كثر الحديث أخيرا عن ارتفاع رغبة الأجانب والمغاربة المقيمين بالخارج في كفالة الأطفال المغاربة، وبالرغم من أن المشرع المغربي كان واضحا وصارما في تحديد شروط الكفالة إلا أن البعض لازال يخلط بين الكفالة والتبني الذي اعتبره الفصل 149 من مدونة الأسرة باطلا، ولا ينتج عنه أي أثر من آثار البنوة الشرعية، فيما حدد شروط كفالة الطفل المهمل برعايته وتربيته ومايته، والنفقة عليه دون أن يترتب عن ذلك حق في النسب ولا في الإرث. الرغبة في تبني الأطفال المغاربة تجعلنا نتساءل حول الأسباب خاصة وأن بعض الأسر لا تعاني من العقم، كما أن لرعاية الأطفال والتكفل بهم اجتماعيا أكثر من واجهة من خلال تقديم يد المساعدة للجمعيات عبر إطارات قانونية، أو الدخول في شراكات مع جمعيات المجتمع المدني المهتمة بهذا المجال. أمام مئات الطلبات بالتكفل بالأطفال المغاربة من طرف الأجانب بالخصوص، أصدرت وزارة العدل والحريات منشورا بتاريخ 19 شتنبر 2012 موجه إلى الوكلاء العامين للملك لدى محاكم الاستئناف ووكلاء الملك لدى المحاكم الابتدائية يحثهم على التأكد بواسطة البحث من كون الأجنبي الراغب في الكفالة يقيم بصفة اعتيادية فوق التراب الوطني مع تقديم ملتمسات إلى القضاة المكلفين بشؤون القاصرين على ضوء نتيجة البحث بعدم إسناد الكفالة للأجانب غير المقيمين بصفة اعتيادية بالمغرب. اليوم، موضوع كفالة الطفل المهمل من المواضيع التي أصبحت مطروحة، خاصة بعد توجيه أسر من بلدان غربية إلى الملك محمد السادس رسالة يلتمسون فيها التدخل من أجل الموافقة على ملفات «كفالة» معلقة بالمغرب، رفض وزير العدل والحريات، مصطفى الرميد الموافقة عليها لعدم استجابتها لشروط تضمن متابعة «أحوال المتكفل به». وأوضحت وكالة الأنباء الإسبانية إيفي -التي نشرت الخبر-أن الرسالة التي وقعت عليها 40 أسرة من إسبانيا وكندا والولايات المتحدةالأمريكية لديهم طلبات كفالة بالمغرب، جرى توجيهها إلى الملك محمد السادس في نهاية دجنبر المنصرم، يطلبون فيها تدخله لصالح الموافقة على ملفات كفالة وإنهاء انتظارهم. كما أشارت إيفي إلى أن ذات الأسر وجهت الرسالة عينها للعاهل الإسباني خوان كارلوس دي بوربون بغرض التدخل بدوره أمام الملك محمد السادس من أجل الموافقة على طلبات «الكفالة» حسب القانون المغربي، والتبني حسب القانون الأوروبي والغربي. بين مطالب ورافض فيما ينادي البعض بضرورة فتح باب كفالة الأطفال المهملين والمتخلى عنهم شريطة المراقبة الصارمة حتى بعد تسليمهم للمتكفلين بهم، يرى مصطفى الرميد، وزير العدل و الحريات أن حماية مصلحة الطفل المغربي تقتضي ألا تسند كفالة الأطفال المهملين إلى طالبها الأجنبي إلا إذا كان مقيما بصفة اعتيادية فوق التراب الوطني. وعزا الرميد هذا الموقف خلال مناقشة الموضوع بمجلس النواب منذ شهر إلى عدة اعتبارات تتمثل أساسا في إمكانية التأكد بشكل يسير وفعال من الشروط المستلزمة في طالب الكفالة وفقا للمادة 9 من القانون رقم 15.01 خاصة ما يتعلق منها بالصلاحية الأخلاقية والاجتماعية لطالب الكفالة والقدرة على ضمان تنشئة إسلامية للمكفول. وزير العدل والحريات، يجدد في أكثر من مناسبة موقفه القاضي برفض منحها للأجانب المقيمين خارج التراب الوطني وذلك لتعذر مواكبة الحالة الاجتماعية لهم، ومدى التزام الأسرة الحاضنة بالشروط المطلوبة في هذا الشأن، والواردة في المادة التاسعة من القانون 15.01، مضيفا أن الهاجس هو الحماية الأخلاقية والاجتماعية للأطفال المغاربة الذين هم ضحايا ظروف معينة. وقال إن بعض المعطيات أكدت أن عدد من الكافلين الأجانب لم يغيروا عقيدة المكفولين وأسمائهم، وبالتالي فإن منشور 19 شتنبر ترك المجال مفتوحا أمام الكفالة