● أصبح العيد في السنوات الأخيرة يرتبط لدى المغاربة ب»المعاناة»، يتجلى ذلك من خلال ما يشوب تدبير الأضحية من شوائب إلى جانب انعدام النظافة يوم العيد وأمور أخرى. في نطركم، كيف تكرست هذه الصورة النمطية عن العيد؟ ❍ لقد صار العيد جزءا من الثقافة الإجتماعية -عند شريحة كبيرة من الناس- وفقد بعده الديني والتعبدي، كما أن العديد من الناس أهملوا الجانب التكافلي في شعيرة العيد والأضحية، مما أصبح معه الكثير من الناس المعوزين يعانون من أمر تدبير الأضحية بشكل فردي، مع ضيق ذات اليد وضعف الدخل المادي... كما أن غلاء الأضحية والمضاربات في أثمانها من طرف فئة لا يهمها سوى استغلال فرصة العيد للربح السريع ساهم في تفاقم المشكل. ويكمن السبب الحقيقي في نظري، في فقدان البعد الديني والتعبدي في شعيرة العيد، عند الكثير من الناس، وهو أمر استفحل في السنوات الأخيرة نتيجة تركيز وسائل الإعلام ذات الإنتشار الواسع، على الأبعاد والمظاهر والأشكال والطقوس الإجتماعية، وتغييبها للجانب الديني والروحي من المقاربة الإعلامية والتوعوية... حيث يتم التركيز على المظاهر الاستهلاكية، والأسواق، والعادات، والتباهي، والتفاخر... وإهمال التعبد، والتقرب، والطاعة، والتكافل، والتعاون، والمواساة،، والتضحية والإمتثال ( إلى الله تعالى ) من القاموس الإعلامي... مما أسهم في إفراغ العيد والأضحية من الجانب الروحي ومقاصد التعبد وفلسفة العيد الحقيقية، وإعطائها جانبا اجتماعيا ذا بعد استهلاكي. أما فيما يتعلق بتدبير النظافة في أيام العيد، فهذا مشكل عام، وتعود أسبابه بالدرجة الأولى إلى: المواطن الفرد، والجماعة في الحي، قبل الدولة أو الجماعات المحلية المكلفة بتدبير مشكل النظافة في المدن والقرى... وهذا في رأيي يرجع لغياب الوعي الإجتماعي وضعف الوازع الديني، إذ الإسلام يجعل « النظافة من الإيمان « كما في الحديث المشهور، و «إماطة الأذى عن الطريق « من معالم الإيمان، وأسباب دخول الجنة، و « إذاية الجار « عموما من المحرمات... إلى غير ذلك مما رسخته الشريعة الإسلامية والسنة النبوية... ولهذا لابد من تكاثف الجهود من الجهات المسؤولة وسكان الأحياء والأفراد ووسائل الإعلام وأئمة المساجد والوعاظ، من أجل تجاوز هذه المعضلة التي تعكر أجواء العيد وتشوه جماليته... ● ما هي فلسفة العيد الحقيقة؟ ❍ أظن والله تعالى أعلم، أن المقاصد التعبدية للعيد، هي الأسمى، وهذا لا ينفي المنافع المادية والاقتصادية، لقول الله تعالى في الحج : «ِليَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ «(الحج : 28 ). ولهذا كان السلف الصالح رضوان الله عليهم يشددون على جانب التعبد والامتثال والتضحية وحب الله تعالى والتقرب إليه بالأضحية، فالله تعالى سبحانه غني عن « اللحم والدم « ولكن لحكمة يعلمها جعل الأضحية من أفضل ما يتقرب به إليه، يقول تعالى:» لن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ «(الحج : 37 ). إن تذكر نعم الله تعالى علينا التي لا تعد ولا تحصى :» وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ « (إبراهيم : 34 )، يجعلنا نفرح بمنة العيد، في أبعاده المتعددة، فمجرد تذكر أن الله تعالى افتدى النبي إسماعيل عليه السلام، بكبش من الجنة، لقوله تعالى :» وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ « (الصافات : 107 )، يجعلنا نحمد الله تعالى ونشكره على هذه النعمة الكبرى، إذ لولاه لأصبح من السنن