نُشطاء يربطون حل إشكالية "الحريك" بإنهاء الوضع الاستعماري لسبتة ومليلية    "البذلة السوداء" تغيب عن المحاكم.. التصعيد يشل الجلسات وصناديق الأداء    عبد المومني يُشيد بتطور "ما قبل المحاكمة".. ومصدر أمني يستعرِض الضمانات    حزب أخنوش يفشل في استعادة رئاسة جماعة مكناس وينهزم أمام الأحزاب الصغيرة    الرياضة المدرسية المغربية تتألق بالبحرين …    رئيس الحكومة يشرف بجهة سوس ماسة على انطلاق خدمات 32 مؤسسة صحية    الأميرة للا حسناء تدشن بقطر الجناح المغربي "دار المغرب"    غيبوبة نظام الكابرانات تكشف مهازل استعراضات القوة غير الضاربة    "كلنا نغني": عرض فني يعيد الزمن الجميل إلى المسرح البلدي بالعاصمة التونسية    مسؤول أمريكي: المغرب دعامة حقيقية للأمن والاستقرار في إفريقيا    ارتفاع عدد قتلى الفيضانات في إسبانيا إلى 205 على الأقل    صدور عدد جديد من مجلة القوات المسلحة الملكية    فؤاد عبد المومني في أول تصريح له بعد إطلاق سراحه: ما تعرضت له هو اختطاف (فيديو)    الملاكم المغربي عثمان شدغور يحرز الميدالية البرونزية في بطولة العالم للشبان    البيضاء تحيي سهرة تكريمية للمرحوم الحسن مكري    المغاربة ينفقون 22.31 مليار درهم في السفر وتحويلات الجالية تفوق 91 مليارا    نمو حركة النقل الجوي بمطار الحسيمة بنحو 18 في المائة مع متم شتنبر    البطولة: أولمبيك آسفي يتنفس الصعداء بعد الانتصار على شباب السوالم    ارتفاع حجم الساكنة السجنية في المغرب بما يزيد عن الثلثين خلال 15 سنة الأخيرة    لقجع يكشف خارطة مدن كأس العالم بالمغرب    منزلة الرابع المرفوع : عزلة الجزائر أمام مجلس الأمن وتناقضاتها    منْ كَازا لمَرْسَايْ ! (من رواية لم تبدأ ولم تكتمل)        عالمي: المغرب يحقق أعلى معدل لاستقطاب السياح    حصيلة القتلى الإسرائيليين في غزة ولبنان    مجلة إسبانية: المغرب "فاعل استراتيجي" في قطاع ترحيل الخدمات    ارتفاع حصيلة القتلى في فيضانات إسبانيا لأزيد من 200 ضحية    المفتش العام للقوات المسلحة الملكية وقائد المنطقة الجنوبية يجري لقاء مع وزير الدفاع الموريتاني    تأجيل محاكمة المتهمين في قضية "إسكوبار الصحراء" إلى 22 نونبر بسبب إضراب المحامين    الدار البيضاء.. ثلاث رصاصات لتوقيف شخص واجه الشرطة بمقاومة عنيفة    اختتام الدورة الخريفية لموسم أصيلة الثقافي الدولي النسخة 45    رسميا.. الكاف يعلن عن برنامج دوري ابطال أفريقيا للسيدات    مقتل 47 فلسطينيا وإصابة العشرات إثر غارات إسرائيلية على وسط غزة    ريال مدريد يتبرع بمليون يورو لضحايا إعصار دانا فى إسبانيا    إحباط عملية لتهريب أزيد من 63 ألف قرص مهلوس بمعبر بني انصار    مجلس النواب.. جلسة عمومية تخصص للأسئلة الشفهية الشهرية الموجهة إلى رئيس الحكومة    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولاتها على وقع الأخضر    البريد بنك حاضر في احتفالات المعهد العالمي لصناديق الادخار    عمر هلال: الجزائر ودي ميستورا يغفلان أن المغاربة أقسموا على عدم التفريط في صحرائهم    اشتباك دموي في مدينة فرنسية يخلف 5 ضحايا بينها طفل أصيب برصاصة في رأسه    إطلاق الحملة الوطنية للمراجعة واستدراك تلقيح الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 18 سنة بإقليم الجديدة    الأشعري يناقش الأدب والتغيير في الدرس الافتتاحي لصالون النبوغ المغربي بطنجة    الفتح يعلن إستقبال الوداد بمدينة