في الوقت الذي تعاني فيه شريحة كبيرة من النساء من شح عاطفي من أزواجهن أو العكس، وفي الوقت الذي تصل فيه بعض الأسر إلى الطريق المسدود لا لشيء سوى لأن الزوج «لا يلبي الرغبات العاطفية لزوجته، ولا يروي عطشها عبر إسماعها كلمات رنانة بالمودة والرحمة، أو لمسات حانية تدفئها شحنات عاطفية «حلال»، وفي زحمة التصدعات الأسرية بسبب أن المرأة عاطفية والرجل عقلاني منطقي. في ظل كل هذه الأزمات الأسرية الخانقة، هناك بعض الرجال يغدقون على زوجاتهم بكلمات التقدير والمحبة على الفايسبوك مباشرة أو ترويهم زوجاتهم بعبارات الحب والتقدير.إن هذه الإكرامية العاطفية الفايسبوكية تجد من المتتبعين من يؤيدها ويقدرها ويعتبرها ضمن التقدير المتبادل باستعمال وسائل الاتصال الحديثة، لكن شريحة أخرى ترى في هذا التقدير أمام الملإ شيئا من الاستخفاف بعلاقة سياجها المحيط الأسري البيني الذي يجمع شريكي الحياة الزوجية بعيدا عن تبادل العواطف أمام الملإ، «على المكشوف». إن التقدير وتبادل المشاعر مطلب زواجي أرسته الشريعة الإسلامية التي أرست دعائم الميثاق الغليظ وأطرته تأطيرا دقيقا جعل العلاقة الزوجية مصونة معززة مكرمة، ومطلب أيضا عززته التشريعات الوضعية التي جعلت في المواثيق الدولية الأسرة لبنة أساسية في بناء المجتمع ينبغي احترامها وسن السياسات التي تساهم في استقرارها وتوازنها واستقرار أفرادها ماديا واجتماعيا وصحيا. ويحق للمتبعين الاختلاف حول نظرتهم لهذا التواصل الإلكتروني الذي جادت به قريحة مواقع التواصل الاجتماعي لأنه لا يعدو أن يتعرض لانتقادات شملت ما يسمى بالعالم الافتراضي وقيامه على أسس غير متينة. وفي الوقت نفسه يحق للبعض أن يؤيد هذا التواصل عبر الوسائل الحديثة نظرا للتباعد الذي أصبح يطبع العلاقة بين الزوجين بحكم ظروف عمل الزوجات والأزواج بعيدا عن بعضهم البعض. في هذا المقام تتناول «التجديد» موضوع التواصل بين الزوجين عبر الفايسبوك من زاوية نظر الممارسين ومن زاوية قانونية وأخرى شرعية، وهذه التفاصيل: تعليق مسكين في أحد مواقع التواصل الاجتماعي «الفايسبوك» لم يتردد أحد المعلقين في أبداء رأيه حول ما دار بين زوجين اختارا أن يتبادلا مشاعر المحبة على الملإ في الفايسبوك ليطلع الكل على ما دار بينهما من علاقة يصفها المعلق بالخاصة، ويرى المعلق أن في التواصل بين الزوجين عبر الفايسبوك والبوح بأمور يرى أنها خاصة يجب أن تكون في سرية بين الزوجين، واستدل المعلق على رأيه باعتبار ما دار بين الزوجين أمام الملإ مساسا بأحاسيس من يسميهم بالتعبير النبوي الشريف بالمساكين إذ أكد صلى الله عليه وسلم في أحد أحاديثه أن المسكين هو من لا زوجة له والمسكينة هي التي من لا زوج لها. ويسار المعلق في رأيه عدد من المعلقين الآخرين الذين عبر أحدهم عن موقفه بالقول: «من أراد أن يقول لزوجته شيئا فليقله في البيت أو بينها وبينه في رسائل خاصة دون أن يثير مشاعر غير المتزوجين لظروف مادية أو اجتماعية»، أو كقول بعضهم في أحد التعليقات: «ألف الله بين قلوبكم وحفظكم لبعضكم البعض لكن، رجاء منكم احترموا مشاعر الذين لم تتسنى لهم الظروف ليقيموا علاقة زوجية يبوحون فيها بمشاعرهم تجاه زوجاتهم وأزواجهم، وليس ما يدور بين الأسوار بجدير على أن يدور أمام الملإ». ليلى المؤيدة ليلى شابة حديثة عهد بالزواج، صحافية متزوجة من رجل يعمل أيضا في مهنة المتاعب التي تضطرهم للمكوث خارج البيت أكثر من داخله، لذا ترى أنه لا بأس من التواصل عبر الفايسبوك وإبداء المشاعر التي تكون بمثابة جرعات تقوية يقدمها كل زوج لزوجته او العكس حتى يتغلبا على روتين وضغط العمل الذي يزيد من حدته ضغط تربية الأولاد ومقاومة صعوبة الحياة بمختلف تشعباتها. صرحت ليلى ل «التجديد» بخصوص تواصلها مع زوجها عبر الفايسبوك بالقول: «بالنسبة للتحدث بين الأزواج في الفايسبوك، أظن أن الأمر