سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
مولاي المصطفى الهند، أستاذ بجامعة الحسن الثاني بالمحمدية ورئيس مجموعة البحث في تجديد الفكر الإسلامي وحوار الحضارات : “الصرع" و"المس" علاجهما في طب الدماغ والطب النفسي
اعتبر مولاي المصطفى الهند رئيس مجموعة البحث في تجديد الفكر الإسلامي وحوار الحضارات بكلية الآداب والعلوم الانسانية بالمحمدية، أن قضية مس الجن للإنس وتأثر الإنس بصرعات الجن وتهجماته قضية مهمة للغاية، لأن الإنسان آية فارقة في الكون برمته، وهو كائن عجيب وغريب، وتبارك الله العظيم الذي خلق فسوى. ولهذا - يضيف الهند- بأن جل الباحثين الذين اشتغلوا بهذا المخلوق الفريد يؤكدون على أن ثلاثة أرباع عالمه الخاص غير معلومة، وما توصل إليه العلم ليس إلا النزر اليسير منه. ومن هنا تعتري هذا الإنسان حالات نفسية متعددة بتعدد أسبابها، منها ما هو معلوم عند أهل العلم، ومنها ما زال مجهولا. ومن ذلك قضية المس الجني التي تجمع بين عالمين: عالم غيبي يعتقد البعض أنه يتمثل في الجن وما يتعلق به، وعالم شهودي يتمثل في الإنسان الذي نراه يتخبط ويصرع ويعاني كثيرا من الناحية النفسية. وقال الباحث : “إن الربط بين العالمين السابقين غير واضح تمام الوضوح في التصور الإسلامي.. وإن شئنا قلنا إنه من المواضيع المسكوت عنها في ثقافتنا الإسلامية. ولهذا ليس غريبا أن نفسر جل حالات الصرع التي يعانيها الإنسان المسلم أن لها علاقة وطيدة بالجن. ومن هنا يكتسب هذا الموضوع أهميته". مذكرا ب “أن العلم رغم تقدمه وتطوره في عصرنا الحالي، فإنه يقف أحيانا موقف الحيرة والدهشة أمام النفس البشرية وما فيها من أسرار وآيات، وبذلك فإنه لم يستطع تفسير كل ما يصدر عنها. وليس معنى ذلك أن العلم عاجز عن ذلك، وإنما طبيعة النفس المعقدة تكوينا وفهما تحتاج إلى عامل الزمن للكشف عن بعض خصائصها ومكنوناتها من طرف العلماء الباحثين. ومن هنا فإنه من الضروري أن نعذر أجدادنا السابقين في تفسيراتهم لكثير من الأمور العجيبة التي تصدر عن النفس البشرية والتي لم يعلموا لها تفسيرا فنسبوها للجن وغيرهم! ولو كنا على عهدهم لقلنا بنفس ما قالوا..!! وقد يأتي من بعدنا من يعذرنا فيما نحن فيه الآن من علم وفهم ورأي..". وعن رفع الالتباس الكبير الذي يقع في موضوع حقيقة المس والصرع والفرق بينهما، من الزاوية المنهجية. أكد الأستاذ الجامعي بأنه خلص في كتابه" قضية المس الجني في الفكر الإسلامي بين الحقيقة والوهم" إلى أن منهج البحث العلمي يفرض توضيح الفرق في التعريف الاصطلاحي بين “الصرع" و"المس" توضيحا علميا صرفا لبيان ذلك الغموض الحاصل في التعامل بين المصطلحين، سواء على مستوى الكتابات العلمية أو على مستوى الثقافة العامة، بحيث يصبح لكل من المصطلحين دلالة خاصة به. مشيرا إلى أن البحوث العلمية الدقيقة المتخصصة في الموضوع قد فصلت بين المرضين الاثنين: مرض المس من حيث هو مرض نفسي صرف، ومرض الصرع من حيث هو مرض عضوي. ونبه العلماء في هذا الشأن إلى