كتاب: دفاع عن الشريعة ثالثا: النصوص الصريحة القاطعة بوجوب تحكيم الشريعة يقول علال: «وإذا أردت أن تستزيد حجة على ما قلناه فأصخ سمعك لكلام الله في كتابه الكريم: }وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله{النساء:64. والطاعة كل لا يقبل التجزئة. وقال تعالى: }وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا{ الحشر:7. وهذه هي الطاعة الكاملة لأنها تشمل الامتثال للأوامر واجتناب النواهي. وقال عز من قائل: }يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول{النساء:59، وطاعة الله طاعة كتابه، وطاعة الرسول طاعة سنته. وهما شريعة الإسلام. وقال سبحانه: }اتبعوا ما أُنزل إليكم من ربكم، ولا تتبعوا من دونه أولياء. قليلًا ما تذكرون{الأعراف:3. وقال سبحانه: }فإن لم يستجيبوا لك فاعلم أنما يتبعون أهواءهم ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله{القصص: 50. واسمع لهذه الآية العظيمة: }ألَمْ تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أُنزل إليك وما أُنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالًا بعيدًا{النساء:60. أرأيت كيف غبر سبحانه بالزعم، والزعم مطية الكذب كما يقولون. فالمؤمنون بالله وبما أُنزل على محمد لا يمكنهم أن يتأخروا عن التحاكم لشريعة الإسلام، ولا يمكن أن يخطر ببالهم التحاكم إلى الطاغوت، وهو قانون الاستبداد الناشئ عن هوى الأفكار وإرادة الحكام والرؤساء والنواب الخاضعين لرأسمال أجنبي، أو لأهواء الأحزاب وقادتها. والمؤمنون لا يتأخرون عن نبذ ما أمروا بتركه، وقد أمروا أن يكفروا بالطاغوت، فكيف يُقبلون عليه وكيف يرضون التحاكم إليه؟ لا شك أن إيمانهم مجرد زعم ولا يثبت عند التحقيق. فكذلك إيمان كل من يفضل القوانين التي لا تستمد من مصادر الإسلام الأصيلة هو مجرد زعم، وهو في عداد الذين يريد الشيطان إضلالهم. والإيمان لا يتم إلا إذا كان مصحوبًا بإذعان المؤمن لحكم الله ورضاه به وعدم التقزز منه، قال تعالى: }فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجًا مما قضيت ويسلموا تسليمًا{النساء:65 ، وقال تعالى: }وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرًا أن تكون لهم الخيرة من أمرهم{الأحزاب:36. فالمؤمن الحقيقي لا يختار إلا الامتثال بعدما يصدر الحكم من القرآن أو السنة. وليس له الحق في غير ذلك. لأن إيمانه التزام منه بالسير بمقتضى الشرع وامتثاله في كل الأحوال. وقال سبحانه: }يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر{النساء:59. وأمر الله سبحانه نبيه بأن يحكم بما أُنزل إليه، قال تعالى: }إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ولا تكن للخائنين خصيمًا{النساء:105. وقال تعالى: }وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك{المائدة:49. وأعطى نفس الأمر للمؤمنين فقال سبحان: }يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط، ولا يجرمنكم شنآن قوم على أن لا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون{ المائدة:8، وقال موجها الخطاب للمؤمنين أيضًا: }يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين إن يكن غنيًا أو فقيرًا فالله أولى بهما فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا وإن تلووا أو تعرضوا فإن الله كان بما تعملون خبيرًا{النساء:135. وقد حكم على المنحرفين عن الشرع والحاكمين بغير ما أنزل الله بالكفر أو بالظلم أو بالفسق، ذلك قوله تعالى: }ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون{ المائدة:44، وقوله: }ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون{المائدة: 45، وقوله: }ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون{المائدة: 47. فهل بعد هذا يمكن لمؤمن صحيح الإيمان أن يقبل إحلال قوانين وضعية محل القوانين الشرعية، ويرضى بالجاهلية نظامًا ويتخلى عن المعرفة الحق سبيلًا؟ }أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكمًا لقوم يوقنون{المائدة: 50. إن أمة أكرمها الله بنزول القرآن على نبيها وفيه من ضروب الحكم والمعرفة وفنون التشريع ما لم يكن ليصل إليه بشر أو يدركه نظر ثم تلتفت إلى غيره أو تزعم الرشد في سواه لهي أمة مغبونة مخذولة. رابعا: التشريع مرآة للمجتمع وقِيَمِه فالذين ينساقون وراء التشريعات الغربية ويستسلمون لها ويفرضونها على شعوبهم، إنما يجهلون أو يتجاهلون أن القوانين لا بد أن تكون مرآة لثقافة المجتمع وعقيدته وأخلاقه، وأن هذا هو الذي يعطيها القبول والاحترام والتجاوب الطوعي لدى الشعوب. وأما استيراد قوانين وقيم أجنبية عن الشعوب، ثم فرضُها عليها بِغَثِّها وسمينها وخيرها وشرها، فليس سوى ضرب من ضروب العسف والمسخ. يقول علال: «وأما القانون فإن المسخ فيه يتجلى واضحًا ، إذ يحكم على عادات محترمة بأنها سيئة والعكس، ويراد أن يمتثل المواطنون طاعة قوانين لا يشعرون بحرمتها ولا يدخلون في حظيرتها، وربما تنقل جرائم لا وجود لها في الأرض المنقولة إليها، لمجرد أنها منصوص عليها في القانون المقتبس. وإذا كانت الأخلاق تختلف في تفاصيلها باختلاف الفلسفات والتقاليد، فقد تحول الأخلاق الفاضلة إلى سيئة وبالعكس، كإباحة الخمر وتنظيم الفجور بالنسبة لبلاد المسلمين. فماذا يضيرنا لو انتبهنا إلى هذا الخطر الذي أحدق بنا، وعدنا إلى قلوبنا نستفتيها، وإلى عقولنا نستظهر بها، ثم نظرنا في عقيدتنا وشريعتنا واتخذنا منهما المقياس الذي نقيس عليه ما أخذناه من الغرب وما اقتبسناه من رجاله، فما وافق منه مبادئنا قبلناه وهضمناه، كما هضم أسلافنا ما أخذوه من قبل، وما خالفها لفظناه ورفضناه كما فعل أجدادنا كذلك.