البشرية ذبح الأبناء للتقرب إلى الله تعالى، في حين يعز على الإنسان عموما أن يصاب ابنه وفلذة كبده بأدنى مكروه، ولننظر نحن المسلمون إلى عادات بعض الأقوام الوثنية التي ما تزال تقدم قرابين بشرية أو أجزاء من البشر كالدم، لآلهتها المزعومة، دون أن يردعها عن ذلك ضمير ولا قانون ولا عرف. ولو طلب من إنسان أن يفتدي ابنه بمال لافتداه بكل ما يملك، فكيف يستثقل بعض الناس ثمن الأضحية، وقد يدفع أضعاف أضعاف ثمنها في أمور ثانوية أو ترفيهية؛ وكيف يستثقل بعض الناس رمزية الأضحية في جانب الحب الإلهي، والناس يتقربون إلى أحبابهم بأجمل ما يملكون فكيف بالتقرب إلى الله تعالى بكبش أو ما في معناه، ونِعمُ الله تعالى تغمرنا من كل جانب... إن التقرب إلى الله تعالى من أسمى مقاصد العيد، وأهم ركائز فلسفته التشريعية، وتترجم تلك القربى بالأضحية، في الذبح لله تعالى تحريم للذبح لغيره مهما كان وكيفما كان في أي موقع كان، ولهذا جعل الله تعالى من المحرمات الذبح لغيره، يقول تعالى:» وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ « وجعل ذلك من تمام النعمة والمنة والدين ، قال تعالى في نهاية الآية:» الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِّإِثْمٍ فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ « (المائدة : 3 ). ومن مقاصد العيد وفلسفته تشديد أواصر الترابط والتكافل والتعاون بين المسلمين، ولهذا سن النبي صلى الله عليه وسلم التصدق بثلث الأضحية على المحتاجين وغيرهم الذين لم يتمكنوا من التضحية، لأسباب مختلفة، فلا يحرموا من بهجة العيد لفقدانهم القدرة على الأضحية... حيث يشاركون عموم المسلمين في الفرحة بالعيد... ويشعرون بأنهم جزء من النسيج الاجتماعي للأمة وأن الأمة لم تتخلى عنهم يوم الفرحة، فتتوطد بذلك أواصر المحبة والأخوة الدينية... كما يساهم التكافل في التخفيف من الآثار الاقتصادية الناجمة عن التكلف من أجل شراء الأضحية، حيث قد يلجأ البعض إلى بيع ما هو ضروري أو في حكمه كأثاث المنزل أو آلات الارتزاق من أجل شراء الأضحية التي هي سنة في حق من استطاع إليها سبيلا. ● يرى فاعلون، أن العيد اليوم تحول من سنة مؤكدة إلى «فريضة» اجتماعية، ما العمل من أجل أن تبرز الصورة الحقيقية للعيد؟ لكي تبرز المعاني والمقاصد الشرعية للعيد، لابد من إيلاء الجانب الإعلامي أهمية قصوى من أجل هذا العرض، وتكثيف البرامج الإعلامية سواء في القنوات الإذاعية أو التلفزية، مع التركيز على المقاصد التعبدية والدينية التي أشرنا إليها آنفا، وإستدعاء لهذه البرامج من أهل التخصص في العلوم الشرعية خصوصا، وغيرهم من المهتمين بقضايا المجتمع ممن يركزون في آرائهم وأفكارهم على الجانب التعبدي والديني، والذي يبرز رحمة الله بهذه الأمة حيث لم يجعل الأضحية فرضا واجبا، بل جعلها سنة مؤكدة على من له القدرة عليها، وبيان كيف أن النبي صلى الله عليه وسلم قد ضحى عن أمته جمعاء إلى يوم القيامة، ولهذا لا يتحمل إثم تركها من أعوزته الظروف إلى ذلك... أما مشكل اللحم فعلى عموم المسلمين الذين ضَحَّوْا أن يُحْيوا سنة النبي صلى الله عليه وسلم، بالتصدق بجزء من الذبيحة على المحتاجين... كما على جمعيات المجتمع المدني أن تسهم في تخفيف الضائقة المادية على الأسر الفقيرة بالمساهمة في ثمن الأضحية، أو توزيع الأضاحي على عدد من المحتاجين... وبهذا نسهم جميعا مؤسسات وأفراد ومجتمع في تحقيق فلسفة العيد ومقاصده التعبدية.