من طرف الأسر المسلمة داخل وخارج الوطن، ومن طرف الأسر الأجنبية المقيمة في المغرب، ومنع ذلك بالنسبة للأسر الأجنبية خارج الوطن. وقد نبهت بعض الأصوات من داخل مجلس النواب إلى مخاطر الكفالة من طرف الأجانب، وما قد يترتب عنها من تغيير للعقيدة والاستغلال الجنسي للفتيات والأطفال على حد سواء أو خضوع الأطفال المكفولين ضحايا لتجارة الأعضاء البشرية، حيث تأكد أن هناك عصابات بإفران تعمل بشكل ممنهج في هذا المجال فضلا عن ممارسة منظمات الاسترزاق على حساب الأطفال. وأمام ارتفاع مطالب «التبني» أو التكفل» بالأاطفال المغاربة لرعايتهم خارج المغرب، من المفترض أن تفتح الحكومة هذا الملف الذي يثير بعض الغموض والقلق، خاصة وأن بعض الأجانب تبث أنهم يتبنون أطفال مغاربة وذلك بقصد تنصيرهم، وهذا ما وقع لأجنبي الذي تبنى أول طفل وقام بإجراءات الكفالة المعمول بها ثم عاد ليتبنى طفلا جديدا وبعد بحث تبين أن ذلك الشخص قد غير اسم الطفل باسم مسيحي فتم منعه من التكفل بأي طفل مغربي. حدود الكفالة يعتبر مهملا حسب المادة الأولى من القانون رقم 01-15، الطفل من كلا الجنسيين الذي لم يبلغ سنه ثمان عشرة سنة شمسية كاملة إذ ولد من أبويين مجهولين، أو ولد من أب مجهول وأم معلومة تخلت عنه بمحض إرادتها، إذا كان يتيما أو عجزا أبواه عن رعايته وليست له وسائل مشروعة للعيش، وإذا كان أبواه منحرفين ولا يقومان بواجبهما في رعايته وتوجيهه من اجل اكتساب سلوك حسن كما في حالة سقوط الولاية الشرعية، أو كان أحد أبويه الذي يتولى رعايته بعد فقد الآخر أو عجزه عن رعايته منحرفا ولا يقوم بواجبه المذكور إزاءه. ويلاحظ من خلال هذه المادة أن حالات الإهمال وردت حصرا وليس على سبيل المثال فلا مجال للقياس عليها أو اجتهاد القاضي فيها، لأن لا اجتهاد مع ورود النص. وعرفت المادة الثانية من ظهير 13 يونيو 2002 الكفالة في مفهوم القانون رقم 01-15 بأنها» الالتزام برعاية طفل مهمل وتربيته وحمايته والنفقة عليه كما يفعل الأب مع ولده، ولا يترتب عن الكفالة حق في النسب ولا حق في الإرث»، بخلاف الدول التي تأخذ بنظام التبني، فينسب الطفل المتبنى للمتبني، ويصبح الولد شرعيا، ويترتب عليه حقوق وواجبات الأبوة والبنوة. والكافل قد يكون شخصا طبيعيا، كما يمكن أن يكون شخصا معنويا، وهو يقوم مقام الوالدين في كل شؤون الطفل المكفول، إذ لم تعد لهما سلطة الأبوة على طفلهما بعد إسناد كفالته لغيرهما بمقتضى أمر قضائي. ويعرف التبني بأنه علاقة أبوة مجازية بين المتبني والمتبنى ويترتب عنها نقل ولاية أب القاصر إلى المتبنى، إلا أن التبني حرام في الإسلام، مصداقا لقول الله تعالى في سورة الأحزاب (الآيتين 04 و05): « أدعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله، فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين ومواليكم...». كما أن مدونة الأسرة الجديدة، اعتبرت التبني باطلا ولا ينتج عنه أي أثر من أثار البنوة الشرعية، طبقا للمادة 149 منها. انتهاء الكفالة تنتهي الكفالة حسب المادة المادة 25 بأحد الأسباب الآتية: - بلوغ المكفول سن الرشد القانوني. ولاتسري هذه المقتضيات على البنت غير المتزوجة ولا على الولد المعاق أو العاجز عن الكسب؛ - موت المكفول. - موت الزوجين الكافلين معا أو المرأة الكافلة. - فقدان الزوجين الكافلين لأهليتهما معا. - فقدان المرأة الكافلة لأهليتها. - حل المؤسسة أو الهيئة أو المنظمة أو الجمعية الكافلة. - إلغاء الكفالة بأمر قضائي في حالات إخلال الكافل بالتزاماته أو تنازله عن الكفالة، أو إذا اقتضت ذلك المصلحة الفضلى للطفل المكفول. وإذا انفصمت عرى الزوجية بين الزوجين الكافلين، أصدر القاضي المكلف بشؤون