المحمدية    دعوى قضائية بمليارات الدولارات .. ترامب يتهم "سي بي إس" بالتحيز    بعثة تسبق المنتخب المغربي إلى الغابون للاطلاع على مقر الإقامة وملاعب التداريب    توقعات أحوال الطقس اليوم الجمعة    مالك صحيفة "هآريتس" العبرية يصف الفلسطينيين ب"مقاتلي الحرية" ويدعو إلى فرض عقوبات على إسرائيل    موسم أصيلة يحتفي بمحمد الأشعري، سيرة قلم لأديب بأوجه متعددة    "ماكدونالدز" تواجه أزمة صحية .. شرائح البصل وراء حالات التسمم    دراسة: الفئران الأفريقية تستخدم في مكافحة تهريب الحيوانات    متحف قطر الوطني يعرض "الأزياء النسائية المنحوتة" للمغربي بنشلال    دراسة: اكتشاف جينات جديدة ترتبط بزيادة خطر الإصابة بالسرطان    ثمانية ملايين مصاب بالسل في أعلى عدد منذ بدء الرصد العالمي    كيفية صلاة الشفع والوتر .. حكمها وفضلها وعدد ركعاتها    مختارات من ديوان «أوتار البصيرة»    وهي جنازة رجل ...    أسماء بنات من القران    نداء للمحسنين للمساهمة في استكمال بناء مسجد ثاغزوت جماعة إحدادن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الانتماء الحزبي لوزير العدل واستقلال القضاء
نشر في التجديد يوم 23 - 01 - 2003

إن الخطر الحقيقي الذي يهدد استقلال القضاء يتمثل في تدخل السلطة التنفيذية في شؤونه، لأنها تباشر الحكم الفعلي في الدولة وتجمع لهذا الغرض كل مظاهر القوة المادية والإغرائية والتهديدية ، الشيء الذي يدفعها في كثير من الأحيان إلى السيطرة على الهيئات التي تتولى القضاء. ومن هنا تبدو العلاقة وثيقة بين السلطتين، ولعل من أهم مظاهرها وجود وزير للعدل ينتمي إلى أحد الأحزاب السياسية يختص بشؤون القضاء، لكن هل وجوده يشكل خطورة على الجهاز القضائي، أم أنه يخدم العدالة ويطور خدماتها رغم انتمائه الحزبي؟
إن الإجابة على هذا السؤال تجرنا لإثارة سؤال آخر هو: ما هي طريقة تعيينه؟ وما مدى تأثير ذلك على استقلال القضاء؟
نرصد عناصر الإجابة على هذه التساؤلات من خلال النقطتين التاليتين، الأولى ترتبط بتعيينه والثانية بسلطاته.
تعيين وزير العدل
إن القضاء عبر العصور الإسلامية كان تابعا للسلطة التنفيذية، ورغم هذه التبعية والاندماج، فإن القضاة كانوا يمارسون مهامهم في استقلال تام، لأن القواعد التي يطبقونها ليست من إنشاء السلطة التنفيدية، بل هي مبادئ إلاهية مستمدة من القرآن الكريم والسنة النبوية، فقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يجمع بين السلطتين التنفيدية والقضائية، حيث بين دستور القضاء والتقاضي، وما يجب على المتقاضين اتباعه والتزامه، بل عين ولاة في الأمصار الإسلامية ليتولوا القضاء ضمن توليتهم شؤون الولاية، ولما امتدت أطراف الدولة الإسلامية في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قام بفصل القضاء عن الولاية، فأصبح القضاة يختصون بالنظر في الخصومات، والولاة يقومون بتسيير الشؤون العامة للدولة وتدبير أمورها. وبقي الأمر يتطور إلى العصر العباسي، حيث أحدث منصب قاضي القضاة، وأصبح الإمام يعين فيه من ثبتت كفاءته العلمية والخلقية، فكان الأساس هو الجدارة والاستحقاق، لا التوجهات الفكرية والمذهبية، ومنحه سلطة تعيين القضاة وعزلهم ونقلهم والنظر في أمورهم وأحوالهم في سائر الأمصار في البلاد والأقطار، لذلك كان قاضي القضاة يعد من كبار موظفي الدولة
آنذاك، بل من خاصتهم عند السلطان، وهذا ما يفسر كون تعيينه كان إيذانا وإعلانا عن استقلال القضاء.
