كشفت الدكتورة سهام بادي وزيرة المرأة وشؤون الأسرة في الحكومة الائتلافية التونسية، في حوار خصت به «التجديد» على هامش مشاركتها بالندوة الإقليمية «الوقاية ومحاربة العنف ضد النساء» التي نظمتها وزارة التضامن والمرأة والأسرة والتنمية الاجتماعية يومي الاثنين والثلاثاء الماضيين بالرباط، (كشفت) عن تفاصيل علاقتها الخاصة بالمغرب معتبرة إياه بلدها الثاني. ووقفت بادي الطبيبة والمتخصصة في علوم التربية عن بعض تمظهرات التجربة المغربية في مجال المرأة والأسرة وكذا في الجانب السياسي، وكيف تشكل مصدر إلهام وغنى للتجربة التونسية. وتحدثت الوزيرة بادي التي أجبرتها عمليات القمع والاضطهاد في أوائل التسعينات على مغادرة التراب التونسي وطلب اللجوء السياسي سنة بفرنسا، بعد أن صدر حكم ضدها يقضي بسجنها سنتين لانخراطها في العمل السياسي والطلابي في تلك الفترة. (تحدثت) عن العمل والمجهود الذي ينتظرها في وزارة اكتشفت أنها تعاني من فراغ في البرامج وفي الاستراتيجيات وفي الإطارات وفي النظرة المستقبلية. كما كان اللقاء مع الوزيرة التونسية (أم لثلاثة بنات) فرصة للحديث عن تطورات ملف المرأة والأسرة بعد الثورة وخاصة بعد انتخابات 23 أكتوبر وتشكيل مجلس وطني تأسيسي وحكومة ائتلافية غالبية عناصرهما من الإسلاميين. ● أنتم في أول زيارة رسمية للمغرب منذ توليكم منصب وزاري بالحكومة التونسية. بماذا كانت تتسم زياراتكم السابقة في علاقتكم بهذا البلد؟ ❍ لقائي بكم فرصة ليكتب لأول مرة عن علاقتي الخاصة بالمغرب. هذا البلد الذي عوضني عن بلادي في سنوات الجمر واللجوء بفرنسا (18 سنة قضتها لاجئة سياسية ومناضلة خارج حدود الوطن)، عندما لم يكن لي حق التنقل بجواز سفر الأممالمتحدة في الدول العربية. ويطالني منع التجول بالدول التي لها اتفاقيات مع النظام البائد. لقد كان المغرب هو البلد الوحيد الذي يمنحني تأشيرة الدخول إلى أراضيه بجواز السفر هذا. ففي كل موسم عودة للمهاجرين من الجالية العربية إلى بلدانها الأصلية، لم أكن أجد من بلد يحتضنني بعد العودة من الغربة سوى المغرب.. لقد كان هو بلدي الثاني، لذلك فهو له مكانة ومحبة خاصة عندي. ولعل هذه المكانة تجد أحد تجلياتها في أن كثيرا ممن كنت أعالجهم كطبيبة، كانوا يظنون أنني مغربية، وهذا كان يشعرني بالفخر والاعتزاز. إضافة إلى ذلك، فأنا أنتمي لحزب رئيسه المنصف المرزوقي نشأ وترعرع ودرس بالمغرب، وله به علاقات نحب أن تكون أكثر من دبلوماسية أو علاقات تبادل سياسي أو تبادل خبرات...، لكي تكون علاقة ببلد نعتبره بالفعل بلدنا الثاني. لذلك فالسيد المرزوقي رئيس الجمهورية حريص في إطار العمل على وحدة المغرب العربي، أن تكون وحدة حقيقية، ويحب أن يقرب وجهات النظر حول هذه الفكرة التي كان هو صاحبها، وذلك من أجل الدفع بتحقيق هذا الحلم الذي يراودنا ولا نحبه أن يكون حبرا على ورق، وإنما أن تكون فيه مقومات النجاح السياسي والاقتصادي، ونجاح في فتح الحدود... وهذا النجاح أكيد يلزمه تفكير وروية حتى لا نخطأ هذه الخطوات، وحتى نؤسس بالفعل لوحدة مغاربية حقيقية، هي في تطلعات شعوبنا أمر هام جدا. وإذا كنا الآن، قد أصبحنا جزءا من السلطة