يغتنم الكثير من المومنين شهر رمضان لتجديد التوبة والاجتهاد في العبادة والقيام والدعوة وما يحتاجونه فقط ربما هو توجيه الطاقات وترشيد العمل للرقي في مدارج الإحسان، في حين يضيع آخرون ليالي رمضان في اللهو والسهر ، ونهارهم في النوم والكسل ، ويمر عليهم رمضان تلو رمضان من غير استفادة من هذا الموسم العظيم، فوجب التذكير والتنبيه إلى جملة من الأعمال والمشاريع والحث على تدارك الأخطاء وأوجه التقصير. فلو لم يكن في شهر الصوم إلا أنه أحد أركان الإسلام التي لا يتم إسلام المرء إلا بها ، ثم أيضاً إنه العمل – أي الصيام – الذي اختصه الله سبحانه وتعالى لنفسه من بين عمل ابن آدم كله ، ثم أيضاً فيه ليلة هي أفضل من ألف شهر وأنه الشهر الذي اختصه الله بنزول القرآن وأنه شهر المغفرة ومحو الذنوب والسيئات فلو لم يكن في هذا الشهر إلا هذه الأمور لكفاه شرفاً ومنزلة ولكفانا حرصاً وإصراراً على استغلال أيامه وساعاته وكل لحظة من لحظاته. ولنا في هدي الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم خير قدوة ومثال في استثمار الشهر الفضيل، يقول ابن القيم رحمه الله تعالى في زاد المعاد : " فصل : وكان من هديه صلى الله عليه وسلم في شهر رمضان : الإكثار من أنواع العبادات ، فكان جبريل عليه الصلاة والسلام يدارسه القرآن في رمضان ، وكان إذا لقيه جبريل أجود بالخير من الريح المرسلة ، وكان أجود الناس ، وأجود ما يكون في رمضان ، يكثر فيه الصدقة، والإحسان ، وتلاوة القرآن والصلاة والذكر ، والاعتكاف . وكان يخص رمضان من العبادة ما لا يخص غيره به من الشهور..."1 فاجتهد أخي الكريم أختي الكريمة في أن تصوم رمضان مرتين كما جاء في التوجيه النبوي: " من فطر صائماً كان له مثل أجره غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيئاً "2 وتحث غيرك من المحسنين وأهل الخير على الإنفاق وليكن لإخوانك المبتلون بمحن شديدة نصيب من جودك وكرمك.فمثل "المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى " 3 . رمضان أخي الكريم أختي الكريمة فرصتك لبذل الكلمة الطيبة والدعوة إلى الله تعالى في محيطك وأسرتك وقرابتك وجيرانك ومن يجمعهم معك عمل أو وظيفة أو من تنتقل إليهم وتسافر معهم وإليهم في مختلف القرى والمدن،اصحب معك واصحبي معك دعوتك في السهل والجبل والوادي والصحراء والشاطئ، في دروب المدن وأزقة الأحياء وأرصفة الشوارع،في الساحات وجنبات الطريق، ففي كل تلك الأنحاء عطشى يترقبون من يرويهم بهدي الكتاب والسنة وحكمة السير إلى الله. لماذا لا يُستغل تصفيد الشياطين وفتح أبواب الجنان وإغلاق أبواب النيران و انكسار النفوس ورقة القلوب فى هذه الشهر لماذا لا يستغل من الجادين في تنشيط الدعوة إلى الله،أين الكلمة الصادقة الناصحة في نهار رمضان للجميع،أين الجلسات الانفرادية بالزملاء الغافلين والتحدث معهم ونصحهم لاستغلال شهر رمضان وهذه الأيام وإهدائهم الشريط والكتاب والدلالة على المواقع الإلكترونية النافعة أو غير ذلك من الهدايا النافعة فإن النفوس كما ذكرنا مهيئة ورغم أنف ثم رغم 4 أنف من أدرك رمضان ثم لم يغفر له كما جاء في الحديث 5 . أخي الكريم أختي الكريمة كان بعض السلف الصالح رضوان الله عليهم ومن سار على نهجهم يهجرون حتى مجالس التحديث وطلب العلم ليتفرغوا في رمضان لقراءة القرآن والنظر فيه والعبادة وقيام الليل .