قالت خلود السباعي، الأستاذة والباحثة في علم النفس والاجتماعي بجامعة الحسن الثاني بالمحمدية، إن من بين أهم أسباب تفاقم ظواهر القمار والسياحة الجنسية والمخدرات والخمور في المجتمع المغربي هو هيمنة المنطق الاستهلاكي على الحياة العامة، وهو منطق أصبح فيه كل شيء يباع ويشترى وأصبحت قيم الاستهلاك تغلب وتقدم على القيم الإنسانية. وأضافت الباحثة السوسيولوجية في هذا الحوار لجريدة "التجديد"، أنه حينما نوجه الإنسان إلى أن يصبح مصيره ومستقبله في يد الحظ فهذا بطبيعة الحال يعد ضربا للقيم الأساسية التي وجد من أجلها الإنسان. وأضافت الباحثة أننا نعيش اليوم وبشكل واضح فشل السياسات العمومية الوطنية وكذلك الدولية في التعاطي مع هذه الآفات. كما سجلت خلود سجلت، ما أسمته بالتواطؤ والسكوت سواء من طرف المنظمات الدولية بشكل عام أو من طرف الجهات المسؤولة على الصعيد الوطني حول عدد من الجرائم ذات الصلة بالسياحة الجنسية والمخدرات وغيرها خاصة في مراحل يكون فيها الجناة معروفون والضحايا كذلك، مما يعتبر في نظرها تناقضا وشرخا بين القول والفعل لا ينبغي السكوت عنه، ❒ ما هي قراءتكم الأولية لظواهر الخمر والقمار والمخدرات والسياحة الجنسية أمام معطيات العديد من التقارير الوطنية والدولية التي تؤكد تفاقم انتشار هذه المعضلات المجتمعية والكوارث التي تسببها ؟ ❒❒ بداية أشير إلى تناقض كبير في هذا الموضوع، فعلى المستوى العلمي والبحثي هناك العديد من التقارير الوطنية والدولية التي تشير إلى هذه الأعطاب المجتمعية وتحدد المشاكل التي تنجم عنها غير أنه وعلى مستوى الواقع نسجل التعاطي المحدود والمحتشم للجهات المعنية وطنية كانت أو دولية مع التجاوزات التي تحصل على هذه المستويات، وآخر مثال يمكن ضربه في هذا الموضوع هو تورط الوزير الفرنسي في موضوع اغتصاب الأطفال وحجم الصمت الذي يشهده هذا الملف، وهكذا نجد أنه عندما يتم الحديث عن ظاهرة السياحة الجنسية مثلا بشكل مجرد أو عمومي وشمولي نجد التعرض لذلك والحديث بل المرافعة فيه، لكن عندما يتعلق الأمر بالنزول للواقع ومعالجة بعض القضايا الخاصة التي تحتاج إلى التدخل ويكون معروفا فيها من هم الفاعلون ومن المفعول بهم، نجد نوعا من التواطؤ ونوع من السكوت سواء من طرف المنظمات الدولية بشكل عام أو من طرف الجهات المسؤولة على الصعيد الوطني. وهذا في تقديري يشكل شرخا وتناقضا حقيقيا بين ما يصرح به وما يتم على أرض الواقع من ما يجب من تدخلات فعلية لوضع حد للعديد من تلك التجاوزات التي تتم على مستويات مختلفة. ❒ في تقديركم ما هي العناصر التي تساهم في انتشار ظواهر القمار والسياحة الجنسية وتعاطي المخدرات والخمور؟ ❒❒ حسب رأي فإن السبب المباشر هو هيمنة الثقافة الاستهلاكية على الحياة العامة، وهو ثقافة أصبح فيها كل شيء يباع ويشترى، مجتمع أصبحت فيه المصالح الاقتصادية والسياسية تتوفر على الأولوية والصدارة على حساب أولويات الإنسان وكرامته، وهكذا أصبح المنطق الاستهلاكي في المجتمعات الاستهلاكية يحطم الإنسان بحيث لم يعد هناك وجود للإنسان ولقيمه العليا ولا لكينونته باعتباره هو مصدر أي تقدم وهو أساس أي تنمية. لكن كل ذلك مع الأسف