اعتبرت صحيفة أمريكية واسعة الانتشار أن حزمة المساعدات المالية التي منحتها دولتا الإمارات والسعودية بعد أيام من الانقلاب على الرئيس محمد مرسي، ويوم واحد فقط على المجزرة التي ارتكبها الجيش ضد المعتصمين أمام دار الحرس الجمهوري، ليس فقط لدعم الحكومة الانتقالية الهشة، ولكنه أيضًا لتقويض منافسيهم الإسلاميين، وتقوية حلفائهم في «الشرق الأوسط» المضطرب. وقالت «نيويورك تايمز»، في عدد أول أمس، إن حزمة المساعدات المالية التي أعلنتها المملكة العربية السعودية، ودولة الإمارات العربية المتحدة جاءت بعد يوم واحد من المذبحة التي راح ضحيتها 51 شخصًا وأكثر من ألف مصاب من مؤيدي الرئيس مرسي، لتقوية الحكومة المؤقتة (الانقلابية) حتى تستطيع مواجهة التحديات المقبلة عليها، ولقطع الطريق على جماعة الإخوان، وهو ما دفع البعض للقول إن تلك المليارات تفضح تآمر الدولتين على الرئيس مرسي. وأضافت أن السعودية والإمارات سعوا من خلال هذه المساعدات لاستعادة النظام الاستبدادي القديم بمصر؛ حيث يخشون من أن الحركات الإسلامية التي تدعو للديمقراطية سوف تزعزع استقرار دولهم. وأوضحت الصحيفة الأمريكية البارزة أن السعوديين والإماراتيين أشادوا بالانقلاب العسكري الذي أطاح بالرئيس مرسي، فكلاهما معاد جدًا لجدول أعمال «الإخوان» الذي يدعو للديمقراطية، بحسب تعبيرها، والذي يعتبرونه تهديدًا لشرعيتهما الملكية والاستقرار الإقليمي. «سخاء» خليجي للانقلابيين وتلقت مصر في يومين، هما الثلاثاء والأربعاء الماضيين، أكبر مساعدات خارجية في تاريخها بلغت قيمتها 12 مليار دولار من ثلاث دول خليجية فقط هي السعودية والإمارات العربية المتحدة والكويت. وقالت مصر إن السعودية والإمارات وعدتا بتقديم مساعدات بقيمة 8 مليارات دولار لدعم الاقتصاد المصري، في شكل منح وقروض. وأعلنت السعودية عن حزمة مساعدات اقتصادية لمصر بقيمة 5 مليارات دولار، فيما أعلنت الإمارات عن مساعدات بقيمة 3 مليارات دولار. ونقلت وكالة "الأناضول للأنباء" عن وزير المالية السعودي إبراهيم العساف قوله في تصريحات له، الثلاثاء الماضي، إن المملكة وافقت على تقديم حزمة مساعدات لمصر ب 5 مليارات دولار، تشمل مليار دولار منحة لا ترد و2 مليار دولار وديعة بدون فوائد في البنك المركزي المصري و2 مليار دولار أخرى في شكل منتجات نفطية وغاز. كما أعلنت الرئاسة المصرية، الثلاثاء، عن تقديم الإمارات منحة إلى القاهرة تُقدر بمليار دولار، ووديعة دون فوائد في البنك المركزي قيمتها 2 مليار دولار، فضلاً عن دعم الطاقة والمواد البترولية. ومن جهتها، قالت وكالة الأنباء الكويتية «كونا»، أول أمس، إن الكويت قررت تقديم مساعدات عاجلة لمصر بقيمة 4 مليارات دولار. وتشمل هذه المساعدات وديعة بقيمة ملياري دولار للبنك المركزي المصري ومليار دولار أخرى منحة لا ترد إضافة إلى نفط ومشتقات نفطية بقيمة مليار دولار كمنحة. ونقلت الوكالة عن وزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء الشيخ محمد العبد الله الصباح قوله، إن مجلس الوزراء الكويتي اعتمد قرارا بهذه المساعدات «تقديرا للأوضاع الدقيقة التي يتعرض لها الشعب المصري الشقيق وما ترتب عليها من تداعيات ومعاناة متزايدة». وتأتي المساعدات السعودية والإماراتية والكويتية، بعد أقل من أسبوع من عزل الجيش الرئيس المنتخب محمد مرسي، الذي ينتمي إلى جماعة الإخوان المسلمين، ووصل إلى سدة الحكم في انتخابات نزيهة قبل نحو عام. وفى حال إضافة المساعدات المقدمة من الدول الخليجية الثلاث لاحتياطي مصر من النقد الأجنبي، فإنه يرتفع إلى نحو 23.9 مليار دولار حيث إن 3 مليارات من ال 12 مليار دولار المقدمة من الكويت والسعودية والإمارات ستكون في صورة نفط و9 مليارات دولار نقدا. وحسب البنك المركزي المصري، بلغ احتياطي النقد الأجنبي بنهاية يونيو الماضي 14.9 مليار دولار. وحصل نظام الرئيس المصري السابق محمد مرسى على مساعدات قطرية بقيمة 8 مليار دولار، على مدى عام منها مليار دولار منحة لا ترد و5.5 مليار دولار قروضا مساندة سترد في شكل سندات تم طرحها على شرائح لصالح بنك قطر الوطني، كما حصل على ملياري دولار من تركيا. مصر ساحة صراع وعلقت «نيويورك تايمز» على هذا «السخاء» الخليجي ب«المال الحرام» لتقوية