لعل من بواكير هذا التفكير المنطلق من روح هذا المشروع ما أشار إليه وأرخ له العلامة المقرئ الأستاذ إبراهيم الهلالي المكناسي رحمه الله في كتابه « التبيان لمعركة ماء بوفكران مع وجوب اتباع رسم الإمام». وفيه يذكر أنه، سبق له لما كان عضوا في المجلس الوطني الاستشاري سنة 1958 م بالرباط أن اقترح في المجلس المذكور إنشاء:»معهد للقراءات يكون من اختصاصه الإشراف على طبع المصحف الكريم، والسهر على الرسم والضبط والتجويد، وكل متعلقات القرآن كالقراءات وعلومها» قال:»وقد نال هذا الاقتراح القبول والاستجابة في المجلس المذكور، وإن صاحب الجلالة المرحوم محمد الخامس أصدر أمره بإنجاز المشروع إلى وزيره في التعليم الأستاذ المرحوم السيد عبد الكريم بن جلون التويمي، وبالفعل فتح الوزير المذكور ملفا في الموضوع». ولسنا ندري ما هي العوائق التي حالت يومها دون خروج هذا المشروع إلى حيز التنفيذ بعد أن صدر الأمر السلطاني إلى السيد الوزير في التعليم بإنجازه وفتحه هذا الملف في موضوعه كما يقول العلامة الهلالي، ولكننا نعلم أن سلسلة من المصاحف التي أصبحت تحمل عنوان «المصحف الحسني» على عهد جلالة الملك الحسن الثاني رحمه الله قد تعاقبت خلال عهده ابتداء من المصحف الحسني المكتوب بماء الذهب من إنجاز الخطاط المغربي البارع السيد أحمد بن الحسين السوسي البهاوي رحمه الله، وانتهاء إلى المصحف الحسني المسبع الذي تمت كتابته من طرف سبعة من مهرة الخطاطين يتصدرهم الخطاط البارع المتميز الأستاذ محمد لمعلمين حفظه الله. إلا أن الإحساس بالحاجة إلى اتخاذ الخطوة الجريئة لوضع هذا المشروع على صعيد الواقع المشهود كان وما زال يبعث على التفكير في إنجازه، وجعله على مستوى مؤسسة مختصة دائمة وكاملة الصلاحية، بدلا من الاقتصار على تكوين لجنة يعهد إليها بالعمل كلما اقتضت الحال ذلك. وأذكر بالمناسبة طرفا مما قام من الدواعي وتكرر الإنذار، بسوء عاقبته على الأمة في إدخال الضيم والهضمية على المصاحف الشريفة فيما ظل يحدث ويلاحظ من حين لآخر من ظهور بعض الطبعات التجارية من المصحف المغربي في غياب الرقابة الكافية، وعدم تحديد الجهة المسؤولة ووحدتها، مما أمسى منذ عقود من الزمان يمثل معضلة في غاية الخطورة، ويدعو إلى المبادرة إلى إنشاء مؤسسة أو مجمع يعهد إليه بأمانة شؤون المصحف على أن يكون الجهة الوحيدة والرسمية المخولة بالسهر على هذه المهمة، والمحافظة على سلامة المصحف وطريقة كتابته ورسمه وضبطه وطبعه . وقد كان من غير المقبول ولا المنتظر في بلاد مثل المغرب أن تظهر فيها أخطاء في المصحف الشريف، سواء تعلق الأمر بلفظ التلاوة، أو تعلق بالرسم والضبط، مع ما عرف عن قرائها وطلبتها من الحذق والنبوغ في هذا الشأن منذ القرون الأولى، ولذلك قال العلامة ابن خلدون في وصف حالهم في مقدمته بعد أن أذكر طريقتهم في تعليم القرآن للولدان:»فهم لذلك أقوم على رسم القرآن وحفظه من سواهم « وإذا بنا قبل ثلاثين سنة نجد أن ظاهرة الفساد في تحرير المصاحف قد بلغت أوجها، حتى كتب يومها الأستاذ المقرئ إبراهيم الهلالي المكناسي ينذر بما آلت إليه الحال، ويرفع بذلك تقريرا ضمنه كتابه المطبوع باسم «التبيان» جاء فيه قوله:»في هذا العصر نشاهد التغيير في القرآن الكريم بزيادة الحروف ونقصانها، وتبديل الكلمات بالتقديم والتأخير، وإسقاط الآيات، ثم يقول:»منذ مدة كبيرة سلفت وقفت على مصحف مطبوع في المغرب ارتكب فيه ما يزيد على المائتين من الأخطاء، كما وقفت أخيرا على سبعة أحزاب مملوءة باللحن والقلب في ثلاثين كلمة، ومخالفة للرسم في خمس وأربعين كلمة ولم يتبع فيها أي رواية للقرآن، فهناك كلمات لم يقرأ بها في المتواتر ... ومن ذلك بعض الآيات مثل قوله تعالى في سورة الحديد: ( وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس) كتب فيها عوض (وأنزلنا) وجعلنا - سورة الحديد الآية 24-. في الحلقة القادمة : (أهم ملاحظات العلامة الهلالي على بعض الطبعات التجارية من المصحف المغربي)