أعاد ملف متابعة موظفين على خلفية تسريب وثائق تتضمن مبالغ العلاوات التي يتقاضاها الخازن العام ووزير المالية السابق، النقاش حول مجموعة من المفاهيم: «مسؤولية فاضحي الفساد، الحصول أو الولوج إلى المعلومة، إفشاء السر المهني، ومحاربة الفساد من جديد، محاربة الإعلام للفساد و المفسدين..»، ففي هذا الملف يتابع موظفان الأول بإفشاء السر المهني، والموظف الثاني يتابع بتهمة المشاركة في الإفشاء. ومن المسلم أن المبادئ الأساسية لدعم العدالة الجنائية في مجال مكافحة جرائم الفساد -مهما كانت هذه الجرائم-تقتضي حماية المبلغين بهذه الجرائم، ولهذه الغاية أعدت وزارة العدل مشروع قانون يتعلق بتعديل المادة 6 من القانون المتعلق بالتنظيم القضائي للمملكة يقضي بإحداث قضاء متخصص في مكافحة جرائم الأموال، وذلك عن طريق إحداث أقسام للبت في جرائم الفساد على مستوى محاكم الاستئناف. إلا أننا نجد أنفسنا أمام تداخل لتلك المفاهيم أمام تكريس الحق في الحصول على المعلومات لأول مرة مع الالتزام بعدم جواز تقييده إلا بمقتضى قانون في الدستور المغربي الجديد. وليبقى السؤال: كيف نبلغ عن جريمة مالية بمصلحة عمومية دون أن نسقط في تهمة «إفشاء السر المهني»، كيف تنشر وسائل الإعلام غسيل المفسدين ولهادرين للمال العام دون محاسبتها بتهمة السب و القذف....خاصة وأن الكشف عن جرائم الفساد وتشجيع الإبلاغ عن مرتكبيها تمثل أهمية خاصة للجميع، إذا ما سلمنا بأن تلك الجرائم يحوطها الكتمان التام. التبليغ ومطلب الحماية يعد التبليغ عن الجرائم بصفة عامة والإدلاء بالشهادة حول وقائعها، وعن جرائم الفساد بشكل خاص واجبا قانونيا وأخلاقيا، إلا أن هذا الواجب ينبغي أن يقابل بالحماية الكافية للمبلغين وأقاربهم، وفي هذا الإطار طالبت الهيئة الوطنية لحماية المال العام بالمغرب -فرع مراكش- في رسالة موجهة إلى فاطمة الزهراء المنصوري، رئيسة المجلس البلدي للمدينة ذاتها بفتح تحقيق حول «ادعاءات تتعلق بالفساد والتدخل لحماية كاشفي الفساد وتبديد المال العام»، وأوضحت الرسالة أن مكتب الجمعية المذكورة توصل بشكاية تحمل توقيع ثلاثة موظفين تابعين للمجلس الجماعي لمراكش تشير إلى تعرضهم لمسلسل من الضغط والانتقام نتيجة فضحهم للفساد و تبليغ الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بمراكش. يأتي مطلب الهيئة في ظل مصادقة المغرب على اتفاقية الأممالمتحدة لمكافحة الفساد التي تضمن خمسة مجالات رئيسية (الوقاية؛ التجريم؛ التحقيق والزجر؛ التعاون الدولي؛ استرداد الموجودات؛ المساعدة التقنية وتبادل المعلومات)، وتفرض على الدول الموقعة عليها اتخاذ تدابير للحد من الفساد و حماية كاشفي و فاضحي الفساد، كما صدر بالمغرب قانون يتعلق بحماية فاضحي الفساد -نشر بالجريدة الرسمية بتاريخ 20 أكتوبر 2011- وهو يحمي فاضحي الفساد سواء كانوا ضحاياه أو شهود أو خبراء أو مبلغين عن جرائم الرشوة واختلاس الأموال العمومية و استغلال النفوذ.. القانون وإفشاء الأسرار يقول خالد الإدريسي، الباحث القانوني والمحامي بهيئة الرباط أن تناول القانون الجنائي المغربي موضوع إفشاء الأسرار في الفرع الخامس من الباب السابع المتعلق بالجنايات والجنح ضد الأشخاص، ولاسيما في الفصل 446 الذي ينص على أن الأطباء والجراحون وملاحظوا الصحة، وكذلك الصيادلة والمولدات وكل شخص يعتبر من الأمناء على الأسرار بحكم وظيفته الدائمة والمؤقتة إذا أفشى سرا أودع لديه، وذلك في غير الأحوال التي يجيز له القانون أو يوجب عليه فيها التبليغ عنه، فيعاقب بالحبس من شهر إلى ستة أشهر وغرامة مالية من ألف ومائتين إلى عشرين ألف درهم. ويؤكد الفصل 447 أن كل مدير أو مساعد أوعامل في مصنع، إذا أفشى أو حاول إفشاء أسرار المصنع الذي يعمل به سواء كان ذلك الإفشاء إلى أجنبي أومغربي مقيم في بلد أجنبي، يعاقب بالحبس من سنتين إلى خمس سنوات وغرامة من مائتين عشرة ألاف درهم... ويرى الإدريسي أن مقتضيات الفصلين المذكورين ولاسيما الفصل 447 توضحان بما لا يدع مجالا للشك على أن الأسرار التي تشكل جريمة، هي الأسرار المتعلقة بالعمل كاستراتيجيات وخطط عملية أو براءة الاختراع..