القاصرين بناء على طلب من الزوج أو الزوجة أو من النيابة العامة أو تلقائيا، أمرا إما باستمرار الكفالة لأحدهما، أو باتخاذ ما يراه مناسبا من إجراءات، وتسري على الطفل المكفول في هذه الحالة مقتضيات الفصل 102 من مدونة الأحوال الشخصية. ويخول حق الزيارة طبقا لما يقرره القاضي المكلف بشؤون القاصرين، استنادا لما تقتضيه مصلحة الطفل، بعد الاستماع إليه إذا كان قد أدرك سن التمييز. ويمكن للقاضي أن يخول حق الزيارة لوالدي الطفل أو أقاربه، أو للزوجين اللذين كانا يتوليان كفالته، أو لممثل المنظمة أو الهيئة أو المؤسسة أو الجمعية التي كان مودعا لديها أو لكل شخص يهتم بمصلحة الطفل. وإذا انتهت الكفالة طبقا للمادتين 25 و26 أعلاه، بت القاضي المكلف بشؤون القاصرين عند الاقتضاء بأمر في شأن التقديم على الطفل المكفول، بناء على طلب من الشخص المعني أو من النيابة العامة أو تلقائيا. رفع سن زواج القاصروالتخوف من زيجات خارج القانون ينص القانون المغربي على أن سن 18 هو سن الأهلية للزواج، تماشيا مع الاتفاقيات الدولية، لكنه في الوقت نفسه فتح نافذة استثناءات عبر ضوابط وشروط تسمح بزواج القاصر، إلا أن هذا الأخير لازال مثار جدل عميق بين جمعيات المجتمع المدني والمشرع. بمجلس النواب، طرحت الأسبوع الماضي إشكالية تزويج القاصرات وتأثير ذلك على صحة الفتاة بالإضافة إلى التداعيات الاجتماعية في حال الطلاق والاستغلال الذي قد تتعرض له الأسر الفقيرة من طرف من يدفع أكثر. وبين مطلب صيانة حقوق القاصرات ومنع هذا النوع من الزواج بشكل نهائي، والتخوف من ارتفاع الزيجات غير الموثقة يبقى السؤال المطروح «ما الحل؟» حسب وزارة العدل المغربية فإن عدد طلبات الزواج للقاصرين المرفوضة من طرف قضاة الأسرة المكلفين بالزواج بلغ 4899 خلال سنة 2011، وهو ما يمثل نسبة 10,44 في المائة من مجموع الطلبات المحكومة. وتوضح الوزارة أن الإناث القاصرات أكثر إقبالا على الزواج دون سن الأهلية، حيث لم تتعد طلبات الذكور 326 طلبا في سنة 2011، مقابل 46 ألف و601 طلبا للإناث، ولو أنه رقم مجازي لايعكس واقع زواج القاصرات الذي تحكمه الأعراف والتقاليد وليس القانون في معظم الأحيان. وزير العدل والحريات قال إن طلبات الإذن بزواج القاصر خلال الخمس سنوات الأخيرة تتوزع بين سن 14 و17 سنة بنسب مختلفة، ذلك أن طلبات القاصرين الذين يصل سنهم إلى 17 سنة تشكل النسبة الأكبر بمجموع وصل إلى 144 ألف و346 طلبا خلال خمس سنوات، في حين بلغت طلبات من يصل سنهم إلى 16 سنة خلال نفس المدة 55 ألف و967 طلبا. موضوع تزويج القاصرات أمام مقاربتين، مقاربة الأخذ بعين الاعتبار عدد الأطفال المولودين خارج مؤسسة الزواج، وارتفاع الزواج الغير موثق في حال تحديد السن القانوني للزواج دون شروط أو استثناءات لبعض الحالات، وبين مقاربة تحديد بعض الشروط واللجوء إلى الخبرة الطبية كما تنص على ذلك مدونة الأسرة. «مصطفى الرميد» أكد خلال مناقشة لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان لمقترح قانون يقضي بتغيير وإتمام المادة 20 من القانون رقم 70.03 بمثابة مدونة الأسرة على ضرورة رصد تفاعل المجتمع مع قانون تحديد سن الزواج المنتظر صدوره، وما إذا كان سيشكل رافعة لوعي الناس وتقليص ظاهرة زواج القاصر، أم أن المجتمع سيرفضه ويعمل بالزواج خارج التغطية القانونية وبالتالي عدم توثيق العقود، مع ما يتربت عن ذلك من آثار سلبيَّة. فيما يرى بعض نواب الأمة أن زواج القاصرات بمثابة قتل لبراءة طفلة في عمر الزهور، وأن الحديث على تزويج الفتاة القاصر يستوجب ربطه بالوسط الاجتماعي لكل فتاة، ففي الواقع أن هذا النوع من الزواج مستفحل كثيرا في الأوساط الاجتماعية الهشة.