ممتع يكسر روتين العلاقة بين الزوجين خاصة مع إرهاق الحياة اليومية وتبعاتها على الجانبين. كما أنه يضفي لمحة مرحة على مجرى اليوم، أنا شخصيا أتحدث مع زوجي على الفايس أترك له على حائطه صورا وجملا رقيقة أخبره عن اشتياقي له إن غاب، أخبر العالم عن مدى حبي له، أبارك له المناسبات افتراضيا، أشارك بملاحظاتي على ما ينشره أو يكتبه على الفايسبوك. أتفاعل مع الصور، الفيديوهات، التي يراها هو أعبر ب «أحب»، لا أجد أن الأمر فيه حرج بل بالعكس، كما لعب الهاتف النقال والإيمايلات دورا في التقريب بين الناس، كذلك الفايسبوك هو وسيلة للتقريب وللحديث للتعبير عن المشاعر التي نحن بحاجة ماسة لها، لإذابة الجليد الذي يقيمه العمل في حياتنا اليومية». الظروف تفرض التواصل الحسنية شابة هي الأخرى حديثة عهد بالزواج لا ترى في أمر التواصل بين الزوجين عبر الفايسبوك حرجا ما دامت الظروف تفرض على الزوجين ذلك من زاوية نظرها بحكم تباعد المسافات بسبب المهن المختلفة أو لبعد المسافات بين المتزوجين.وقالت الحسنية مجيبة عن سؤال ل «التجديد» حول رأيها في موضوع التواصل بين الزوجين عبر الفايسبوك: «أجد نفسي متفقة بنسبة معينة ومقدرة مع فكرة التواصل عبر الفايسبوك بين الزوجين وهنا نجد أنفسنا أمام معطيين، أولهما حين تفرض الظروف على الزوجين التواصل عبره سواء تعلق الأمر ببعد المسافة أو لالتزامات أخرى يفرضها الواقع على الزوجين. وثانيها: حين يختار الزوجان التواصل عبره، ربما لمحاولة خلق نوع من التجديد في طريقة التواصل ومحاولة خلق المتعة بينهما».وأضافت الحسنية: «انأ وزوجي نتواصل عبر الشبكة الاجتماعية الفايسبوك، أحيانا تفرض الظروف علينا ذلك وأحيانا نحاول أن نجعل منه فضاء للمرح عبر التواصل عبره حدوده في نظري» تعامل مع احتياط ترى الحسنية وهي تتحدث ل «التجديد» أنه يجب الاحتياط أثناء التعامل عبر الفايسبوك، وقائلة : «اسمحوا لي أن أبدأ من مقدمة مهمة جدا مفادها أن لا حدود بين الزوجين، ونرى أنا وزوجي أن اللغة الوحيدة التي من المفروض أن يتحدثها الزوجان هي لغة التلقائية... وبما أن الفايسبوك هو وسيلة تقنية للتواصل وتخضع لمعايير تقنية أخرى يشوبها مجموعة من الإشكالات المرتبطة بالتجسس واقتحام الخصوصية فنحن نحاول التعامل معه كوسيلة وجب الاحتياط في التعامل معها تفاديا لاقتحام بعض خصوصياتنا دون أن يؤثر ذلك في تلقائيتنا، لكن وجب أن أنبه أن موضوع المرأة في المجتمع العربي وحتى الإسلامي تحاط به مجموعة من الإشكالات من قبيل عدم ظهور المرأة كثيرا وبما أن الفايسبوك يتيح مجموعة امكانات من خلال التفاعل عبر الصور والفيديو فأنا أرى أنه لا مانع من مشاركة الناس بعض الأحداث لأني أرى في الأمر رسالة مفادها إظهار المشاعر الحقيقية والصادقة لتحل بذلك محل المشاعر والعلاقات المزيفة». *** رأي القانون يرى الأستاذ عبد المالك زعزاع محامي بهيأة البيضاء أن المراسلات الإلكترونية يعتد بها في حالة نزاع وأن المحادثة عبر المواقع الاجتماعية والهاتف النقال تسري عليها الأحكام القانونيية نفسها لوسائل الاتصال الافتراضية والخيالية مع الحذر من النصب والاحتيال والتدليس فقد يتحدت شخص سيء النية على أساس أنه زوج الطرف الاخر.وفي علاقة الفايسبوك بالنزاعات بين الزوجين يرى زعزاع، حسب ما صرح به ل «التجديد» أن الفايسبوك قد يكون سببا من أسباب النزاع، وقد يؤدي إلى الطلاق عندما يكتشف أحد الزوجين أن الطرف الآخر يخونه. ويوجه زعزاع المتعاملين بالفايسبوك في تواصلهم الزوجي بقوله: «أنصح بهذا النوع من التواصل عند الضرورة، مع أخذ الحيطة الحذر، وأعطي مثالا يتعلق بزوج اتصل عبر الفايسبوك بزوجته متخفيا على أنه يريد التعرف عليها على أساس أنه شخص اجنبي ومكثا طويلا وهما يتحدثان ثم ضربا موعدا للدعارة. وبعد ذلك طلقها». وأشار زعزاع إلى أنه يمكن المتابعة القانونية من