سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
خلود السباعي أستاذة علم النفس الاجتماعي بجامعة الحسن الثاني بالمحمدية ل «التجديد»: توجيه الإنسان ليصبح مصيره بيد الحظ ضرب للقيم الأساسية التي وجد من أجلها
مكمن الخطورة والخلل حسب خلود السباعي الباحثة في علم النفس الاجتماعي؛ هو عندما تتحول ظاهرة القمار وما شاكلها إلى ظواهر عامة تمس شرائح واسعة من الناس، وأضافت الأستاذة الجامعية في حوارها مع «التجديد»، أنه حينما نوجه الإنسان إلى أن يصبح مصيره ومستقبله في يد الحظ فهذا بطبيعة الحال يعد ضربا للقيم الأساسية التي وجد من أجلها الإنسان. مؤكدة أن «انتظار الأحلام الوهمية لن تولد إلا الضعف السيكولوجي وخسران الإنسان لنفسه وعندما يخسر نفسه سيخسر حياته، لأن مع هذه المرحلة يصعب حتى التأثير عليه بالموعظة التربوية أو بالخطاب أو بالتوعية وغيرها» خلود التي ربطت القمار بسبب عام يتعلق بثقافة الاستهلاك ترى أن الإقصاء والتهميش والفقر والأمية أحد العوامل الكامنة وراء ظاهرة القمار، لتطرح سؤال العدالة الاجتماعية وتقليص الفوارق بين الفئات كأحد مداخل علاج الظاهرة فضلا عن أدوار مؤسسات التنشئة الاجتماعية. ● ما هي في نظركم الأسباب الكبرى التي تؤطر وتفرز في المجمل ظواهر وآفات مثل ظاهرة القمار؟ ❍ إن السبب المباشر في نظري يتمثل في هيمنة الثقافة الاستهلاكية على الحياة العامة، وهي ثقافة أصبح فيها كل شيء يباع ويشترى، مجتمع أصبحت فيه المصالح الاقتصادية والسياسية تتوفر على الأولوية والصدارة على حساب أولويات الإنسان وكرامته، وهكذا أصبح المنطق الاستهلاكي في المجتمعات الاستهلاكية يحطم الإنسان بحيث لم يعد هناك وجود للإنسان ولقيمه العليا ولا لكينونته باعتباره هو مصدر أي تقدم وهو أساس أي تنمية. لكن كل ذلك مع الأسف الشديد يضيع أمام تسبيق القيم المصلحية والاقتصادية على ما هو إنساني وقيمي، فأصبح وضع البيع والشراء هو المتحكم بما في ذلك الجسد والأطفال والكرامة والقيم والتي لم يعد لها حضور كمبادئ عليا سامية لا يمكننا المتاجرة فيها، وأعتبر أن تحولنا إلى مجتمع استهلاكي هو السبب في العديد من الظواهر ومنها القمار وبطبيعة الحال لما يتعلق الأمر بدول عالمية استهلاكية عولمية ودول أخرى تعاني من الفقر ومن الاحتياج ومن الأمية والتفكك الأسري فهذا يشكل مجالا خصبا لتفاقم الظاهرة أكثر فأكثر والكلام السياسي في هذا الواقع مع الأسف لا يخرج عن دائرة الشعارات. ● كيف ترصدون ظاهرة تعاطي القمار بالمغرب والدوافع التي تشجع عليه وكذا تعامل السلطات معه؟ ❍بالنسبة للقمار والألعاب التي تدور في فلكه فإننا نجد اليوم في بعض لعب الأطفال والبعض من الحلويات التي يشترونها وفي أغلفتها بعض المسابقات التي تعتمد على الحظ، وهذه مسألة خطيرة حيث أننا نعلم الطفل منذ البداية الاعتماد على الحظ وأنه بإمكانه أن يربح بدون جهد، أضف إلى ذلك العديد من البرامج الإعلامية في التلفزيون والإذاعات التي لا أدري هل يمكن أن نتحدث عن وجود تواطؤ بينها وبين القائمين على الشأن بالبلاد. لكن عموما لا أرى بأن هناك إرادة راغبة وواضحة تريد تغيير هذه الظواهر وهذا ما يؤكده الإعلام من خلال لهاثه وراء هذه الأشياء وما يتم من تربية للناس على الوهم خاصة في صفوف الضعفاء