ثمة إشكال كبير أثاره مصطفى الرميد ، وزير العدل ، في حواره مع إحدى الصحف الوطنية، حول الالتباس الموجود بين قضية التبليغ ضد الفساد للنيابة العامة أو الشرطة وبين نشر وثائق سرية تعتبر أدلة إدانة ضد فاسدين وما يترتب عن الحالتين من التمتع بالحماية القانونية أو رفعها عن المبلغ. فمن جهة، هناك وضوح دستوري بخصوص الحق في الوصول إلى المعلومة التي توجد بحوزة الإدارة العمومية والمؤسسات المنتخبة والهيئات المكلفة بمهام المرفق العام، فالفصل 27، ينص على هذا الحق، ويشير بدقة إلى الحالات التي تقيد هذا النص. ومن جهة ثانية، فإن الحماية القانونية التي تضمنها المسطرة الجنائية في شأن الضحايا والشهود والخبراء والمبلغين فيما يخص جرائم الرشوة والاختلاس واستغلال النفوذ لا تحصل إلا إذا توجه التبليغ إلى النيابة العامة أو الشرطة. يأخذ الإشكال هنا أربع مستويات: المستوى الأول: ويتعلق بمفهوم الوثائق السرية، إذ الدستور واضح في ربط مفهوم السرية بالقضايا التي ترتبط ب»الدفاع الوطني أو أمن الدولة الداخلي والخارجي، والحياة الخاصة للأفراد و الوقاية من المس بالحريات والحقوق الأساسية المنصوص عليها في هذا الدستور، وحماية مصادر المعلومات والمجالات التي يحددها القانون بدقة». المستوى الثاني: ويرتبط بقصر الحماية القانونية على التبليغ للشرطة أو النيابة العامة، ورفعها فيما عدا ذلك، بما يعني أن الحماية القانونية ترتفع عند قيام المبلغ بنشر وثائق أو معطيات تفضح الفساد عبر وسائل الإعلام. المستوى الثالث: وهو الأخطر، وهو أن تكييف المتابعة الجنائية قد يعتمد على الفصل 27 من الدستور، بتأويل فضفاض لمفهوم السرية خاصة ما يتعلق بأمن الدولة أو الحياة الخاصة للأفراد، أو باعتماد نص قانون الوظيفة العمومية المرتبط بإفشاء السر المهني، مما يعني المنع الضمني لوسائل الإعلام من البحث عن مصادر يمكن لها أن تقوم بدور في فضح الفساد من داخل الإدارة العمومية، أي منعها من الوصول إلى المعلومة والوثائق التي تثبت تورط مسؤولين في الفساد. المستوى الرابع: والمرتبط بمفهوم السر المهني في قانون الوظيفة العمومية، وهل فضح نهب المال العام أو الفساد أو الرشوة يشمل السر المهني أم أنه خارج عنه. هذه الإشكالات النظرية التي يثيرها التأويل القانوني للنص الدستوري ونص المسطرة الجنائية ونص قانون الوظيفة العمومية الخاص بإفشاء السر المهني، تتضح دلالتها أكثر بالوقائع القانونية، والتي تسمح ببروز مفارقات قد تسيء إلى صورة القضاء في المغرب من جهة، وتعكس من جهة ثانية، الحاجة إلى أن يحسم قانون الحق إلى الولوج إلى المعلومة، الذي ينتظر خروجه في سنة ،2013 مع هذا الإشكال وتمتيع الصحافة بالإمكان القانوني الذي يسمح لها بالحماية القانونية لمصادرها فيما يتعلق بفضح الفساد. المعادلة جد صعبة، لأنها تتعلق من جهة، بتحصين الإدارة والحفاظ على طابع التحفظ فيها، ويتعلق من جهة ثانية، بتوفير الحماية القانونية للمبلغين ضد الفساد سواء توجهت الشكايات إلى النيابة العامة أو إلى الشرطة أو نشرت وثائق عبر الصحافة. ملخص الفكرة، إنه لاشي في الدستور يمنع موظفي الإدارة من أن يتحولوا إلى مصادر لفضح الفساد عبر وسائل الإعلام إلا إذا كان الأمر يدخل ضمن الحالات التي قيدتها المادة 27 من الدستور، وضمن هذه الحالات يمكن أن يتم تأويل مفهوم إفشاء السر المهني بشكل يعرض المبلغ إلى المتابعة في حالة ما إذا توجه إلى النشر عبر وسائل الإعلام، كما أنه لا وجود لأي مادة قانونية توفر الحماية القانونية، لهؤلاء إن أقدموا على هذا الفعل، ويبقى الحسم في النهاية، للتقدير القضائي، الذي يمكن أن يكيف المسألة، وهل تدخل في إطار الحق في الوصول إلى المعلومة، أم يدخل في إطار الحالات التي استثناها الدستور. معنى ذلك، أننا بحاجة اليوم إلى قانون ينهي مساحات التأويل ويقلص من هامش التقدير القضائي، ويوضح بشكل دقيق مفهوم السرية، وما هي المعطيات التي تندرج ضمنها، وكذلك مفهوم السر المهني وهل يندرج التبليغ عن الجرائم المالية وفضحها عبر وسائل الإعلام ضمن هذا السر، ويوفر الحماية القانونية للمبلغ ضد الفساد سواء توجه إلى الشرطة والنيابة العامة أو اختار فضح الفساد عبر وسائل الإعلام.