الانقلابيين على الشرعية الديمقراطية الوليدة في مصر ووقف مسار ثورة 25 يناير التي أطاحت بأعتى عميل موال للسعودية والإمارات و»الكنز الاستراتيجي» للكيان الصهيوني، حيث ذكرت أن مصر أصبحت ساحة لنفوذ الدول العربية المتنافسة. وتقول الصحيفة الأمريكية إن حزمة المساعدات تؤكد على استمرار التنافس الإقليمي على النفوذ بين السعودية وقطر، وتسارع نفوذ الأخيرة منذ بدء «الربيع العربي» الذي قلب الوضع السائد آنذاك حتى وصول الإسلاميين إلى السلطة. وتواصل الصحيفة قائلة إن قطر قدمت دعما ماليا ودبلوماسيا قويا لجماعة الإخوان المسلمين وأيضا لإسلاميين معارضين لنظام بشار الأسد، وقبل ذلك قدمت مساعدات لليبيا، بينما سعت السعودية والإمارات، إلى استعادة النظام الاستبدادي القديم، حيث تسود لدى الدولتين الخليجيتين مخاوف بأن الحركات الإسلامية والدعوة إلى الديمقراطية من شأنه أن يزعزع استقرار دولهم. وتلفت «نيويورك تايمز» النظر إلى تراجع الدور الأمريكى فى مصر، حيث تقول «إن الوعد بتقديم الكثير من المساعدات الخليجية لمصر أيضا يسلط الضوء على محدودية النفوذ الأمريكي، حيث تقدم واشنطن للقاهرة مساعدة سنوية بقيمة 1.5 مليار دولار، وهو جزء صغير مما وعدت به دول الخليج، لكن تدخل دول الخليج يتناقض بحدة مع عدم اليقين لدى إدارة أوباما حول كيفية الرد على استيلاء الجيش المصري على السلطة». وتضيف «البيت الابيض قال إنه يراجع ملابسات استيلاء الجيش على السلطة قبل اتخاذ قرار بشأن المعونة السنوية لمصر، حيث قال بعض النواب في الكونغرس ولاسيما السيناتور جون ماكين عن ولاية أريزونا، إنه ينبغي وقفها، واصفا ما حدث في مصر بأنه انقلاب. واستخدم المتحدث باسم البيت الأبيض، جاي كارني، نبرة مختلفة نوعا ما، الثلاثاء الماضي، قائلا إن الإدارة الأمريكية تشجعت بفضل الجدول الزمني الذي قدمته السلطة المؤقتة في مصر للانتقال إلى انتخابات وحكومة مدنية بالكامل. ويقول تقرير «نيويورك تايمز» إن السعودية والإمارات شعرتا بالابتهاج بخطوة الجيش المصري للإطاحة بالرئيس مرسي، وكانتا تعاديان أجندة الإخوان المسلمين وتعتبرها تهديدا للشرعية الملكية الخاصة والاستقرار الإقليمي. صراع خليجي قديم وذكرت «نيويورك تايمز» أن التوتر بين قطر والسعودية قديم وكبير قبل الثورات العربية التي بدأت في عام 2011، حيث تفضل السعودية العمل بدبلوماسية دفتر الشيكات بهدوء ووراء الكواليس، وترى في نفسها رائدة في المنطقة، بينما رسمت قطر منذ سنوات سياسة خارجية كبيرة، وترفض في كثير من الأحيان مصالح السعودية، وذلك باستخدام ثروتها وشبكة الجزيرة الإعلامية. وتقول الصحيفة الأمريكية واسعة الانتشار إن قطر، تستضيف أكبر قاعدة عسكرية أمريكية في الشرق الأوسط، سارعت إلى تقديم الدعم المالي للإسلاميين في تونس وليبيا وسوريا ومصر، وغالبا ما تقف بجوار الإخوان المسلمين أو التنظيمات التابعة لها مثل حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، كما أغضبت السعوديين (وإدارة أوباما) من خلال دعم الثوار الاسلاميين في سوريا وتوفير بعض الأسلحة الأثقل، مثل قاذفات «أر. بي. جيه». يذكر أنه مع صعود «الإخوان»، قطعت السعودية المساعدات عن نظام محمد مرسي وتجاهلت المطالب الأمريكية لمساعدة مصر في إدارة الأزمة الاقتصادية المتفاقمة، ولكن بعدما أطاح الجيش بمرسي، سارعت الحكومتان السعودية والإماراتية لإصدار بيانات قوية لدعم عملية الانتقال. ورفض مسؤولون قطريون التعليق على التنافس الإقليمي بين الخليج إزاء المساعدات المالية لمصر، لكن مسؤولا قطريا، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته، قال إن المساعدات المالية القطرية كانت موجهة للشعب المصري، وليست لشخص أو حزب. وتقول صحيفة «نيويورك تايمز» إن المساعدات المالية القطرية والتركية ساعدت نظام مرسي خلال العام الماضي على تجنب إجراء إصلاحات اقتصادية مؤلمة يطالب بها صندوق النقد الدولي، مقابل الحصول على قرض بقيمة 4.8 مليار دولار. واعتبر مسؤول مصرفي مصري، وصفته «وكالة الأناضول للأنباء» بأنه بارز، طلب عدم ذكر اسمه: «المساعدات الخليجية ضرورية لمصر، لكنها تبدو سياسية أكثر منها اقتصادية.. يبدو أن هناك محاولات لدعم الرئيس المؤقت وخطوة الجيش في عزل مرسي».