تداولت عدد من الصحف والمواقع الإلكترونية تقريرا صادرا عن الخارجية الأمريكية موجه إلى الكونغرس الأمريكي حول وضعية حقوق الإنسان في الصحراء، وسايرت أو ربما سقطت من غير وعي منها، في فخ تضخيم هذا التقرير، وإبراز بعض عناوينه، وإعطائه بعدا سياسيا لا يتحمله، بل ورفعه إلى درجة أن يكون مؤشرا عن وجود انعطافة كبيرة في الموقف الأمريكي، أو ربما عدول كامل عن أجندة الحوار الاستراتيجي الذي دشنه المغرب مع أمريكا مؤخرا. والواقع، أن هذا التقرير، يحمل طبيعة تقنية وشكلية لا أثر سياسي يمكن أن يترتب عنه، بل ولا يمكن أن يعتمد كمؤشر في قياس موقف الولاياتالمتحدةالأمريكية من نزاع الصحراء. فالتقرير في حقيقته، يحمل صفة إدارية محضة، إذ أنه يرتبط بإجراء شكلي يتطلب من وزارة الخارجية الوفاء به لتبرير المساعدات العسكرية للمغرب، وذلك في إطار ميزانيتها العملياتية. فبمقتضى القانون الذي تمت المصادقة عليه في دجنبر 2011، طلب الكونغرس من وزارة الخارجية أن تقدم بين يدي هذه الميزانية تقريرا عن حقوق الإنسان في الدولة التي يتم توجيه المساعدة العسكرية لها، وهو ما تقوم به الخارجية الأمريكية بانتظام كإجراء شكلي لتبرير حجم هذه المساعدات. من الناحية الشكلية للتقرير، فإنه لم يأت بجديد، إذ لم يخرج عن نسق تقارير الخارجية الأمريكية عن وضع حقوق الإنسان، بل حتى تقارير الحريات الدينية في المغرب، والتي لم يكن لها أي أثر في تكييف المساعدات العسكرية، بحكم أن هناك محددات متعددة تتدخل في تبرير حجم هذه المساعدات، وليس ملف حقوق الإنسان سوى محدد واحد من هذه المحددات، فيما تحتل المحددات الاستراتيجية والسياسية المساحة الكبرى في تبرير هذه المساعدات. وهذا ما سيجعل الحوار الاستراتيجي الذي دشنه المغرب مع أمريكا مؤخرا، يدفع في اتجاه تنامي الروابط السياسية والإستراتيجية، مما يعني أن أثرها سيكون واضحا على مستوى تحديد حجم المساعدات العسكرية الأمريكية للمغرب. أما من ناحية مضمون التقرير، فإنه لم يخرج أيضا عن نسق تقارير وزارة الخارجية ألأمريكية في التعاطي غير المتوازن مع الملف، فضلا عن وجود ضعف كبير في المعايير المهنية المعتمدة، وقد كان من الممكن أن يتم مناقشة هذا التقرير الذي حاول رسم صورة سلبية عن أوضاع حقوق الإنسان في المغرب، وإبراز جوانب الاختلال في المعايير المهنية التي التزمها، لكن، طالما أن التقرير يحمل صبغة إدارية داخلية، إذ أنه موجه إلى الكونغرس للمصادقة على الميزانية العمليايتة لوزارة الخارجية، فإن إخراجه إلى التداول الإعلامي الكثيف، ونقل فقراته إلى النقاش العمومي، إنما يخدم في الحقيقة مواقع خصوم الوحدة الترابية الذين يحاولون أن يستغلوا مثل هذه التقارير ذات الصبغة الإدارية الشكلية غير المعلنة، لتحقيق هدفين اثنين: - ممارسة الضغط السياسي والدبلوماسي والإعلامي لتبرير تخفيض كبير في المساعدات العسكرية الأمريكية للمغرب. - التشويش على الحوار الاستراتيجي المغربي الأمريكي الذي انطلق لمعاجلة قضايا أمنية وسياسية ذات طبيعة استراتيجية يمكن للمغرب أن يقوم فيها بأدوار مركزية لاسيما في منطقة الساحل وجنوب الصحراء. ومما يؤكد هذا التحليل، كون التقرير بقي بطابعه الداخلي، وأن المواقع والصحف الوطنية التي تداولته، إنما استقته من وسائل إعلام جزائرية أو مواقع إلكترونية انفصالية أو مقربة من أعداء الوحدة الترابية. طبعا، لجميع وسائل الإعلام الحق في نقل الخبر والتعليق عليه، ولها كامل الحق في أن تنور الرأي العام بالمعطيات التي تتعلق بقضيته الوطنية، لكن، ممارسة الحق تستدعي أيضا الحذر من الخلفيات التي تؤطر زاوية معالجة الخبر، لاسيما إن كانت تضر بالمصالح الوطنية للبلاد. بكلمة، ينبغي للمعاجلة الإعلامية أن تضع في الاعتبار طبيعة التقرير، ومقاصد الخارجية الأمريكية من إصداره، وحجم الأثر الذي يمكن أن يكون له في تحديد المساعدات العسكرية الأمريكية للمغرب، و المرامي التي يسعى لها خصوم الوحدة الترابية من نقل التقرير من صبغته الداخلية إلى خلق حالة رأي عام من خلاله، واستثماره لتحقيق مكاسب سياسية ودبلوماسية تتعلق بإدماج آلية حقوق الإنسان في المهام الأممية وبشكل خاص مهمة المينورسو.