والفقراء لأن الأميين بشكل أساس هم من يكون أكثر عرضة لهذه المخاطر وضعفهم المعرفي، -كما أن الإنسان عموما ضعيف- ذلك ما يجعلهم يتلهفون أكثر على أمور القمار والربح الذي لا يستند إلى جد ولا كد ولا تعب. وهكذا وبدلا من أن ندفع الناس إلى العمل وبذل المجهود في التحصيل المادي وتحسين الوضعية نوهمهم أنه بواسطة اللعب والحظ يمكن أن نصل إلى ذلك، ويتم خلط هذا الأمر بالموسيقى وغيرها، وعليه فأنا شخصيا لا ألاحظ أن هناك سياسة واضحة لتغيير هذا الواقع وتجاوز هذه الظواهر بل بالعكس هناك نوع من تسهيل الوصول واللجوء إلى هاته الظواهر وكأنها أصبحت من أمور المتعة أو الترفيه ومن الأمور العادية والتي لا مشكل فيها. ● إذن ترون أن في هذه الأمور ضربا وتهديدا لقيم الجد والاجتهاد والمسؤولية؟ ❍ طبعا وبدون أدنى شك، فلما نوجه الإنسان إلى أن يصبح مصيره ومستقبله في يد الحظ فهذا بطبيعة الحال يعد ضربا للقيم الأساسية التي وجد من أجلها الإنسان، والتي على رأسها أن يكون فاعلا لأن قيمته في فعاليته، وفعاليته ينبغي استثمارها عبر تنمية قدراته وتوجيهه إلى اكتشاف هذه القدرات حتى وإن كان هذا الإنسان يرى أنه لا قدرات له، ومن هنا يأتي دور التربية والتعليم ووسائل التنشئة ليجعل الإنسان يكتشف قدراته وينميها حتى يصبح فاعلا، أما حينما نوجهه نحو الحظ فإننا نضرب بكل هذه القيم عرض الحائط، ونصبح ندور في دائرة مفرغة لأن الإنسان إذا دخل في تعاطي القمار أو المخدرات أو الدعارة فإننا نكون ندور في الفراغ، لأن انتظار الأحلام الوهمية لن تولد إلا الضعف السيكولوجي وخسران الإنسان لنفسه وعندما يخسر نفسه سيخسر حياته، لأن مع هذه المرحلة يصعب حتى التأثير عليه بالموعظة التربوية أو بالخطاب أو بالتوعية وغيرها، لأنه كلما دخل تلك المجالات وتمكنت منه كلما خسر صورة ذاته وكلما خسرت صورة الذات؛ ارتبط بهذا المجال أكثر وفشلنا في إخراجه من هذا المجال. ● ما هي بعض المقترحات التي ترين أنها يمكن أن تشكل مدخلا للقضاء على هذه الظاهرة الخطيرة في مجتمعنا أو على الأقل للحد منها؟ ❍ عندما نريد الحديث عن المقترحات ينبغي أن نسجل بداية أن هذه الظاهرة وما شابهها كانت موجودة منذ القدم، فهي ظواهر مرتبطة بضعف الإنسان وبأناس لهم ميولات معينة وشخصيات هشة وضعيفة وشخصيات أخرى مريضة، وبالتالي فإن القضاء على هذه الظواهر بشكل نهائي غير ممكن لأنها مصاحبة لوجود الإنسان، لكن الخطير في تقديري هو أن تتحول هذه الظواهر إلى ظواهر عامة تمس شرائح واسعة من الناس وهنا نتحدث عن ظاهرة خطيرة تدل على أن هناك خللا، والخلل بالنسبة للمغرب وبالنسبة للأطفال على وجه الخصوص وما يتعلق بالقمار وما شابهه من الموبقات مثل الدعارة وتعاطي المخدرات، فهذا أمر يرتبط أولا وقبل كل شيء بالعدالة الاجتماعية وتوزيع الثروات بالعدل للقضاء ليس على الفقر ولكن على الفوارق الطبقية الصارخة التي هي في تزايد حتى اليوم، فالإنسان كلما شعر بالإقصاء كلما اتجه إلى الخيال وإلى الطرق غير السليمة للرفع من صورة الذات ومن قيمتها وهذا أمر يشمل اليوم حتى بعض المتعلمين عندما يشعرون بالإقصاء، فما بالنا بالإنسان الفقير وغير المتعلم، ثم بعد ذلك تأتي التنشئة الاجتماعية والتربية والتعليم في المدارس بصفة خاصة وثم في وسائل الإعلام.