، وما إلى ذلك، أما الخروقات وأنواع الفساد التي تطرأ في العمل أو بمناسبته بواسطة موظفين، كبارا أو صغارا فإنه غير مشمول بالتجريم والعقاب المقرر في الفصل 447 من القانون الجنائي. ولعل ما يؤكد هذا الطرح -حسب الإدريسي- هو وجود مقتضيات قانونية صارمة سواء في الدستور المغربي الجديد في الفصل 27 الذي يمنح الحق «للمواطنين و المواطنات حق الحصول على المعلومات الموجودة في حوزة الإدارة العمومية والهيئات المنتخبة والهيئات المكلفة بها والمرفق العام»، فيما كان واضحا بخصوص الحق في المعلومة التي تمس حماية ما يتعلق بالدفاع الوطني، حماية أمن الدولة الداخلي والخارجي والحياة الخاصة للأفراد، وكذا المس بالحريات والحقوق الأساسية المنصوص لها في هذا الدستور، وحماية مصادر المعلومات والمجالات التي يحددها القانون بدقة». وفي السياق ذاته يرى الإدريسي أن الواقعة المتحدث عنها، والتي أصبحت تعرف بواقعة «اعطيني نعطيك» لا تدخل في إطار قيود القانون المحددة في الدستور، وإنما تشكل خرقا فاضحا للقانون وواقعة من وقائع الفساد التي تدين من تبت في حقه، أكثر من ذلك فقد صدر بالمغرب قانون يتعلق بحماية فاضحي الفساد -نشر بالجريدة الرسمية بتاريخ 20 أكتوبر 2011- وهو يحمي فاضحي الفساد سواء كانوا ضحاياه أو شهود أو خبراء أو مبلغين عن جرائم الرشوة واختلاس الأموال العمومية و استغلال النفوذ، وإضافة إلى حماية أسرهم وممتلكاتهم، مما يجعل الموظف الذي كشف عن الوثائق التي أوضحت عملية اختلاس أموال عمومية بين وزير الاقتصاد و المالية، والخازن العام يدخل في إطار مقتضيات القانون الأخير، وبالتالي يجب أن يستفيد من الحماية التشريعية المقررة لفاضحي الفساد بمقتضى هذا القانون. غياب الشفافية أكد عبد السلام أبودرار، رئيس الهيئة المركزية للوقاية من الرشوة خلال الندوة الدولية حول الحق في الولوج للمعلومات المجلس الوطني لحقوق الإنسان، على أن الدستور الجديد تناول هذا الموضوع بعناية خاصة، حيث أفرد له عدة مقتضيات تصب في التأكيد على تكريس الحق في الحصول على المعلومات لأول مرة مع الالتزام بعدم جواز تقييده إلا بمقتضى قانون، وتم استصدار مجموعة من النصوص القانونية -حسب أبو درار- تكرس قواعد الشفافية في التدبير العمومي في عدة مجالات يسمح استقراؤها برصد مجموعة من الملاحظات: كغياب تشريع عام يكفل الحق في الحصول على المعلومات ويلزم الإدارة بتوفير المعطيات والمعلومات والبيانات وجعلها متاحة للمواطنين دونما أدنى قيد إلا ما تقتضيه مستلزمات النظام العام- وجود عائق قانوني يحد من الولوج إلى المعلومات يتمثل في تقييد الموظفين بالسر المهني وفق مقتضيات الفصل 18 من النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية التي تبقى غامضة وصعبة التنزيل. كما يلاحظ أن هذه المقتضيات لا تساعد على تفعيل واجب التبليغ عن الفساد الذي تنص عليه مقتضيات المادة 42 من مدونة المسطرة الجنائية، وقد تتناقض مع مكتسبات قانون حماية الشهود والمبلغين خصوصا في مادته 82-9 التي تنص على «عدم إمكانية متابعة المبلغين سواء تأديبيا أو جنائيا على أساس إفشاء السر المهني إذا كانت الجرائم المبلغ عنها تم الاطلاع عليها بمناسبة مزاولتهم لمهامهم». - الفعالية المحدودة لقانون تعليل القرارات الإدارية الذي لم يتمكن من الحد من الكثير من الانزلاقات الإدارية الناتجة عن طغيان السر المهني وغياب نظام الإقرار بالاستلام وعدم انسجام ووحدة التعليل وعدم ترتيب جزاءات في الموضوع وضبابية الاستثناءات المقررة، - الطابع التقني المفرط للقانون المالي الذي يساعد على التدبير شبه المنغلق، نظرا لعدم استيعابه لعدد من الالتزامات التي تتم خارج إطاره، ولضعف فعالية آليات تتبع تنفيذ وتقييم الالتزامات المالية، بما ينعكس سلبا على فعالية المراقبة السياسية، ويحول دون مساهمتها في رصد مدى الالتزام بضوابط النزاهة والشفافية في التدبير العمومي. ولضمان النفاذ إلى المعلومات وتوفير ظروف الشفافية اللازمة لتدبير الشأن العام يحتاج الأمر حسب «بودرار»إلى سن قانون للولوج إلى المعلومات بالإضافة إلى إدخال مجموعة من الإصلاحات على مختلف النصوص القانونية ذات الصلة بالشفافية في مختلف المجالات.