة لهذه الدواعي، وعلاجا يرجى بعون الله وحسن توفيقه أن يكون علاجا ناجعا وحاسما من خلال هذه المؤسسة الناشئة.وكانت العناية الإلهية قد ادخرت هذه المكرمة في إنجاز هذا المشروع، و إخراجه من نطاق الطموح والأمل المنشود، إلى فضاء الواقع المتحقق المشهود، لعهد أمير المؤمنين الملك محمد السادس، ليكون أحد روائع المآثر المولوية المحمدية، التي حملت اسمه الشريف، حيث أطلق عليها «مؤسسة محمد السادس لنشر المصحف الشريف» وتفضل جلالته بإصدار ظهير إنشائها ورسم المسار لمهماتها وآفاق عملها، وتكرم بإقامة مقر جديد لها يتناسب مع أهدافها، وشرفها بالزيارة الملكية الشريفة التي قام بتدشينها فيها في شهر رمضان من عام 1431 ه – الموافق لشهر غشت من عام 2010 م و أعطى الإشارة لانطلاقة أشغالها، فأخذت في الحال في مباشرة عملها لسد حاجات مساجد المملكة الشريفة إلى الكفاية من المصاحف المطبوعة برواية ورش عن نافع التي عليها المدار رسميا في التلاوة في المساجد و المدارس المغربية وغيرها، تساعدها في الإسراع بوتيرة انتاجها المطبعة المجاورة، وهي مطبعة فضالة العتيدة.وهكذا كان من بواكير نتاج «مؤسسة محمد السادس لنشر المصحف الشريف» أول طبعة أنيقة من المصحف المغربي تحمل اسم «المصحف المحمدي» وتتميز بخصائص ومميزات لا نبالغ إذا قلنا إنها تتحقق في هذا المصحف مجتمعة لأول مرة، وأهمها هذه المزايا الخمس. 1.تحرير رسمه وضبطه وفق ما عليه العمل في طريق الأزرق عن ورش عن نافع المدني. 2.تحرير وقفه على ما عليه العمل عند المغاربة مما يوافق هذه الرواية، وهو وقف الإمام الهبطي. 3.تحرير عد آيه على موافقة العد المدني الذي هو عدد نافع و أصحابه، كما جرى به العمل في المغرب. 4.موافقة مذهب الإمام مالك بن أنس في عد الآي و مواضع السجدات وعددها في المصحف. 5.جريانه في الخط و الرسم و الضبط على النمط المغربي الموروث خلفا عن سلف مما يصبح معه مصحفا نموذجيا. و قد تم حتى الآن والحمد لله بعد أقل من عام ونصف، إخراج ثلاث طبعات من هذا المصحف، و في عدة أحجام، ويجري حاليا تخطيط مصحف أثري مسبع، تطمح المؤسسة إلى أن يكون الأول في البلاد الإسلامية، من حيث خطه وكتابته، وضبطه بالألوان المأثورة عن السلف، مما ظلت تكتب به المصاحف و الربعات في المغرب منذ صدر الإسلام، على طريقة الصحابة و التابعين الذين وضعوا أصول الرسم و الضبط و عد الآي، و ميزوا فيما بينها بألوان اصطلاحية ظل العمل عليها في كتابة المصاحف إلى قريب من عصرنا و إلى ظهور الطباعة العصرية، فنرجو أن تكون هذه المؤسسة رائدة في تدوين وتسجيل هذا السبق في سجل حسنات عهد أمير المؤمنين الذي تحمل هذه المؤسسة شرف الانتساب إليه . والمؤسسة لا تفتأ بعون الله تعمل على تطوير أدائها، و السعي في تطبيق التعليمات المولوية و الوزارية لتحقيق الغاية المرجوة منها، وبلوغ حد الكفاية مما أنيط بها من أعمال وتطلعات نحو مستقبل أفضل في الحلقة القادمة : كيف تطورت طباعة المصحف في المغرب ؟