أما في المغرب فإنه قبل التشكيلة الحكومية التي أفرزت بناء على الانتخابات التشريعية الأخيرة يوم 72 شتنبر، كان وزير العدل يعين من طرف الملك مباشرة باعتباره وزيرا من وزراء السيادة، دون التقيد بالتوجهات الحزبية والسياسية ، وهو ما ينسجم مع مفهوم الإمارة التي عرفها الإسلام. لكن التشكيلة الحكومية الجديدة عرفت تغييرا ملحوظا تجلى في تعيين وزير العدل من أحد الأحزاب السياسية الكبرى في البلاد، الأمر الذي يجعلنا نتساءل عن مدى تأثير ذلك على استقلال القضاء. إن تعيين وزير العدل من أحد الأحزاب السياسية هو إخضاع للقضاء إلى جهة سياسية، إذ أن الانتماء الحزبي قد يمس استقلال القضاء ويجعله يخضع لتوجهات وتصورات الحزب الذي ينتمي إليه الوزير، خاصة إذا كان ذلك ينسجم مع برامج الحكومة الاجتماعية والاقتصادية، إلى جانب ذلك قد يعمل على مكافأة المخلصين للحزب الذين أفاد نشاطهم الحزب أو أظهروا دعما سياسيا له، لا سيما أن الأصدقاء والزملاء قد يفيد بعضهم البعض عندما تتاح لهم الفرصة للقيام بذلك، ومن ثم فلا اعتبار للكفاءة العلمية والخبرة والتجربة، والخلق الحميد، وبذلك تضيع الحقوق بين ظهران الصراع الحزبي وتفقد العدالة
مصداقيتها، ويهدر استقلال القضاء، وبالتالي تكون مهمة الجهاز القضائي هي حماية النظام القائم والقوى السياسية والاقتصادية السائدة، ومع ذلك فإن البعض يرى ضرورة وجود مثل هذه الشخصية على رأس القضاء، تكون من جهة متشبعة بالأفكار والعادات القانونية، ومن جهة ثانية، متفهمة للمشاكل الاجتماعية والاقتصادية التي تستحوذ على اهتمام السلطة التنفيذية، وفي غياب هذه الشخصية يفتقد الانسجام المطلوب بين الجهازين، بل يتباعد الواحد عن الآخر إلى الحد الذي يقع فيه انفصال عنيف، يعقبه تصادم أكبر عنفا.
ونظرا لخطورة شخصية وزير العدل المنتمي سياسيا على استقلال القضاء، فإنه ملزم أن تكون له القدرة على التوفيق بين مصالحه السياسية التي يفترض أن تتحكم فيه ولو بطريقة لا شعورية، وبين مبدأ الفصل بين السلطات واستقلال القضاء الذي نبع من صلبه.
ويتمظهر التأثير المباشر لوزير العدل في الصلاحيات الموكولة له، وهو يقودنا إلى طرح سؤال آخر، وهو ما هي سلطاته في المجال القضائي؟
سلطات وزير العدل
إن سلطات وزير العدل متعددة ومتنوعة، يرتبط بعضها بتعيين القضاة وعزلهم وندبهم وترقيتهم، والبعض الآخر يرتبط بالرقابة والتفتيش على المحاكم والقضاة.
ففي ما يخص تعيين القضاة، فإنه يتسم بهيمنة الإدارة عليها، حيث يبدو جليا أن وزارة العدل تتحكم بشكل كبير في كل المراحل والأشواط لتعيينهم بدء بمباراة الولوج وانتهاء بامتحان التخرج.