الشديد يضيع أمام تسبيق القيم المصلحية والاقتصادية على ما هو إنساني، فأصبح وضع البيع والشراء هو المتحكم فمن لديه القدرة فهو يشتري ما يرد وذي الحاجة أو من يختار يبيع ما يريدان أيضا، فأصبح منطق التجارة هو المستحكم بما في ذلك الجسد والأطفال والكرامة والقيم والتي لم يعد لها حضور كمبادئ عليا سامية لا يمكننا المتاجرة فيها، وأعتبر أن تحولنا إلى مجتمع استهلاكي هو السبب في كل هذه الظواهر. وبطبيعة الحال لما يتعلق الأمر بدول عالمية استهلاكية عولمية ودول أخرى تعاني من الفقر ومن الاحتياج ومن الأمية والتفكك الأسري فهذا يشكل مجالا خصبا لتفاقم الظاهرة أكثر فأكثر وحالكلام في هذا الواقع لا يخرج عن دائرة الشعارات. ❒ أمام هذا الانتشار لهذه الظواهر المعيقة لتقدم المجتمع، هل يعكس ذلك في نظركم فشل السياسات العمومية المتبعة في هذا المجال؟ ❒❒ نحن نعيش اليوم وبشكل واضح فشل السياسات العمومية الوطنية وكذلك الدولية في التعاطي مع هذه الآفات والدليل على ذلك أننا أصبحنا أمام دول معروفة في هذا المجال مثل التيلاند وبعض الدول الأسيوية الأخرى، وأمام هذه المعطيات المتوفرة وإن لم تتخذ الإجراءات والتدابير الكافية فإننا لن نبقى استثناءا في موضوع السياحة الجنسية وغيرها من الآفات موضوع حديثنا اليوم. ولذلك يبدوا لي أن الدور اليوم هو على المجتمع المدني وخاصة في مجالات الدعارة والسياحة الجنسية ومع الأسف حتى على مستوى المجتمع المدني فإن المبادرات تبقى قليلة ومحدودة في هذا المجال، أما الجريء منها والحيوي فيبقى جد محدود. وهكذا نلاحظ أن سمعة المرأة المغربية مثلا اليوم أصبحت لها سمعة سيئة في بلدان الخليج نموذجا، غير أنه وإذا استثنينا الصحف كمتحدث عن هذه المواضيع قلما نجد من يتابع هذه الظواهر ويحاربها. وكأنها ما تزال موضوعا يشكل طابو، ويبدوا أن للعامل الاقتصادي دور في كل هذا لأن هو من يدفع العديد من الناس إلى مثل هذه المخاطر، فالفقر واضح اليوم والكل ساكت عن هذه المواضيع على اعتبار أنه يحل جزء من مشاكل اقتصادية معينة. ❒ إلى أي حد يمكن أن نعتبر أن هناك تواطؤ بين واضعي السياسات العمومية للدولة والمستفيدين من تفشي هذه المعضلات من قبيل التساهل مع هذه الظواهر ودعمها والمساعدة على انتشارها؟ ❒❒ أنا شخصيا لا أستطيع أن أتحدث عن وجود تواطؤ، لأن الأمر يتطلب مني التوفر على العديد من المعطيات، ولكن يمكن أن نقول أن هناك صمت وإهمال، خاصة أننا أمام ظواهر يمكن التحكم فيها، فالبنسبة مثلا للقمار والألعاب التي تدور في فلكه فإننا نجد اليوم في بعض لعب الأطفال والبعض من الحلويات التي يشترونها وفي أغلفتها بعض المسابقات التي تعتمد على الحظ، وهذه مسألة خطيرة حيث أننا نعلم الطفل منذ البداية الاعتماد على الحظ وأنه بإمكانه أن يربح بدون جهد، أضف إلى ذلك العديد من البرامج الإعلامية في التلفزيون والإذاعات التي لا أدري هل يمكن أن نتحدث عن وجود تواطؤ؟ لكن عموما لا أرى بأن هناك إرادة راغبة وواضحة تريد تغيير هذه الظواهر وهذا ما يؤكده الإعلام من خلال لهته وراء هذه الأشياء وما يتم من تربية للناس على الوهم خاصة في صفوف الضعفاء والفقراء لأن الأميين بشكل أساس هم من يكون أكثر عرض لهذه المخاطر وضعفهم المعرفي ذاك ñوالإنسان عموما ضعيف- هو ما يجعلهم يتلهفون أكثر على أمور القمار والربح الذي لا يستند إلى جده ولا كد ولا تعب. وهكذا وبدلا من أن ندفع الناس إلى العمل وبدل المجهود في التحصيل المادي وتحسين الوضعية نوهمهم أنه بواسطة اللعب والحظ يمكن أن نصل إلى ذلك، ويتم خلط هذا الأمر بالموسيقى وغيرها، وعليه فأنا شخصيا لا ألاحظ أن هناك سياسة واضحة لتغيير هذا الواقع وتجاوز هذه الظواهر بل بالعكس هناك نوع من تسهيل الوصول واللجوء إلى هاته الظواهر وكأنها أصبحت من أمور المتعة أو الترفيه ومن الأمور العادية والتي لا مشكل فيها. ❒ إذن ترون أن في هذه الأمور ضربا وتهديما لقيم الجد والاجتهاد والمسؤولية؟ ❒❒ طبعا وبدون أدنى شك، فلما نوجه الإنسان إلى أن يصبح مصيره ومستقبله في يد الحظ فهذا بطبيعة الحال يعد ضربا للقيم الأساسية التي وجد من أجلها الإنسان، والتي على رأسها أن يكون فاعلا لأن قيمته في فعاليته، وفعاليته ينبغي استثمارها عبر تنمية قدراته وتوجيهه إلى اكتشاف هذه القدرات حتى وإن كان هذا الإنسان يرى أنه لا قدرات له، ومن هنا يأتي دور التربية والتعليم ووسائل التنشئة ليجعل الإنسان يكتشف قدراته وينمها حتى يصبح فاعلا، أما حينما نوجهه نحو الحظ فإننا نضرب كل هذه القيم عرض الحائط،؟ ونصبح ندور في دائرة مفرغة لأن الإنسان إذا دخل في تعاطي الدعارة أو القمار أو المخدرات فإننا نكون ندور في الفراغ لأن انتظار الأحلام الوهمية لن تولد إلا الضعف السيكولوجي وخسران الإنسان لنفسه وعندما يخسر نفسه سيخسر حياته، لأن مع هذه المرحلة يصعب حتى التأثير عليه بالموعظة التربوية أو بالخطاب أو بالتوعية وغيرها، لأنه كلما دخل تلك المجالات وتمكنت منه كلما خسر صورة ذاته وكلما خسرت صورة الذات كلما ارتبط بهذا المجال أكثر وكلما فشلنا في إخراجه من هذا المجال. ❒ ما هي بعض المقترحات التي ترين أنها يمكن أن تشكل مدخلا للقضاء على هذه الظواهر الخطيرة في مجتمعنا أو على الأقل للحد منها؟ ❒❒ عندا نريد الحديث عن المقترحات ينبغي أن نسجل بداية أن هذه الظواهر كانت موجودة منذ القدم، فهي ظواهر مرتبطة بضعف الإنسان وبأناس لهم ميولات معينة وشخصيات هشة وضعيفة وشخصيات أخرى مريضة، وبالتالي فإن القضاء على هذه الظواهر بشكل نهائي ير ممكن لأنها مصاحبة لوجود الإنسان، لكن الخطير في تقديري هو أن تتحول هذه الظواهر إلى ظواهر عامة تمس شرائح واسعة من الناس وهنا نتحدث عن ظاهرة خطيرة تدل على أن هناك خلل، والخلل بالنسبة للمغرب وبالنسبة للأطفال على وجه الخصوص وما يتعلق من سياحة جنسية وقمار ودعارة فهذا أمر يرتبط أولا وقبل كل شيء بالعدالة الاجتماعية وتوزيع الثروات بالعدل للقضاء ليس على الفقر ولكن على الفوارق الطبقية الصارخة التي هي في تزايد حتى اليوم، فالإنسان كلما شعر بالإقصاء كلما اتجه إلى الخيال وإلى الطرق الغير السليمة للرفع من صورة الذات ومن قيمتها وهذا أمر يشمل اليوم حتى بعض المتعلمين عندما يشعرون بالإقصاء فما بالنا بالإنسان الفقير وغير المتعلم، ثم بعد ذلك يأتي التنشئة الاجتماعية والتربية والتعليم في المدارس بصفة خاصة وثم في وسائل الإعلام.