بعد أن أخبرني الملك محمد الخامس أنه يعمل على إطلاق سراح كافة المعتقلين المغاربة في سجون الاستعمار، وبشرني لدى لقائه بالقصر الملكي بالرباط، أن رفيقي المعتقلين بسجن عين قادوس بفاس سيطلق سراحهم في حدود عشرة أيام القادمة، خرجت مسرورا وهاتفت على التو المجاهد والعالم المرحوم السيد عبد الواحد العراقي رحمه الله بفاس، فأمرني أن أذهب إلى مقر الإذاعة وأسأل الأستاذ حجي أن يزف الخبر في الإذاعة. وما إن وصلت إلى الحياينة حتى وجدت أن الخبر شاع بين الناس وسبقني إليهم، ولما رآني ابي رحمه الله استقبلني استقبال الأبطال وقال لي: في الحقيقية أنا ولدت رجلا. ولم تمضي إلا إثني عشر يوما حتى أطلق سراح رفيقي بوشتى بن الطاهر الميداوي وعلي بن امحند علي الميداوي، فنظمنا لهما استقبالا وحفلا كبيرا في القبيلة. كان يدرس معنا (أنا وعلي بن امحند علي الميداوي) بجامعة القرويين خائن ثاني، قرر في أواخر سنة 1953، أن يذهب إلى الحج راجلا رفقة الحاج عبد السلام بن حماد، وكان هذا الخائن قويا وسيما وذكيا، وعند وصوله إلى القاهرة اتصل بالأمير محمد بن عبد الكريم الخطابي الذي خاطبه قائلا «أنت في عنفوان شبابك ولذلك سأوجهك التوجيه الصحيح»، اقترح عليه الذهاب إلى العراق من أجل متابعة الدراسة والتكوين في جيش تحرير المغرب العربي. تكون هذا الخائن في العراق قرابة السنة، وكانت المقاومة آنذاك على أشدها في المغرب، فأمره عبد الكريم الخطابي أن يعمل في جيش التحرير وزوده بمعلومات كثيرة خاصة عن عباس المسعدي، وطلب منه أن يتواصل معه بمجرد وصوله إلى المغرب كي يحدد له موقعه، وفي ذلك الحين اتصلت المخابرات الفرنسية بهذا الخائن ومنحته –كما صرح لأقربائه فيما بعد- أربعة ملايين فرنك فرنسي لكي يتعاون معهم في الإطاحة برجال المقاومة، علما أن جده من أمه كان بدوره خائنا يتعاون مع الفرنسيين في بداية الاستعمار.وأثناء دخول الخائن إلى أرض الوطن، اتصل بشيخ صوفي بفاس الذي بدوره عميلا للفرنسيين، -كان المستعمر يرمي ليلا من الطائرة زليجا مكتوب عليه «لا إله إلا الله، فلان ولي الله» على مدينة فاس وبعض المناطق البدوية المجاورة حتى يمجده الناس- وأرسله إلى رجل يسكن بدرب الميترو قرب واندو ومدرسة البنات في باب الخوخة، زوجه هذا الأخير بابنته وأسكنه في منزله حتى يسهل عليه ممارسة مهمته في التجسس، واشترى سيارة ضخمة من نوع «شيفرولي» ينتقل بها داخل فاس وخارجها، وحاول أن يوهمنا أنه من رجال المقاومة، لكن مع مرور الوقت، بدأ يتبين لنا عكس ما يدعي.. كان الخائن لا يفارق سيارته الفخمة، بل استبدل السيارة الأولى بأخرى أفخم منها بعد أسبوعين فقط، وكان يتصل بأبرز رجال المقاومة، وكنت أزوره في بيته رفقة المرحوم بوشتى بن الطاهر الميداوي وعلي بن امحند بن علي الميداوي والمرحوم أحمد بن الطاهر الميداوي، وذات يوم بينما كنا نجلس في منزله أحسسنا أن شخصا يجلس في غرفة لوحده، فأخبرنا أنها امرأة مخبأة كي لا نراها.. لكن بعد خروجه لإحضار الفواكه أثناء وقت الغذاء، ورغم طلبه منا بعدم التحرك في أرجاء المنزل بدعوى وجود نساء، لم نصغ لكلامه وإذا بنا نكتشف أن الشخص الذي في الغرفة ليست امرأة وإنما شاب وسيم يجلس متكئا ويضع يده تحت خذه.. الحلقة القادمة: إحباط محاولة تصفية أحد رموز المقاومة