أفلا يليق بنا أن نترك بعض ما يسرق أوقاتنا من كثير من المباحات ومن ذلك تتبع العديد من البرامج الإعلامية والمواقع الإلكترونية والنشرات الورقية قليلة الفائدة، ونتفرغ بما تيسر لما هو أفضل في هذا الشهر العظيم من تلاوة القرآن وتدبره وحفظه والدعوة إليه وقيام الليل وإحياء سنة الاعتكاف والإكثار من الذكر والدعاء ففي الحديث " ثلاث دعوات مستجابات : دعوة الصائم ، ودعوة المظلوم ، ودعوة المسافر"6 . وهذا الشهر فرصة للبر وصلة الرحم فبر أمك وبر أباك واقترب منهما واقض حوائجهما وأطعهما واجتهد في الإفطار معهما فبرهما من أعظم القربات إلى الله تعالى، كيف لا وقد قرن حقهما بتوحيده وعبادته وحده جلا وعلا.وإن كنت فقدت أحدهما أو كلاهما فتذكرهما عند كل صلاة وأنت تؤدي حق الله وإن نسيت فبعدها،فإن حقهما لم يأت بعد حق الله تعالى عبثا، وقل باستمرار:رب ارحمهما كما ربياني صغيرا. اغتنم أخي الفاضل أختي الفاضلة الأوقات الغالية في رمضان وكل أوقاته غالية، وخصوصا أوقات السحر وأوقات الصلوات الخمس وبعد صلاة العصر للمرابطة في بيوت الله، واحرص أن لا تفوتك تكبيرة الإحرام حيث ينادى على الصلوات،وتذكر أن الجلوس بعد صلاة الفجر إلى شروق الشمس وصلاة ركعتين له ثواب حجة وعمرة تامة كما في الحديث " من صلى الفجر فى جماعة ، ثم قعد يذكر الله حتى تطلع الشمس ، ثم صلى ركعتين كانت له كأجر حجة وعمرة تامة تامة تامة " 7 . لا تنسى أخي الفاضل أختي الفاضلة أسرتك في رمضان والاجتهاد في حفظ الأولاد من البرامج المسمومة الموجهة لهم لقتل أعظم أيامهم وتبديد أوقاتهم وإضعاف القيم النبيلة في نفوسهم.واصطحابهم إلى بيوت الله وإحياء البيت بذكر الله وملئه بالجو الإيماني وتقوية الترابط الأسرى بين جميع أفرادها. وإشاعة جو الحوار والتفاهم وترسيخ عرى المودة والرحمة والسكينة.8 1 زاد المعاد /2/32 . 2 رواه أحمد (4/114) والترمذى (807) وقال : " حديث حسن صحيح " وصححه الشيخ الألبانى (صحيح الجامع 6415) . 3 رواه النعمان بن بشير عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، صحيح مسلم - رقم الحديث: 2586. 4 رغم أنف : أي ذَل عن كره ( القاموس المحيط ص 1439) . 5 رواه الترمذى (2/271) وقال حسن غريب من هذا الوجه وصححه الشيخ الألبانى " صحيح الجامع" (3510). 6 صححه الشيخ الألبانى كما فى صحيح الجامع (3030) عن أبى هريرة عند البيهقى فى شعب الإيمان. 7 رواه الترمذى (583- تحفة الأحوذى ) وقال " حديث حسن غريب " عن أنس بن مالك رضى الله عنه وحسنه الألبانى كما فى " صحيح الترغيب" (461) 8 مما تم اعتماده كتاب أربعون وسيلة لاستغلال شهر رمضان لفضيلة الشيخ الدكتور / إبراهيم بن عبد الله الدويش.