أما في ما يتعلق بتأديب القضاة، فإنه حين يصل إلى علمه ارتكاب أحد القضاة إخلالا يقتضي متابعته تأديبيا، فإنه ينهي ذلك إلى المجلس الأعلى للقضاء، وبعد استشارة الأعضاء المعنيين بقوة القانون، يعين مقررا يجب أن تكون درجته أعلى من درجة القاضي المتابع. كما أن العقوبات التأديبية من الدرجة الأولى: الإنذار، التوبيخ، التأخير عن الترقي من رتبة إلى رتبة أعلى لمدة لا تتجاوز سنتين، الحذف من لائحة الأهلية للترقي من درجة إلى درجة أعلى، تصدر بقرار من وزير العدل بناء على ما يقترحه المجلس الأعلى للقضاء، إلى جانب المتابعة، يمكن توقيف القاضي حالا عن مزاولة مهامه بقرار له أيضا، إذا توبع جنائيا أو ارتكب خطأ خطيرا، الأمر الذي يمكن معه القول إن تحريك المتابعة وتوقيف القاضي حالا عن مزاولة مهامه قد يمس كرامة وشرف القضاء والقضاة، ويخل بمبدأ تحقيق العدالة وتوزيعها.
أما بخصوص النقل، فإن القانون الأساسي لرجال القضاء، أعطى لوزير العدل الحق في نقل القضاة من محكمة إلى أخرى لمدة معينة في إطار الانتداب، بدافع المصلحة العامة. ولا شك أن عدم احترام موجبات المصلحة العامة التي أجيز لأجلها النقل، قد يؤدي إلى إهدار المقصود من الندب، ويزعزع الثقة في العدالة، لأن قرار الانتداب قد يخفي وراءه قرارا تأديبيا إذا كان القاضي مخالفا لآراء من أصدر القرار. وقد يستعمل كأداة لإفادة القاضي ماديا مجازاة له بما يمهد للمزيد من تأثير وزير العدل على استقلال القضاء.
إلى جانب ذلك، فهو يقوم بتهيئة وتحضير لائحة الأهلية للترقية من درجة إلى درجة سنويا، بعد استشارة المجلس الأعلى للقضاء. وتمتد سلطة وزير العدل لتشمل الإجراءات التي لها علاقة بتفتيش المحاكم والقضاة، ذلك أن رؤساء محاكم الاستئناف والوكلاء العامين للملك ملزمون برفع تقرير إلى السيد الوزير بنتائج تفتيش المحاكم التابعة لنفوذهم. كما أن الوكيل العام للملك للمجلس الأعلى للقضاء يمكن أن يوجه تعليماته وملاحظاته إلى الوكلاء العامين لدى محاكم الاستئناف، وإلى وكلاء الملك لدى المحاكم الابتدائية، وعليه أن يبلغ وزير العدل بكل الإخلالات التي يمكن أن يلاحظها على أي قاض من قضاة النيابة العامة.
هذا وينص الفصل 15 من ظهير 17 نونبر 1974 على منع القضاة من مباشرة أي نشاط مهما كان نوعه، بأجر أو بدونه، خارجا عن مهامهم، إلا أنه يمكن مخالفة هذه القاعدة بقرارات فردية لوزير العدل، وتضيف الفقرة الثانية من نفس الفصل أن هذا المنع لا يمتد إلى التآليف الأدبية والعلمية. دون أن يذكر صفته القضائية إلا بإذن من وزير العدل.
وتجدر الإشارة إلى أن وزير العدل نائب للرئيس(الملك) ويترأس اجتماعات المجلس الدورية حسب الفصل 48 من الدستور.
هكذا يلاحظ أن السلطات الممنوحة لوزير العدل هي سلطات خطيرة قد تمس كيان العدالة وتفقد القضاء استقلاله وتفرغه من محتواه الحقيقي، لن هذه السلطات قد تستعمل انتقاما من القضاة أو العاملين بالجهاز القضائي الذين يخالفونه أو يشك في ميولاتهم السياسية تجاهه، مما قد يجعله مجرد أداة لتصفية الحسابات وحماية الفئات المحظوظة في البلاد، لذلك فلا سبيل إلى وضع القضاء موضع الاستقلال إلا بالتزام القانون مع الحرص على تطبيقه، وتغليب المصلحة العليا للبلاد مع تغييب الصراع الفكري والأيديولوجي، وجعل السلطة للضمير المهني الحي، لا للأهواء والنزوات، فإذا التزم كل مسؤول في الجهاز القضائي بهذه المبادئ، فإن الانتماء الحزبي للوزير لن يكون له أي تأثير سلبي على السير الحسن لمرفق العدالة، بل سيشكل دما جديدا يسهم في تحقيق العدالة وفي التغيير الذي يسعى إليه الجميع، وبناء دولة الحق والقانون.
أحمد النبوتي
باحث في القانون


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.