مجموعة من العلاقات والروابط الرفيعة التي تجمع بين المرضين. وأضاف الباحث بأنه أكد في بحثه على أنه إذا كان مرض “الصرع" العضوي يجد مكانه في مصحة طب الدماغ والأعصاب، فإن مرض “المس" الذي يمكن تسميته بالصرع النفسي يجد مكانه في مصحة الطب النفسي. وقال “من هنا فإن علماء الأمراض النفسية أطلقوا عليه اسما خاصا به وهو “الاضطراب العصبي"، أو ما يعرف عندهم كذلك ب"الهستيريا"، وهو المعروف في ثقافتنا الإسلامية ب"المس الجني". وهذه التعابير الاصطلاحية تجتمع في ملتقى واحد، ألا وهو محاولة التوافق على وصف حالة المريض المصرع صرعا نفسيا". وعاد الباحث المصطفى الهند إلى التأكيد على أن موضوع “المس الجني" في التصور الإسلامي، هو “من المواضيع الشائكة غير المرغوب في تناولها علميا بالدرس والتحليل عند العديد من علماء الأمة قديما وحديثا، الشيء الذي جعل العديد ممن يعتقد نفسه أنه يعالج الممسوس بالقرآن الكريم يترامى على هذا الموضوع ويملأ الفراغ الذي تركه أهل الاختصاص، حتى رأينا وسمعنا العجب العجاب مما يقع في العالم الإسلامي من طرف بعض الكوارث البشرية التي أساءت إلى القرآن الكريم خاصة وإلى الإسلام عامة وهي تظن أنها تحسن صنعا..". وشدد على أن عين الإشكال، أن القضية تأخذ منحى آخر حين الادعاء بعلاج المس والصرع بالقرآن الكريم واعتبار ذلك من الرقية الشرعية، لأن أمر المعالحين من الدجالين والمشعوذين والجهلة معلوم ومقدور عليه. وأكد في هذا السياق نفس ما سبق، موضحا بأنه توصل في دراسته وبحثه في هذا الموضوع إلى أن المعالج بالقرآن للمس الجني في البلاد الإسلامية يجب أن يعلم بأنه لا يعالج المريض من مس جني، وإنما يعالجه من اضطرابات نفسية. وأضاف بالقول “إن فعل القرآن الكريم في المريض وأثره في نفسه هو من قبيل فعل الإيحاء وأثره في نفس المريض. وإن الاستجابة لقراءة القرآن من طرف من “الممسوس" هي أمر طبيعي في هذه الحالة". وأشار بأن أمر الإيحاء هذا ثابت في كتاب الله العزيز بشكل واضح في ثنايا قصة يوسف عليه السلام مع امرأة العزيز التي يعرف تفاصيلها الجميع. والشاهد هو قوله تعالى: (فلما رأينه أكبرنه وقطّعن أيديهن وقلن حاش لله ما هذا بشرا إن هذا إلا ملك كريم). وقد نقل عن الإمامين مجاهد وقتادة قولهما: (قطعن أيديهن حتى ألقينها). وقع هذا كله ولم تحس أي واحدة منهن ما فعلته بيدها! ولم تعبر عن ألمها وإحساسها بما حل بها..! وتفسير ذلك حسب الباحث أن وجودهن تحت تأثير الإيحاء النفسي القوي جعلهن يفقدن الإحساس لبعض الوقت مما ألم بهن من جراح وآلام، لأن مقام الإيحاء النفسي هنا يتجاوز حدود المعقول ليحلق بنا في عالم آخر، وهذا من عجيب صنع الخالق سبحانه في الأنفس. وفي تقديره عبر الباحث بأنه آن الأوان أن نميز بين الاستخدام المشروع للقرآن الكريم في علاج أمراض النفس من قبيل الوسوسة والقلق والحيرة والنفاق والحسد والكره والأنانية وما شابه ذلك، وبين استغلاله من غير وجه حق لما يسمى بطرد الجن أو إحراقهم أو إخراجهم من بدن “الممسوس"!..