أجمع باحثون وأكاديميون ورجال القانون ومسؤولون حكومييون على أن المشهد اللغوي يشهد ارتباكا بالمغرب، يتطلب تظافر الجهود والتوافق المجتمعي والمؤسساتي لضمان التعددية اللغوية بالمغرب، بما يضمن السيادة الوطنية وحماية وتنمية اللغات الوطنية. وأكد محمد الأمين الصبيحي، وزير الثقافة، أن التعددية اللغوية والثقافية بالمغرب هي جزء من التنوع الديمقراطي الذي يسعى المغرب إلى ترسيخه، والذي يعكس مظاهر التعدد السياسي والثقافي التي تبناها الدستور المغربي. وقال الوزير، "اليوم هناك تطوع جماعي إلى الإعمال السليم للمقتضيات الدستورية، المتصلة بالحقوق الثقافية واللغوية للأمة المغربية، لاسيما ما يتعلق بالخيارات اللغوية الوطنية وتصريف استعمالها في الحياة العملية"، ويرى الوزير أن "تدبير ورش التعدد اللغوي يستدعي من الجميع تغليب المصلحة العليا والتحلي بالرزانة والتأني والتدرج في التطبيق وبناء تعاقدات على مستوى التشريع والتفعيل". وشدد المتحدث على أن "إرساء سياسة لغوية ناجحة تطور اللغة العربية لن يتأتى بمجرد مبادئ دستورية أو إعلان للنوايا الحسنة فقط"، يضيف المتحدث، "وإنما هي عملية طويلة المدى ترتبط من جهة بمدى قدرة الدولة على تنفيذ هذه السياسة ومدى انخراط الجماعات اللغوية المختلفة في هذه العملية، بروح من التفاهم والتعايش بعيدا عن الصراعات اللغوية الجاهزة والمغلقة"، وتربتط أيضا، حسب الوزير دائما، بالتحدي المتمثل في "القدرة التنافسية للغة العربية ومدى تأهيلها ميدانيا". وتسائل عبد العالي الودغيري، رئيس الجامعة الإسلامية بماليزيا سابقا، عن الجدوى من وضع القوانين ذات العلاقة بالشأن اللغوي بالمغرب إن لم تكن تفعل، وقال "هناك إحساس عام عند الكثير من الناس وخاصة المهتمين بالموضوع، يدفعهم إلى طرح السؤال الآتي، وهو ما جدوى سن القوانين إذا لم تكن تطبق، القانون الأسمى في البلاد ومنذ 1962، ينص على أن اللغة العربية هي اللغة الرسمية في البلاد، ولكن كلنا نعلم أنه بالرغم من التنصيص على ذلك في القانون الأسمى، ظلت اللغة العربية مجرد مساعدة للغة الفرنسية على كل المستويات، فهي تخدمها بالدرجة الأولى"، وسجل الودغيري أن "هناك تخوف وتوجس يدفعنا إلى التساؤل عن ما الجدوى من هذا القانون أي الدستور، ونتسائل في نفس الوقت عن حول مدى وجود قانون يسمو على الدستور؟". ويرى الودغيري، أن المشكل "يكمن في غياب الإرادة السياسية والقرار السياسي، و قال "إذا لم يكن هناك اقتناع وإرادة سياسية لا جدوى من هذا القانون الأسمى"، وتسائل المتحدث عن الجدوى من إعداد قانون لحماية اللغة العربية، بينما أكاديمية محمد السادس للغة العربية لم تر النور بعد إقرارها بقانون، كما أن "مقتضيات من الميثاق الوطني للتربية والتكوين لم تفعل إلى يومنا هذا"، يضيف المتحدث متسائلا "أين هي الجهات الساهرة على تطبيق القانون في هذا البلد؟ أين هو تعريب الشعب العلمية في الجامعة التي تحدث عنها الميثاق واتفقت الأمة على ذلك؟