التنفيذية في تونس، فإن علاقاتنا واتفاقيات الشراكة بيننا وبين المغرب، بالطبع ستكون لها مكانة وأهمية كبرى أولا في توطيد أواصر المحبة بين شعبينا، وثانيا في التعامل والمبادلات في سياق حركة اقتصادية أخرى نبحث عنها، من ضمن من يشكلها الدول الإفريقية عموما و المغاربية خاصة. نسعى إلى تطوير علاقتنا على مستوى حقل المرأة أيضا، فالمشاكل في المجتمع العربي تقريبا متماثلة وبنسب مختلفة، وهناك بالطبع خصوصيات يلزم أخذها بعين الاعتبار في تبادل العمل في هذا المجال. وأذكر هنا، أنه منذ سنة 2005 إلى الآن، المغرب راكم تجربة في موضوع الندوة الإقليمية التي نظمتها وزارة التضامن والمرأة والأسرة والتنمية الاجتماعية المغربية «حول محاربة العنف ضد النساء». كما أن هناك أكثر من 85 مؤسسة تعنى بشأن المرأة المعنفة. أما في تونس فلا يوجد إطلاقا أي مركز للإيواء أو الإحاطة أو إدماج المرأة المعنفة. وبالتالي أقول، أن التجربة المغربية تهمنا كثيرا بنجاحاتها وإخفاقاتها. وهذا الزخم والتراكم سيفيد في أن تكون بتونس مؤسسات تحت رعاية الدولة وبالمعونة مع المجتمع المدني. كما تعرفون في عهد النظام البائد لم تكن عندنا إحصائيات حقيقية، ومؤسساتيا لم تكن الدولة تعتبر وجود العنف المسلط على النساء، بل لا تعطي لهذا الموضوع حقه من الرعاية والعناية أو من البحث والدرس ورصد الأوضاع المتعلقة به. لكن الموضوع الآن، أصبح من أوكد اهتماماتنا، ونحن نشتغل على هذا الحقل من خلال لجنة وطنية، في تبادل الخبرات مع دول عربية وأجنبية ناجحة في هذا المجال، وإن شاء الله في القريب سنرى كثمرة لهذا الجهد، أول مركز إحاطة وإيواء وإدماج المرأة المعنفة في تونس. ● كيف كشف الربيع العربي واقع المرأة التونسية؟ ❍ كشف هذا الواقع، كما كشف آثار التهميش والإقصاء والتفقير للشعب التونسي. لقد كان أول متأثر من هذه الأوضاع هي الأسرة التونسية، وضمنها المرأة. فكثير من العائلات الفقيرة المرأة هي معيلها الوحيد. كما أن المرأة ساهمت في هذا الربيع العربي، وأعطت شهداء وسقطت شهيدة وقدمت جرحى وسقطت جريحة، فمن حقها - وهي كانت في الصفوف الأمامية للثورة- أن لا تشعر بنفس الإقصاء والتهميش الذي عانت منه لقرون طويلة في فترة ما قبل الثورة وما قبل الربيع العربي. ومن حقها أن يتحقق لها تمكين اقتصادي وسياسي واجتماعي. وسنعمل مع كل فعاليات المجتمع من أجل أن لا تنسى المرأة من ثمرة هذا الربيع، الذي يجب أن يشعر ببركاته النساء والرجال معا. ● هل «الربيع العربي» هو أيضا ربيع ومدخل إلى تطوير أوضاع المرأة في الدول التي تشهد تغيّرات؟ ❍ أتصور أنه ليس من السهل دك الديكتاتوريات في عقر دارها وإبادة أنظمة الاستبداد التي طغت وتجبرت خلال عقود من الزمن في أوطاننا..هذا كان صعبا. ولكن المشوار الذي ما زال ينتظرنا أصعب ومعقد. نحن الآن، في مرحلة البناء، ويلزم أن تكون لدينا أرضية صلبة، وأن تسمح مواد البناء ببناء له من مقومات الثبات في وجه العواصف كل الإمكانيات اللازمة. كما نريد لهذا البناء أن تشارك فيه كل فعاليات المجتمع حتى نبني تونسالجديدة. مرحلة ما بعد الثورة صعبة جدا، فهي مرحلة تقتضي إعادة ترتيب البيت من الداخل، تقتضي عملية إصلاح كبرى، ومقاومة منظومة الاستبداد. فرجال الاستبداد في الإدارة، في القضاء، في الأمن، في الإعلام...