أجل جرائم العرض والشرف مثل التحرش الجنسي وبالتحريض على الدعارة بواسطة الوسائل الالكترونية الحديثة بما فيها الفايسبوك». رأي الشرع من جهته يرى مولاي عمر بنحماد أستاذ الدراسات الإسلامية بالتعليم العالي وعضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين فأدلى بدوله في الموضوع بما يلي: «عموما استثمار الوسائل المعاصرة في التواصل والاستفادة منها والانتفاع بها، لا أحد يجادل في كل ذلك لأنها وسيلة من وسائل التواصل المعاصرة، لكن المشكلة تتمثل في أنه في الماضي كانت تستعمل وسائل معروف من قرأها ومن توصل بها، في حين الآن بفعل هذه الوسائل الجديدة في التواصل من قبيل البريد الإلكتروني والفايسبوك وغيرها من الوسائل الجديدة يجد المرء نفسه لا يعرف حدود من يطلع على ما يكتبه ويرسله عبرها.والحديث عبر الفايسبوك هو حديث أمام ملإ لا تعرفه، ولا تعرف أسماء وهويات من يطلعون على ما ينشر، وكل ما يكتب يبقى محفوظا ويمكن أن يطلع عليه من شاء من الملإ.وبالتالي ينبغي أن نميز بين مستويين المستوى الأول ينبغي أن ينشر على الفايسبوك ما يمكن نشره على الملإ من الناحية الشرعية، ولا يجوز أن ينشر المرء بينه وبين زوجته على الفايسبوك ما يستحي أن يقوله أم ينشره أمام ثالث وليس رابع وخامس وسادس... ومعلوم أن القرآن حدد للزوجين عورات ثلاث واعتبرها أوضاعا خاصة يحتاج الإنسان أن يحتاط فيها. وجدير بالذكر أننا مع التواصل بين الزوجين وإشاعة المودة بينهما وتبادل المشاعر، وكذا استثمار وسائل الاتصال المتاحة، لكن أن نجعلها فضاء للترويج لخطاب يتعارض مع أدنى الضوابط الشرعية، وربما وهذا هو الخطير أن يكون فيه نوع من التأسي والتقليد لأمم لا ترى حرجا في بعض الممارسات منها أن يقبل الزوج زوجته أمام الملإ في الشارع العام ومعلوم أن عدة ممارسات بين الزوجين لها أماكنها وفضاءاتها الخاصة، في حين يعتبر نقلها للشارع العام بمثابة نقل لما يختص به الزوج والزوجة.وبخصوص إبداء بعض المشاعر في حق الزوجة أمام الملإ، قال بنحماد: إن كل ما يجوز أن يقال أمام الملإ بحكم الشرع وسنة الحبيب المصطفى يجوز أن ينشر عبر الفايسبوك وغيره من وسائل الاتصال الحديثة من تعبير عن المحبة والتقدير، وهذا يمكن أيضا أن يكون متبادلا مع الأخ والصديق.وأضاف بنحماد «ومعلوم أن الإسلام حث عبر الحديث النبوي الذي يؤكد أن «خيركم خيركم لأهله» على المعاملة الحسنة بين الزوجين، وهذا لا يعني الوصول إلى حد نشر بعض الأمور الخاصة لا يعرف مآلها ومسار توظيفها، ومن ذلك نشر الصور الخاصة للعريسين عبر الفايسبوك، وهذا لا يجوز، خصوصا إذا كانت هذه الصور بمواصفات خاصة جعلت للزوج وحده، لأن الزوجة التي تقدم على نشر صور تزينت فيها لزوجها على الفايسبوك تكون كمن تزينت للعالمين الذين يطلعون على هذه الصور الخاصة وهذا لا يجوز. ولا ينفع أن تكون العروس قد وضعت سترة رأس، لأن الستر ليس فقط سترة رأس وإنما هو سمة ومنهج عام».وختم بنحماد مساهمته بهمسة في آذان الراغبين في التواصل عب الفايسبوك من الأزواج جاء فيها: «أقول للزوجين اللذين يرغبان في استعمال الفايسبوك في التواصل بينهما، الحمد لله أننا أصبحنا نتوفر على عدة وسائل حديثة في التواصل، لذا ينبغي للزوج وزوجته أن يصرف عبر كل وسيلة ما يناسبها ليقول عبر الهاتف ما يمكن قوله عبر الهاتف وعبر البريد الإلكتروني ما يتاح عبره، وعبر الفايسبوك ما لا يتناقض مع ما يؤمن به من خصوصية العلاقة، وهناك أشياء لا يمكن البوح بها عبر كل هذه الوسائل وإنما يبقى لها فضاء خاص بين الزوجين يصرفان فيه ما يجوز لهما في فضائهما الخاص، فلو ضاقت علينا الأبواب لقلنا إن هناك وسيلة واحدة لتصريف الخطاب بين الزوجين، ولكن ونحن ولله الحمد نتوفر على عدة وسائل نستثمر كل واحدة منها حسب المتاح والجائز من الناحية الشرعية والأخلاقية. ونسأل الله التوفيق للجميع».