لا ندري كيف يكون الاختلاف والحق في النقد جزءا لا يتجزأ من المنظومة الديمقراطية والحقوقية، وكيف يكون سلاحا أمضى في مواجهة المخالف وافتعال الحملات ضده، ثم يصير ممنوعا ومحظورا إذا تعلق الأمر بتمرين بسيط في ممارسة هذا الحق عندما يتعلق الأمر بمهرجان موازين، إذ يصير صاحب الحق في ممارسة النقد عدوا يواجه أسطولا إعلاميا منظما يستعمل ترسانة ضخمة ويتحدث بكل مفردات المصادرة والإقصاء ويرمي بالمخالف بشتى أصناف التهم من الوهابية والرجعية إلى معاداة الفن، هذا مع أن مهرجان موازين هو مبادرة بشرية غير معصومة، تعتريها ما تتعري بقية المبادرات، هذا فضلا عن كونها ليست فوق النقد والمساءلة، لأنها ببساطة ليست فوق القانون. ولذلك، ومن داخل ما تتيحه المنظومة الديمقراطية والحقوقية، ومن غير استحضار أي اعتبار حزبي، تصير جميع أنواع النقد الموجهة إلى مهرجان موازين مشروعة، سواء منها النقد الأخلاقي الذي يعتمد المعيار القيمي في ممارسة حقه في النقد، ويحتج بالمقتضيات القانونية التي تشترط احترام المشاهد وعدم بث الصور المخلة بالآداب العامة، ويعترض على توقيت المهرجان الذي يصادف فترة الاستعداد للامتحانات ويعارض بعض المظاهر السلبية المصاحبة لهذا المهرجان، أو كان النقد رقابيا يندرج في إطار مساءلة أوجه استنقاذ المال من القطاع الخاص والشفافية المالية في عملية الصرف، وطرح التساؤل عن الشرعية القانونية لاحتكار وسائل الإعلام العمومية، أو كان النقد تدبيريا، يتوجه إلى معايير استقدام الفنانين من الداخل والخارج، وطريقة مكافأتهم ماليا، أو كان النقد فنيا، يناقش المستوى الفني لهذا المهرجان، أو كان النقد سياسيا يتوجه إلى التوجه العام المؤطر لهذا المهرجان والخلفيات التي تحكمه، وغير ذلك من الأسئلة التي يباح طرحها في الدول الديمقراطية التي تحترم نفسها. كل هذه الأنواع من النقد مباحة، بل واجبة وضرورية خاصة والمغرب اليوم يعيش تجربته الديمقراطية الناشئة التي يفترض نجاحها أن يتكثف النقاش العمومي حول كل القضايا، من غير طابوهات - إلا ما عده الدستور ثابتا من الثوابت- وأن تنعكس تعددية الرأي في التعبير في كل المستويات بدون استثناء، وأن يشعر الممارس لحقه في النقد أن الفضاء الديمقراطي يتسع لرأيه كما يتسع لرأي الآخرين. قد يكون متفهما أن يصل التحكم في المشهد الإعلامي أو الإغراء الإشهاري إلى درجة التقليص من مساحة ممارسة الحق في نقد مهرجان موازين، وقد نتفهم أيضا أن تكون هناك أصوات مساندة لهذا المهرجان تنافح عنه وتتقاسم معه الحلو والمر، لكن ما لا يمكن أن يكون متفهما هو أن تتحول هذه الأصوات، وبشكل شبه جماعي يوحي بالتواطؤ، إلى استعمال لغة المصادرة ومنع الآخر من حقه في النقد واتهامه بمعاداة الفن وحرية الإبداع. فإذا كان البعض يشعر بأن من حقه اليوم يستعمل بعض المهرجانات لصدم قيم المغاربة ببعض المظاهر المخلة للحياء، وإذا كان يشعر بأن من حق «موازين» أن توظف الفضاء العام كما يشاء، وتحظى بتمويل متنوع لا تحظى به أي جمعية أخرى في المغرب، وإذا كان هذا البعض يستشعر أن من حق إدارة «موازين» أن «تحظى» من إدارات قنوات القطب العمومي المتلزمة بدفاتر تحملات واضحة، باحتكار البث الإعلامي لسهرات المهرجان وبمساحات إشهارية لا قبل لأي مؤسسة أو شركة أو جمعية بها، فلا أقل من أن يتسع الصدر لقبول وسماع بعض الانتقادات التي استطاعت أن تستقل بنفسها وسط إغراء الإشهار وقهر التحكم برأي وطني مخلص تعكس به تعددية تيارات الرأي وتعبر عن آراء شريحة من المجتمع لا تجد كيف تصرفها عبر وسائل الإعلام بكلمة، إن الحق في النقد لمهرجان موازين ليس فقط جائزا، بل هو واجب، لأن الأداة الوحيدة الكفيلة بتطوير سياسة المهرجانات ووضع آليات دمقرطتها وحكامتها بما يعزز مبدأ تكافؤ الفرص مجاليا وماليا وإشهاريا وإعلاميا.