، ما زالوا موجودين ويشكلون ثورة مضادة. واليوم مقاومة هذا الفساد في سبيل بناء حكامة رشيدة تزعج الكثيرين. وهذا أمر يجعل مهمتنا أصعب. يلزمنا وقت أطول حتى تستقر البلاد، وتتأسس مؤسسات حقيقية، وأن نبني الدولة الديمقراطية والحديثة بكل مكوناتها... لا يزال المشوار طويلا. ❍ في ظل الجدل القائم حول ملف المرأة بتونس، بين متخوف ومتفائل في ظل التجاذبات والاستقطابات السياسية والإيديولوجية التي تميز مرحلة الانتقال الديمقراطي. أين تقف المرأة التونسية اليوم، وكيف تبدد مخاوفها؟ ❍ المخاوف مشروعة، لأنه في ظل انتعاش الحريات وفي ظل أن ما كان محضورا أصبح اليوم متاحا. تنظمت فصائل عديدة، أو لنقل تيارات يغلب عليها الغلو والتطرف. وإمكانية التعبير نعطيها لكل الناس، لكن يجب أن نتعامل مع التيارات التي يمكن أن تشكل تهديدا على حقوق المرأة ومكتسباتها بحذر، لا يمكن أن نقول اليوم أن هذه التيارات غير موجودة ومادامت موجودة، فلا زالت المرأة تخاف على مكاسبها. فقط يجب أن نتسلح بالوسائل المتاحة من تربية وإعلام وثقافة وتواصل مع كل أفراد الشعب وإحكام القبضة على مكتسباتنا. ● ما هي تطورات ملف المرأة والأسرة بعد الثورة وخاصة بعد انتخابات 23 أكتوبر وتشكيل مجلس وطني تأسيسي وحكومة ائتلافية غالبية عناصرهما من الإسلاميين؟ ❍ نشتغل بكل استقلالية، ليست عندنا أية ضغوطات أو توصيات أو خطوطا حمراء من النظام الذي يتوفر على الأغلبية. نعمل مع أطر الوزارة أو مع مكونات المجتمع المدني بكل فصائله وتنوعه داخل البلاد. لذلك، جعلنا على هذه الوزارة وفاق بين التيارات الإسلامية والعلمانية المعتدلة، وهذا أكسب ثقة ونجاحا لوزارة لا نريدها أن تتسيس أو تمثل تيارا بعينه، نريدها أن تكون وزارة للمرأة والأسرة التونسية فقط بدون أي انتماء آخر أو صبغة ما. لا نريد أن نرجع لها صورة الوزارة التي تلونت بصبغة الحزب الحاكم وبخيارات السيدة الأولى. وبالنسبة للملفات نحن انطلقنا من الصفر، كما قلت لك في موضوع العنف. لما كانت تعانيه الوزارة من فراغ في البرامج وفي الاستراتيجيات وفي الإطارات وفي النظرة المستقبلية. كثير من المجالات التي كان مسكوت عنها أو مهمشة أو لم تكن العناية بها كما يجب فتحناها، وأعدنا تنظيم الوزارة وهيكلتها من جديد بحيث تصبح فيها مؤسسات حقيقية لخدمة هذا المشروع الحضاري والمجتمعي بالشراكة الوطيدة مع مكونات المجتمع وكل الراغبين في النهوض بحقل المرأة والأسرة. وأتصور أننا حققنا في ذلك أقدارا من النجاح. وهذه قطرة ماء في بحر، لأن الملفات عديدة وكثيرة. إضافة إلى كل ما وسعنا عمله في ملفات الفساد داخل الإدارة أو في المنظومة والتصورات...، هذا عمل مضني، لأنه كما تعرفون مؤسسات الطفولة والأسرة والمسنين فيها تلاعبات بالأموال العامة وخدمات دون المستوى المرجو والمطلوب. وهذا كله فيه إدارة معطلة وتحكم البلاد قوانين عقيمة...، لذلك يلزمنا مجهود كبير للنهوض بهذه الوزارة وجعلها محورية في علاقتها بالوزارات التي لها صلة بالموضوع الاجتماعي وهذه القطاعات الهشة. ● هل تعتبرين أن تولي منصب وزاري بعد التغيير هو فرصة للمشاركة في إعادة تحسين أوضاع المرأة ؟ ❍ بالطبع أتيحت لي الآن فرصة أن أملك أداة السلطة فقط، وهي أداة من أدوات التغيير، لأنها لو لم تمنح لي هذه الفرصة لوجدت أداة أخرى، لكنت ربما سأتنظم مع المجتمع المدني أو اشتغل في كثير من المجالات والمناشط... أعتبر الآن، بأن الوسيلة توفرت لي، وسأحاول أن أحسن استعمالها ما استطعت في التغيير، وفي تحقيق مشروع يجعل من المرأة التونسية في أحسن الحالات والصفوف والمراتب. وفي تأسيس مشروع ناجح في الأسرة، والاهتمام أكبر بقطاع الطفولة والمسنين. هذه الفرصة أتمنى أن لا أفوتها حتى أحقق كل ما كنت أحلم به من مستقبل لتونس، ومن تطور في هذا المجال. بالرغم من صعوبة الظرف وبالرغم من القوى المضادة، وبالرغم من أننا في مرحلة التأسيس. حتى على مستوى الدستور وكتابته وصياغة القوانين نحن ما زلنا في مرحلة التأسيس وهي مرحلة هامة جدا. يجب أن تكون لنا كلمة ورأي ووجود حتى نكتب دستور يمثلنا ويشبهننا ويحافظ على مكتسبات المرأة، دستور يطمح للمزيد من الحقوق والمكتسبات في شأن المرأة والأسرة عموما. ومن جهة كل ما يهم هذا القطاع أيضا نحتاج إلى تطوير والى إعادة هذه المؤسسة حتى تكون بالفعل في خدمة الشعب. ● هل تشكل لكم التجربة المغربية مصدر إلهام ؟ ❍ أكيد. فكل التجارب الناجحة هي مصدر إلهام واستفادة. مقاربة النوع الاجتماعي مثلا قطعتم فيها أشواطا كبيرة. في تونس لا زلنا في مستوى المفهوم، بل المفهوم في حد ذاته غير واضح لدى العديد من المثقفين. الحياة السياسية والجمعوية بالمغرب، لم تضرب كما ضربت في تونس، التي كان بها موات سياسي وركود على جميع المستويات وكان العمل الجمعياتي مسموح به بشرط أن يخدم النظام البائد. في الوقت الذي كان بالمغرب تنظيمات وكانت معارضة وتقدم بأشواط في هذا المجال، بل وحقق أقدارا من النجاح وتجربة ثرية يجب أن نستفيد منها في كل المجالات منها المرأة والأسرة وكذا في الجانب السياسي. وحقيقة أرى أن المغرب الآن على المستوى الاقتصادي وفي العديد من المجالات يحقق تقدما ملحوظا في وقت قصير. وهذا يجب أيضا أن نستفيد منه. ولعل في تطوير علاقاتنا ببعضنا البعض، ولو نجح مشروع المغرب المغربي لقوى أكثر هذا التقدم السياسي والاقتصادي الذي تشهده المنطقة العربية. المغرب حليف لا غنى لنا عنه. ولا يمكن أن لا تكون له المكانة التي يستحقها في منظومة المغرب العربي. نعول عليه كثيرا وعلى تجربته وعلى قدرته، وعلى مسيرته، وعلى تاريخه في العديد من المجالات. وإن شاء الله سيكون بيننا تعاون مثمر لما فيه صالح المنطقة ككل. ● هل من كلمة أخيرة ؟ ❍ ما زلت وأنا في المغرب، أحلم بدول عربية ليست بها تأشيرة للعبور، ولما لا تسهيل التداول بعملة البلدين وتقارب في الثقافة واللغة. أحلم أن نتوسع في اتجاه الانفتاح أكثر على بعضنا. هذه الحدود المقيتة التي صنعت تجاوزت أن تكون حدودا جغرافية، حتى أصبحت ثقافية وسياسية. ونحب أن نكسر هذه الحدود التي صنعتها الأنظمة المتخلية البائدة. من أجل رقعة ترابية عربية واحدة. ولدي ثقة كبيرة بتحقيق هذا مع بعضنا البعض.