، مؤكدا: هناك تماسيح وعفاريت ولوبيات تقف ضد العربية بكل صرامة في هذا البلد، منها اللوبي الفرنكفوني وجهات أخرى تحتمي وراءه، لعرقلة حماية اللغة العربية وإقرار رسميتها فعليا وليس دستوريا فقط". من جهة أخرى، أكد الحبيب الشوباني، الوزير الملكف بالمجتمع المدني والعلاقة مع البرلمان، أن "المشهد اللغوي بالمغرب يتسم باضطرابات لم يعد من الممكن استصحابها ونقلها إلى الأجيال القادمة"، وقال "أتصور اليوم أننا في مرحلة دقيقة وحساسة من تاريخ بلدنا، يمكن أن نسميها بالمرحلة الثانية من كتابة الوثيقة الدستورية بترجمة مضامينه ليتحول من دستور بالقوة إلى دستور بالفعل وهي معركة فيها كل معاني وتحديات المعركة". ويرى الوزير أن "الدستور الحالي وفر فرصة لتدبير الخلاف داخل المجتمع بطريقة سلمية"، مشددا على أن "الجهاد الأكبر هو تحويل هذه الوثيقة الدستورية إلى منظومة قوانين وثقافة جديدة تنبني على رد الاعتبار للمواطن". وفي سياق متصل، اعتبر فؤاد بوعلي، رئيس الإئتلاف الوطني من أجل اللغة العربية، أن واقع العربية في المشهد المغربي له ثلاث ميزات تؤكد الحاجة إلى قانون لحمايتها، وهي "غياب الحماية القانونية والتشريعية للغة الرسمية"، و"عدم الأجرأة القانونية والتشريعية لرسمية اللغة العربية"، ثم "وجود مؤسسات مهتمة بالعربية في وضع معلق"، واعتبر المتحدث أن هناك "رغبة معلنة ومضمرة بتهميش العربية وعرقلة وجودها العلمي والأكاديمي". من جهة أخرى، ذهب عبد القادر الفاسي الفهري، الخبير في اللسانيات إلى القول بأن "الدولة تواجه مشكلين أساسيين لهما الأولوية"، أولا "مشكل عدالة أو ظلم اقتصادي اجتماعي"، ثم "مشكل ظلم أو عدالة لغوية ثقافية"، مشيرا إلى أن اللغة في جميع التصورات تتأرجح بين أن تهتم بجانب الوحدة وبين أن تهتم بجانب التنوع، ودعا المتحدث إلى التفكير الجدي في آليات فعالة لتنزيل القوانين ذات العلاقة بالمشهد اللغوي بالمغرب، وطالب بالتفكير بطريقة شمولية في موضوع المجلس الوطني للغات والثقافة، وشدد على أن هناك اختلال في أنظمة الحكامة اللغوية بالمغرب، وقال "هناك قرارات تصدر ولا نعرف من أصدرها والأكاديمية أوقفت ولا ندري من أوقفها". واعتبر عبد الله بوانوأن المغرب منذ زمان وخاصة بعد الاستقلال مباشرة رفع عدة مطالب تتعلق بالهوية، وعلى رأسها التعريب والتعميم والمجانية والمغربة، يضيف رئيس الفريق النيابي للمصباح، "اليوم نجزم أن شعار التعريب بقي مرفوعا منذ ذلك الحين، وبقيت وضعية اللغة العربية متردية"، يضيف المتحدث، "بالرغم من أن كل الدساتير تنص على أن اللغة الرسمية للبلاد هي اللغة العربية، وبالرغم من صدور قانون متعلق بإحداث أكاديمية محمد السادس للغة العربية", واعتبر بوانو أنه من منطلق إسهام الفريق في تنزيل الدستور، يعقد اليوم الدراسي في أفق بلورة مقترح قانون لحماية اللغة العربية، والذي سيتم إعداده من طرف الفريق البرلماني بناء على خلاصات وتوصيات وملاحظات المشاركين في اليوم الدراسي.